"تبعات خطيرة".. هكذا تحاول إسرائيل حماية جنودها من تهديدات وسائل التواصل
تتبعت "مؤسسة هند رجب" الحقوقية جنودا سابقين في الجيش الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي
حذر موقع أميركي من أن صورة جندي إسرائيلي خلال عطلة عائلية في قبرص قد تبدو عادية، لكنها تتحول إلى أداة لتحديد موقعه، وسلاح محتمل في يد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وغيرها.
وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي: "في عالمنا اليوم، حيث يمكن لأي شخص الوصول إلى الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلها، تصبح مشاركة الجنود لتفاصيل خدمتهم مسألة لها تبعات خطيرة".
بصمات رقمية
وأضاف الموقع، في تقرير له، أن "جيوش العالم، بما فيها الجيشان الإسرائيلي والأميركي، بدأت في مواجهة التحديات الأمنية الجديدة التي يمكن أن تفرضها صورة واحدة أو منشور يبدو بريئا".
وأوضح أنه "رغم القواعد الصارمة التي تفرضها الجيوش، يشارك العديد من الجنود تفاصيل خدمتهم، خاصة في عصر الأخبار الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي".
"هذه الرغبة في التفاخر تعرّض للخطر، ليس فقط سلامة الجندي الذي ينشر الصور، بل أيضا زملاؤه وأُسَرهم".
وأشار إلى أن "البصمات الرقمية -من صور السيلفي بالزي العسكري إلى اللقطات من ساحة المعركة- يمكن أن تقع في أيدي الخصوم".
وهنا، لا تقتصر العواقب على الخطر الجسدي الفوري المحتمل، بل تمتد إلى التبعات القانونية، كما في حالة المسؤولين الإسرائيليين الذين واجهوا اتهامات بارتكاب جرائم حرب من المحكمة الجنائية الدولية، وفق التقرير.
وأضاف الموقع أن "في هذا السياق، يمكن لعناصر حماس أو مجموعات معادية أخرى استغلال المعلومات المتاحة عبر المصادر المفتوحة لتحديد الجنود واستهدافهم، وقد تصل الأمور إلى اعتقالهم إذا سافروا إلى الخارج".
وأفاد بأن "إسرائيل تجرعت مرارة هذه الأساليب بشكل مباشر، وهناك أمثلة حديثة توضح كيف يمكن لمشاركة الصور والمنشورات على الإنترنت أن تعرض الجنود لمخاطر كبيرة، تشمل الملاحقة القانونية والمضايقات الشخصية".
فقد تتبعت "مؤسسة هند رجب" الحقوقية جنودا سابقين في الجيش الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعم شكاوى قانونية، في دول مثل الأرجنتين وتشيلي والبرازيل وتايلاند، متهمة إياهم بارتكاب جرائم حرب خلال حرب غزة.
على سبيل المثال، أدت منشورات على وسائل التواصل وبيانات تحديد المواقع الجغرافية إلى دعاوى قضائية ضد الجندي سار هيرشورين، الذي دفعت رحلاته في أميركا الجنوبية إلى اتخاذ إجراءات قانونية في كل من الأرجنتين وتشيلي.
وبالمثل، فإن الجندي الإسرائيلي، يوفال فجداني، الذي كان يقضي إجازته في البرازيل، فر منها أولا إلى الأرجنتين ثم إلى إسرائيل عبر الولايات المتحدة، بعد أن استُخدمت ضده أدلة من وسائل التواصل الاجتماعي لبدء تحقيق في جرائم الحرب.
وبحسب التقرير، فقد استغلت المؤسسة محتوى الجنود عبر الإنترنت لتقديم شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، مستهدفة وحدات عسكرية بأكملها، بجرائم مثل تدمير البنية التحتية المدنية.
هذه الحالات -وفق الموقع- تبرز كيف يمكن للنشاط الرقمي العام أن يتحول إلى سلاح لمحاسبة الجنود قانونيا، مما يسلط الضوء على الآثار الأوسع للظهور الرقمي للعسكريين.
تعقب مجرمي الحرب
ويقول "ذا ميديا لاين" إنه كان من أول المنصات التي تحدثت إلى جنود تعرضوا للملاحقة عبر الإنترنت، من قِبل مواقع تابعة لحماس، تجمع معلوماتهم الشخصية وتعيد نشرها.
وقد ظهرت مشاهد الجنود الذين يلتقطون صور السيلفي بينما تحترق المباني خلفهم في قلب غزة، أو أثناء دخولهم إلى منازل خاصة، كدليل دامغ في نظر أولئك الذين يسعون إلى وصم القوات الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب.
في إحدى الحوادث، اكتشف جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي نشَر صورا له عبر الإنترنت، أن قناة "تليغرام" تحمل اسم (Israel Genocide Tracker) "متعقب الإبادة الإسرائيلية"، نقلتها ونشرتها لديها.
حينها، سارع الجندي إلى تغيير إعدادات الخصوصية حتى لا يتمكن أي حساب مجهول من الوصول إلى صوره.
