"دولة بوليسية".. لماذا زج ترامب بقوات عسكرية في واشنطن؟

إسماعيل يوسف | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

هل يخطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنشاء "دولة بوليسية"؟ أم يختلق أزمة عبر الإلهاء والاستعراض لتبرير توسيع صلاحياته الرئاسية؟

تساؤلات أصبحت متداولة في الولايات المتحدة بعد قرارات ترامب، نشر الحرس الوطني (قوات عسكرية) في العاصمة واشنطن، وجعل الشرطة تابعة لهم، بحجة مكافحة الجريمة.

مشرعون وقانونيون ومنظمات حقوقية عبروا عن قلقهم من توسيع دور الجيش في الشأن الداخلي، وحذروا من أن يكون ترامب ينوي استخدام نفس الوصفة في السيطرة على ولايات أخرى يعارض حكامها الديمقراطيون أوامره.

ووصفت صحف قراره بنشر قوات الحرس الوطني في العاصمة بأنها "خطة جريئة نحو تحويل الولايات المتحدة لدولة بوليسية عبر توسيع استخدام القوة العسكرية على الأراضي الأميركية".

بداية صدام؟

ففي خطوة مثيرة للجدل، تعد الثانية بعد أمره بتدخل الجيش الوطني في لوس أنجلوس ضد المهاجرين في يونيو/حزيران 2025، أعلن ترامب، 8 أغسطس/آب 2025، عن وضع شرطة واشنطن تحت إشراف اتحادي مباشر.

وقرر إنزال قوات عسكرية من الحرس الوطني للعاصمة، مبررا ذلك بضرورة مواجهة "عصابات ومجرمين خطيرين".

والحرس الوطني قوة عسكرية احتياطية للجيش الأميركي تتكون من فصيلين: الأول يتبع القوات البرية، والآخر يتبع القوات الجوية، ويبلغ عددهم نصف القوات الأميركية، وعدتهم تساوي ثلث ما يملك الجيش.

ويمكن تعبئة هذه القوات ونشرها في الشوارع من قبل الرئيس الأميركي لمساعدة القوات المسلحة في البلاد.

ويتمتع الرئيس بسلطة واسعة على أفراد الحرس الوطني بالعاصمة، وعددهم 2700، على عكس الوضع في الولايات؛ حيث يحظى حكامها عادةً بسلطة نشر القوات.

وقال ترامب في 11 أغسطس: إنه سيضع إدارة الشرطة في واشنطن العاصمة تحت السيطرة الاتحادية، وسيأمر الحرس الوطني بالانتشار هناك لمكافحة ما قال: إنها موجة من الخروج على القانون.

وجاء ذلك رغم أن الإحصاءات أظهرت تراجع جرائم العنف في واشنطن في مارس/آذار 2024 إلى أدنى مستوى لها في 30 عاما. بحسب وكالة "رويترز" البريطانية.

وأعلن ترامب تولّيه السيطرة على ولاية واشنطن استنادا إلى بند نادر في قانون عام 1973، يمنح سكان العاصمة الحكم الذاتي ويسمح للرئيس بالسيطرة على الشرطة للطوارئ.

وكانت الأجواء هادئة بين الجانبين بعد إعلان عمدة المدينة المؤقتة موريل باوزر التزامها بالأمر التنفيذي للرئيس ترامب لمحاولة تجنب الصداع، بشرط استمرار سيطرة واشنطن على الشرطة وحركة الوظائف.

غير أن تحركات إدارة ترامب ووزيرة العدل الأميركية (المدعي العام) بام بوندي لاحقا، أدت إلى بداية الصدام الفعلي، بعدما أعلنت الأخيرة، المكلفة بإدارة شرطة العاصمة من الرئيس نفسه، توسيع سلطتها من خلال تعيين مفوض طوارئ.

ثم منحت صلاحيات قائد الشرطة إلى رئيس إدارة مكافحة المخدرات الفيدرالية، تيري كول. 

كما أعلنت أنها ستوقف السياسات المحلية التي تحد من تعاون الشرطة مع سلطات إنفاذ قانون الهجرة، ما تسبّب في حالة من الغضب والتصعيد من قبل إدارة المقاطعة.

ولوضع حد لجنون ترامب، رفعت العاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا) دعوى قضائية، 15 أغسطس 2025، لوقف سيطرته على إدارة شرطة المدينة.

وهو ما يؤشر لبداية فعلية للصدام بين الجانبين في ظلّ ما تعده سلطات العاصمة المحسوبة على الحزب الديمقراطي "تجاوزا للصلاحيات" المخول بها للرئيس. وفق صحف أميركية.

