رغم تحالفها مع الجيش السوداني.. لماذا اعتقلت مصر قائد قوات البراء الإسلامية؟

"حتى بعد إطلاق سراح المصباح أبو زيد طلحة استمرت التكهنات بشأن اعتقاله"
بالتزامن مع تصاعد مخاوف النظام المصري من عودة التيار الإسلامي للحكم في السودان من بوابة الحرب، بعدما نجح منتسبو الحركة الإسلامية، الذين يقاتلون بجانب الجيش ضد مليشيا الدعم السريع، في تحقيق انتصارات، اعتقلت القاهرة قائد قوات “البراء بن مالك” المصباح أبو زيد طلحة.
اعتقال القائد السوداني أثار تساؤلات عديدة، وجرى تفسيره في البداية على أنه "احتجاز بسبب بلاغات كيدية من الفصائل السودانية الداعمة لتمرد الدعم السريع"، أو بحجة “الحماية من محاولة اغتيال” من جانب أنصار محمد حمدان دقلو (حميدتي).
لكن البيان الذي أصدره أبو زيد، في 10 أغسطس/آب 2025، بعد إطلاق سلطات النظام المصري سراحه إثر اعتقاله قرابة أسبوع، أوضح أنه اعتقل بالفعل، وأشار إلى دور قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في إطلاقه، ولكنه حاول التخفيف من الواقعة بشكر “مصر على علاجه واستضافة أسرته”.
وكان لافتا في البيان حديثه عن "تبرئة" من "تهمة وافتراء"، في مصر، وهو نفس ما فعلت السعودية، التي سبق أن اعتقلته أيضا خلال زيارته لها في يونيو 2024، ثم أطلقت سراحه، بحجة مشاركته بتجمعات مع إسلاميين في المملكة.
وهو ما يرجح أن سبب الاعتقال في القاهرة والرياض معا كان قلق النظامين من عودة نفوذ الإسلاميين السودانيين مجددا، والتخوف من مشاركتهم في الحكم عقب وضع الحرب، التي لعبوا دورا في حسمها، أوزارها، وفق محللين سودانيين.
ويُقاتل فيلق "البراء بن مالك"، المحسوب على الحركة الإسلامية، ويقوده أبو زيد، إلى جانب الجيش ضد الدعم السريع، ضمن مجموعات قتالية شعبية أخرى تدعم القوات المسلحة.
قصة الاعتقال
مصادر سودانية روت لـ"الاستقلال" قصة اعتقال ثم إطلاق سراح أبو زيد، الذي يقاتل بجانب الجيش السوداني.
في 4 أغسطس 2025، وعقب وصول أبو زيد إلى مصر بصورة عادية، للعلاج من إصابة سابقة من محاولة اغتيال دبرتها له الدعم السريع بطائرة مسيرة، وزيارة أسرته التي تقيم بمصر منذ اندلاع الحرب في السودان أبريل 2023، تم اعتقاله في منزله.
وكان أبو زيد قد تم استقباله بصورة الفاتح من قبل سودانيين في حي فيصل الشهير بمنطقة الهرم، جنوب مصر، حيث يقيم أغلب السودانيين النازحين من بلادهم، ما أثار قلق السلطات المصرية المتحفزة، حيث تشهد هذه المنطقة تجمعات وزحاما غير عادي.
كما حرص قائد فيلق البراء على الذهاب إلى محطة رمسيس للقطارات وسط القاهرة، ليكون في وداع السودانيين العائدين إلى ديارهم، بتنسيق بين الجيش السوداني ومصر، وظهر وهو يلوح بعصاه، والتقط معه عائدون صورا تذكارية.
وفسر مصدر سوداني لـ"الاستقلال" ما جرى بقوله: "لم يراع أبو زيد بصفته قائدا شابا ومتحمسا، حساسيات الوضع في مصر، وتحرك كما يفعل في السودان بين أنصاره، وحضر تجمعات لسودانيين عدتهم السلطات المصرية من أنصار التيار الإسلامي في السودان".
وأقلق هذا قوات الأمن المصرية، فاعتقلته، لمخاوف أمنية من نشاطاته بصفته ينتمي للتيار الإسلامي القريب من جماعة الإخوان المسلمين التي يحظرها النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي، وفق المصادر.
وذكر موقع "سودان تربيون" أن المصباح اقتيد من مقر إقامته بمنطقة العجمي التابعة لمحافظة الإسكندرية، بعد أن اقتحمتها عناصر أمنية لم تتضح هويتها، ولم تكشف لأسرته أسباب الاعتقال.
