تقارب باكستان وبنغلاديش.. لماذا يهدد مصالح الهند الإستراتيجية؟

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. مثل ينطبق على العلاقات المتطورة بين باكستان وبنغلاديش بعد انفكاك ارتباط الأخيرة بالهند، في تحول كبير بدأ بعد انهيار الحكم السابق في دكا.

وشهدت العلاقات بين باكستان وبنغلاديش تحسنا ملحوظا بعد لقاء رئيس الوزراء البنغلاديشي المؤقت محمد يونس مع نظيره الباكستاني شهباز شريف في القاهرة خلال ديسمبر/ كانون الأول 2024، وفق ما يقول موقع "دويتشه فيله" الألماني.

وبالإضافة إلى الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات عدة، رُفعت بعض القيود السابقة على التجارة بين البلدين. كما تخطط باكستان لتدريب الجيش البنغلاديشي في فبراير/ شباط 2025، بالإضافة إلى إجراء مناورات بحرية مشتركة.

ومن جانب آخر، ترى الهند أن هذه العلاقات الجديدة تشكل تهديدا لمصالحها الإستراتيجية بالمنطقة، خاصة وأنها تخشى من تأثير باكستان المتزايد في بنغلاديش.

وفي الوقت نفسه، يشير الموقع إلى أن الهند قد تحتاج إلى تغيير إستراتيجياتها الأمنية لمواجهة التحولات في المنطقة.

بينما يرى بعض الخبراء أن تعزيز التعاون بين الهند وبنغلاديش في المستقبل سيكون ممكنا إذا شُكلت حكومة منتخبة في دكا.

تعاون جديد

ووصف الموقع الألماني لقاء رئيسي وزراء البلدين بأنه “كان ناجحا”، إذ التقى الاثنان على هامش قمة مجموعة الثماني الإسلامية في القاهرة، وقررا تعزيز التعاون بين بلديهما في مجالات عديدة.

ويربط البلدين ويفصلهما في الوقت ذاته تاريخ معقد؛ فبعد نهاية الحكم البريطاني بالهند عام 1947، كانت المناطق التي تُعرف الآن بباكستان وبنغلاديش، ذات الأغلبية المسلمة، موحدة في البداية تحت اسم باكستان كدولة واحدة. 

ولكن خلال حرب الاستقلال عام 1971، انفصلت بنغلاديش عن ما كان يُسمى باكستان الغربية. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين الدولتين متوترة.

وفي هذا السياق، يبرز الموقع أن القرار الأخير بإنشاء اتصال بحري مباشر بين البلدين يعد "خطوة تاريخية بكل معنى الكلمة". 

بالإضافة إلى ذلك، رفع يونس، الذي يشغل منصبه منذ الإطاحة برئيسة الوزراء السابقة، الشيخة حسينة، في أغسطس/ آب 2024، قيودا سابقة، من بينها القاعدة التي كانت تُلزم بفحص صارم لجميع الواردات من باكستان.

وفي الوقت نفسه، ستبدأ باكستان في فبراير/ شباط 2025 تدريب الجيش البنغلاديشي، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين. 

كما ستجري الدولتان مناورة بحرية مشتركة تحمل اسم "أمان 2025" في المياه القريبة من مدينة كراتشي الساحلية الباكستانية.

ومن ناحية أخرى، يظهر الموقع أن العلاقات الجديدة بين باكستان وبنغلاديش تثير قلقا في المنطقة، حيث تراقب الهند هذه التطورات عن كثب. 

إذ تمتلك هذه العلاقات -من منظور نيودلهي- القدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات القوة في جنوب آسيا.

وفي هذا الإطار، يلفت "دويتشه فيله" إلى أن نيودلهي تلاحظ أن علاقاتها مع دكا تدهورت منذ الإطاحة بحسينة. 

وعلى مدار سنوات حكمها، واجهت حسينة انتقادات متزايدة بسبب الاستبداد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والافتقار إلى الحريات الديمقراطية، ومع ذلك، كانت مدعومة من الهند، وهي تعيش حاليا في منفاها هناك.

وقالت شانثي مارييت دي سوزا من معهد الدراسات الإستراتيجية "مانترايا" إن "السؤال المفتوح هو ما إذا كان تعزيز العلاقات بين بنغلاديش وباكستان مجرد رد فعل على الضغوط التكتيكية من الهند، أم أنه جزء من خطة أكبر لزعزعة استقرار نيودلهي".

وأضافت: "إذا كان الاحتمال الثاني صحيحا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان نظام دكا الحالي يمكنه تحمل تبعات مثل هذه السياسة. والإجابة هي: لا".

حدود مضطربة

ويرى الموقع أن "العلاقات بين بنغلاديش وباكستان قد تحسنت بشكل عام، وهذا التغيير له تأثيرات على أمن الولايات الشمالية الشرقية للهند".