ووصف المدعي العام للعاصمة واشنطن "برايان شوالب"، الذي رفع الدعوى القضائية هذه التصرفات غير المسبوقة لإدارة ترامب بأنها "تتجاوز بكثير حدود السلطة المحدودة له وتسعى إلى الاستيلاء والتعدي على قوات الشرطة المحلية".  

ويستند مقترح خطة ترامب على بند في القانون الأميركي يسمح للقائد العام للقوات المسلحة بالالتفاف على القيود المفروضة على استخدام الجيش داخل الولايات المتحدة.

وتعتمد إدارة ترامب على قانون "دي سي هوم رول" الذي أقرّه الكونغرس عام 1973، والذي يمنح الرئيس صلاحية السيطرة مؤقتا على شرطة العاصمة لمدة 30 يوما.

وقال جوزيف نون، المحامي في مركز برينان للعدالة والمتخصص في القضايا القانونية ذات الصلة بالأنشطة الداخلية للجيش الأميركي: إن إدارة ترامب تعتمد على نظرية قانونية هشّة مفادها أن الرئيس يمكنه التصرف على نطاق واسع لحماية الممتلكات والوظائف الفيدرالية.

وخلال الأشهر السبعة الأولى من ولايته الثانية، أشرف ترامب على نشر حوالي 20 ألف جندي فيدرالي على الأراضي الأميركية بما في ذلك أفراد من الحرس الوطني والجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية. وفقا للبنتاغون. 

وفي يونيو/حزيران نشر ترامب قوات من الحرس الوطني في ولاية لوس أنجلوس؛ حيث أرسل خمسة آلاف جندي لمواجهة احتجاجات على حملة شنتها إدارته على مهاجرين. واعترض مسؤولون من الدولة والولايات على قرار الرئيس وعدوه غير ضروري وتحريضيا.

دولة بوليسية؟

دفعت قرارات ترامب ووزيرة العدل صحف أميركا لوصف ما يفعله بأنه "انقلاب عسكري" و"توسيع لدور الجيش"، وتحويل أميركا لدولة بوليسية".

صحيفة "وول ستريت جورنال"، انتقدت بشدة 11 أغسطس تدخّل القوات العسكرية في مهام الشرطة داخل الأراضي الأميركية، وترى أنه "خطوة لتوسيع دور الجيش والقوات العسكرية في الشؤون الداخلية.

وأكدت أن هذا أثار جدلا قانونيا حادا حول توسع الوجود العسكري الأميركي في الشؤون الداخلية.

ونقلت عن الباحثة في صندوق مارشال الألماني والأستاذة السابقة في كلية الحرب الأميركية كاري لي، في تفسيرها أن ما يجرى "اختبار تجريبي لاستخدامات أكثر غموضا للقوات العسكرية في مدن أميركية أخرى".

وذكر تحليل الصحيفة أن "قانون بوسي كوميتاتس" يمنع عادة استخدام الجيش في تطبيق القانون داخل البلاد إلا في حالات محددة وقانونية نادرة.

ولكن ترامب استخدم في ولايته الثانية الحرس الوطني والجيش في عدة مناسبات.

منها إرسال مشاة البحرية وقوات الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لمواجهة احتجاجات تندد باعتقالات المهاجرين، واستخدام طائرات عسكرية لنقل المحتجزين منهم خارج البلاد.

وتحت عنوان "تجربة ترامب لدولة بوليسية"، قال الصحفي المتخصص في شؤون العدالة الجنائية، "رادلي بالكو": إن خطوة الرئيس تُعد اختبارا لمدى قدرته على توسيع سلطاته.

ورأى في مقاله بصحيفة "إنترسبت" 11 أغسطس 2025، أن ذلك "يشكل تهديدا مباشرا للديمقراطية الأميركية، وينذر ببناء دولة بوليسية".

قال: إن ما يفعله ترامب "ليس استجابة حقيقية لارتفاع معدلات الجريمة، بل محاولة لترهيب المعارضين وقمع الاحتجاجات وفرض سيطرة مركزية قوية على المدن التي تحكمها قيادات ديمقراطية".

وحذر من أن "الدولة البوليسية العسكرية هي نظام تُستخدم فيه الشرطة والقوات المسلحة لقمع الحريات المدنية، وفرض السيطرة على السكان بقوة السلاح والترهيب، مما يهدد الحريات الأساسية والديمقراطية".

