إسلاموفوبيا على طريقة ترامب.. من مهاجمة صادق خان إلى تصريحات براك ضد المسلمين

داود علي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتجاوز تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو مبعوثه إلى سوريا توم براك حدود الجدل السياسي العابر، لتعكس اتجاها أوسع في الثقافة السياسية الأميركية نحو تحويل الإسلام والمسلمين إلى إطار تهديد دائم. 

فمنذ أكثر من عقدين والعالم يتابع كيف تحولت حرب واشنطن المزعومة على الإرهاب إلى غطاء لإعادة إنتاج خطاب عدائي ضد المسلمين في الغرب. 

لكن ما كان يقال همسا في كواليس مراكز القرار الأميركي، صار اليوم يعلن جهارا على ألسنة كبار المسؤولين، من البيت الأبيض إلى المنابر الدبلوماسية. 

ولم يعد الأمر مجرد خطاب انتخابي عابر، بل تحول إلى لغة سياسية كاملة تستهدف المسلمين، ديانة وشعوبا وشخصيات عامة، من لندن إلى نيويورك، ومن غزة إلى الخليج.

صادق خان 

ولم تكن تصريحات ترامب بحق المسلمين مجرد مواقف عابرة، بل أصبحت علامة فارقة في خطابه السياسي. 

ومن مقر الأمم المتحدة، في 23 سبتمبر/ أيلول 2025، اختار ترامب أن يوجه سهام هجومه مجددا نحو عمدة لندن المسلم صادق خان.

وقال ترامب: "انظروا إلى لندن، حيث لديكم رئيس بلدية سيئ للغاية، لقد تغيرت كثيرا.. والآن يريدون تطبيق الشريعة.. لكنكم في بلد مختلف، لا يمكنكم القيام بذلك". 

كلمات تكشف بوضوح عن نزعة للتحريض ضد المسلمين، عبر ربطهم بصورة "الخطر" و"القوانين الغريبة" التي تهدد الغرب.

صادق خان الذي أصبح واحدا من أبرز الأصوات المسلمة في السياسة الأوروبية، لم يتأخر في الرد عبر "سكاي نيوز" و"آي تي في"، واصفا ترامب بأنه “عنصري، متحيز عرقيا، كاره للنساء ومعادٍ للمسلمين”.

وأضاف بسخرية لاذعة: "أظن أنني أصبحت أعيش في ذهن ترامب مجانا.. آمل فقط ألا يرسل لي فاتورة عن كل هذا الوقت الذي أمضاه بالتفكير بي".

ومع ذلك، فإن هذا الاشتباك لم يكن سوى فصل جديد في صراع قديم بين الرجلين، فمنذ عام 2016، خلال ولاية ترامب الأولى، اقترح منع دخول مواطني دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وكان صادق خان أول المنتقدين لتوجهه. 

ثم تجدد الخلاف عام 2019، حين شبه صادق خان ترامب بـ"الدكتاتوريين الأوروبيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي"، ليرد الأخير بوصفه بـ"الفاشل" متحديا إياه بخوض اختبار لمعدل الذكاء.

ولم يقتصر هجوم ترامب على صادق خان، بل امتد لينال وجوها مسلمة صاعدة في الولايات المتحدة نفسها، مثل السياسي الأميركي المسلم من أصول هندية أوغندية زهران ممداني، الفائز في الانتخابات التمهيدية لرئاسة بلدية نيويورك عن الحزب الديمقراطي. 

ففي منشور على منصته "تروث سوشيال" في 2 يوليو/ تموز 2025، كتب ترامب مهاجما ممداني: "لن يسمح له بتدمير المدينة، بصفتي رئيس الولايات المتحدة، لن أسمح لهذا المجنون بأن يدمر نيويورك".

وتعهد ترامب بلغة تنضح بالتهديد، بأنه "سينقذ نيويورك ويعيدها عظيمة من جديد"، مضيفا: "كل السيطرة والأوراق بيدي، اطمئنوا، سأجعل نيويورك جذابة وعظيمة مرة أخرى، تماما كما فعلت مع أميركا في الماضي".

