العقوبات على “نايارا إنرجي” الهندية.. هل ينذر بصدام في نظام الطاقة العالمي؟

"العقوبات لا تقتصر آثارها على روسيا فحسب بل تمتد لتشمل قوى صاعدة مثل الهند"
ضمن الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات المفروضة على روسيا، أعلن الاتحاد الأوروبي في 21 يوليو/ تموز 2025 فرض عقوبات على شركة "نايارا إنرجي" الهندية، إحدى أكبر شركات الطاقة في آسيا.
ونشر مركز "أنكاسام" التركي مقالا للكاتبة أيبيكي فريسكالا، ذكرت فيه أن "التبرير الأوروبي هو أن الشركة تؤدي دورا في دعم قطاع الطاقة الروسي، من خلال توفير رأس المال وقنوات التوزيع".
وأوضحت أن "هذا الأمر عدته بروكسل تهديدا لفاعلية نظام العقوبات المفروض على موسكو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا".
إلا أن رد "نايارا إنرجي" كان حادا، إذ اتهمت الاتحاد الأوروبي بانتهاك القانون الدولي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.
وهو ما وضع هذه الأزمة في قلب نقاش عالمي حول حدود السياسة العقابية الأوروبية، وأعاد فتح ملف دور أوروبا كـ"مشرّع عالمي" في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب.
أبعاد إستراتيجية
وأشارت الكاتبة إلى أن “هذه العقوبات ليست مجرد رسالة إلى روسيا، بل تمثل أيضا إشارة واضحة إلى الدول والشركات التي ترفض الانصياع لسياسات العقوبات الغربية”.
وأضافت “يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى من خلالها توسيع نطاق الضغط ليشمل أطرافا ثالثة تتعامل مع موسكو”.
واستدركت: “لكن هذا النهج يحمل مخاطر سياسية ودبلوماسية، إذ قد يدفع القوى الصاعدة -وعلى رأسها الهند- إلى تعزيز استقلاليتها الإستراتيجية، بل وربما بناء شبكات بديلة للنظام الاقتصادي الغربي”.
وتابعت الكاتبة: “فالهند، التي تحافظ على شراكات دفاعية مع الولايات المتحدة، لم تتردد في زيادة وارداتها من النفط الروسي منذ بدء العقوبات، بل وامتنعت عن الالتزام بالقيود الغربية”.
ومن هنا، قد يُنظر إلى استهداف "نايارا إنرجي" على أنه تجاوز “الخط الأحمر”، الأمر الذي قد يسرّع من تحالفات أوثق مع روسيا والصين، وربما يدفع نحو تأسيس آليات تتجاوز العقوبات عبر منصات مثل “بريكس+”، تقول فريسكالا.
وفي مشهد الطاقة الدولي، تأتي هذه العقوبات في وقت تعمل فيه روسيا بالفعل على إعادة توجيه صادراتها بعيدا عن الأسواق الأوروبية لصالح آسيا وإفريقيا.
ومع تنامي التعاون الروسي-الهندي في مجال النفط والغاز، يمكن لنيودلهي أن تصبح قناة أساسية لإعادة تصدير المنتجات النفطية الروسية بعد إعادة تصنيفها، مما يحدّ من فاعلية العقوبات الأوروبية.
كما أن توسع استخدام أنظمة الدفع البديلة عن "سويفت"، وزيادة المعاملات بالروبية في التجارة بين موسكو ونيودلهي، يمثلان إشارات مبكرة على تحولات هيكلية في نظام التجارة العالمية، والتي قد تقود إلى تقليص الهيمنة الغربية على النظام المالي الدولي.
وقالت الكاتبة: "لطالما اعتمد الاتحاد الأوروبي على صورته كقوة معيارية عالمية تدافع عن حقوق الإنسان، وتتصدى لأزمات المناخ، وتقود التحول الطاقوي".
واستدركت: "لكن معاقبة شركات من دول ثالثة لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية الأوروبية قد يضعف هذه الصورة، خاصة إذا رأت دول في إفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا أن الأمر يعكس شكلا جديدا من (الاستعمار الاقتصادي)".
وترى أن "هذه النظرة قد تؤدي إلى تناقض بين أجندة التنمية التي يروج لها الاتحاد الأوروبي في تلك المناطق، وبين أدوات الضغط الجيوسياسي التي يستخدمها، وهو ما قد يضعف من قدرته على التأثير الناعم ويحد من جاذبيته كشريك دولي".
كما يُتوقع أن تسرّع عقوبات "نايارا إنرجي" إستراتيجية روسيا، التي تهدف إلى ترسيخ مسارات بديلة لتصدير الطاقة خارج أوروبا.
فقد زادت موسكو بالفعل من شحنات الغاز والنفط إلى دول مثل الصين والهند وتركيا، وحلت "حملة الطاقة نحو الشرق" محل مشاريع خطوط الأنابيب مثل "نورد ستريم".
وفي هذا الإطار، تمثل الهند ليس فقط سوقا جديدة، بل أيضا لاعبا فاعلا في التحايل المنهجي على العقوبات الغربية، ففي تحدٍ مباشر لمنظومة العقوبات الأوروبية يمكن لروسيا إعادة تصدير النفط ومشتقاته إلى أسواق آسيا وإفريقيا بعد إعادة تصنيفها.