وتحدثت صحيفة "أتلانتيك ديلي"، 11 أغسطس عما أسمته "دولة البوليس الرئاسية"، مشيرة إلى أن "ترامب يقدم لنا حكومة استبدادية حذر منها حزبه ذات يوم، بعد أن قال الجمهوريون: إن الديمقراطيين يُرسخون دولة بوليسية".

وأشارت إلى أنه "طوال فترتي رئاسته تعامل ترامب مع الجيش كأداة للإدلاء بتصريحات حول القضايا التي يهتم بها وتلك التي لا يهتم بها".

هيئة تحرير صحيفة "فيلادلفيا إنكويرر"، وصفت في 16 أغسطس استيلاء الرئيس على شرطة واشنطن بأنه "جزء من خطة استبدادية تعمل أيضًا على صرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية والاستغلال الذي يحدث".

كما وصفت تعامل ترامب مع السلطة الفيدرالية بأنها "محاولة فظيعة أخرى لتحويل أميركا إلى دولة بوليسية"، وأنه "أحدث استغلال من الرئيس للسلطة وإهدار أموال دافعي الضرائب لإشباع خيالاته".

وعقب موقع "ذا هيل"، 13 أغسطس على خطة ترامب بقوله: إن "أحلامه الاستبدادية بدأت تتحقّق مع تحويل الحرس الوطني واشنطن العاصمة إلى دولة بوليسية".

وأكّد أنه لم ينجح في شيء في ولايته الثانية لذا سعى لتحويل قوات الشرطة والجيش الفيدرالية للعمل "ضد رؤساء البلديات السود في المدن الديمقراطية".

وقال: إن استيلاء ترامب على السلطة الفيدرالية في واشنطن يرجع لـ "شغفه بالاستبداد وشغفه بنشر الأكاذيب السامة عن غير البيض".

وأشار إلى تهديدات ترامب الأخيرة باعتقال المرشح الديمقراطي (المسلم) لمنصب عمدة نيويورك، زهران ممداني، وتوقع ألا يتوقف عن هذا السلوك.

وفي تقرير آخر له، نقل موقع "ذا هيل" قلق عدد من السياسيين الديمقراطيين ومجموعات الحقوق المدنية إياه من استعراض ترامب السياسي للقوة.

وأكّدوا أنه يهدف لاستخدام الجيش ضد المدنيين، وهو ما يشير إلى ميول استبدادية وتجاوزات في استخدام السلطة.

وألمحت "نيويورك تايمز" إلى أن ما فعله ترامب يشبه "انقلابا عسكريا" حيث استبدل البوليس بقوات عسكرية أو شبه عسكرية.

وتساءلت: هل هي محاولة لفرض سيطرته على البلاد أم للتغطية على فضيحة جيفري ابستين؟ أم هروب من الأداء الاقتصادي السيئ لحكومته وعدم قدرته على إيقاف حرب أوكرانيا وغزة؟

ونقلت نيويورك تايمز عن المدعية العامة الفيدرالية السابقة ماري ماكورد، قولها: "إذا أردنا النظر إلى العصابات الإجرامية، فلنرَ أحداث 6 يناير/كانون الثاني 2021، فقد كان لدينا عصابة إجرامية، وقد وصفهم (ترامب) بأنهم متظاهرون سلميون".

ووقتها، وقعت مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين من أنصار ترامب اقتحموا مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، وأسفرت عن مقتل 4 أشخاص واعتقال 52 آخرين.

وجاء اقتحام أنصار ترامب، والذي يعدّ سابقة خطيرة بالحياة السياسية الأميركية، أثناء انعقاد جلسة للكونغرس، للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، وتأكيد اسم الرئيس الفائز ونائبه (جو بايدن وكامالا هاريس وقتها).

أيضا قوبل إعلان ترامب نشر قوات الحرس الوطني في عدد من الولايات وكذلك مقترح تشكيل "قوة رد فعل سريع" لمواجهة الاضطرابات المدنية، بانتقادات واسعة من مسؤولين ومشرعين وصحف بارزة.

وقال السيناتور جاك ريد، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية رود آيلاند، وكبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة، في بيان: "إن التوسع المستمر للرئيس ترامب في استخدام الجيش في الشؤون الداخلية أمرٌ مثير للقلق".

وأضاف: "جيشنا مُدرّب على الدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية ومساعدة المجتمعات في حالات الكوارث أو الطوارئ، وليس على أداء مهام الشرطة المحلية اليومية، وهذا النشر يُمثل إساءة استخدام جسيمة للحرس الوطني".