تدهور العلاقات مع الهند.. إلى أي مدى يدفع أميركا للاعتماد على باكستان؟

"ثمة تحول في الأولويات الأميركية من الرهان على إسلام آباد أكثر من رهانها على نيودلهي"
في ظل فتور واضح في العلاقات الأميركية الهندية، على خلفية قرار الرئيس دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على السلع الهندية، إلى جانب إصراره على مطالبة نيودلهي بالتخلي عن استيراد النفط الروسي… وتفاعلا مع هذه التطورات، ترى صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن ترامب قرر أن الوقت قد حان للتقارب مع باكستان؛ الحليف القديم لواشنطن.
ومن المثير للاهتمام، حسب الصحيفة، أن الرئيس الأميركي يرى في النفط وسيلة لتحسين العلاقات مع باكستان؛ إذ يزعم أن لدى إسلام آباد احتياطيات نفطية يمكن أن تستفيد منها الشركات الأميركية.

تحول ملحوظ
وفي هذا السياق، التقى ترامب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وقائد الجيش المشير سيد عاصم منير في البيت الأبيض، في الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2025، في أحدث مؤشر على تحسن العلاقات بين البلدين.
وأشاد شريف بترامب ووصفه بأنه "رجل السلام"، ودعا الشركات الأميركية للاستثمار في قطاعات الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والمناجم والمعادن والطاقة في باكستان. بحسب بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء الباكستاني.
وأشارت الصحيفة إلى أن باكستان "استقبلت خطوات ترامب للتقارب معهم بترحيب بالغ؛ إذ شعر المسؤولون الباكستانيون بالفخر إزاء الحفاوة التي أبداها ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء شهباز شريف ورئيس أركان الجيش عاصم منير".
"من جانبه، سارع البيت الأبيض، بعد اللقاء، إلى الإشادة بالاتفاق الذي سيسمح للشركات الأميركية باستخراج النفط في باكستان". وفق ما ذكرته الصحيفة.
ما يعكس تحولا في الأولويات الأميركية من الرهان في هذه المرحلة على إسلام آباد أكثر من رهانها على شريكها الإستراتيجي نيودلهي.
وتابعت: "وكما هو معروف، فإن الكلمة الفصل في قضايا الحرب والسلم في باكستان تبقى دوما بيد الجنرالات، وهو ما يفسر دعوة ترامب إلى البيت الأبيض لكل من رئيس الوزراء وقائد الجيش معا".
ورأت الصحيفة أن هذا الاستقبال الودي مع وصف ترامب لهما بـ "القادة العظام"، يعد "بمثابة إشارة إلى تحول في السياسة الأميركية".
فوفقا لها، "كان الرؤساء الأميركيون في السابق يتعاملون ببرود مع المسؤولين الباكستانيين، لكن هذه المرة، شهدت العاصمة الأميركية دعوة لرئيس الوزراء الباكستاني للمرة الأولى منذ عام 2019".
"كما أن اللقاء الثاني خلال عام واحد بين ترامب وقائد الجيش عاصم منير، الذي لا يشغل منصبا رسميا في الحكومة، يعكس إدراك واشنطن لمن يملك النفوذ الحقيقي في البلاد". بحسب تقديرها.
"من جهتها، سعت باكستان إلى كسب ود واشنطن عبر خطوات ملموسة"، تقول الصحيفة.
وأردفت: "فقد سلمت عددا من المتهمين بالإرهاب من السجون إلى السلطات الأميركية، كما نسبت علنا الفضل في تجنب اندلاع حرب شاملة مع الهند إلى الرئيس ترامب".
وأضافت: "وفي خطوة رمزية، رشحت الحكومة الباكستانية الرئيس الأميركي رسميا لنيل جائزة نوبل للسلام".

عرض مُغْرٍ
ولفتت الصحيفة الروسية إلى أن "العرض الأكثر جدوى لتقريب المسافة مع الرئيس الأميركي كان اقتراح باكستان فتح باب التنقيب عن الموارد الطبيعية (غير المستغلة) في البلاد، مثل المعادن والغاز والنفط".
ففي يوليو/ تموز 2025، كتب ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال": "لقد أبرمنا لتونا صفقة مع باكستان تنص على أن الولايات المتحدة وباكستان ستعملان معا على استغلال الاحتياطات الغنية من النفط في هذا البلد، ونحن بصدد اختيار شركة نفط أميركية لتقود هذا الشراكة".
وقد أكَّدت هذه التصريحات القائمة بالأعمال الأميركية المؤقتة في باكستان، ناتالي بيكر، التي أوضحت لوسائل الإعلام الباكستانية أن قطاع الأعمال الأميركي أبدى اهتماما ملموسا باستثمار احتياطات النفط والغاز والمعادن في البلاد.
وأوضحت الصحيفة أنه "بالفعل، حصلت باكستان على مكافأة مبكرة مقابل هذه الوعود؛ إذ منحها ترامب تعريفة جمركية تفضيلية بنسبة 19 بالمئة على صادراتها إلى الولايات المتحدة".
ولفتت إلى أن "هذه النسبة هي الأدنى بين دول جنوب آسيا، وأقل بكثير من التعريفة المفروضة على الهند، الجارة والخصم التقليدي لباكستان، والتي تبلغ 50 بالمئة".
واستطردت: "وفي تطور جديد أعلنت واشنطن وإسلام آباد، نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2025، عن صفقة جديدة تقضي باستثمار أميركي بقيمة 500 مليون دولار في قطاع التعدين الباكستاني، بما يشمل النحاس والمعادن الأرضية النادرة، رغم غياب بيانات دقيقة حول حجم هذه الموارد في البلاد".

خدعة سياسية
وأبرزت الصحيفة أن "أكثر ما أثار حيرة الخبراء والمسؤولين السابقين في باكستان هو وعد ترامب بتطوير قطاع النفط".
وتابعت موضحة: "فالشركات النفطية الكبرى، بما فيها الأميركية، حاولت على مدى سنوات طويلة العثور على احتياطيات كبيرة غير مستغلة في باكستان، دون أن تنجح في ذلك".
مضيفة: "حتى الآن، لا توجد أدلة موثوقة على وجود مثل هذه الاحتياطيات".
في هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن "غ. أ. صبري، الوزير الباكستاني السابق الذي يفضّل التعريف بنفسه بالأحرف الأولى فقط، وصف جميع المشاريع النفطية في البلاد بأنها (خدعة سياسية)".
أما رزا خان، المدير العام السابق لشركة "باكستان بتروليوم ليمتد (PPL)"، فقد أكد أن ما يصفه ترامب بأنه "احتياطات نفطية هائلة في باكستان، لا أساس له من الصحة".
وقال: "لا نملك بيانات تثبت ذلك، ولا أي تصور واضح عن أماكن وجود هذه الحقول المزعومة".
وأفادت الصحيفة بأن "خان، شأنه شأن العديد من الخبراء الباكستانيين، يشير إلى أن عمليات البحث عن النفط داخل الأراضي الباكستانية وفي سواحلها البحرية مستمرة منذ أكثر من نصف قرن، دون اكتشاف أي حقول مجدية تجاريا حتى الآن".