هذا الخطاب يكشف أن استهداف المسلمين لم يعد مرتبطا فقط بـ"الآخر الأجنبي" في أوروبا، بل بات يشمل السياسيين المسلمين داخل الولايات المتحدة ذاتها، الذين يمثلون جيلا جديدا يسعى لكسر احتكار النخب التقليدية للسلطة.

صراحة مدهشة

وفي مشهد آخر أكثر صدمة، خرج المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، بتصريحات مباشرة في 22 سبتمبر/أيلول 2025 خلال مقابلة مع برنامج "أون ذا ريكورد" على قناة "ناشيونال نيوز". 

وقال براك بوضوح لدول الخليج: "أنتم لستم دولا حليفة، مصالح أميركا لا تتوافق مع أي دولة في الشرق الأوسط"، مضيفا أن "السلام لن يتحقق أبدا في المنطقة".

الأخطر أن براك صاغ الصراع في الشرق الأوسط بصفته "صراعا على الخضوع والهيمنة"، وعلق: "في هذه المنطقة من العالم لا يوجد مرادف دقيق لمعنى الخضوع باللغة العربية". 

قبل أن يلفت الانتباه إلى مسألة ديموغرافية عالمية، "عدد المسلمين سيصل إلى خمسة مليارات بحلول عام 2045". 

وبحسب براك، فإن هذا الرقم يمثل "تحديا إستراتيجيا للولايات المتحدة"، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها وسياستها الخارجية. 

كذلك وجود بيت هيغسيث، وزيرا للدفاع في الإدارة الأميركية الحالية، يطرح سؤالا حول طبيعة الهوية الأميركية نفسها، وعلاقتها بالمسلمين عموما، وهل الولايات المتحدة دولة علمانية محايدة دينيا؟ أم أنها تتحول تدريجيا إلى نسخة سياسية محملة بالدلالات الدينية المتطرفة؟

هيغسيث لا يخفي خلفيته الدينية، بل يعبر عنها عبر أوشام تحمل رموزا تاريخية مثيرة للجدل. 

ففي مقابلة مع المذيع شون رايان، كشف أن أحد الجنود وصفه ذات مرة بـ"القومي الأبيض المحتمل" بسبب هذه الرموز التي تستحضر مباشرة ذاكرة الحروب الصليبية في العصور الوسطى. 

على ذراعه يظهر الوشم الشهير "Deus Vult"، شعار الصليبيين الذي يعني "يريد الله ذلك"، وعلى صدره يبرز "صليب القدس" المرتبط بمملكة القدس الصليبية عام 1099. 

أما على ذراعه الأخرى، فيحمل نصا من إنجيل متى: "لم آت لألقي سلاما، بل سيفا"، كما أضاف اسما عبرانيا ليسوع المسيح "ישוע"، ليؤكد الطابع اللاهوتي لشخصيته السياسية.

هذه الرموز أثارت مخاوف من ارتباطه بخطاب اليمين المتطرف الذي يرى في الإسلام “عدوا حضاريا”. 

وفي كتابه "في الميدان"، يعلن هيغسيث بوضوح رؤيته: "الإسلام، خاصة الإسلاموية، قائم على تقاليد دينية مغلقة ومتصلة". 

هذه العبارات تضع الإسلام ذاته، وليس فقط الحركات المتشددة، في خانة الخصومة. 

ومن خلال خطاباته، يمكن تلمس خيط فكري يربط بين الرموز الصليبية التي يتبناها وبين نظرية "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما وصدام الحضارات عند هنتنغتون، حيث يصور الإسلام بصفته العقبة المركزية أمام ما يسميه الغرب "عصر ما بعد الحداثة".

خيانة للقيم 

ولم تقتصر الاعتراضات على خطاب ترامب المعادي للمسلمين على السياسيين أو الشخصيات العامة في الغرب، بل امتدت إلى قلب المؤسسة الأمنية الأميركية نفسها. 

ففي مطلع يناير/ كانون الثاني 2025، خرج المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايكل هايدن، محذرا من خطورة هذا النهج على الأمن القومي.

