إدارة أميركية لممر زنغزور لـ100 عام.. صفعة تاريخية لروسيا أم ساحة حرب جديدة؟

"واشنطن اقترحت خطة مبتكرة تقضي بمنح إدارة الممر لشركة أمن أميركية خاصة لمدة تصل إلى 100 عام"
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توقيع اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان في البيت الأبيض في 8 أغسطس/ آب 2025، بحضور رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، اللذين وصلا إلى واشنطن خصيصا لهذا الحدث.
وأشاد ترامب بكلا الزعيمين قائلا: إنهما "يتخذان القرار الصحيح"، كما كشف عن أن الولايات المتحدة ستوقع اتفاقيات ثنائية مع كل طرف لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي المشترك.
في هذا السياق، تحدث مدير مركز المجتمع الجديد للدراسات، فاسيلي كولتاشوف، لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية عن التداعيات السلبية التي تنتظرها روسيا في منطقة القوقاز بعد هذه التطورات.

شرخ جيوسياسي
وأشار كولتاشوف إلى أن "العقبة الأساسية لتنفيذ اتفاق السلام بين البلدين تتمثل في قضية ممر زنغزور".
حيث "تصر أذربيجان على إنشاء ممر خارجي يربط أراضيها الرئيسة بجمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بحكم ذاتي والتابعة لها، وهو ما يثير مخاوف جدية في يريفان".
إذ تخشى أرمينيا أن "يؤدي منح هذا الممر وضعا خارجيا إلى فقدانها السيطرة الفعلية على جزء من أراضيها في المستقبل".
وفي محاولة لإيجاد حل وسط، ذكرت الصحيفة أن "واشنطن اقترحت خطة مبتكرة تقضي بمنح إدارة الممر لشركة أمن أميركية خاصة لمدة تصل إلى 100 عام".
ما يعني عمليا "إنشاء (منطقة إدارة خاصة) تحت النفوذ الأميركي".
في المقابل، أفادت الصحيفة بأن "تركيا، التي تشارك بنشاط في المفاوضات، تروج لبديل يتمثل في شركة تشغيل خاصة تكون مقبولة من الطرفين".
وتعتقد أن "تنفيذ الخطة الأميركية قد يؤدي إلى تعزيز غير مسبوق لنفوذ واشنطن في المنطقة".
وأضافت: "وفقا لمعلومات غير مؤكدة، يجرى الحديث عن إمكانية نشر قوة كبيرة من الشركات العسكرية الخاصة قوامها 1000 مقاتل في منطقة الممر".
وترى أن "هذا السيناريو سيخلق واقعا جيوسياسيا جديدا في جنوب القوقاز، وقد يحول المنطقة إلى ساحة مواجهة جديدة بين الغرب والمحور الروسي-الإيراني".
مشيرة إلى أن هذه التطورات تحمل مفارقة لافتة، إذ إنه بعد عقود من انهيار الاتحاد السوفيتي، قد تصبح الولايات المتحدة ضامنا لخط نقل جديد يربط بين جمهوريات سوفيتية سابقة.
واستدركت: "لكن على عكس ما كان في الحقبة السوفيتية، فإن هذا الممر قد لا يكون جسرا للتواصل بين الشعوب، بل شرخا جيوسياسيا جديدا في منطقة تعاني أصلا من عدم الاستقرار".
في هذا السياق، يرى فاسيلي كولتاشوف أن "إقصاء روسيا من أراضي أذربيجان وأرمينيا لن يؤدي إلى نتائج إيجابية".
ويضيف: "لدينا طريق تجاري محوري يُعرف بممر (الشمال-الجنوب)، يمر عبر بحر قزوين، ومن غير المقبول إطلاقا أن يوجد الأميركيون في هذه المنطقة".
واستدرك: "لكن إذا تمكنوا من الوجود هناك، فلن يكون ذلك عائقا أمام حماية الممر في حالة التهديد، التاريخ يعلمنا كيف تم التعامل مع مثل هذه المواقف".
