وسط عالم متخاذل.. أنس الشريف يرحل مع رفاقه من غزة تاركا وراءه وصية تاريخية

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لإصرارهم على فضح الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة على مدار نحو سنتين، اغتال الكيان الصهيوني مساء  10 أغسطس/آب 2025، 5 صحفيين، بينهم مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، إثر قصف خيمتهم بمحيط مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة.

كما استشهد في الواقعة المصوران إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل. وخلال عدوانه على غزة، اغتال الاحتلال عددا من صحفيي الجزيرة، من بينهم إسماعيل الغول وحسام شبات.

وترك الشريف وصية مؤثرة قبل استشهاده، عبّر فيها عن ثباته على المبدأ وتمسكه برسالته في الدفاع عن شعبه وكشف جرائم الاحتلال، افتتحها بعبارة " "هذه وصيتي، ورسالتي الأخيرة، إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي".

وقال: يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل" لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.

وأضاف الشريف: "عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف. أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم".

وتابع: "أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران".

وأردف الشريف: "أوصيكم ألا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة. أُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم".

واستطرد: "وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة، أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي".

من جانبها، أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الشريف كان "مثالا للصحفي الحر الذي كشف للعالم جريمة التجويع والمجاعة التي يفرضها الاحتلال"، مشيرة إلى أن تهديدات سابقة صدرت عن ناطقين عسكريين إسرائيليين ضد عدد من الصحفيين، بينهم الشهيدان الشريف وقريقع، بهدف ثنيهم عن نقل الحقيقة.

وكان متحدث جيش الاحتلال أفيجاي أدرعي قاد حملة تحريض ضد عدد من الصحفيين بالقطاع واختص بها الشريف زاعما أنه ناشط في الجناح العسكري لحماس، وأنه "حمساوي الانتماء والوظيفة".

واستنكر ناشطون على منصات التواصل تصاعد الإجرام الصهيوني وتعمد الاحتلال استهداف خيمة الصحفيين وإسكات صوت الحقيقية، وشنّها حربا لقتل وقمع الصوت الحر الكاشف لجرائمها والفاضح لعوراتها وعوارها.

وحذروا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها  #أنس_الشريف، #محمد_قريقع، #استهداف_الصحفيين_جريمة، #أنس_شهيد وغيرها، من أن اغتيال أنس ورفاقه مقدمة لتنفيذ مخطط إسرائيلي أوسع وأكثر إجراما خلال المرحلة المقبلة.

الكلمة تلاحق

واستنكارا لإمعان الاحتلال في استهداف الصحفيين، كتب علي السند، أن استشهاد مراسلَيْ الجزيرة الشريف وقريقع جاء بعد حملة تحريض صهيونية على صحفيي الجزيرة.

ولفت إلى أن حملة التحريض استهدفت الشريف الذي مارس الإعلام الصهيوني حملات تحريض مسعورة لإسكاته بسبب توثيقه جرائم الاحتلال، ونقله معاناة الناس، مؤكدا أن الكلمة الحرة في فلسطين تُلاحق كما يُلاحق المقاتل بالسلاح.

من جانبها، كتبت المغردة مريم: "استشهد أنس الشريف.. استشهد أسد الشمال اللي ظلوا الصهاينة ينبحوا عليه ويحرضوا تحريض صريح وواضح ضده، استشهد يا عالم يا متخاذل، استشهد يا طواغيت، استشهد وارتاح بس احنا؟ زاد علينا ثقل الأمانة وضيق الصدر وحزن القلب حسبنا الله ونعم الوكيل".

ولفت أبو القاسم إلى أن استشهاد الشريف جاء بعد التحريض الصهيوني عليه الذي تبعه تحريض من صهاينة العرب، مؤكدا أن الاستهداف كان مباشر على أنس.

واستنكرت ليال جرادي، استمرار مسلسل استهداف خيام الصحفيين في القطاع، مشيرة إلى أن استهداف الشريف وقريقع تم عقِبَ حملة تحريض ضدّ كل مَن ينقل الحقيقة بالصورة والصوت.

