داخليا وخارجيا.. كيف أدت حرب غزة إلى خسائر إستراتيجية تستنزف إسرائيل؟

منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من زعم معهد عبري، تحقيق إسرائيل "بعض المكاسب الميدانية" خلال عام 2024، فقد جاءت هذه النتائج بـ "تكلفة باهظة" داخليا وخارجيا.

هذا ما خلص إليه تقييم لمعهد "ميتفيم" الإسرائيلي بعد عام وأكثر من 3 شهور على بدء حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى وما تبعها من مواجهات على عدة جبهات.

ويقول المعهد إن تلك المكاسب المزعومة "أتت على حساب تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتوتر العلاقات مع المجتمع الدولي، وإلحاق الضرر بصورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تسعى إلى السلام وتلتزم بحماية الحقوق الفردية"، وفق زعمه.

في المقابل، رأى المعهد أن رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، القيادي الراحل يحيى السنوار نجح في "إحداث تغييرات دائمة وعميقة وبعيدة في الشرق الأوسط".

واستعرض مظاهر الفشل الإسرائيلي في عدة ملفات داخلية وخارجية، مشددا على أن إسرائيل تعيش "مأساة عميقة".

قدرة الردع

وادعى المعهد أن إسرائيل "نجحت بعد مرور عام على بداية حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، في استعادة قدرة الردع".

وعزا ذلك إلى الخسائر التي تكبدها أعضاء محور المقاومة، إذ زعم أنه جرى "القضاء على كامل مستويات القيادة في حزب الله وحماس، مما أثبت أن إسرائيل  متفوقة عسكريا وتكنولوجيا على أعدائها".

وزعم أن إسرائيل استفادت بشكل غير مباشر مما حدث في سوريا من "تطور غير متوقع، في إشارة إلى سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 على أيدي الثوار.

"فقد أدى انهيار نظام الأسد إلى خروج دمشق من محور الممانعة، الأمر الذي أسفر عن إزالة الوجود العسكري الإيراني من على حدود إسرائيل، وإغلاق الممر الذي كانت إيران تزود من خلاله حزب الله في لبنان بالأسلحة والذخيرة".

ورأى أن "سقوط الأسد كشف عن ضعف روسيا وإيران وحزب الله، حيث لم يتمكنوا من منع الإطاحة به، على الرغم من أهمية سوريا الجيوسياسية بالنسبة لهم".

ومع ذلك، يخشى المعهد من أن سوريا الآن "تخضع لسيطرة فصائل إسلامية متطرفة مدعومة من تركيا"، على حد وصفه.

في الوقت ذاته، رأى أنه "من السابق لأوانه تقييم طبيعة النظام السوري الجديد بالكامل، كما أن التحول الإيجابي المتمثل بخروج إيران وحزب الله من سوريا، خفف من حدة المخاوف بشأن حكام دمشق الجدد".

ويعتقد المعهد أن "معسكر الدول المعتدلة التي وقعت اتفاقيات سلام و/أو تطبيع مع إسرائيل، إلى جانب المملكة العربية السعودية، نجح في الحفاظ على تماسكه، حتى لو كان الكثير من النشاط يجري خلف الكواليس".

وأردف: "لقد كان التعاون بين هذه الدول واضحا وعلنيا، أثناء الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل (في أبريل/نيسان، وأكتوبر من عام 2024)".

وأشار إلى أنه "باستثناء الأردن، لم تسحب أي من هذه الدول سفراءها من إسرائيل، أو تقطع العلاقات الدبلوماسية معها".

وعلاوة على ذلك، رجح المعهد أن "احتمال التطبيع مع السعودية لا يزال مطروحا على الطاولة، رغم أن السعوديين يطالبون الآن بثمن أعلى لمثل هذه الاتفاقية".

فشل وانقسام

مع ذلك، أقر أنه "برغم هذه الإنجازات، فشلت إسرائيل حتى الآن بالتعامل مع قضية الرهائن في غزة"، حيث تحتجز حماس نحو 100 إسرائيلي قتل بعضهم بالغارات الجوية.

وأضاف: "كان من المتوقع أن تكون الهزيمة العسكرية التي لحقت بحماس، هي الورقة التفاوضية الرئيسة بيد إسرائيل، ولكن الإصرار على عدم إنهاء الحرب في غزة مدفوع بتقديرات سياسية وليس عملياتية".

وتابع: "هذا يمثل فشلا أخلاقيا، يتناقض بشكل صارخ مع القيم الأساسية لليهودية والإنسانية بشكل عام"، وفق تعبيره.