جغرافية الطاقة
وقالت فريسكالا: إن “أزمة (نايارا إنرجي) تشكل مثالا صارخا على التحول العميق في دور شركات الطاقة، حيث لم تعد هذه الكيانات مجرد فاعلين تجاريين، بل أصبحت أطرافا جيوسياسية مؤثرة قادرة على إعادة تشكيل التوازنات الدولية”.
وأضافت أنه “مع نهاية عام 2026 نجد أن هناك احتمالا لتشكل ما يمكن وصفه بـ(التضامن الطاقوي المناهض للغرب) بين شركات كبرى مثل روسنفت الروسية، وسي إن بي سي الصينية، وأرامكو السعودية، وبتروناس الماليزية”.
ومن خلال الدعم الدبلوماسي الذي توفره حكوماتها، تستطيع هذه الشركات تطوير إستراتيجيات للتعامل بمعزل عن الأدوات المالية الأوروبية.
الأمر الذي قد يقود إلى حالة استقطاب جديدة في سوق الطاقة العالمية، ليس فقط على مستوى الدول، بل بين الشركات نفسها.
وأردفت الكاتبة بأن “الأزمة تثير أيضا جدلا قانونيا واسعا حول نطاق العقوبات الاقتصادية وشرعيتها، خاصة في إطار القانون الدولي ومنظومة الأمم المتحدة”.
وقد يؤدي احتجاج "نايارا إنرجي" على "عدم قانونية" العقوبات أساسا لرفع النزاع أمام منظمة التجارة العالمية، وهو ما قد يضع الاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب لمشروعيته في النظام التجاري المتعدد الأطراف.
وإذا كان قرار المنظمة يدور حول أن تقويم العقوبات يجب أن يتم وفق قواعد تجارة محايدة لا قوانين الاتحاد الداخلية، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف قدرة أوروبا على فرض عقوبات مماثلة مستقبلا.
وأضافت فريسكالا: “على الصعيد الداخلي، قد تؤدي هذه الأزمة إلى تعميق الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن أولويات الطاقة والسياسة الخارجية”.
فدول مثل المجر وبلغاريا وسلوفاكيا، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من الشرق، قد ترى في العقوبات تهديدا مباشرا لأمنها الطاقوي، مما قد يدفع إلى إعادة صياغة سياسة الطاقة الأوروبية على أسس متوافقة مع "المصالح المتعددة الطبقات" بدلا من "القرار المركزي الموحد".
وإن فشل الاتحاد في صياغة إستراتيجية مشتركة قد يضعف أيضا من شرعية "الصفقة الخضراء" داخل أوروبا، تؤكد الكاتبة.
متعدد الأقطاب
ولفتت فريسكالا إلى أن “(نايارا إنرجي) تعد محورا لسلاسل توريد واسعة في الهند، وتشمل أنشطتها قطاعات البتروكيماويات والتوزيع، إضافة إلى شبكات من المقاولين الفرعيين”.
وعليه، فإن العقوبات الأوروبية لن تؤثر فقط على قطاع الطاقة، بل ستمتد إلى صناعات الكيماويات والبلاستيك واللوجستيات والتمويل، ما قد يضر أيضا بالشركات الأوروبية ذات المصالح في السوق الهندية.
وقد تشمل هذه التأثيرات شركات كبرى مثل "بي بي"، و"توتال"، و"شل"، الأمر الذي قد يثير جدلا داخليا في الأوساط الاقتصادية الأوروبية حول كلفة وجدوى العقوبات.
وأضافت: “من المرجح أن تدفع هذه التطورات الهند إلى تسريع خطواتها نحو تطوير أنظمة دفع مستقلة عن المنظومات الغربية في مجالي التمويل العالمي وتجارة الطاقة”.
بينما قد تعمل نيودلهي في إطار "بريكس+" مع شركاء مثل روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا على إنشاء شبكات تعاملات خارج نظام "سويفت"، وتوسيع نطاق أنظمة الدفع الإقليمية التي تقلل الاعتماد على الدولار.
وقالت فريسكالا: إن “هذه الخطوات تمثل بداية محتملة لنظام اقتصادي جديد قائم على مقاومة العقوبات، وقد تفتح الباب أمام التشكيك في الهيمنة المالية الغربية”.
وأوضحت أن العقوبات الأوروبية على "نايارا إنرجي" لا تقتصر آثارها على روسيا فحسب، بل تمتد لتشمل قوى صاعدة مثل الهند، مما يعزز من ملامح نظام طاقوي متعدد الأقطاب.
كما ترى أن "استهداف شركات من دول ثالثة بشكل مباشر قد يضر بشرعية الاتحاد الأوروبي عالميا، ويكرس في دول الجنوب تصورا متناميا عن (الاستعمار الاقتصادي الجديد)".
وشددت فريسكالا على أنه “في هذا السياق، قد تتحول الهند إلى لاعب محوري في بناء منظومة مالية وتجارية بديلة، تقود تدريجيا إلى إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي على أسس مقاومة للعقوبات ومتحررة من الهيمنة الغربية”.