عودة الحديث عن النفاثة الشبح.. هل يفاجئ ترامب العالم بتسليم F-35 لابن سلمان؟

"الولايات المتحدة قد تنجح في تجاوز اعتراضات إسرائيل على الصفقة"
قبيل زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلبا للرياض لشراء 48 مقاتلة شبح من طراز "F-35"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر في حكومة الولايات المتحدة.
وبحسب الوكالة، أُحيل ملف بيع مقاتلات الجيل الخامس "F-35" للسعودية إلى وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسث، وذلك بعد أن اجتازت طلبية الرياض المراحل الأولية داخل القسم السياسي في البنتاغون.
ورغم أن الصفقة تمضي في مسارها الإداري، إلا أن موقع "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسي يقدر أن إمكانية تسليم السعودية هذه الطائرات المتعددة المهام قد تواجه عقبة كبيرة تتمثل في موقف إسرائيل، التي تعد الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك وتشغل "F-35"، ما يمنحها تفوقا عسكريا نوعيا في الإقليم.
في المقابل، ترجح صحيفة "فيدوموستي" الروسية أن إتمام صفقة بيع المقاتلات قد يكون ممكنا حتى دون انخراط المملكة في اتفاقيات التطبيع المعروفة باسم "اتفاقيات أبراهام".

زيارة تاريخية
واستهل الموقع حديثه مشيرا إلى تفاصيل ما نشرته وكالة "رويترز" حول هذا الملف؛ حيث نقلت عن مصادر مطلعة أن "وزارة الدفاع الأميركية بدأت فعليا دراسة طلب السعودية لشراء 48 مقاتلة من طراز (F-35)، وذلك عقب مراجعة استمرت عدة أشهر داخل القسم السياسي في البنتاغون".
وبحسب "رويترز"، أكدت المصادر أن الطلب قُدم رسميا إلى إدارة ترامب عام 2025، إلا أن القرار النهائي بشأن تصدير هذه الطائرات لم يُتخذ بعد.
ولفتت إلى أنه "لإتمام الموافقة على الصفقة بشكل نهائي، يتعين الحصول على مصادقة من السلطة التنفيذية وكذلك من الكونغرس الأميركي الذي سبق أن عارض قرارات مماثلة تتعلق بصفقات تسليح مع السعودية".
وتربط "رويترز" هذا التحرك في ملف الصفقة بزيارة مرتقبة لابن سلمان إلى البيت الأبيض في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025".
وهي زيارة توصف، وفقا لها، بـ"التاريخية"، نظرا لأن "آخر زيارة له إلى الولايات المتحدة كانت عام 2018".
وتابعت: "منذ ذلك الحين، تراجعت مشاركاته الدولية بشكل ملحوظ على خلفية الجدل العالمي الذي أُثير عقب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، في حادثة يعتقد أنها تمت بأمر مباشر من ولي العهد".
وحول القدرات الجوية السعودية، أفاد تقرير "التوازن العسكري لعام 2024" بأن القوات الجوية السعودية تمتلك 449 طائرة قتالية، بينها 217 مقاتلة من طراز "F-15" بمختلف نسخها، ونحو 80 طائرة أوروبية من طراز "بانافيا تورنادو"، بالإضافة إلى 71 مقاتلة "يوروفايتر تايفون".
فيما تتميز طائرات "F-35" بتقنيات التخفي المتقدمة، التي تجعلها شبه غير مرئية للرادارات التقليدية، ما يمنحها ميزة حاسمة في اختراق أنظمة الدفاع الجوي.
وهو ما يفسر -بحسب الموقع- سعي السعودية منذ سنوات إلى إدخال مقاتلات "F-35" ضمن أسطولها الجوي لتحديث قدراتها العسكرية، لا سيما أنها أكبر مشتر للسلاح الأميركي.
وفي هذا الصدد، ذكر الموقع أن "إدارة الرئيس السابق جو بادين كانت قد درست سابقا إمكانية تزويد المملكة بهذه الطائرات ضمن اتفاق عسكري شامل يتضمن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، إلا أن تلك المبادرة لم تكتمل".
