"منتدى دولي للنساء".. كيف كشفت منظمات مغربية تبييضه وجه الاحتلال؟

سلمان الراشدي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

رغم استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة لأكثر من عامين، احتضنت مدينة الصويرة المغربية، ما أطلق عليه "المنتدى الدولي للنساء من أجل السلام"؛ حيث قاطعته منظمات نسائية وسط اتهامات له بـ"تلميع صورة الاحتلال الصهيوني".

المنتدى تنظمه جمعية "محاربات من أجل السلام" التي ترأسها الفرنسية ذات الأصل اليهودي المغربي، حنا أسولين؛ حيث جمعت أكثر من مئة مشاركة من ديانات وخلفيات مختلفة، ويقدم نفسه كفضاء لتعزيز السلام والعدالة من خلال أصوات النساء. 

غير أن غياب أي إشارة إلى جرائم الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة أو أوضاع النساء الفلسطينيات أثار غضب جمعيات مغربية، وطالبت بمقاطعة فعالياته الذي نظمته الجمعية خلال 19-21 سبتمبر/ أيلول 2025.

شعارات مخادعة

وتزامنا مع انطلاق المنتدى، شارك عشرات المغاربة في وقفة احتجاجية بمدينة الصويرة، تنديدا بمشاركة إسرائيل في هذا المنتدى الدولي، وذلك بدعوة من "منتدى الزهراء للمرأة المغربية" (تجمع يضم عددا من الجمعيات النسائية غير الحكومية).

ورفع المشاركون لافتات تندد بالتطبيع، كما جسّدوا الإبادة الإسرائيلية عبر مجسمات لأطفال بملابس ملطخة بالدماء. ورددوا هتافات مناصرة للقضية الفلسطينية.

وأكد المشاركون أن “مكان الصهاينة هو محاكم جرائم الحرب لا المنتديات الدولية”، مشددين على أن المغرب "سيبقى وفيا لتاريخه النضالي في دعم الشعب الفلسطيني حتى تحرير الأرض والقدس".

"منتدى الزهراء للمرأة المغربية"، دعا الجمعيات المنضوية في شبكته ومختلف الجمعيات النسائية المغربية إلى مقاطعة المنتدى، و “التحلي باليقظة المستمرة تجاه كل المبادرات التطبيعية مع الكيان الغاصب وخاصة منها تلك التي تستغل شعارات نسائية لتمرير أجندات تطبيعية”.

وقال المنتدى في بيان: إن الجهة المنظمة للمنتدى العالمي، "تسعى لخدمة أغراض تطبيعية مع مجرمي الحرب المتابعين أمام المحاكم الدولية، بحيث تعتبر ما يجري فوق الأراضي المحتلة صراعا متعادلا بين طرفين، وتدعو النساء اليهوديات والعربيات إلى تبني خيار التسامح والتعايش والنضال معا من أجل السلام ".

وأضاف أن خطورة مثل هذه المبادرات "تكمن في تسويقها لسردية تضليلية تحت شعارات إنسانية مخادعة، هدفها الأساسي هو تحييد التحركات النسوية العالمية وتمييع نضالها الأصيل، الذي كان ولا يزال يقف بقوة مع الحق الفلسطيني وضد الاحتلال الصهيوني الغاشم ".

وشدد المنتدى على أن النساء الفلسطينيات “لا يحتجن إلى نداءات تسامح شكلية، بل إلى إسناد حقيقي في مسار صمودهن الأسطوري، دفاعا عن الحق في الحياة والكرامة وتحرير الأراضي المغتصبة”. 

وكذا بـ"الاصطفاف المسؤول مع كل المبادرات التضامنية والداعية إلى الوقف الفوري للعدوان، ورفع الحصار الظالم، والتعجيل بضمان حقوقهن الأساسية في الحياة والكرامة والأمن والتعليم والتطبيب".

من جانبه، وصف القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان المغربية (أكبر جماعة إسلامية في البلاد)، "المنتدى الدولي للنساء من أجل السلام" بأنه "تبييض لصفحة الاحتلال". 

وأكد القطاع، في بيان صادر عنها في 17 سبتمبر، رفضه "كل أشكال التطبيع النسوي والثقافي والأكاديمي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي مع الكيان الصهيوني". 

وأضاف: "في ظل تواصل الإبادة الإسرائيلية المتعالية على جميع الأعراف والقوانين الدولية، يطلع علينا هذا المنتدى ليوهم المغاربة بسردية جديدة للسلام مشوّهة المعنى والمبنى؛ حيث تتجسد الأخلاق الملوثة والأنانية في أفضح صورها، في خطوة جريئة للتحايل على تاريخ الشعب المغربي الداعم دوما للقضية الفلسطينية، والتحايل على نضالات الحركة".

أجندات مرفوضة

وقالت الناشطة منال القاسمي: إنه "في ظل ما يشهده العالم من صمت دولي مخز تجاه المجازر المتواصلة في قطاع غزة، نُجدد رفضنا القاطع لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني". 