ومن ناحية أخرى، يلفت إلى أنه "في نيودلهي، يسود القلق منذ فترة طويلة بشأن قضايا مثل الإتجار بالبشر والتسلل والانتفاضات المسلحة على طول الحدود مع بنغلاديش". 

وأضاف: "يزداد هذا القلق نظرا لأن الولايات الهندية الواقعة على الحدود -مثل البنغال الغربية وآسام وميغالايا وتريبورا وميزورام- معرضة بالفعل لاندلاع أعمال عنف".

وينوه إلى أنه "على عكس المناطق الهندية الأخرى، فإن الولايات المذكورة أعلاه -باستثناء معظم مناطق البنغال الغربية- تقع شمال وشرق بنغلاديش".

وترتبط هذه الولايات -بحسب الموقع- بباقي الهند من خلال ممر سيليغوري، المعروف أيضا باسم "عنق الدجاج". 

وهذا الشريط الضيق من الأرض، الحساس جيوسياسيا، يتراوح عرضه في أضيق نقطة بين 20 و22 كيلومترا فقط.

علاوة على ذلك، يضيف أن "الهند تخشى أن تحاول الصين، تحت غطاء مشاريع التنمية مع بنغلاديش، توسيع نفوذها بالقرب من هذا الممر الحيوي".

ولذلك، اتجهت الهند في الوقت الحالي، بمساعدة التقنيات الحديثة، إلى تعزيز التدابير الأمنية على حدودها مع بنغلاديش. 

كما كُلفت قوات حرس الحدود بتحديد النقاط الضعيفة المحتملة والحد من التسلل والتهريب في المناطق الحدودية غير المحمية بالسياج، بحسب الموقع.

ورأى المفوض السامي الهندي السابق في بنغلاديش “بيناك رانجان تشاكرافارتي” أن "نيودلهي تشعر بالقلق من أن الأسلحة والمتفجرات التي تصل إلى دكا قد تقع في أيدي الإرهابيين الإسلاميين الذين أطلقت سراحهم الحكومة الانتقالية"، وفق تعبيره.

وأضاف تشاكرافارتي أن "نقل هذه الأسلحة لاحقا إلى الجماعات المتمردة داخل الهند قد يؤدي إلى مشكلات أمنية خطيرة".

نفوذ باكستان 

وفي هذا السياق، ينقل الموقع عن دي سوزا قولها إنه "من غير الواضح حاليا ما إذا كانت سياسات يونس ستلقى قبولا لدى البيروقراطية البنغلاديشية، التي ترى في الحكومة الانتقالية حلا مؤقتا بالأساس".

ومع ذلك، بالإشارة إلى أن "الهند تجد نفسها مضطرة للتحرك"، تتابع دي سوزا: "على نيودلهي أن تراقب الوضع عن كثب لتطوير إستراتيجيات تتماشى مع الديناميكيات الداخلية والخارجية المتغيرة بسرعة في المنطقة".

وفي هذا الصدد، يلفت الموقع إلى أن نيودلهي ركزت حتى الآن في علاقاتها مع جيرانها، وخاصة بنغلاديش، على تعزيز ازدهارهم، مقابل توقعها احترام مصالحها الأمنية.

ووفقا لما صرح به المفوض السامي الهندي السابق في باكستان أجاي بيساريا، فإن "هذا التفاهم بات محل تساؤل من قبل النظام الجديد في دكا".

وتابع أن "جهود باكستان لاستعادة العلاقات الأمنية مع بنغلاديش ومواجهة النفوذ الهندي قد تزعزع توازن الأمن الإقليمي".

وأردف: "قد تضطر الهند إلى احتواء النفوذ المتزايد لباكستان في المنطقة الشرقية عبر اتخاذ مواقف عسكرية استباقية وتدابير أمنية حازمة".

ومن ناحية أخرى، ترى سريرادا داتا، خبيرة الشؤون البنغلاديشية في مدرسة جندال للشؤون الدولية، الوضع بشكل مختلف. 

وأشارت إلى أن "العلاقات بين الهند وبنغلاديش تمر حاليا بمرحلة صعبة، لكنها ستعود إلى طبيعتها بمجرد تشكيل حكومة منتخبة في دكا".

وأضافت داتا: "صحيح أن بنغلاديش وباكستان تظهران بوادر تقارب متبادل، لكن بالنسبة لدكا، فإن الأهمية الكبرى تظل للهند".

ومن وجهة نظرها، على الجانبين تجاوز الخطاب الحالي والانتقال إلى خطوات عملية. وعندها، ستُؤخذ المخاوف الأمنية للهند في الحسبان بشكل أكبر.

"لكن هذا لن يحدث إلا إذا قرر الجاران التعاون وامتنعا عن خلق مشكلات غير ضرورية"، وفق ما تراه الخبيرة في الشؤون البنغلاديشية.