ورغم أنه يعمل مع الجيش السوداني ومحسوب عليه، تم نقل أبو زيد إلى مقر أمني مصري غير معروف، وجرى استجوابه عن نشاطه في مصر.
وبعد تدخل الجيش السوداني، واتصال رئيس مجلس السيادة البرهان وعدد من أعضاء المجلس العسكري في الخرطوم بالسلطات المصرية، نُقل إلى مقر آخر ربما يكون تابعا للمخابرات أو الجيش المصري، ثم أطلق سراحه ليعود لمنزله والمستشفى التي كان يتابع إصابته السابقة فيها.
وسمحت السلطات المصرية له بممارسة حياته الطبيعية في القاهرة، وتلقى العلاج في المستشفى، قبل أن يعلن أنه خرج من المستشفى وسيعود للسودان.
لكن مصادر مطلعة صرحت لـصحيفة "التغيير" المعارضة، في 10 أغسطس 2025، أن السلطات المصرية أصدرت قرارا بترحيل أبو زيد إلى السودان عقب إطلاق سراحه وعدّته "غير مرغوب فيه بالوجود على أراضيها".
وقالت صحيفة "سودان تربيون"، إن مسؤولا رفيعا في مجلس السيادة اتصل بالمسؤولين المصريين لاستجلاء الأمر، وإن مسؤولا سياديا سودانيا رفيع المستوى أجرى اتصالات مكثفة مع نافذين في القاهرة لمعرفة مصير أبو زيد وأسباب اعتقاله وتسريع الإفراج عنه.
وأكدت أن البرهان ومساعده ياسر العطا تابعا أمر احتجازه، كما أبدى رئيس منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش، ميرغني إدريس، اهتماما بالغا بأمر اعتقاله.
وعقب إطلاقه، قال أبو زيد: إنه يعالج الآن في المستشفى، ووجه على صفحته على فيسبوك الشكر لـ"مصر أرض الكنانة حكومة وشعبا التي احتضنت أسرتي لعامين في أمن وسلام".
وقال: "تقدم لي (مصر) اليوم الرعاية الطبية المميزة الكاملة في أفضل مستشفياتها، وأؤكد حرصنا على دوام العلاقة الأخوية والإستراتيجية بين شعب وادي النيل، حتى نصل معا إلى مزيد من التعاون والنصر المشترك".
لكنه اعترف: "أوقفَتني السلطات المصرية لفترة وجيزة"، ووصفه بأنه "إجراء طبيعي تقوم به أي دولة لاستيضاح الحقائق".
وذلك "إثر بلاغات كاذبة دبرها أعداء السودان والحالمون بكسر إرادته، هدفها الإساءة لشخصي وتشويه صورة قواتنا المسلحة وقوات الإسناد الخاصة "فيلق البراء بن مالك".
وأكد أنه تم التحقيق معه، قائلا: "أثبت التحقيق براءتي التامة، وتم السماح لي بممارسة حياتي الطبيعية في مصر، وأتلقى علاجي بالمستشفى".
وللدلالة على تدخل البرهان، وجه أبو زيد في بيانه الشكر لرئيس المجلس السيادي "على موقفه ومتابعته الشخصية للأمر واتصالاته المتكررة لمتابعة ذلك".
كما وجه الشكر للفريق أول ياسر العطا عضو المجلس السيادي، والفريق أول ميرغني إدريس "الذي أولى الأمر اهتماما بالغا ومتابعة شخصية حتى على مستوى الأسرة، والفريق صبير مدير هيئة الاستخبارات ومسؤولي جهاز المخابرات العامة.
روايات أخرى
عقب انتشار خبر اعتقاله، ظهرت عدة روايات حول السبب، منها تكهنات أن الاعتقال يعود إلى مشاركة أبو زيد في نشاط ديني غير مصرح به، وهو ما يتنافى مع شروط الإقامة في مصر التي تحظر التجمعات والأنشطة السياسية والنقابية دون إذن مسبق.
وتكهنات أن اعتقاله بالتزامن مع أنباء عن تنفيذ إسلاميين وقفة احتجاجية أمام مقر السفارة المصرية في بورتسودان، وهي الوقفة التي تبرأ منها فيلق البراء بن مالك قطاع البحر الأحمر في بيان رسمي.
وكان منتمون للواء البراء أطلقوا تهديدات علنية بالتظاهر أمام مبنى السفارة المصرية للمطالبة بالإفراج عن قائدهم.
ونشطت مجموعات موالية لفيلق البراء بن مالك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تحت وسم "كلنا المصباح" و"أطلقوا سراح المصباح".