ويتابع كولتاشوف: "علاقاتنا مع أذربيجان تتدهور بسبب سياسات علييف وتوجهه العام المعادي لروسيا".
وأردف: "أما الوضع مع أرمينيا فهو أكثر تعقيدا؛ فباشينيان يشارك شكليا في مشاريعنا التجارية ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتحظى المنتجات الأرمنية ببعض الامتيازات، لكنهم يبتعدون عنا تدريجيا، ويتقاربون مع بريطانيا وأذربيجان، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا".
ويؤكد كولتاشوف أن "فرص التوصل إلى حلول دبلوماسية تتضاءل يوما بعد يوم"، مشيرا إلى "أخطاء سياسية سابقة ارتكبتها موسكو، بما في ذلك الثقة المفرطة في الغرب".
وحذر من أن "روسيا تفقد نفوذها في المنطقة، وأن أرمينيا وأذربيجان قد تتحدان في تكتل مناهض لموسكو".
مضيفا: "في حالة الدفاع عن الممر الحيوي الذي يربط روسيا بإيران والهند عبر بحر قزوين، قد تجد أرمينيا نفسها إلى جانب أذربيجان، مما يعقد الوضع الجيوسياسي بشكل أكبر".

نزع السيادة
وفي معرض حديثه عن كيفية تعامل روسيا مع الوضع المتأزم في جنوب القوقاز، قال كولتاشوف إن "الأمر بسيط نسبيا، فهناك قاعدة قانونية مهمة صاغها الرئيس الأميركي الأسبق والمحامي المعروف أبراهام لينكولن، حيث قال إن الجزء لا يمكنه اتخاذ قرارات نيابة عن الكل".
وأكمل موضحا مقصده: "أي ببساطة، إن استقلال أذربيجان وأرمينيا، وكذلك أوكرانيا، لم يكن ليحدث لولا أنها كانت دولا صديقة لروسيا".
وتابع: "عندما انفصلت هذه الدول عن الكيان الأكبر (روسيا)، مُنحت حق اتباع سياسات مستقلة، ولكن ضمن إطار الحياد والصداقة معنا".
وهو ما يعني -على حد تعبيره- أنها "تفقد حقها في السيادة، وبالتالي يجب نزع سيادتهم".
مشيرا إلى أن "ما يحدث مع أوكرانيا حاليا هو مثال على ذلك، حيث تُنتزع سيادتها تدريجيا، وينبغي أن يحدث الأمر ذاته مع أرمينيا وأذربيجان، فإذا اختارتا نهجا معاديا لروسيا، فلا يمكنهما الحفاظ على استقلالهما".
وعن إمكانية أن يؤدي ذلك إلى عملية عسكرية خاصة جديدة، رجح كولتاشوف "حدوث ذلك في المستقبل"، منوها أنه "ليس بالضرورة أن تكون روسيا هي البادئة".
حيث يتوقع أن "تبادر أذربيجان ببدء الحرب، إذ ترى باكو أنه ما دامت أوكرانيا لا تزال صامدة، فإن أمامها فرصة للتوسع أكثر في المنطقة، تمهيدا للسيطرة على جورجيا، وصولا إلى إنشاء (أذربيجان الكبرى)"، على حد قوله.
أما عن إيران فقدر أنها "لن تتدخل، لأنها خرجت لتوها من أزمة معقدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضاف: "هذا يعني أنها ستتخذ موقف المراقب، وستكتفي بالمشاهدة. أما نحن، فسنكون الطرف الذي يتعامل مع هذه الأزمة".

بنية النظام
وفي تفسيره لأسباب تراجع النفوذ الروسي في منطقة جنوب القوقاز، ألقى كولتاشوف باللوم على الدبلوماسيين الروس قائلا: "السبب الرئيس وراء نجاح الأميركيين في القوقاز وفشلنا نحن، يكمن في بنية نظامنا الدبلوماسي".