ونوه إلى أن "صفقة مماثلة كانت قيد الإعداد خلال الولاية الأولى لترامب، عندما وقع عام 2017 اتفاقا دفاعيا مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار".
واستدرك: "غير أن مقتل خاشقجي أدى إلى تجميد جزء من صادرات الأسلحة الأميركية إلى المملكة بقرار من الكونغرس".
"ورغم ذلك، فقد تم تنفيذ عقود بقيمة 14.5 مليار دولار خلال تلك الفترة"، وفقا لما أورده التقرير.
وتابع: "ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أعلنت واشنطن أن تعزيز التعاون العسكري مع السعودية يُعد من أولوياتها في الشرق الأوسط".
وفي هذا السياق، زار الرئيس الأميركي المملكة في مايو/ أيار 2025، حيث أعلن الطرفان عن نيتهما توقيع حزمة من العقود العسكرية بقيمة 142 مليار دولار، ما قد يجعلها أكبر صفقة تسليح في تاريخ الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى حزمة اتفاقيات وتعهدات استثمارية في مجالات أخرى ليصل المبلغ الإجمالي إلى 600 مليار دولار.
ومن أبرز بنود هذه الاتفاقيات، تعهد شركة "بوينغ" الأميركية بتوريد طائرات ركاب من طراز 737–8 لشركة الطيران السعودية (أفيليس AviLease) بقيمة 4.8 مليارات دولار، إلى جانب التزام رجال الأعمال السعوديين بالاستثمار في بناء مراكز بيانات وبنية تحتية للطاقة داخل الولايات المتحدة.

عقبات محتملة
في غضون ذلك، يعتقد التقرير الروسي أن "أحداث التاسع من سبتمبر/ أيلول 2025 كانت عاملا حاسما في تعزيز قناعة الرياض بضرورة حماية مجالها الجوي بشكل أكثر فاعلية، بعد أن تمكنت مقاتلات إسرائيلية من دخول الأجواء القطرية دون عوائق وتنفيذ ضربات استهدفت اجتماعا للمكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة".
وفي أعقاب هذه الحادثة، تمكنت قطر من التوصل إلى اتفاق أمني خاص مع الولايات المتحدة، يمنحها ضمانات أمنية لا تتمتع بها باقي دول الخليج.
وفي هذا الإطار، رجح الموقع أن "زيارة ولي العهد السعودي المرتقبة إلى واشنطن لن تخلو من توقيع عقود جديدة ذات طابع إستراتيجي".
ووفقا لما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن جدول الأعمال يشمل مناقشة اتفاق للتعاون الثنائي في المجال النووي، تسعى من خلاله الرياض إلى الحصول على دعم أميركي لتأسيس صناعة نووية متكاملة.
وبحسب الصحيفة الأميركية، "ستُطرح صفقة شراء مقاتلات F-35 للنقاش، بينما سيحاول الرئيس الأميركي إقناع ضيفه السعودي بضرورة الانضمام إلى اتفاقيات (أبراهام) التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل".
بالتوازي مع ذلك، أفاد الموقع بأن "بعض أعضاء الكونغرس ومسؤولين في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يعارضون إتمام صفقة (F-35) دون أن تكون مشروطة بتطبيع العلاقات الرسمية بين السعودية وإسرائيل".
ووفقا لمصادر موقع "ميدل إيست"، فإن حكومة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبرت بوضوح عن رفضها للصفقة، وترى أن امتلاك السعودية لهذه الطائرات سيقوض مبدأ "التفوق العسكري النوعي" (QME) الذي تتمتع به إسرائيل.
ويعد مبدأ "QME" عقيدة أميركية منصوص عليها قانونا، تلتزم بموجبها واشنطن بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبحسب الموقع الروسي، "يستند هذا المبدأ إلى تصور بأن إسرائيل محاطة ببيئة إقليمية معادية، ولا يمكنها الاعتماد سوى على تفوقها التكنولوجي والتكتيكي".
“ولهذا، تحرص الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بأسلحة أكثر تطوراً من تلك التي تُمنح لجيرانها”. وفقا له.