كما اعترف هذا الجندي بحقيقة جديدة قاتمة -وفق وصف الموقع- حيث قال: "أعتقد أن السفر إلى أوروبا قد لا يكون فكرة جيدة في أي وقت قريب".
وأوضح أن الجنود تلقوا تعليمات في بداية الحرب بعدم نشر الصور في الوقت الفعلي لالتقاطها، بل يمكنهم مشاركتها لاحقا، بشرط ألا يكون الموقع واضحا.
كما قال، "بالرغم من أن هذا ممنوع، فإن الجيش يعرف أنه لا توجد طريقة عملية لمنع حدوث ذلك".
جندي آخر في الجيش الإسرائيلي أشار إلى صعوبة تطبيق هذه التعليمات قائلا: "ربما طُلب منا ألا ننشر شيئا، لكن ضباطنا القادة أنفسهم كانوا يلتقطون الصور معنا".
هذا التباين بين السياسة الرسمية والسلوك الفردي يقوّض الإجراءات الأمنية، ويسلط الضوء على مدى سهولة انتهاك المبادئ التوجيهية التشغيلية، وفق التقرير.
وأضاف الموقع أن "جزءا من الخطر يكمن في الحجم الهائل والتعقيد المتزايد للمراقبة الإلكترونية، فعلى سبيل المثال، تقول قناة "ميدل إيست سبيكتيتور" (Middle East Spectator) على تليغرام، إنها جمعت أسماء ومعلومات اتصال عن 35 ألف جندي إسرائيلي وعميل استخبارات في الموساد".
"هذه الكميات الضخمة من البيانات تمكّن الجهات المعادية من تحديد مواقع أهدافها، مع احتمال تطبيق الولاية القضائية العالمية لملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب".
وأفاد بأن "هذه ليست مشكلة خاصة بإسرائيل وحدها، إذ تواجه الولايات المتحدة ودول أخرى تحديات مماثلة، ما يضطر جيوشها إلى تبني سياسات مضادة، وتثقيف أفراد الخدمة حول مخاطر المنشورات غير الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي".
ويُسمح للأفراد العسكريين الأميركيين بمشاركة صورهم وهم يرتدون الزي العسكري وجوانب من واجباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، شريطة أن يتبعوا المبادئ التوجيهية.
ويؤكد البنتاغون على تجنب نشر تفاصيل حساسة حول عمليات الانتشار وتحركات القوات وغيرها من العمليات السرية.
تدابير صارمة
أحد التدابير القانونية المتخذة في الولايات المتحدة لحماية المعلومات الشخصية للموظفين العموميين هو "قانون دانيال"، الذي صدر في نيوجيرسي في عام 2020.
ويحمي القانون القضاة والمدعين العامين وضباط إنفاذ القانون وأسرهم، من خلال حظر الكشف عن عناوين منازلهم وغيرها من التفاصيل الحساسة.
وما يجعل هذا التهديد أكثر خطرا -وفق التقرير- هو الانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للخوارزميات المتقدمة تحليل مليارات الصور وربط النقاط عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ولقطات المراقبة، وغيرها من المصادر عبر الإنترنت.
وقال: "يتعين على البلدان وقواتها المسلحة مواجهة هذه التحديات بشكل مباشر، فالخصوم الأكثر تطورا يستلزمون قواعد أكثر صرامة".
وتدرس الولايات المتحدة تدابير أمنية تشغيلية أكثر صرامة، وقد تضطر القوات القتالية الأميركية المتجهة إلى مناطق الحرب إلى ترك الأجهزة الشخصية وراءها، حيث يمكن أن تصبح الأجهزة الإلكترونية الشخصية عبئا.
وقد بدأ كبار القادة الأميركيين في إصدار أوامر بحظر الهواتف المحمولة الشخصية والحواسيب المحمولة وغيرها من الأجهزة، أثناء الانتشار العسكري.
ويرجع ذلك إلى أن "روسيا والصين وإيران وغيرها من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أصبحت أكثر مهارة في حصد المعلومات الاستخباراتية عبر الإنترنت من فتات الخبز الرقمية التي تتركها القوات وراءها عن غير قصد".
وبحسب التقرير، فإن النهج الإسرائيلي، مثل النهج الأميركي، ينطوي على تثقيف القوات حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.
واستدرك: "لكن كما يتضح من الحرب الحالية في غزة، حيث استغل أعضاء حماس بصمات الجنود على الإنترنت، فإن الخط الفاصل بين السياسة الرسمية والممارسة الفعلية يظل غير واضح".
وأضاف أن "التدريب والتدابير التأديبية الصارمة ضرورية، ولكنها ليست كافية دائما، وهناك حاجة أيضا إلى التدابير المضادة التكنولوجية، وتحسين التشفير، وأنظمة المراسلة الداخلية الآمنة".
وختم بالتشديد على أن "المخاطر في ساحة المعركة الرقمية هذه عالية، وهامش الخطأ ضئيل للغاية".