وعد عبدالله معروف، المسؤول المباشر عن اغتيال الشريف هو المجرم (أفيخاي أدرعي) الذي حرّض بنباحه الدائم على قتله، مؤكدا أن دم أنس على يدي هذا الإرهابي.

جريمة حرب

وتنديدا بتعمد الاحتلال قمع صوت الحقيقة، قالت منتهى الرمحي: إن استهداف الصحفيين جريمة حرب تضاف إلى جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة.

وأكد أحد المغردين أن ما فعله الاحتلال جريمة حرب مُركّبة باستهداف الصحفيين والمستشفى، مستنكرا أن "العالم الفاجر يكلمك عن قوانين وإنسانية".

وقال المغرد عبدالرحمن، إن استهداف الصحفيين جريمة حرب بموجب القانون الدولي، محذرا من أن استهداف الصحفيين عمدا قد يكون مقدمة لارتكاب جريمة حرب بعيدا عن أعين الإعلام.

كما حذر حسام العريقي، من أن تنفيذ العدو الصهيوني عملية اغتيال وحشية إجرامية بحق الصحفيين في غزة يأتي في إطار التمهيد لتنفيذ عملية إبادة كبيرة بحق أهالي القطاع ويمنع توثيق وعرض الجريمة بالصوت والصورة، في جريمة حرب تتحدى كل القوانين والأعراف الدولية الساقطة.

وعد محمد علي الفتاحي استهداف الصحفيين الفلسطينيين جريمة حرب مكتملة الأركان، وانتهاكا صارخا لكل القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية التي تكفل حماية الإعلاميين أثناء تأدية عملهم. 

وقال: إن هذا الفعل الإجرامي يؤكد مجددًا أن الاحتلال الصهيوني يسعى لإسكات الصوت الحر وطمس الحقائق، ولا بارك الله في حكام العرب.

مشروع شهيد

وعن الشريف وعن تأثير صوته وكلماته على الاحتلال، قال قطب العربي: إنه كان دوما مشروع شهيد منذ اللحظات الأولى لعمله مراسلا للجزيرة، ولم يكن مجرد مراسل ميداني تقليدي يحرص على أمانه الشخصي كما تقول قواعد المهنة ولكنه كان صاحب قضية عدّ نفسه صوتها للعالم.

وأعرب حاتم الحويني عن حزنه على رحيل الشريف قبل أن يسرد نهاية فصول مأساة شعب أبيٍّ مسلم تاركًا بين السطور وجعًا أثقل من أن يُحمل، مؤكدا أن صوته سيظل جرحًا مفتوحًا، وشاهدًا خالدًا على جريمة كيانٍ اغتال الحقيقة، وعلى خيانة أمةٍ أبصرت الدماء، وسمعت الأنين، ثم غلّفت ضميرها بالصمت.

وذكر عبده فايد، بأن الشريف غادر الدنيا بعدما وقف أمام العالم كله يقول: إنه جائع ويبكي من خواء بطنه، وأنه وقف وحده أمام أسوأ آلة بطش اخترعها الإنسان لمدة 650 يوما، ودّع صاحب وصديق وزميل وقريب، ودّع ستين ألف قبل ما يحصّلهم، وكانت أقصى أمانيه أن يلفت النظر.

وأشار إلى أن الشريف يأس من العالم فكلّم العرب، من اعتقدهم جيرانه وإخوته، مستنكرا بالقول: "لا الغريب سمع، ولا القريب صان لقمة ونسب ولغة ودين، وكان أخون ألف مرة من أشد العدى".

وأضاف فايد: "الواحد مش قادر يتخيّل حياة إنسان لفّ سنتين من بيت مهدّم لشارع محطّم، وهو لا يجد لقمة أو شربة ماء إلا النذر اليسير، ولا قادر يتصوّر كم الخذلان وهو يضع نفسه مكانه، ويتصوّر أن قلوب أمة من 400 مليون سوف تستنفر لنصرة شعبه".

واستهجن أن بعد ما قدَّمه أنس وبعد عامين من استباحة الاحتلال لغزة يخرج العدو لسانه هازئًا من الكل، ويخرس آخر صوت قبل تنفيذ عمليته البربرية القادمة بهذه السهولة دون أن يتحرك أحد.

