مع تلاشي الهلال الشيعي.. هل ينطلق "القوس السني" في الشرق الأوسط؟

يوسف العلي | منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

في ظل التطورات العاصفة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ونتج عنها كسر ما يعرف بـ"الهلال الشيعي"، بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، تُطرح سيناريوهات بشأن التحالفات أو المحاور المحتمل تشكلها، ومن أبرزها الحديث عن "قوس سني".

"الهلال الشيعي" مصطلح أطلقه عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، خلال مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" عام 2004، في سياق تحذيره من تشكيل حكومة موالية لإيران في العراق، بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، والإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين.

وقصد العاهل الأردني في حينها، تشكيل تحالف في المنطقة على أساس طائفي شيعي، يربط إيران والعراق وسوريا ولبنان، والذي أصبح أمرا واقعا منذ ذلك الحين، لكن هذه الدول كانت تطلق عليه اسم "محور المقاومة والممانعة" للولايات المتحدة وإسرائيل.

تحوّل إستراتيجي

وعلى وقع الأحداث السورية، شكّل إرسالُ الأردن المُعلن ثلاثة من أهم رجالاته إلى تركيا، “خبرا غير تقليدي عن الدبلوماسية الأردنية، وتعاملاتها المألوفة مع التطورات الإقليمية.

الحديث هنا بالتحديد عن سوريا الجديدة”، حسب تقرير موقع "بي بي سي" في 6 يناير/ كانون الثاني 2025؛ حيث التقى وفد أردني رفيع المستوى، ضمَّ نائب رئيس الوزراء- وزير الخارجية أيمن الصفدي، وقائد الجيش اللواء الركن يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، بنظرائهم الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان.

وفي اليوم التالي زار وفدٌ سوري العاصمة الأردنية عمّان، ضمَّ وزراء: الخارجية أسعد الشيباني، والدفاع مرهف أبو قصرة، والكهرباء عمر شقروق، والنفط والثروة الطبيعية غياث دياب، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب.

وحسب تقرير "بي بي سي"، فإن "عمّان وأنقرة واجهتا كثيرا من الأزمات التي خلّفتها الأزمة السورية، مثل أمن الجغرافيا وتهديدات الجماعات المسلحة، وتهريب المخدرات والسلاح، واستقبال اللاجئين الفارين من الحرب".

وبينما يُشكِّل الخوف من تجدد فوضى الدولة هاجسا لجارتي سوريا (تركيا والأردن)، فإن الفرص اللائحة في الأفق إذا ما استقرت سوريا، تُمثّل انفراجة مهمة على جميع الصُعد السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وفق التقرير.

ونقل التقرير عن المحلل السياسي وعضو حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، يوسف كاتب أوغلو، أنَّ "الأردن دولة مهمة إستراتيجيا لتركيا في تحقيق أمن واستقرار المنطقة، لذا تهتم بالتعاون معها في منع أي استهداف أو عبث محتمل في الداخل الأردني بالتزامن مع التحولات في المنطقة".

لكن العلاقات الأردنية التركية وإن حملت الكثير من التقارب سابقا، لكنها تأخذ منحى آخر هذه المرة وتحولا إستراتيجيا طويل المدى، وفق كاتب أوغلو، الذي أكد أن "هناك أحلافا تتشكل اليوم، وتضم تركيا والأردن من جهة، وإسرائيل وقوى إقليمية من جهة ثانية، وإيران وما تبقى من حلفائها  كجهة ثالثة".

وتُمثل تركيا البوابة الشمالية لسوريا، فيما تمتد معظم واجهة الأخيرة الجنوبية مع دولة الأردن، وهما خطّان حدوديان طالما شكّلا هاجسا لكلتا الدولتين بسبب إفرازات الفوضى الأمنية وتوالد الجماعات المسلحة والنزاعات الدامية داخل الأراضي السورية.

وعلى خلاف التأييد التركي للإدارة السورية الجديدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن الأردن أبدى توجسا في بداية الأمر، لكن ذلك لم يدم طويلا، بعد زيارة أجراها وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى دمشق في 23 من الشهر ذاته، ولقائه مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.

