تحولات جيوسياسية.. هل تمنح صوماليلاند قاعدة بحرية لأميركا مقابل اعتراف دولي؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

يشهد القرن الإفريقي تحولات جيوسياسية متسارعة تضع صوماليلاند، ذلك الكيان غير المعترف به دوليا منذ أكثر من ثلاثة عقود، في قلب لعبة التوازنات الإقليمية والدولية.

فمنذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991، تمكنت هرجيسا من فرض نفسها كواقع قائم يتمتع بقدر من الاستقرار المؤسسي والسياسي، على خلاف الفوضى المزمنة في باقي الصومال. 

واليوم، تتحول هذه "الدولة بحكم الأمر الواقع" إلى لاعب يسعى لكسر عزلته الدبلوماسية عبر استخدام أوراق جديدة، تتمثل في موقع إستراتيجي على باب المندب، وموارد طبيعية حيوية من الليثيوم والمعادن النادرة، وعرض صريح للولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية مقابل الاعتراف الرسمي.

لعبة كبرى

وحسب تقرير صادر عن "المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية"، فإن هذا التطور لا يعكس مجرد طموح محلي، بل يكشف عن معركة أوسع تتقاطع فيها مصالح واشنطن وبكين، وأدوار قوى إقليمية مثل إثيوبيا وتركيا والإمارات، إلى جانب التحدي الذي يطرحه على مبدأ ثبات الحدود الموروثة عن الاستعمار في إفريقيا. 

وبينما ترى مقديشو والاتحاد الإفريقي في أي اعتراف “خطوة خطيرة” قد تشجع نزعات الانفصال في مناطق أخرى، يحاول صوماليلاند (أرض الصومال) استغلال “اللحظة التاريخية” ليقدم نفسه كحليف بديل، يجمع بين القيمة الجيواقتصادية والوزن الجيوإستراتيجي.

وتساءل التقرير: “لماذا يعرض إقليم صغير منسي في إفريقيا على الولايات المتحدة ميناء عسكريا ومناجم للمعادن النادرة؟ ولماذا قد يغير هذا خريطة العالم؟”

وأوضح أنه "منذ عام 1991، وبعد انهيار الدولة الصومالية والحرب الأهلية التي اجتاحت مقديشو، أعلن إقليم صوماليلاند استقلاله، ليصوغ وضعا فريدا في المشهد الإفريقي: دولة بحكم الأمر الواقع دون اعتراف قانوني من الصومال".

ورغم افتقار الإقليم إلى الشرعية الدولية، قال التقرير إن "هرجيسا تمكنت من بناء بعض مظاهر السيادية، من حدود واضحة وعملة خاصة ونظام قضائي مستقل ودورات انتخابية منتظمة". 

وأردف: "وعلى خلاف حالة عدم الاستقرار المزمنة في بقية الصومال، تميز إقليم صوماليلاند بنظام داخلي هش ولكنه مستمر، وقادر على ضمان حد أدنى من الأمن والمؤسسات والحكم".

وتابع: "إلا أن مقديشو، المدعومة من الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي، ما تزال تعتبر صوماليلاند إقليما ذاتيا لا دولة مستقلة، وتؤكد تبعيته الكاملة للأراضي الصومالية". 

وهو ما يخلق -وفق التقرير- "جمودا دبلوماسيا"، موضحا أن "كل محاولة للاعتراف الأحادي بصوماليلاند تعد انتهاكا للسيادة الصومالية وسابقة خطيرة لحركات انفصالية أخرى في إفريقيا، من إقليم تيغراي في إثيوبيا إلى بيافرا في نيجيريا".

سيناريو جديد

واليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاما على إعلان الاستقلال، قال التقرير: إن "صوماليلاند يكسر سياسة الحذر التكتيكي ويلعب ورقته الأكثر جرأة".

"إذ يقترح الإقليم على الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر، قرب باب المندب، أحد أهم نقاط الاختناق في اللوجستيات العالمية، مقابل منحها وصولا حصريا إلى موارد إستراتيجية مثل المعادن النادرة والليثيوم، وقبل كل شيء، الاعتراف الرسمي به كدولة ذات سيادة"، وفق تقرير المعهد الإيطالي.

ورأى أن "هذه الخطوة تمثل منعطفا محتملا في توازنات القرن الإفريقي".

وعزا ذلك إلى أنها تؤدي إلى تصادم ثلاثة عوامل مركزية؛ أولها مبدأ الولايات المتحدة، المتمثل في "سياسة الصومال الواحدة"، والذي يمنع أي اعتراف رسمي بهرجيسا.

ثاني هذه العوامل -حسب التقرير- هو "التنافس المتزايد على الموانئ والممرات البحرية بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث تنشط بالفعل الصين والإمارات وتركيا وإيران".

أما العامل الثالث، فهو "النشاط الجديد للقوى الإفريقية الصغرى، التي تسعى، رغم افتقارها إلى الشرعية الرسمية، لانتزاع الاعتراف عبر أدوات جيوإستراتيجية؛ مثل القواعد العسكرية والموارد الطبيعية والتحالفات الثنائية مع القوى الكبرى".

وفي هذا السياق، أكد التقرير أن "عرض صوماليلاند ليس مجرد خطوة في السياسة الخارجية، بل محاولة منظمة للدخول في لعبة التعددية القطبية الناشئة، مستغلا التنافس بين القوى الكبرى والاحتياج الغربي للموارد الحيوية، لإضفاء الشرعية على وجوده".