واستنكر فايد صمت "أفاقين الغرب دعاة الحريات وحماة الديمقراطيات الذين يقلبون العالم على حريات الصحافة طالما كانت في خدمتهم، وينفقون مليارات على حماية الحيوانات، وقيمة بشر مثلهم لا تساوي عندهم حتى ثمن الطلقة التي أمدّوا بها العدو".

كما انتقد صمت العرب، بتيجانهم وصولجانهم وعروشهم، قائلا: "مش بعيد يكونوا هما كمان ارتاحوا من صوت كان محسّس شعوبهم أن في ناس بتتمسح من على وجه الخريطة"، قائلا: "رحل أنس قبل تلك اللحظة ألف ألف مرّة.. وهو ينتظر شيئا لم يأت أبدًا..ولن يأتي أبدًا.. ينتظر العرب". 

ودعا فايد: "بحق العناء الذي كابد، وبحق الجوع الذي قاسى، وبحق الظمأ الذي عانى.. بحق كل مرّة تمالك فيها نفسه وهو يزف إلى السماء طفلًا لاعبه، وشابًا زامله، وصديقّا آنسه.. يا رب بحق كل ذلك سلّط على من سمعوا ندائه فصمّوا آذانهم وأشاحوا وجوههم وأغمضوا عيونهم ألف ضعف مما ذاق، جوعا وعطشا وتشريدا وألما.. ولن يكفي أبدا.. قسما بالله لن يكفي!".

وقال المغرد فتحي: "قهرتهم يا أنس وذليتهم وفضحتهم.. التحريض عليك كان مستمرا وأنت رفضت تستسلم أو تتراجع خطوة".

وأضاف: "نشهد أنك للنفس الأخير تصرخ وتنادي وحان وقت الراحة.. الله يصبر قلوب محبينك.. في ذمة الله يا أنس مع كل أحبابك.. بلا جوع ولا ألم ولا قهر ولا تعب.. إنا لله وإنا إليه راجعون".

وأشارت منى العمري إلى أن نجوم الإعلام الإسرائيلي ينبحون منذ أمس، وفي عناوين هذا الصباح، فرحين باغتيال الشريف، ويعبرون عن فرحهم كما لو أنهم انتصروا على ملك الروم.

وقالت: إن صحافة الاحتلال صحافة دماء منذ يومهم الأول، ولا يحتاج الأمر لهذا المشهد القذر من الاستخفاف بحياة صحفي – في ظل محاولات الإثبات لأنفسهم وللعالم، بشكل مرضي، أن أنس قائد في حماس وأن استشهاد مَن معه من زملائنا الصحفيين هو «أضرار جانبية» حتى نشكك في مهنيتهم.

وأكدت العمري أن الحقيقة أن أنس بمهنيته ومثابرته وإصراره، أوجعهم حينما تصدى لسرديتهم، وحينما خاطر وذهب إلى مكان الجريمة ليوثق ويصور ويثبت كذب روايتهم.. أوجعهم حينما أصبح رمزا للسردية الفلسطينية وبطلا دون أن يطلب البطولة.

وأضافت أن أنس كان بسيطًا ومؤثرًا بحق، لذلك تحبه البلاد والعباد. كان صحفيا شجاعا ورمزا يُقلد، وأبا طيبا نفرح عندما يحمل شام وصلاح كما لو أننا نحمل أولادنا. 

وتابعت العمري: "كان أنس امتدادًا لشباننا الطيبين ورمزًا ببساطته الطاغية وإصراره، لا يخف ذكره في أدعية الأمهات، وكلما قال له أحد انتبه على نفسك يا أنس، أجاب: «الله الحامي»".

نعي ورثاء

وأعرب زملاء للصحفيين الشهداء وناشطون عن حزنهم الشديد على استشهاد زملائهم باستهداف إسرائيلي غادر وترحموا عليهم ونعوهم ورثوهم بالكلمات التي أكدوا عجزها عن التعبير عن شعورهم، مثنين على أدواهم في تأدية مهامهم في نقل الحقيقة للعالم، وتداولوا وصية الشريف بقوة وتعهدوا بتنفيذها.