وأكدت القاسمي لـ"الاستقلال" أن "عقد منتديات تحت شعارات نسوية لتجميل وجه الاحتلال، لا يخدم قضايا المرأة ولا قضايا التحرر، بل يُسهم في التستر على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تُرتكب يوميا بحق النساء الفلسطينيات وأسرهن".

وشددت على أن "أي دعوة للسلام مع كيان غاصب ومحتل، هي تزوير للواقع وطمس لحقوق شعب يرزح تحت الحصار والعدوان، كما نحذر من استغلال قضايا النساء لتمرير أجندات سياسية مرفوضة شعبيا وأخلاقيا".

وأعلنت القاسمي عن تضامنها "الكامل مع الشعب الفلسطيني، خصوصا النساء في غزة، اللواتي يُواجهن آلة الحرب، ويُقدمن نموذجا للصمود لا يمكن تجاهله أو المتاجرة به تحت مسمى التعايش أو السلام".

من جهته، نقل موقع "هنَّ" المغاربي، عن ممثلات "لجنة نساء جمعية أطاك المغرب" في 8 سبتمبر، أن سبب اختيار المغرب ومدينة الصويرة لتنظيم المنتدى "لم يكن اعتباطيا، بل له دلالات رمزية".

وأوضحت أن الصويرة "تُقدَّم كفضاء للتعايش بين مسلمين مغاربة ويهود مغاربة، وتُستغل رمزية بيت الذاكرة كمكان للحوار من أجل إضفاء شرعية على مشروع سياسي تطبيعي، يتمثل في محاولة خلق استمرارية زائفة بين اليهودية والصهيونية، وتبييض علاقات التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني".

وبخصوص استدعاء نساء إسرائيليات، تؤكد ناشطات اللجنة أن "هذا يدخل في إطار ما يُعرف بسياسة التبييض والتطبيع الناعم، أي استعمال لغة حقوق الإنسان لإضفاء الشرعية الإنسانية على الاحتلال، وتقديمه كطرف مكافئ في النزاع، بينما هو في الحقيقة قوة استعمارية-احتلالية تمارس التهجير والعنف البنيوي والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود".

وأشارت إلى أنه وفي هذا السياق، "يتم توظيف الخطاب النسوي كأداة دعائية لتلميع صورة الاحتلال، وهو ما تسميه بعض الباحثات بالنسوية الاستعمارية، أي استغلال قضايا النساء كواجهة لتبرير سياسات الهيمنة".

ويأتي هذا المنتدى في وقت تتضاعف فيه المعاناة اليومية التي تعيشها النساء في قطاع غزة؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن النساء والأطفال يشكّلون نحو 70 بالمئة من ضحايا الإبادة الجماعية بما يشمل الشهداء والجرحى؛ حيث استُشهدت أكثر من 12 ألف امرأة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

خط أحمر

وبسبب إدراج أسمائها دون علمها أو موافقتها، نفت خمس جمعيات نسائية مغربية بارزة مشاركتها في المنتدى النسائي بالصويرة، مؤكدة رفضها استغلال الشعارات النسوية لتبرير التطبيع.

وأكّدت في بيان 20 سبتمبر، أن إدراج أسمائها ضمن لائحة المنظمات المشاركة “عار من الصحة” ويهدف إلى “التشويش على موقفها الثابت المناهض للتطبيع”.

وقالت الجمعيات الموقعة على البيان، وهي الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب واتحاد العمل النسائي وفيدرالية رابطة حقوق النساء والتضامن النسوي: إن “اللائحة التي تم ترويجها بشأن مشاركتنا في المنتدى لا أساس لها من الصحة، بل قد تكون ممارسة مغرضة”.

وجددت تأكيدها على أنها كانت من بين الموقعين على نداء مقاطعة المنتدى إلى جانب العديد من مكونات المجتمع المدني المغربي، بسبب “مشاركة إسرائيلية صريحة وتبييضا للاحتلال عبر خطاب نسوي مُنمّق”، 

وأكدت أن الحركة النسائية المغربية “ظلت دوما مناصرة للقضية الفلسطينية” ومنددة بما وصفته بـ"جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة".

وأعربت احتفاظها بحقها في اللجوء إلى القضاء ضد من ينشر أخبارًا كاذبة أو مضللة. 

الجدل المثار حول هذه النسخة من المنتدى يكشف بوضوح أن ملف التطبيع لا يزال خطا أحمر داخل المجتمع المغربي، ويؤكد أن يقظة المجتمع المدني مستمرة في مواجهة كل محاولات تمرير الأجندات التطبيعية تحت أي غطاء.

ورغم محاولات تسويق المنتدى كمنصة للتسامح والتعايش، ترى العديد من الجمعيات والهيئات أن أي حديث عن السلام يفقد معناه في ظل استمرار الاحتلال، والحصار الخانق على غزة، وحرمان الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه في الحرية والكرامة.

وبوتيرة شبه يومية، تشهد العديد من المدن المغربية، وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفع الحصار وإدخال المساعدات.

وبدعم أميركي، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، ارتقى على إثرها أكثر من 65 ألفا و208 شهداء و166 ألفا و271 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 440 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.