واستعرض المعهد أمثلة عديدة أخرى، أدت إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي.

ومن بينها “التأخير في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن (في غزة)، والمعاملة المهينة التي تعرضت لها عائلاتهم من الوزراء وأعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)”.

بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لتمرير ما يُعرف بـ"الثورة القضائية" التي تصفها المعارضة بـ"الانقلاب".

وكذلك مماطلة القادة الإسرائيليين في إيجاد حلول لتجنيد الحريديم (المتدينين المتشددين) في الخدمة العسكرية.

وبجانب هذه الإخفاقات، تزايدت الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، بما في ذلك خطاب الكراهية ومعاداة السامية، وخاصة فيما يتصل بسياساتها تجاه الفلسطينيين، فقد اتُهمت تل أبيب بارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين في غزة.

 كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، "وهذا ليس سوى غيض من فيض".

وادعى أن "هذه الاتهامات دوافعها سياسية، لكن هناك آراء منقسمة حول الأمر، نظرا لعدم وجود معلومات موثوقة في وسائل الإعلام الإسرائيلية".

وأكمل: "الحرب هي استمرار للدبلوماسية بوسائل أخرى، كما يشير الاقتباس الشهير للإستراتيجي  كارل فون كلاوزفيتز".

واسترسل: "في الوضع الحالي، كان أحد الإخفاقات المهمة هو عدم القدرة على ترجمة النجاحات العسكرية إلى إنجازات دبلوماسية"، وفق وصفه.

وادعى أن "وقف إطلاق النار مع لبنان، والذي يتضمن إبعاد مقاتلي حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، ونشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني في المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود (الفلسطينية المحتلة)؛ قد يُعد نجاحا".

لكنه شكك في "ما إذا كان هذا الإنجاز مستداما، على النقيض من نتائج حرب لبنان الثانية في عام 2006".

التطبيع والتغييرات

وعلى النقيض من الوضع في لبنان، رأى المعهد أن الحل الدبلوماسي لما أسماه المشكلة الفلسطينية يعد "احتمالا بعيدا".

وأشار إلى أن "المعارضة (الإسرائيلية) لاستمرار سيطرة حماس على غزة مبررة، ولكن مقاومة عودة السلطة الفلسطينية المتطورة أو أي قيادة محلية أخرى معترف بها وشرعية ليست مبررة".

وحذر من أن "الفراغ الناجم عن غياب الحكم، يشكل دعوة مفتوحة للفوضى أو لحماس للتشبث بالسلطة بشكل يائس، وفي كل الأحوال فإن الإبقاء على الجمود الحالي يشكل وصفة للفشل".

وإقليميا، يدعو المعهد إلى "تحقيق هدف دبلوماسي رئيس عبر التطبيع مع السعودية، حيث أعربت بجانب الولايات المتحدة عن اهتمامهما بمثل هذا الاتفاق لكنهما ينتظران وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".

وتدور القضية المركزية حول مطالب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقابل التطبيع مع إسرائيل، وفق المعهد الإسرائيلي.

وتساءل المعهد حول "ما إذا كان الموقف السعودي الحالي، الذي يصر على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، منفتحا على المفاوضات".

وتابع: "بغض النظر عن هذا، فمن المرجح أن تضطر أي حكومة إسرائيلية تسعى للتطبيع إلى تقديم تنازلات فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، وإن كان الثمن الدقيق لا يزال غير مؤكد".

على مستوى المقاومة الفلسطينية، رأى المعهد أن قائد حماس السابق يحيى السنوار أحدث عبر إطلاقه هجوم السابع من أكتوبر "تغييرات عميقة وبعيدة المدى في الشرق الأوسط، لم يكن يتوقعها".

وأقر بأن العالم "سيتذكر نجاح السنوار في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية والإقليمية".

وجدد المعهد تأكيده على ضرورة ترجمة ما زعم أنها “نجاحات عسكرية” حققتها إسرائيل إلى إنجازات دبلوماسية.

ويرى أن الحرب "فتحت الباب أمام فرصة فريدة لإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية، ولكن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب زعامة قوية".

وأشار إلى أن "التحدي هنا، هو أن مثل هذه الزعامات غير موجودة في أي من جانبي الصراع بالوقت الحاضر".

واختتم قائلا: "بعد كارثة السابع من أكتوبر، فإن الفشل في اغتنام هذه الفرص الجديدة من شأنه أن يرقى إلى أن يكون بمثابة مأساة كبيرة أخرى".