جورجيا ميلوني في تونس.. دعم إيطالي لقيس سعيد أم تفاهمات وراء الكواليس؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أبعاد جديدة في مسار الدبلوماسية التونسية تحت قيادة الرئيس قيس سعيد، وذلك من خلال الزيارة المفاجئة والخاطفة التي قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس نهاية يوليو/ تموز 2025. 

وحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، أثارت الزيارة، التي لم يعلن عنها مسبقا، تساؤلات واسعة، "نظرا للتناقض الواضح بين البيانات الرسمية الصادرة عن روما وتونس".

وأشارت إلى أن "هذا التضارب لم يكن استثناء، بل أصبح سمة متكررة في أسلوب قصر قرطاج الدبلوماسي، ما يثير حالة من الارتباك ويضعف صورة تونس خارجيا". 

كما يبرز التحول في السياسة الخارجية التونسية من الانفتاح والمشاركة في جهود حفظ السلام إلى تبني خطاب سيادي قائم على الانعزال وتقليص التمثيل الدبلوماسي.

وبينما تعتمد تونس بشكل متزايد على دعم الجزائر في مجالات الطاقة والتمويل، وتؤدي دورا محوريا لإيطاليا في ملف الهجرة مقابل مساعدات أوروبية، فإنها تبتعد عن شركائها التقليديين كالولايات المتحدة وفرنسا، ما يعكس تراجع النفوذ وتآكل الدور الذي لطالما تميزت به دبلوماسيا.

تضارب البيانات

وحول مضمون الزيارة، قالت "جون أفريك": إن "شيئا لم يتسرب عن الزيارة المفاجئة والخاطفة التي قامت بها رئيسة الوزراء ميلوني، في 31 يوليو إلى تونس، حيث التقت سعيد في قرطاج". 

وأشارت إلى أن "ما تسرب فقط هو أن مضيفها قدم لها حلويات تونسية، تذوقتها لاحقا برفقة وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني".

وأوضحت المجلة أن "التساؤلات سرعان ما تحولت إلى حيرة، وذلك بسبب تباين البيانات الرسمية الصادرة بعد اللقاء بين ما صدر عن قصر كيجي بروما وما صدر عن قصر قرطاج". 

فبالنسبة للإيطاليين، كان الهدف من الاجتماع تقييم ملف الهجرة غير النظامية، والتطرق إلى التعاون الثنائي، ومناقشة تقدم خطة "ماتي". 

أما بالنسبة للتونسيين، فقد جاء في روايتهم أن المحادثات شملت الوضع في قطاع غزة، وتطرقت أيضا إلى قضايا الاتجار بالبشر وتهريب الأعضاء.

وفي هذا السياق، نقلت المجلة الفرنسية عن دبلوماسي سابق قوله: "ومع ذلك، فإن أحد الموضوعين لا يمنع الآخر"، لكنه أبدى أسفه إزاء حالة الارتباك التي ولدتها هذه التناقضات، ويرى أنها "تضر بصورة تونس". 

وأضاف المصدر نفسه أنها "ليست المرة الأولى التي تكون فيها تصريحات قصر قرطاج غير متطابقة مع تصريحات الطرف المقابل، حتى أصبح ذلك سمة مميزة لدبلوماسية القصر".

عزلة دولية

ولفتت المجلة إلى أن "الانفتاح التصالحي الذي ميز في السابق السياسة التونسية، وسمح لها بالتميز ضمن بعثات لحفظ السلام بطلب من الأمم المتحدة في بعض النزاعات، خاصة في إفريقيا، لم يعد قائما".

وأشارت إلى أن "تونس ترفع اليوم شعار السيادة قبل كل شيء، وتتبنى رؤية ثنائية للعلاقات الدولية تجعلها في عزلة".

وذكرت المجلة أن "تونس أغلقت العديد من بعثاتها التمثيلية في الخارج"، مشيرة إلى وجود العديد من المناصب الشاغرة في السفارات. 

وعزت ذلك إلى الأزمة الاقتصادية العميقة، وإلى شعور متزايد بعدم جدوى توسيع العمل الدبلوماسي.

وأوضحت أن "سعيد، الذي يمسك بزمام السياسة الخارجية، يفضل التواصل مع قادة يشاطرونه الحساسية نفسها أو لا ينزعجون من التوجه الجديد الذي يرسمه لتونس".

