تحالف واشنطن وأنقرة وروما.. مقاربة جديدة لإعادة رسم المشهد الليبي

ليبيا مركزية بالنسبة للمصالح الأوروبية وتظل ذات أهمية للأولويات الأميركية
بينما تشهد ليبيا إعادة ترتيب أدوار اللاعبين الإقليميين، كشف معهد أميركي أن التحالف المتنامي بين الولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا قد يشكل نقطة تحول حاسمة في مسار الأزمة الليبية.
وأوضح "المجلس الأطلسي" الأميركي أن أنقرة وروما اللتين تتمتعان بنفوذ طويل الأمد في غرب ليبيا عبر دعم حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، اتجهتا أخيرا إلى نموذج جديد للتفاعل يشبه نهج واشنطن.
وقال: إنه خلال أغسطس/آب 2025 تعزز نفوذ تركيا وإيطاليا طويل الأمد كلاعبين خارجيين في غرب ليبيا عندما استقبل كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة في إسطنبول.
وأفاد المجلس بأنه "على الرغم من الاجتماع الثلاثي بين ميلوني وأردوغان والدبيبة، انخرطت إيطاليا وتركيا أيضا مع الأطراف الفاعلة (الخصوم) في شرق ليبيا خلال الصيف".

تنسيق مع واشنطن
ففي يونيو/حزيران، أبدت روما استعدادها للتعامل مباشرة مع عائلة اللواء الانقلابي خليفة حفتر، عندما اجتمع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي مع نجل عقيد الشرق صدام.
وفي أغسطس/آب، أرسلت تركيا رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن إلى بنغازي لإجراء محادثات مع حفتر وكبار مسؤولي جيشه.
وقال المجلس: "يبدو أن هذا التواصل المتوازن بين مختلف الأطراف الليبية يجري بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي كانت نشطة أيضا في الملف الليبي خلال الأشهر الأخيرة، بقيادة مسعد بولس (مستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا*".
وقد تجلى ذلك أيضا خلال الصيف، مع زيارة بولس في يوليو/تموز إلى طرابلس وبنغازي، حيث التقى بالدبيبة ومسؤولين آخرين من حكومة الوحدة الوطنية، فضلا عن الأطراف الفاعلة في الشرق، بما في ذلك خليفة حفتر وأبناؤه.
ويرى المجلس أنه "مع هذا التقارب الجديد في الإستراتيجية تجاه ليبيا، يمكن لواشنطن وأنقرة وروما -من خلال دبلوماسية مستمرة مع الفصائل الشرقية والغربية- تعزيز الفرص الاقتصادية التي تتيحها الوحدة المؤسسية والإصلاح في ليبيا".
وقال: إن "ليبيا مركزية بالنسبة للمصالح الأوروبية وتظل ذات أهمية للأولويات الأميركية. فهي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا، لكنها تمثل أيضا مصدر اضطراب في جنوب البحر المتوسط ونقطة عبور رئيسة على طريق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا".
ومنذ 2014 انقسمت ليبيا بين الشرق والغرب مع عدة تحولات سياسية متعثرة، في ظل تأثير المجموعات المسلحة والنخب السياسية والداعمين الخارجيين.
وقد ركزت واشنطن في السنوات الأخيرة سياستها تجاه ليبيا على بناء الاستقرار، مع الاهتمام بتشجيع خطوات نحو التكامل الأمني والحفاظ على الطبيعة المستقلة والتقنية للمؤسسات السيادية الرئيسة مثل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي الليبي.
وبقيادة بولس، زادت الولايات المتحدة أخيرا تركيزها على الانخراط التجاري، مع إعطاء الأولوية لدعم الشركات الأميركية الساعية لدخول السوق الليبية المربحة.
أما حسابات روما فتبدو مختلفة، إذ إن الأوضاع السياسية الإيطالية تتأثر بشكل كبير بضغوط الهجرة، وتظل ليبيا محور طريق وسط البحر المتوسط.
وفي الوقت نفسه، تُعد واردات الغاز الطبيعي ومشاريع الطاقة في روما أمرا أساسيا لأمنها الاقتصادي طويل الأمد.
من جانبها، ترى أنقرة ليبيا كساحة اقتصادية وجيوسياسية معا، فوجودها العسكري وعقودها التجارية يمنحها نفوذا، بينما يشير تواصلها أخيرا مع قادة الشرق إلى رغبتها في التأثير على جانبي الانقسام في البلاد.