ووفقا له، فإن "معظم الدبلوماسيين الروس ليسوا سوى موظفين مهنيين يفتقرون إلى الخبرة السياسية العملية".
وأردف: "صحيح أن المناصب العليا تُسند إلى سياسيين ذوي خبرة، لكن على مستوى السفراء ورؤساء الأقسام في السفارات، فإن من يشغل هذه المناصب هم بيروقراطيون غالبا ما يفتقرون إلى الجرأة لاتخاذ قرارات مصيرية تخدم مصالح روسيا".
وأوضح أن "هذه المشكلة تتفاقم بسبب الطابع المغلق للنظام البيروقراطي الروسي، فبعكس الولايات المتحدة التي تمزج بين الدبلوماسيين المهنيين والسياسيين، ينحصر عمل كثير من الدبلوماسيين الروس في مهام بروتوكولية ورمزية".
واستطرد: "مثل تنظيم فعاليات (أيام الصداقة مع روسيا) أو تقديم الهدايا التذكارية كعرائس الماتريوشكا، دون الإلمام الكافي بما يجري على أرض الواقع".
ما يؤدي -بحسبه- إلى "بقاء أحداث مهمة، كالصراعات في جنوب القوقاز، بعيدة عن أعين القيادة العليا، لأن المعلومات لا تصل إليها بشكل فعال".
وأشار إلى أن "الأميركيين لديهم القدرة على تعيين دبلوماسيين سياسيين لتنفيذ مهام حساسة، بينما تفتقر روسيا لمثل هذه الممارسة".
وهو ما يعتقد أنه "يضعف قدرة دبلوماسييها على التفاعل السريع مع التغيرات في المنطقة ويجعلهم غير مستعدين لاتخاذ خطوات نشطة".
مؤكدا أن "كثيرين منهم يضعون الحفاظ على مسارهم المهني أولوية فوق حماية المصالح الوطنية".
ورغم ذلك، يرى كولتاشوف أن "نجاح الأميركيين والبريطانيين في المنطقة قد يكون مؤقتا"، مشددا على أن "روسيا أثبتت تاريخيا قدرتها على خوض الحروب، وأنه لا ينبغي لأحد أن ينسى ذلك".
وحذر من أن "وجود تصور مشوه لدى أذربيجان عن القدرات العسكرية الروسية، ما قد يدفعها إلى التقليل من شأن قدرة موسكو على التحرك الحاسم".
وأعرب الخبير الروسي عن رغبته في التوصل إلى حلول دبلوماسية، لكنه أقر بأن "فرص ذلك تتضاءل يوما بعد يوم مع ازدياد التدخل الأميركي النشط في شؤون جنوب القوقاز".
مؤكدا أن "هذه المنطقة ذات أهمية تاريخية بالغة، وأن نفوذ دول أجنبية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا فيها أمر غير مقبول".
وبحسب تصوره، تعد منطقة جنوب القوقاز ممرا استراتيجيا يجب أن يبقى آمنا للتجارة الروسية، خصوصا مع الهند وإيران، في ظل رهانات موسكو على التجارة القارية وما تحمله من إمكانات ضخمة، ولذلك، لا ينبغي أن يوجد أي نظام غير ودي في المنطقة.
ودعا كولتاشوف إلى "إعادة صياغة مفهوم السيادة بما يضمن حماية المصالح الروسية"، مستشهدا في هذا السياق بتجربة ألكسندرا كولونتاي، سفيرة الاتحاد السوفيتي في السويد خلال الحرب الوطنية العظمى".
التي يعتقد أنها "جسدت نموذج السياسي القادر على إدارة العمل الدبلوماسي بنجاح"، مشددا على أن "روسيا بحاجة إلى مثل هؤلاء الدبلوماسيين، لكن ظهورهم يظل رهنا بإصلاح شامل للنظام الحالي".