وخلال لقاء مع شبكة "سي إن إن"، قال هايدن: إن تصريحات ترامب بشأن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وهجومه المتكرر عليهم، لا تخدم سوى خطاب الجماعات المتشددة التي تسعى لتأجيج الصراع بين الإسلام والغرب.

وأضاف بحدة: "تصريحات ترامب تشكل خيانة لقيمنا، وهذا يضعف من أمن الولايات المتحدة. الإسلاميون المتشددون هم من يعتقدون أن هناك عداوة لا تنتهي بين جوهر الإسلام والعالم الغربي، وأنا أرفض هذا، وكذلك أغلب الأميركيين".

هذا الموقف الصادر عن شخصية رفيعة خدمت في أعلى مستويات أجهزة الاستخبارات الأميركية يعكس إدراكا مبكرا أن الإسلاموفوبيا، حين تصدر من رأس الدولة، لا تؤثر فقط على صورة الولايات المتحدة في الخارج، بل تهدد أيضا أمنها الداخلي.

خطة ملزمة

وعلق أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد، على هذا الوضع قائلا: إن "العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي منذ مطلع القرن الـ21 اتخذت مسارا بالغ التعقيد، بعدما تحول الدين إلى متغير سياسي محوري في صياغة السياسات الخارجية والأمنية الأميركية". 

وأوضح أبو زيد لـ"الاستقلال"، أن خطاب "الحرب على الإرهاب" الذي دشّنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش "الابن" بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 كان بمثابة نقطة الانطلاق الكبرى في شيطنة الإسلام على مستوى عالمي. 

وأشار إلى أن “العقدين التاليين أثبتا أن الإسلاموفوبيا لم تعد حالة طارئة أو مرتبطة بظرف أمني محدد، بل تحولت إلى خطاب مؤسسي راسخ يتجدد مع كل إدارة أميركية، وإن اختلفت صياغاته”.

وأضاف أبو زيد أن عهد بوش قدم حروب أفغانستان والعراق بصفتها "معارك دفاعية ضد الإرهاب الإسلامي"، مستخدما لغة تصف الصراع بأنه مواجهة بين "الحرية" و"الظلامية". 

أما إدارة باراك أوباما فقد حاولت التخفيف من حدة هذا الخطاب، كما في خطابه بجامعة القاهرة عام 2009 الذي دعا فيه إلى “بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين”. 

إلا أن سياساته العملية، يوضح أبو زيد، لم تخرج عن ذات الإطار الأمني والعسكري، من الطائرات من دون طيار إلى تصنيف الحركات الإسلامية كتهديد إستراتيجي، فضلا عن استمرار دعم الأنظمة الاستبدادية تحت ذريعة "محاربة التطرف".

وأشار إلى أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016 مثل ذروة اللغة المعادية للمسلمين، فقد تبنى علنا قرار منع مواطني دول ذات غالبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة.

كما “حوّل الهجوم على شخصيات مسلمة عامة مثل عمدة لندن صادق خان إلى جزء من خطابه السياسي والانتخابي، مستخدما لغة فجّة اتسمت بالشعبوية المباشرة”.

ثم تحدث أستاذ الثقافة الإسلامية بالتحذير والدعوة العملية قائلا: "ما نراه اليوم من خطاب رسمي وشعبي معادٍ للمسلمين سواء من إدارة ترامب أو من غيرها في مختلف بقاع العالم، يستلزم ردا منسقا من دول العالم الإسلامي الكبرى".

وتابع: "على تركيا والسعودية ومصر وماليزيا وباكستان، وكل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، أن يصوغوا رؤية إستراتيجية وخطة تنفيذية تحمي الإسلام كعقيدة وتواجه على المستويين الدبلوماسي والثقافي أي تصريح أو موقف يستهدف المسلمين".

واختتم أبو زيد حديثه بالقول: "لا يوجد دين يهاجم أو يساء إليه على هذا النحو في الساحة العالمية كما يحدث مع الإسلام، وما لم تبادر الدول الإسلامية الكبرى بوضع خطة موحدة فإنّ تأثير هذا الخطاب سيزداد ويستخدم كورقة ضغط في سياسات كبرى".