تجاهل مصالح مصر والأردن في خطة غزة ما بعد الحرب.. لماذا يضر إسرائيل؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

انتقد كاتب أميركي-إسرائيلي ما وصفه بـ "تجاهل" إسرائيل لكل من مصر والأردن في خطة غزة ما بعد الإبادة الجماعية، ويرى أن هذا “خطأ إستراتيجي” ستدفع إسرائيل ثمنه.

جاء ذلك في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية للكاتب مارك لافي، أكد فيه على ضرورة أخذ مصر والأردن في الحسبان ضمن أي خطة واقعية لقطاع غزة.

التحالف ضد الإسلاميين

وقال: "لطالما تحدث الخبراء عن تركيا وقطر وإيران والإمارات والسلطة الفلسطينية، بل وحتى عن قوة دولية تتولى إعادة إعمار غزة وإدارتها".

"وقد تناولت التحليلات على نطاق واسع مزايا هذه الأطراف المحتملة، لكنها ركزت في الغالب على المخاطر التي قد تنجم عن تولي أيٍّ منها دورا قياديا في مرحلة ما بعد الحرب في غزة".

واستدرك بأن "هؤلاء الخبراء يغفلون أمرا بديهيا، وهو دور جيران إسرائيل وشركائها في السلام، مصر والأردن. وهذا يدفعني للتساؤل عمّا إذا كانوا قد زاروا هذه المنطقة من الشرق الأوسط أصلا".

وتابع: "أما أنا، فأكتب من موقع الصحفي الذي غطّى قضايا المنطقة ميدانيا على مدى خمسة عقود، ولدي خبرة واسعة في متابعة الأوضاع في مصر والأردن، إذ عشت وعملت في مصر لعامين خلال فترة الربيع العربي".

وتساءل: إذن، أين موقع مصر والأردن في كل هذه السيناريوهات المتعلقة بغزة؟ فهما الحليفان الطبيعيان لإسرائيل في صراعها ضد حركة حماس في غزة وجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. ومع ذلك، يتجاهلهما المحللون تماما.

أو يفعلون ما هو أسوأ -وفق لافي- حيث يضلّلون الرأي العام باستنتاجات من قبيل: على مصر أن تفتح حدودها وتستقبل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من غزة. أما الأردن فعليه، بحسب هؤلاء، أن يفعل أي شيء من قائمة طويلة من المطالب غير الواقعية، تبدأ باستيعاب سكان غزة وتنتهي بدعم إسرائيل علنا في كل تحركاتها.

وقال: "لنبدأ بالأردن أولا، لأنه المثال الأسهل. وهنا أؤكد أن أي مقاربة تبدأ بعبارة "على الملك عبد الله الثاني أن…" هي مقاربة مضللة أو تفتقر إلى الفهم العميق".

"فالمسألة هنا تتعلق بالمفهوم ذاته. نحن -من هذا الجانب الأقوى من السياج- نميل إلى الاعتقاد بأن الملك عبد الله يستطيع أن يفعل ما يشاء، فهو في نهاية المطاف "ملك"، ولا سبب يمنعه من قيادة العالم العربي في دعم إسرائيل. أليست هذه، في نظر البعض، الغاية من معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن؟"

لكن الحقيقة مختلفة تماما -وفق الكاتب- فالأردن بلد صغير وفقير، يغلب عليه الطابع الصحراوي، وتحكمه النخبة الهاشمية. ويواجه الملك عبد الله تحديات اقتصادية وسياسية تكاد تكون عصية على الفهم. يكفي أن ينجح في الحفاظ على تماسك البلاد وسط هذه الظروف.

فعلى سبيل المثال، خلال ذروة الحرب في سوريا المجاورة، استضاف الأردن نحو مليون لاجئ رغم محدودية الدعم الخارجي. ورغم أن كثيرين منهم عادوا لاحقا، فإن العبء الاقتصادي لا يزال قائما.

وبحسب تعبير الكاتب، فإن "الأخطر من التحديات الاقتصادية هي مسألة الفلسطينيين وتصاعد نزعاتهم الراديكالية".

"فالغالبية العظمى من سكان الأردن من أصول فلسطينية، وإن كانت الأرقام الدقيقة غير متاحة، إذ لا يرغب حكّام الأردن، لأسباب واضحة، في الكشف عن حقيقة المأزق الديموغرافي الذي يواجهونه. وتقدّر النسب المتداولة، وربما تكون أقل من الواقع، بنحو 60 في المئة من إجمالي السكان".

وقال لافي: إن "البرلمان الأردني ذو توجه إسلامي متشدد، ويخضع لتأثير الإخوان المسلمين. وهنا، بالمناسبة، يكمن الرد على مقولة "الأردن هو فلسطين"، وهي أنه يجب إطاحة الملك وتولي الفلسطينيين زمام الأمور، وجعل الأردن "دولة فلسطينية" وترك الضفة الغربية لإسرائيل".