وفي حال قُبل هذا العرض، يرى المعهد الإيطالي أن ذلك "سيفتح سيناريو جديدا لإعادة الاصطفاف الإستراتيجي في القرن الإفريقي"، الذي قال: إنه "يمر أصلا باضطراب بسبب مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند عام 2024 والتصاعد العسكري في المنطقة".

ولذا، شدد التقرير على أن "ما يختبئ خلف المطالبة الظاهرية بالاعتراف هو لعبة أكبر بكثير"، 

وتكمن هذه اللعبة في "محاولة استخدام أوراق الجغرافيا الاقتصادية (الليثيوم والمعادن النادرة) والجغرافيا الإستراتيجية (الوصول إلى البحر الأحمر) لفرض تغيير في النموذج الدبلوماسي الإفريقي، مما يهدد مبدأ عدم المساس بالحدود التي رسمتها المرحلة الاستعمارية".

سابقة خطيرة

وفي هذا الصدد، استعرض التقرير عددا من البيانات والحقائق الإستراتيجية فيما يتعلق بالإقليم.

وأفاد بأنه "يشغل شريطا ساحليا في شمال الصومال، مطلا على خليج عدن، على بعد أقل من 250 كيلومترا من مضيق باب المندب، أحد أكثر الممرات البحرية خطورة في العالم، حيث يمر عبره سنويا نحو 30 بالمئة من حركة النفط العالمية وأكثر من 10 مليارات طن من البضائع".

وأشار إلى أن "هذا الممر البحري يمثل نقطة اختناق تربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، ويعد أحد الشرايين الأساسية لطرق التجارة بين آسيا وأوروبا والبحر المتوسط عبر قناة السويس". 

وأكد التقرير أن "السيطرة على هذه المنطقة أو التأثير فيها يضمن مزايا هائلة من حيث القدرة البحرية وأمن الطاقة والهيمنة اللوجستية العالمية". 

وأفاد بأنه "حتى اليوم، فإن الوجود العسكري الأميركي الدائم الوحيد في المنطقة يتمثل في جيبوتي، حيث تقع قاعدة كامب ليمونييه التابعة للقوة المشتركة في القرن الإفريقي (CJTF-HOA)". 

وفي هذا السياق، يعرض صوماليلاند نفسه ليكون منصة عسكرية أميركية ثانية في الإقليم، مانحا الولايات المتحدة منصة إستراتيجية وخيارا بديلا في حال حدوث عدم استقرار أو ضغوط جيوسياسية على جيبوتي (حيث تنشط أيضا الصين وفرنسا).

وحول مقترح صوماليلاند المقدم في يوليو/ تموز 2025، قال التقرير: إنه "يكسر الوضع الدبلوماسي الراهن الموروث منذ نهاية الحرب الباردة، الذي يقضي بألا تخضع الدول الإفريقية لما بعد الاستعمار لتغييرات إقليمية، لتجنب النزعات الانفصالية". 

وتابع: "من ثم، فإن اعترافا أميركيا محتملا سيمثل سابقة قانونية وسياسية خطيرة على مستوى القارة، واضعا مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة موضع التساؤل".

تأثير الدومينو

وإلى جانب الأهمية الجيوستراتيجية، يعد صوماليلاند غنيا بالمعادن النادرة والليثيوم واليورانيوم، ومواد أخرى أساسية للتحول الطاقي والتكنولوجي في الغرب، وفق المعهد الإيطالي.

وبحسب تقديرات أولية، يحتوي باطن أرض صوماليلاند على تراكيز مقدرة من المونازيت والباستنازيت ومعادن أخرى تضم عناصر النيوديميوم والديبروسيوم والبراسيوديميوم، وهي عناصر لا غنى عنها في تصنيع المغناطيسات الدائمة وتوربينات الرياح والبطاريات والمكونات الإلكترونية.

وفي سياق عالمي تسيطر فيه الصين على نحو 70-80 بالمئة من سوق المعادن النادرة، تصبح إمكانية تنويع مصادر الإمداد عبر شريك إفريقي موثوق "فرصة جيوسياسية ذات أهمية قصوى"، كما أورد التقرير.

وأضاف: "وهكذا، يقدم صوماليلاند نفسه ليس فقط كمركز لوجستي، بل أيضا كمنصة للتزود الجيواقتصادي البديل، بما يتماشى مع إستراتيجيات (المرونة الصناعية) التي تتبناها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان".

من الجهة المقابلة، أوضح التقرير أن رد الحكومة الفيدرالية الصومالية جاء فوريا وحاسما. 

وأفاد بأن "مقديشو أدانت المبادرة بوصفها عملا عدائيا وغير قانوني"، مؤكدة أن "صوماليلاند يظل إقليما ذاتيا تابعا للصومال، وأنه لا يمكن لأي دولة ثالثة أن تقيم علاقات دبلوماسية أو عسكرية مع هرجيسا دون موافقة الحكومة المركزية".

"وهذا الموقف يتبناه بالكامل الاتحاد الإفريقي، الذي يرى في أي اعتراف أحادي خطرا حيويا على استقرار القارة"، حسب التقرير.

وعزا المعهد هذا التخوف الإفريقي إلى ما يُعرف بـ"تأثير الدومينو". 

وأوضح أن "الاعتراف الرسمي بصوماليلاند قد يعيد إشعال المطالب الانفصالية في مناطق مثل تيغراي (إثيوبيا)، وكاتانغا (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وكازامانس (السنغال)، أو بيافرا (نيجيريا)، مما قد يولد موجة جديدة من التفكك الإقليمي في إفريقيا".