ولفتت المجلة إلى أن سعيد، منذ "الانقلاب المؤسسي"، في 25 يوليو/ تموز 2021، حين أعاد تشكيل السلطة التنفيذية، جرد الوزراء من جزء كبير من صلاحياتهم وحول مهامهم إلى وظائف تنفيذية، وبذلك أصبح هو الممسك بزمام الدبلوماسية، إلى جانب مستشاره وليد الحجام.

كذلك أشارت إلى أن "سعيد أطلق إستراتيجية جديدة ذات طابع سيادي، تقوم على عدم التدخل وميل نسبي للحدة، وكان رأس حربتها وزير الشؤون الخارجية والهجرة السابق نبيل عمار (من فبراير/ شباط 2023 إلى أغسطس/ آب 2024)، الذي أصبح المندوب الدائم لتونس لدى الأمم المتحدة بنيويورك". 

وأردفت: "أما خليفته محمد النفطي، فقد واصل النهج نفسه بمرونة أكبر، لكنه بقي في موقع المنفذ فقط".

ولفتت المجلة إلى أن "المراقبين لاحظوا أنه منذ يونيو/ حزيران 2025، لم تخصص أي مقابلة في قصر قرطاج للشؤون الخارجية".

ميلوني تنقذ سعيد

وفي 22 يوليو/ تموز 2025، زار مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط وإفريقيا، قصر قرطاج. 

ووصفت المجلة طريقة الاستقبال بـ"الفاترة". 

واستطردت: "وهو ما أبرز أن سعيد لا يتعامل إلا مع (الدول الصديقة) والمقربة، وفي مقدمتها الجزائر بقيادة عبد المجيد تبون، وإيطاليا بقيادة ميلوني، اللتان تمثلان قوتين حيويتين تعتمد عليهما تونس بشكل متفاوت، إلى جانب تقارب محدود مع إيران".

وأوضحت أن "الجزائر توفر لتونس المساعدة في الغاز والدعم المالي، فيما يواصل السياح الجزائريون زيارة تونس". 

وأردفت: "بالمقابل، تبنت تونس الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية". 

أما بالنسبة لإيطاليا، أفادت المجلة بأن "تونس أصبحت بمثابة قاعدة متقدمة لوكالة فرونتكس الأوروبية -جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية- لمساعدة روما في مواجهة تدفق المهاجرين"، وهو ما مكّن تونس من الحصول على أكثر من 170 مليون يورو كمساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي. 

لكنها أكدت أن "علاقة سعيد بميلوني تبدو أوسع من مجرد هذا الاتفاق". إذ ترجح أن "رئيسة الوزراء الإيطالية جاءت لإنقاذه، في 31 يوليو 2025، في ملف بقي طي الكتمان حتى الآن".

وأشارت المجلة إلى أن "سعيد، بعد أن استبعد الشركاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وأيضا مصر والإمارات اللتين دعمتا تغيير النظام عام 2021، أبدى حرصا على تطوير علاقة مع إيران". 

وأضافت أنه "في المقابل، حذف من خطابه العبارات الداعمة بشكل منهجي لفلسطين، والتي ميزت حملته الانتخابية الأولى في 2019".

وأوضحت أن "الرئيس الذي قدم نفسه سابقا كمدافع قوي عن القضية الفلسطينية لم يشارك في أي قمة للجامعة العربية بهذا الشأن، ولم يتدخل حتى برسالة خلال جلسات الأمم المتحدة المختلفة".

وأشارت إلى أن "تونس غالبا ما امتنعت عن التصويت بحجة أنها لا تستطيع أن تعبر عن موقف تجاه كيان لا تعترف به". 

وأكدت المجلة أن "الدبلوماسية التونسية تبدو وكأنها فقدت بريقها ومصداقيتها ونفوذها، مقابل ازدياد حالة الارتباك". 

واختتمت بالقول: "وبعد أن حازت تعاطفا وتضامنا وقت الانتفاضة الشعبية وسقوط زين العابدين بن علي عام 2011، فإنها اليوم عاجزة عن بلورة محاور إستراتيجية جديدة، خصوصا في المجال الاقتصادي".