"قوس سُني"

تحركات الأردن تجاه تركيا وسوريا، قرأها الكاتب الأردني بسام بدارين، بأنها ملامح تحالف جديد " يتشكل في منطقة الشرق الأوسط والذي أطلق عليه تسمية "القوس السني"، وذلك مع زوال “الهلال الشيعي”، الذي بدأت تتلاشى ملامحه مع سقوط نظام بشار الأسد.

وقال بدارين خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 6 يناير/كانون الثاني 2025، إن "طبيعة وتركيبة الوفد الأردني الذي تقرر أن يزور تركيا في مهمة استكشافية عميقة لديها ارتباط مرجح بسلسلة ملفات، لكن أهمها الملف السوري، تدل على أهمية استثنائية لتلك الزيارة".

ورأى بدارين أن الزيارة هي بمثابة “رسالة” لأن الأردن فيما يبدو قرر مخاطبة المؤسسة التركية ذاتها بدلا من التحدث عنها مع دول عربية شقيقة أو عبر الوكلاء القادمين الجدد في دمشق أو حتى عبر الأذرع الدبلوماسية فقط".

وتابع: “لا يمكن معرفة المضامين الخاصة بأجندة زيارة الوفد الثلاثي الأردني إلى تركيا، لكن يمكن القول إن وفدا نوعيا من هذا الطراز لديه تفويضات أوسع وأشمل في تمثيل مصالح الرؤية الأردنية، ليس فقط ضمن السياق السوري، بل أيضا ضمن فهم طبيعة العلاقات مع تركيا”.

ولفت بدارين إلى أن الأردن رفض عمليا وتصدى لـ"الهلال الشيعي"، لكن اليوم يتشكل "القوس السني" قرب خاصرته الشمالية وبدور قيادي لتركيا، لافتا إلى أن "سوء التفاهم في الماضي عليه أن يخضع لتجربة جديدة، وحوار المصالح يمكن أن يبدأ، كما يرغب الطرفان".

وخلص الكاتب الأردني إلى أن "عمان وأنقرة تتعارضان في الاتجاه والإستراتيجية، لكن التعايش والتكيف بينهما حتمي الآن، على أن يلتزم الطرف التركي بما لا يمس بمصالح الدولة الأردنية".

ومنذ أواخر 2010، تباينت العلاقة بين الأردن وتركيا؛ فخلافا لعمّان التي وقفت ضد ثورات الربيع العربي، فإن أنقرة أيدتها ودعمت الحكومات التي جاءت بعد الإطاحة بأنظمة مصر وتونس وليبيا، إضافة إلى دعمها للثورة السورية لحظة انطلاقها عام 2011 وحتى انتصارها في 2014.

وذلك قبل أن تنشب ثورات مضادة لحكومات الربيع العربي في البلدان ذاتها، بدعم غربي ومن بعض الدول العربية ومنها الأردن، على خلاف موقف تركيا التي رفضتها، وبقيت مدة طويلة على غير وفاق مع ما نتج عنها، لا سيما في مصر بقيادة رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.

نقطة ارتكاز

وفي المقابل، رأى الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عيّاد، أن "الأردن يحاول الاستفادة قدر الإمكان من هذه التحولات، وأن يكون نقطة ارتكاز لتحركات الدول تجاه سوريا، خاصة التي تواجه مشكلة في التعامل مع الإدارة الجديدة".

وأضاف عيّاد لـ"الاستقلال" أن "الأردن ذاته يعاني من إشكالية في القدرة على التعاطي من الإدارة الجديدة، ويلجأ في بعض الحالات إلى تركيا حتى يستطيع التأثير على مسار الأحداث بشكل أكثر فاعلية في سوريا، منه باتجاه أن ينشئ محور مع الأتراك".

ورأى الخبير السياسي أن "التحرك الأردني باتجاه تركيا هو من أجل الحد من المخاطر الناجمة عن التحول في سوريا، ومحاولة فتح قنوات أكثر فاعلية مع الجانب السوري".