ودعت هذه المجموعات قائد الجيش للتدخل بشكل عاجل لإنقاذ أبو زيد، لأن ظروفه الصحية لا تسمح بوجوده في الاعتقال.
وقال القيادي بفيلق البراء علي صلاح الدين في صفحته على فيسبوك، إن "أبو زيد يقضي يومه السادس في معتقل الأمن المصري، دون أي توضيح من السلطات المصرية أو تحرك من الدولة السودانية بشأنه، وحالته الصحية متدهورة".
وذهبت صحيفة "الراكوبة" في 7 أغسطس 2025، إلى أبعد من ذلك بالزعم، نقلا عن مصدر أمني مصري رفيع"، أنه تم اعتقاله بحجة “تورطه في توريد أسلحة لجماعة (حسم) الذراع العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين بغرض تنفيذ عمليات إرهابية في مصر!”.
وذكرت مصادر أخرى أنه “لم يتم اعتقاله ولكن تم نقله إلى مكان آمن لحمايته بعد اكتشاف أجهزة الأمن المصرية خطة لاغتياله داخل مصر من عملاء موالين للدعم السريع، فقامت المخابرات المصرية بنقله لمكان آخر وإحضار أهله له”.
وحتى عقب إطلاق سراحه وإعلانه هو ذلك، وأنه خرج من المستشفى، استمرت التكهنات، وقال موقع "سودان بلس"، 11 أغسطس، إن السلطات المصرية اقتادت أبوزيد من المستشفى التي كان يتلقى فيها العلاج إلى جهة مجهولة.
وقال محمد إبراهيم فضل، أحد أعضاء فيلق البراء، إن أبو زيد اختفى مرة أخرى عقب الإفراج عنه في مصر، وتم اقتياده من داخل المستشفى إلى جهة غير معلومة، دون الكشف عن أي تفاصيل.
لكن مصادر مصرية رجحت أن يكون تم نقله لمكان آمن هذه المرة للتعتيم على أخباره، استعدادا لسفره إلى الخرطوم بعد علاجه.
المصباح والحكم
منذ تلألأ نجم أبو زيد وفيلقه "البراء بن مالك"، بعد تحقيقهم انتصارات كبيرة لصالح الجيش، ضد الدعم السريع، ودخولهم القصر الجمهوري في الخرطوم، بدأت عواصم عربية معادية للتيار الإسلامي تتوجس منهم، بسبب خلفياتهم الإسلامية.
صحيفة "العرب" اللندنية، التي تمولها الإمارات وتُعبر عن توجهاتها، ربطت بين اعتقال القاهرة لقائد فيلق البراء بن مالك، وما قالت إنه "قلق في القاهرة من تمكين الإسلاميين بعد السيطرة على الخرطوم"، ورفضها "عودة الإسلاميين إلى السلطة مرة أخرى".
وأوضحت في 7 أغسطس أن "توقيف أبو زيد القريب من جماعة الإخوان رسالة احتجاج مصرية على تضخم دور كتيبته بعد تمكنها من دعم الجيش في استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم من الدعم السريع".
وقالت الصحيفة الإماراتية، إن “تاريخ كتيبة البراء يشير إلى أنها امتداد لقوات الدفاع الشعبي (إسلامية التوجه) التي شكلها نظام الرئيس السابق عمر البشير لدعم قوات الجيش في حربه ضد الجنوب، قبل الانفصال”.
وأقلق إعلان كتيبة البراء في يوليو 2025 تخليها عن العمل العسكري والتحول إلى النشاط المدني والخدمي، بعد أن لعبت دورا مهما مع قوات الجيش في السيطرة على الخرطوم، كلا من أبو ظبي والقاهرة، خشية أن يكون هذا مقدمة لعودتهم للعمل السياسي.
وزاد من قلقهم قول رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل أحمد هارون لوكالة "رويترز" في 25 يوليو/تموز 2025، إن الانتخابات المقبلة "ربما تمهد الطريق أمام الحركة الإسلامية والحزب للعودة إلى الحكم".
وكان أبو زيد قد نفى مبكرا، وتحديدا في 25 مايو/ أيار 2025، ما يُروّج عن مشاركة "البراؤون" في تشكيل الحكومة المرتقبة، واصفا ذلك بأنه "محاولة يائسة لتشويه صورة الفيلق".
وأكد أن "الفيلق قوة احتياطية مساندة للجيش ولا يسعى لأي نصيب في السلطة"، ودعا إلى تشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة والتكنوقراط لفترة انتقالية قصيرة تمهد لانتخابات حرة حال استتباب الأمن.