نموذج الانخراط المتوازن
وأوضح المجلس أنه "بحلول سبتمبر/أيلول 2025، أصبح جليا أن هذه الجهات الخارجية الثلاث المؤثرة تتفق مع النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة سابقا، والمتمثل في الانخراط المتوازن عبر الانقسام الليبي".
تبدو هذه الإستراتيجية عملية، بالنظر إلى أن أي تسوية سياسية أو اقتصادية في ليبيا لن تكون ذات مصداقية دون مشاركة الفاعلين في الشرق، وفق المجلس.
وشملت لقاءات بولس مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أغسطس، مناقشات حول الانخراط في ليبيا و"الجهود المشتركة لتعميق التعاون".
كما أن زيارة المسؤول الأميركي إلى روما في سبتمبر، أظهرت بشكل أكبر هذا التوافق بين إستراتيجيات تركيا والولايات المتحدة وإيطاليا.
فقد استضاف وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، بولس في 3 سبتمبر لإجراء محادثات حول الاستقرار وإدارة الهجرة، ودعاه أيضا إلى حوارات البحر المتوسط أو "الحوار المتوسطي" المقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2025 بنابولي.
وبعد أسبوع، أكدت واشنطن أن زيارة بولس أسهمت أيضا في عقد لقاءات بين كبار المسؤولين من غرب وشرق ليبيا؛ حيث جرى تشجيعهم على "تجاوز الانقسامات، وتوحيد المؤسسات، وتعزيز الاستقرار والسلام".
وذكرت أن هؤلاء المسؤولين شملوا إبراهيم الدبيبة الذي يعد ابن أخ ومستشار مؤثر لرئيس الوزراء وصدام حفتر.
وفي 12 سبتمبر، أعلن فيدان وتاجاني من روما توقيع اتفاقية تعاون لمكافحة الهجرة غير النظامية، لا سيما انطلاقا من ليبيا، مع العمل على أن يكون البلد الأخير مستقرا ومزدهرا ومواتيا للاستثمار.
وأشار التقرير إلى أنه "بالإضافة إلى التأكيد على التوازن، باتت تركيا وإيطاليا والولايات المتحدة تربط بشكل متزايد بين التجارة والأمن في تعاملاتها مع نظرائها الليبيين".
فمشاريع الطاقة، والمبادرات البنية التحتية، وفرص التجارة أصبحت غالبا مرتبطة بالتعاون الأمني وإدارة الهجرة.
والمنطق وراء ذلك هو أن النشاط التجاري يمكن أن يتوسع مع إحراز تقدم في استقرار القطاع الأمني وتوطيد المؤسسات الحكومية الرئيسة.
وعلى الرغم من أن كل دولة تركز على أولويات مختلفة، فإنها جميعا تتقارب نحو إطار يعتبر الانخراط الاقتصادي وتوحيد المؤسسات خطوات متبادلة التعزيز نحو الاستقرار في ليبيا، بحسب المجلس.
ويرى أن أكثر التطورات إثارة خلال الصيف كانت التوافق بين الإستراتيجيات الأميركية والإيطالية والتركية تجاه ليبيا حول نموذج الانخراط المتوازن الذي تتبناه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
وأوضح التقرير أن "التحدي الآن هو ضمان أن يُعالج هذا التقارب مشاكل ليبيا الأعمق، فالفساد المستشري والانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة على جانبي الانقسام لا تزال دون رادع".
وحذر من أنه "إذا جرى تجاهل هذه القضايا، فقد يُفاقم النشاط الدولي المتزايد في قطاعي التجارة والأمن الخلل بدلا من حله".
وعلى الرغم من أن ليبيا لا تحتل مرتبة عالية نسبيا على قائمة الأولويات في واشنطن، فإن النفوذ الأميركي على السياسة الليبية ما زال حقيقيا ومُشاهدا.
وقد تجلى ذلك أخيرا في تعديل جهتين خارجيتين مؤثرتين للغاية نهجهما تجاه ليبيا بما يتماشى مع نموذج واشنطن المتوازن.
وختم التقرير بالقول: "في ظل بيئة مجزأة ومتعددة الأقطاب، تُذكرنا ليبيا بأن الدبلوماسية الأميركية لا تزال قادرة على الوصول لنتائج مجدية".