وهذا يعني -وفق الكاتب- نشوء دولة كاملة للإخوان المسلمين، ذات سيادة وحدود مشتركة وحلفاء متطرفين، بجوار إسرائيل، وهذا ما يقف الملك عبد الله سدا في وجهه.

وأشار إلى أن "الملك عبد الله يفتقر إلى الجاذبية الكاريزمية التي تمتع بها والده. ومن غير الواقعي أن يُطلب منه القيام بأكثر مما يفعله الآن، أي الحفاظ على تنسيق أمني هادئ مع إسرائيل".

ولهذا يرى أنه "قد يأتي وقت يمكن فيه للأردن أن يلعب دورا فاعلا في إعادة إنعاش غزة، لكنه لن يكون قائدا لذلك المسار؛ لأنه ببساطة غير قادر على ذلك".

الحنين للأيام الخوالي

وأضاف الكاتب: "أما السيسي، فقد زج بآلاف من نشطاء جماعة الإخوان المسلمين في السجون، ما أثار بطبيعة الحال احتجاجات متوقعة من منظمات حقوق الإنسان الغربية. غير أن الإفراج عنهم سيقوّض استقرار نظامه".

"وإذا أُضيف إلى ذلك احتمال فتح الحدود واستقبال مئات الآلاف من الغزيين الذين عاشوا جيلا كاملا تحت تأثير فرع الإخوان المسلمين هناك، أي حركة حماس، فإن ذلك سيُعرّض النظام العلماني للسيسي لخطرٍ بالغ"، بحسب الكاتب.

وادعى الكاتب الإسرائيلي أنه "هنا ينبغي الإقرار بأن الفلسطينيين، رغم عقودٍ من الخطاب العربي الرسمي المتعاطف مع ما يسمى بـ "القضية الفلسطينية"، ليسوا محبوبين في العالم العربي".

ويري أن هذا الزعم "ليس مفاجئا، بالنظر إلى أنهم وقفوا مرارا في الجانب الخاطئ من التاريخ؛ إذ أيّدوا ألمانيا النازية، والطاغية العراقي صدام حسين، وتنظيم القاعدة، ثم تنظيم الدولة، والآن إيران".

وادعى الكاتب أن ما يقوله مبني على تجربة شخصية، قائلا: "حين كنت أعمل في إحدى وكالات الأنباء الكبرى في القاهرة، التقيتُ بأناس من شتى الخلفيات".

"كان هناك مصوّران فلسطينيان ضمن طاقم العمل، كنت أعرفهما من مكتب الوكالة في القدس، شابان لطيفان في العموم وماهران. لكنني كنت الوحيد في المكتب الذي يتحدث معهما، بينما كان المصريون يتجاهلونهما تماما".

وأضاف أن "النتيجة المباشرة للمطالب التي تُوجَّه إلى مصر والأردن من أجل حلّ مشكلة غزة عبر فتح حدودهما، قد تكون قيام دولتين سياديتين تهيمن عليهما حركة الإخوان المسلمين على جانبي إسرائيل".

ولذلك حذر من أن "مثل هذا التطور سيجعل الإسرائيليين يحنّون إلى "الأيام الخوالي" حين كان عليهم التعامل فقط مع غزة وحماس".

وقال: "ماذا يمكن للأردن ومصر فعله إذن؟ الكثير؛ فقد كانتا أول دولتين عربيتين توقعان معاهدات سلام مع إسرائيل قبل عقود. كما أن بينهما وبين إسرائيل مجالات تعاون واسعة، لا يشعر أي طرف بضرورة الإعلان عنها".

"كلتاهما تواجه تهديدات الإخوان المسلمين من جهة، والتطرف الإيراني من جهة أخرى. وإسرائيل أيضا تواجه هذه التهديدات، لذا فإن الشراكة بينها طبيعية تماما"، على حد ادعائه.

وأضاف أنه "يمكن أن يتخذ دورهما أشكالا متعددة. فمصر والأردن تمتلكان جيوشا مدربة جيدا ومزودة بأسلحة أميركية، ومن الممكن أن تتطور أدوارهما مع مرور الوقت".

"في المقابل، سيكون من الحكمة لإسرائيل أن تأخذ مصالح مصر والأردن في الحسبان عند التعامل مع غزة، حتى لو اقتضى الأمر مجرد تصريحات شكلية حول حل الدولتين الذي رفضه الفلسطينيون مرارا، والذي لا تريده الأردن ولا مصر فعليا"، بحسب تقييم الكاتب.

وختم الكاتب قائلا: "كما سيكون من الحكمة لنا نحن الخبراء، أن نخفف من مطالبنا وتوصياتنا وانتقاداتنا تجاه أقرب شركاء إسرائيل في السلام".