واستبعد عيّاد أن يذهب الأردن باتجاه إنشاء تحالف أول محور سني (أردني تركي سوري)؛ وذلك بسبب علاقاته القوية مع الولايات المتحدة الأميركية، وحساباته المعقدة مع الجانب الإسرائيلي الناجمة عن اتفاقية السلام، ومراعاته للجانب المصري شديد التحفظ تجاه التحولات في سوريا.

وبيّن الكاتب الأردني أن "الأردن يرغب في الوقت ذاته في تجنب الكثير في العلاقات مع الجانب السوري؛ لذلك ينفتح من خلال تركيا ويحاول إنشاء علاقات مع الإدارة السورية الجديدة من خلال أنقرة، التي تعد الطرف المؤثر في هذه المعادلة كما هو واضح". 

ومن جهة أخرى، رأى عيّاد أن "إيران لاتزال حاضرة في المنطقة، وإن كانت تتخذ موقفا دفاعيا وتعد نفسها إلى مرحلة من التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بخصوص الملف النووي، والتعاطي مع الاستحقاقات السياسية والأمنية المترتبة على المرحلة المقبلة".

وحسب عيّاد، فإن "إيران لم تخرج من كونها لاعبا مؤثرا في المنطقة، خصوصا أنه مازال هناك (محور المقاومة) يعمل في اليمن وفلسطين ولم يغب عن الساحة، وهو حاضر حتى اليوم".

وتابع: "أما باقي المحاور التي تقابل محور (المقاومة) فتعاني من السيولة نتيجة التبدلات في سوريا، وأن الموقف في الإدارة السورية الجديدة لم يُحسم في أي اتجاه ستكون، وإن كان أولوياتها توحيد البلاد وتحقيق الاستقرار وتوقير الخدمات لمواطنيها وتحقيق انطلاقة اقتصادية".

وعن مدى انعكاس ما يحصل على بيروت وبغداد، رأى عيّاد أن "لبنان يواجه ضغوطا متزايدة نتيجة التحولات في المنطقة، لكن ليس نتيجة لتشكل محور سني، لأنها تأتي من محاور تقليدية تمثلها السعودية وأميركا، وأن دور تركيا الذي يمارس على الجانب الإيراني، محدود".

أما الحال في العراق، يؤكد عيّاد أنه "مختلف تماما، فهناك نقاط تقاطع بين تركيا وإيران، ونقاط تنافر كذلك، إضافة إلى وجود مجال للتعاون بين أنقرة وبغداد، وأيضا مجال للتصارع، وأن الأمور لم تحسم باتجاه معين".

وأردف: "هناك قدر كبير من الحذر والتوجس في العلاقة بين العراق وسوريا في ظل الإدارة السورية الجديدة، وليس من الوارد أن يؤثر ذلك على العلاقات الأردنية - العراقية".

 وفي 19 يناير/ كانون الثاني 2023، تنبأت صحيفة "لوموند" الفرنسية بانهيار مشروع "الهلال الشيعي"، بقولها إنه "المحور الذي امتد من لبنان وصولا إلى العراق يمر بمرحلة حرجة قد تعني نهايته بسبب المشاكل الهيكلية التي تواجهها الدول على الأصعدة كافة".

لكن الصحيفة الفرنسية توقعت في حينها أن يكون انهياره بسبب التردي الاقتصادي وليس الهجوم العسكري، بقولها إنه مع "دخول سنة 2023، يبدو (محور المقاومة الشيعي) مهددا أكثر من أي وقت مضى بسبب الانهيار المرتبط بشح احتياطي الدولار، أكثر من الهجمات العسكرية من الخصوم".

وأشارت إلى أن "كلا من إيران وسوريا تخضع لعقوبات أميركية ودولية شديدة تشمل المجال السياسي والاقتصادي. وبالنسبة للعراق، الدولة النفطية، فهو لا يملك احتياطيا مباشرا من الدولارات؛ لأن حسابه بالعملة الأجنبية يحتفظ به الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك".