توأمة المحافظات السورية مع مدن الجوار.. هل تعجّل بـ"عملية التعافي"؟

مصعب المجبل | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تكثّف محافظات سورية خطواتها نحو تعزيز مشاريع التوأمة بين المدن السورية ونظيراتها في الدول المجاورة بهدف إقامة علاقة شراكة وتعاون طويلة الأمد تسرّع عملية التعافي والنهوض من جديد.

وعقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وتعيين محافظين جدد للمحافظات السورية اتجه بعضها إلى إعادة شريان الحياة للمدن والقرى عبر تحسين الخدمات وترميم البنية التحتية المدمرة لتسريع عودة النازحين والمهجرين إلى منازلهم.

توأمة المدن

وجدت بعض المحافظات السورية الحدودية أن تسريع مشاريع التوأمة مع مدن البلدان المجاورة من الخيارات التي تسرع عملية التعافي المبكر وإحداث مشاريع تنمية طويلة الأمد.

وفي أولى الخطوات نحو ذلك، أعلنت بلدية هاتاي التركية، منتصف مايو/أيار 2025 عن إبرام اتفاق "توأمة المدن" مع مدينتي إدلب واللاذقية في سوريا.

وتهدف هذه الشراكة إلى تعزيز التعاون في مجالات التنمية وتبادل الخبرات وتنفيذ مشاريع مشتركة بين البلديات الثلاث.

وقال رئيس بلدية هاتاي محمد أونتورك، حينها: إن هذا الاتفاق يأتي في إطار التزام تركيا الثابت بدعم الشعب السوري في المناطق الشمالية، خاصة إدلب واللاذقية. وأكد أن تركيا، بصفتها دولة رائدة في المنطقة، ستواصل دعمها للمناطق السورية. مشيرا إلى أن بلاده ستكون حاضرة للمساعدة في تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات في المدينتين السوريتين ضمن الإمكانات المتاحة.

كذلك، وقع محافظ حلب عزام الغريب ورئيسة بلدية غازي عنتاب الكبرى، فاطمة شاهين، في نهاية مايو/أيار 2025 اتفاقية توأمة بين المدينتين، خلال لقاء رسمي جرى في قصر المحافظة بمدينة حلب، بحضور عدد من الشخصيات الإدارية والممثلين عن الجانبين السوري والتركي.

وتهدف الاتفاقية في حلب إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين حلب وغازي عنتاب، وفتح آفاق التعاون في مجالات متعددة تشمل التنمية الحضرية، والبنية التحتية، والثقافة، والخدمات العامة، والاقتصاد المحلي، بما ينعكس إيجابا على سكان المدينتين.

وعقب ذلك توالت زيارات المسؤولين الأتراك إلى حلب للاطلاع على واقع المدينة، ودفع مشاريع التنمية نحو الأمام عبر نقل التجارب التركية إلى هذه المدينة المجاورة.

وزار والي مدينة غازي عنتاب التركية كمال جبر مدينة حلب مطلع أغسطس/آب 2025، لبحث تفعيل اتفاقية التوأمة بين المدينتين، وتعزيز التعاون في التنمية المحلية، وإطلاق مشاريع لإعادة تأهيل البنية التحتية، إلى جانب أنشطة ثقافية وسياحية مشتركة.

وفي الجنوب السوري، زار وفد من محافظة إربد في المملكة الأردنية، برئاسة محافظ إربد، رضوان العتوم، محافظة درعا جنوبي سوريا، في 8 يوليو/تموز 2025 بهدف البدء بعملية توأمة بين المحافظتين.

وقال محافظ درعا، أنور طه الزعبي: إن سوريا متجهة إلى زيادة حجم الاستثمارات وتنمية الخبرات والكفاءات بما يحقق النهوض بواقع محافظة درعا من خلال التعاون مع الدول الصديقة بما يسهم بفرض حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي وتشجيع بيئة الاستثمار.

وجرى بحث افتتاح معبر “الرمثا” (معبر درعا القديم) الواقع على الحدود السورية- الأردنية من جهة درعا البلد من أقدم المعابر في سوريا، ويوصف بأنه شريان النقل والتجارة الحيوي بين البلدين؛ إذ يربطهما بدول الخليج العربي من جهة الأردن، وأوروبا من جهة سوريا.

ويطل المعبر بشكل رئيس على مدينة درعا، وجرى الاستعاضة عنه في السنوات الماضية بمعبر “نصيب- جابر” الأبعد عن المدينة، وبينما يطالب سكان درعا البلد بإعادة افتتاح معبر “الرمثا”، تنصب الجهود السورية والأردنية على توسيع وتأهيل المعبر.

رافعة الاقتصاد

وأمام ذلك، كشف سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حجم الدمار الحقيقي في المدن والأحياء بفعل الآلة العسكرية التي اتبعت سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع المناطق الثائرة.

فقبل سقوط النظام، لم تكن عدسات الكاميرا تظهر الوجه الحقيقي لحجم الدمار، كما أن تحرير البلاد سمح للجان الهندسية في إعطاء تقييمات أولية عن طبيعة الدمار في المحافظات السورية.

لا سيما أن مدنا في جميع أنحاء سوريا في حالة دمار شامل، واستُنفدت الخدمات الأساسية. 

وسبق أن أصدر معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) في عام 2026 دراسة مسحية للدمار الحاصل في نحو 16 مدينة وبلدة سورية، إثر الأعمال العسكرية التي كان نظام الأسد وحلفاؤه مسؤولين عن معظمها.

وذكرت الدراسة أن حلب أكبر المدن المتضررة من جراء القصف، حيث وصل عدد المباني المدمرة فيها إلى نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بريف دمشق بـ 35 ألف مبنى مدمر.

وجاء في المرتبة الثالثة مدينة حمص التي تدمر فيها 13778 بناء، ثم الرقة 12781 بناء مدمرا، ومن ثم حماة 6405 بناء، ودير الزور 6405 أبنية، بالإضافة لمخيم اليرموك 5489 بناء.

وبينما يُقال: إن مدنًا كبرى مثل حلب ودمشق قادرة على التعافي بفضل الدعم الخارجي، فإن إعادة بناء المدن والقرى عملية أكثر صعوبة، ولهذا تتسارع اللقاءات من أجل دفع نموذج التوأمة بسوريا نحو الأمام.

وفي 28 مايو/أيار 2025 زار محافظ إدلب محمد عبد الرحمن، ومحافظ اللاذقية محمد عثمان، مدينة أكسراي التركية للمشاركة في اجتماع المكتب التنفيذي لمنظمة المدن المتحدة والإدارات المحلية ـ فرع الشرق الأوسط وغرب آسيا (UCLG-MEWA)، بهدف "تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات في مجال الإدارة المحلية والتنمية وتبادل الثقافات". 

وتعد مدينتا الرقة وأورفة التركية المتجاورتان مثالا بارزا على مدى التقارب بين المدينتين.

وضمن هذا السياق، أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو لـ"الاستقلال"، أن توأمة المدن "يتيح تبادل الخبرات في مجالات الإدارة المحلية والخدمات الأساسية، ويشجع على تنفيذ برامج مشتركة تهدف إلى تحسين سبل العيش في المناطق المتأثرة بالحرب".

وأضاف شعبو قائلا: "يمكن لتركيا والأردن اللتين انخرطتا في مشاريع التوأمة مع المدن السورية نقل تجربتها في دعم المشاريع التنموية بما يسرع مسار التعافي المبكر".

وراح يقول: “التوأمة لا تعني نسخ تجربة طرف واحد، بل تقوم على تبادل الخبرات والاستفادة من الإمكانيات الموجودة في كل من حلب وغازي عنتاب”.

ورأى شعبو أن "التوأمة ليست تعاونا رمزيا بل هي سياسة يمكن أن تكون رافعة حقيقية للاقتصاد السوري في هذه المرحلة خاصة مع وجود مدن منهكة وإخراجها من العزلة عبر تبادل الخبرات وتنفيذ مشاريع عاجلة وملموسة في مدن التوأمة".

مشاريع مشتركة

ويشير الخبراء إلى أن البنية التحتية القوية في قطاعي البناء والصناعة في تركيا ستمكن الشركات التركية من المساهمة في جهود إعادة إعمار سوريا.

وقد اتفقت سوريا وتركيا عقب سقوط نظام الأسد على إحياء اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وسوريا، الموقعة بينهما والتي عُلّقت عام 2011، من خلال نهج شراكة اقتصادية أكثر شمولا.

وبعد 14 عاما من الحرب تسعى سوريا الجديدة للنهوض من جديد وإحياء الاقتصاد؛ حيث يعدّ نموذج “المدينة الشقيقة” أحد الخيارات المتاحة لتوفير الخدمات الأساسية لعودة السوريين الآمنة، وضمان الاستقرار الإقليمي.

ولهذا فإن نموذج توأمة المدن سيتيح تبادل الخبرات الإدارية أو الخدمية، والتعاون في مشاريع تنموية أو اقتصادية مثل إنشاء منطقة صناعية مشتركة أو سياحية.

وكذلك نقل أحدث التقنيات التكنولوجية والطبية من مدينة متقدمة إلى أخرى أقل تطورا.

ويشير هنا شعبو إلى أن "آليات التخطيط والإسكان وخلق مشاريع مشتركة في مجال الطاقة والرقمنة البلدية والأمن الغذائي والزراعة وتنسيق التشريعات في الحركة التجارية مهم في نموذج التوأمة؛ مما ينعكس على المدن السورية التي ستكون هي المستفيد الأكبر".

وألمح شعبو إلى أن "تطبيق نموذج بلدية إسطنبول في إدارة النفايات الصلبة والذي حقق مكاسب بيئية واقتصادية طموحة، يمكن تطبيقه في المدن السورية". 

ولفت شعبو إلى أن "الإرادة السياسية مهمة في تحقيق نتائج إيجابية من التوأمة، خاصة إذا ما تمَّ نقل تجارب الإدارة المحلية من تركيا لسوريا وخدمات البلدية، إذ إن تطبيق اللامركزية في البلديات يمكنها أن تسهم في إعادة بناء المدن وتنشيط الاقتصاد المحلي ودعم الحرف والمهن التي تتميز بها المدن".

تجارب التوأمة

وانتشرت توأمة المدن والعواصم والبلدات الكبرى والبلدان نفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لإقامة شراكات رسمية تسهم في تعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي والتعليمي.

وأولى التجارب بين تركيا وألمانيا رأت النور مع إبرام اتفاقية بين مدينتي برغاما التركية وبوبلينغين الألمانية عام 1967.
وهناك توأمة بين مدينة نانجينج الصينية ومدينة سانت لويس في ولاية ميزوري الأميركية منذ عام 1979 والتي ركزت على التبادل التعليمي والثقافي.

ونجحت التوأمة بين مدينتي لايبزيغ الألمانية وهيوستن الأميركية (ولاية تكساس) في تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا الحيوية والبحث الطبي، وجذبت الشراكة الاستثمارات من مختلف أنحاء العالم وأسهمت في تسهيل الروابط التجارية، فاستفادت المدينتان والدولتان أيضا، وبعض الدول الأخرى التي أسهمت في الاستثمارات.

وكذلك من النماذج التوأمة بين العاصمة الفرنسية باريس وعاصمة العالم نيويورك، تعد مثالا آخر عن فوائد التوأمة بين مدينتين من أهم المدن في العالم؛ إذ أسفرت هذه الشراكة الرمزية عن العديد من الفعاليات الثقافية والتعاون الفني ومبادرات تعزيز الاستدامة الحضرية والابتكار.

ويقدم البنك الدولي والبنوك الإقليمية للتنمية وبعض المؤسسات المالية الدولية تمويلا ومساعدة فنية لمشاريع التنمية الحضرية التي تشمل شراكات بين المدن والبلدان.