وبذلك، "تبقى إسرائيل حتى الآن الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستخدم مقاتلات الجيل الخامس F-35، وتقوم بتعديلها بالتعاون مع الشركة المصنعة لتناسب احتياجاتها الهجومية الخاصة".
إلا أن الموقع أشار إلى "وجود إشارات أظهرت احتمال تراجع واشنطن عن الالتزام بمبدأ QME عام 2020، عندما انضمت الإمارات إلى اتفاقيات أبراهام".
ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وعدت واشنطن أبوظبي بتزويدها بطائرات "F-35" ضمن حزمة من الحوافز غير الرسمية، رغم اعتراض المسؤولين الإسرائيليين.
مع ذلك، أوضح الموقع الروسي أن "الصفقة لم تُنفذ، إذ رأت الولايات المتحدة أن الإمارات لم تقدم ضمانات كافية لحماية أسرار التكنولوجيا المتقدمة للطائرات من الوصول إلى أطراف ثالثة مثل روسيا أو الصين".
ووفق تقديره، "تُظهر هذه التقلبات في مسار صفقات F-35 مدى التعقيد الذي يواجه السعودية في سعيها للحصول على هذه الطائرات، ما يثير شكوكا حول إمكانية التوصل إلى قرار نهائي بشأن الصفقة".

رادع رئيس
على النقيض من ذلك الرأي، أشار مسؤول ملف الشرق الاوسط بالمجلس الروسي للعلاقات الدولية، إيفان بوتشاروف، في مقاله بصحيفة "فيدوموستي" الروسية إلى أن هناك "إمكانية لإبرام صفقة دفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية لشراء مقاتلات F-35".
وأوضح أن الرياض "تسعى إلى توسيع تعاونها العسكري والتقني مع واشنطن، بل وتأمل في الحصول على ضمانات أمنية أميركية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
ويرى بوتشاروف أن الولايات المتحدة "قد تنجح في تجاوز اعتراضات إسرائيل على الصفقة، نظرا لأن الأخيرة لا تعد المملكة تهديدا مباشرا لأمنها".
وأضاف: "بل إن الطرفين كانا، حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على وشك التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، وناقشا لفترة وجيزة مشروع إنشاء ناتو عربي موجه ضد إيران".
من جانبه، يرى كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا، فلاديمير فاسيليف، أن "بيع المقاتلات الأميركية للسعودية يعد امتدادا لسياسة ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى".
وأشار إلى أن "تنفيذ معظم العقود العسكرية آنذاك تعرقل بسبب معارضة الديمقراطيين في الكونغرس، إلا أن فرص تكرار هذا السيناريو اليوم تبدو ضئيلة".
وأوضح أن "البيت الأبيض لطالما عد السعودية الرادع الرئيس في إستراتيجية احتواء إيران بالمنطقة، ومن هذا المنطلق، تسعى واشنطن من خلال العقود الدفاعية إلى تعزيز ارتباط المملكة بها في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط".
وفي السياق ذاته، أشار فاسيليف إلى أن الولايات المتحدة "تسعى إلى استثمار نفوذها في مجال التسليح المتقدم لإقناع السعودية بالانضمام إلى اتفاقيات (أبراهام) بل وتطمح إلى أن تلعب الرياض دورا قياديا في مسار المصالحة العربية الإسرائيلية".
وأضاف: "ضمن إطار صفقة دفاعية شاملة، قد تكون واشنطن مستعدة لتقديم ضمانات أمنية إضافية للمملكة، لكنها على الأرجح ستطالب في المقابل بخطوات سعودية ملموسة في سوق النفط العالمي".
ورغم الزخم الذي تحمله الصفقة المحتملة بين واشنطن والرياض، يرى بوتشاروف أن "انضمام السعودية إلى اتفاقيات (أبراهام) يظل مستبعدا في المدى القريب ما لم يتحقق تقدم ملموس في الملف الفلسطيني".
ومع ذلك، لفت إلى أن المملكة "قد تدخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول هذا الملف، في محاولة للحصول على دعم أميركي لتطوير مشروعها للطاقة النووية السلمية إلى جانب ضمانات أمنية إضافية".
















