انقسام أنصار ترامب بشأن دعم أميركا لإسرائيل.. ما خلفياته وانعكاساته؟

الكثير من الجمهوريين التقليديين لا يزالون متمسكين بالموقف القديم الداعم لإسرائيل
بعد عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل، برزت أصوات شعبوية بارزة في الولايات المتحدة بدأت تتخذ مواقف أكثر انتقادا حيال سياسات تل أبيب في غزة والعلاقة الإستراتيجية مع واشنطن.
تمثلت المفاجأة في وجود تحول لافت داخل أوساط الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وتحديدا بين أنصار حركة "ماغا" المؤيدين لترامب، أبرز حليف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واستشهدت صحيفة إيل بوست الإيطالية بعدد من التصريحات لشخصيات بارزة داخل الحزب الجمهوري ينتقدون فيها العدوان الإسرائيلي على غزة، ويصفونه بأنه "إبادة جماعية".
ومع ذلك، أكدت أن هذه الرموز لا تنكر أهمية إسرائيل، لكنها تشدد على أن الولايات المتحدة يجب ألا تمنحها دعما غير مشروط، خاصة في ظل الانقسامات الداخلية الأميركية وارتفاع كلفة الدعم العسكري والمالي.
كما تلفت الصحيفة إلى أن هذا التوجه يلقى صدى متزايدا لدى شريحة الشباب الجمهوري، الذين بات نصفهم تقريبا ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية.
ومع ذلك، تضيف أن التيار التقليدي في الحزب لا يزال متمسكا بمواقفه القديمة المؤيدة لإسرائيل دون تحفظ، ما يجعل موقف ترامب النهائي بين هذين التوجهين محور تساؤل خلال المرحلة المقبلة.

نقد متزايد
وفي هذا الصدد، قالت: إن "الدعم غير المشروط لإسرائيل شكل منذ عقود إحدى السمات الأساسية التي تحدد السياسة الخارجية للحزب الجمهوري".
لكن، بدأت منذ فترة بعض أوساط حركة "ماغا-MAGA" التي تحمل شعار "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا"- في إبداء معارضة لهذا التوجه.
ففي يوليو/ تموز 2025، ولأول مرة، وصفت مارجوري تايلور غرين، إحدى أبرز ممثلات الحركة، ما ترتكبه إسرائيل في غزة بأنه "إبادة جماعية".
"ورغم كونها شخصية مثيرة للجدل حتى داخل الحزب الجمهوري، فإن كلماتها عدت التعبير الأوضح عن اتجاه واسع لدى عدد من رموز اليمين الشعبوي".
إلى جانب ذلك، ذكرت أن ستيف بانون، المستشار السابق لترامب وصاحب النفوذ الكبير في صفوف اليمين الأميركي الشعبوي، قال، في يونيو/ حزيران 2025، إنه يدعم إسرائيل، لكنه شدد، على أنه "يجب ألا يتعامل الإسرائيليون مع دعم الولايات المتحدة بصفته أمرا مفروغا منه أو مسلما به".
أما تاكر كارلسون، المذيع السابق في "فوكس نيوز" وأحد أبرز الأصوات الإعلامية لليمين المتطرف، فقد صرح بأن الإسرائيليين "لا يمكنهم استخدام أموال ضرائبي لقصف الكنائس"، في إشارة إلى المساعدات الأميركية السنوية لإسرائيل، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وقصفت إسرائيل 3 كنائس ضمن عدوانها المستمر على غزة منذ نحو 22 شهرا كان آخرها كنيسة العائلة المقدسة، ما أثار انتقادات نادرة من ترامب نفسه.
كما صدرت انتقادات من مؤسسة هيريتيج، مركز الأبحاث المحافظ الشهير، الذي أنتج "مشروع 2025"، وألهم الكثير من قرارات إدارة ترامب الأخيرة.
وقالت المؤسسة في مارس/ آذار 2025، إن على أميركا أن "تعيد توجيه علاقتها مع إسرائيل"، من الدعم الكامل الحالي إلى "شراكة إستراتيجية متكافئة".
وأوضحت الصحيفة أن جي دي فانس نائب الرئيس ترامب، القريب من جناح "ماغا" الشعبوي، وإن لم يكن جزءا أصيلا منه، قال إن صور الأطفال الجائعين في غزة "مفجعة"، وشدد على ضرورة أن "تبذل إسرائيل المزيد لإدخال المساعدات".
بل إن ترامب نفسه، خالف علنا نتنياهو بعد إنكاره المجاعة بغزة، وقال: "يبدو هؤلاء الأطفال جائعين جدا، يجب أن يحصلوا على طعام ومكان آمن فورا".
وذكرت الصحيفة أن غرين وبانون وكارلسون وهيريتج، يمثلون الجناح الشعبوي داخل "ماغا"، والذي ابتعد أكثر عن أرثوذكسية الحزب الجمهوري التقليدية.
وأضافت أن هؤلاء يشتركون بتبني موقف انعزالي بالسياسة الخارجية، وينادون بالتركيز على الشؤون الداخلية والتدخل بأقل قدر ممكن بالقضايا الدولية.
وقد عارضوا تدخل أميركا عسكريا بالمواجهة بين إيران وإسرائيل يونيو/حزيران 2025، ورأوا أن "واشنطن يجب ألا تُجر إلى حرب جديدة بالشرق الأوسط".

القاعدة الانتخابية
وفيما يتعلق بانعكاسات هذه المواقف، قالت إيل بوست: إن "هذا الميل المتزايد للتشكيك في إسرائيل بين الرموز المنضوية تحت ماغا ينعكس جزئيا على القاعدة الانتخابية لليمين الأميركي، لا سيما بين الأجيال الشابة".
واستشهدت باستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث، في أبريل/ نيسان 2025، أفاد بأن نسبة الجمهوريين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاما، ولديهم رأي سلبي تجاه إسرائيل، ارتفعت من 35 إلى 50 بالمئة منذ عام 2023.
بينما بقيت النسبة بين من هم فوق الخمسين مستقرة نسبيا (من 19 إلى 23 بالمئة)، وفق الصحيفة الإيطالية.
كما نقلت عن ستيف بانون قوله: "يبدو أن دعم إسرائيل شبه منعدم بين أتباع ماغا دون سن الثلاثين".
ولفتت إلى أن محاولات نتنياهو لإنقاذ نفسه سياسيا عبر جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط قد أثارت غضب جزء كبير من جمهور ماغا الأكثر ولاء، لكنه أكد أن غالبية الجمهوريين بشكل عام ما زالوا يدعمون إسرائيل.
وأوضحت الصحيفة أن الكثير من الجمهوريين التقليديين لا يزالون متمسكين بالموقف القديم الداعم بشكل كامل لإسرائيل.
وذكّرت بزيارة رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، خلال أغسطس/ آب 2025، إلى حائط البراق في القدس، حيث قال: "نصلي لكي تبقى أميركا دوما إلى جانب إسرائيل".
كما زار بعض المستوطنات في الضفة الغربية، وسمى المنطقة بـ "يهودا والسامرة"، وفق التسمية التي يستخدمها القوميون اليهود لتأكيد السيادة الإسرائيلية على تلك الأراضي التي يعتبرها المجتمع الدولي أراض فلسطينية.
وختمت الصحيفة بالتأكيد على أن "موقف ترامب ما زال غير واضح إلى حد بعيد؛ فبينما عبر مرارا عن استيائه من نتنياهو وانتقد محاولاته إطالة أمد الحرب، ظلت إدارته، في القرارات الأساسية، قريبة جدا من إسرائيل"، بحسب تعبيرها.