بعد تجاوب السعودية.. أين حكومة العراق من "المغيبين" في الإمارات؟

يوسف العلي | منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

مع إفراج السلطات السعودية عن معتقلين من العراق قضوا نحو عام في سجون المملكة، برزت تساؤلات عن مصير عدد من العراقيين جرى اعتقالهم في الإمارات، ولم تطالب بهم بغداد رغم مرور أكثر من سنتين على اعتقالهم.

ورغم حديث الحكومة العراقية عن أن الإفراج يعبر عن حرصها على متابعة شؤون العراقيين في مختلف بلدان العالم، لكن ما يثبت العكس، هو إغفالها السجناء في الإمارات، وعدم مطالبتها سابقا بإطلاق سراح عراقيين من سجون رئيس النظام السوري السابق نظام بشار الأسد.

أهداف انتخابية

وثمن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، خلال بيان، في 24 سبتمبر/ أيلول 2025، موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تعهد خلال لقاء الأخير في القمة العربية الإسلامية التي عقدت بالدوحة في 15 من الشهر نفسه، بالعمل على إطلاق سراح المحتجزين.

وفي 25 أغسطس، سلّم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، نظيره السعودي فيصل بن فرحان، رسالة تتضمن المطالبة بالإفراج عن المعتقلين العراقيين في السجون السعودية، مؤكدا "حرص الحكومة العراقية على متابعة هذا الملف بما يعزز الروابط الأخوية بين البلدين".

وعن عدد المتعقلين، كشفت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي على لسان العضو فيها النائب رائد المالكي، أن 9 عراقيين محتجزون داخل السعودية، وذلك خلال بيان له في 20 أغسطس.

وقال المالكي، إن المعتقلين التسعة تم احتجازهم على فترات مختلفة وبلغت مدة اعتقال أحدهم أحد عشر شهرا، وأن جميعهم دخلوا المملكة بشكل رسمي ولأغراض الحج والعمرة، ولم يرتكبوا أية جريمة بل تم احتجازهم بسبب منشورات أو تصوير أماكن دينية بحسب رواية ذويهم.

ولفت إلى أنه طيلة مدة اعتقالهم لم توجه لهم أية تهمة أو تقدمهم للمحاكمة ولم تسهل إجراءات توكيل محام للدفاع عنهم وهذا الأمر يشكل مخالفة للأعراف والاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان.

وكان النائب المالكي قد طالب السعودية بأن تُعامل المعتقلين العراقيين كما تعاملت مع مواطن إيراني (رجل دين) أقدم على نشر فيديو عد مخالفا للتعليمات في المملكة، مع ذلك فقد اكتفت السلطات في المملكة بإبعاده بعد يوم واحد فقط ولم يتم احتجازه.

وفي 29 مايو، أطلقت السلطات السعودية سراح رجل الدين الإيراني المعروف، غلام رضا قاسميان، كانت قد احتجزته بسبب انتقاده على مواقع التواصل أجواء مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفق ما أفادت وكالة "إسنا" الإيرانية.

وقبل الإفراج عن المعتقلين العراقيين في السعودية، نظمت فعاليات شعبية مرتبطة بفصائل عراقية مسلّحة، تظاهرة أمام السفارة السعودية في بغداد، تطالب بإطلاق سراح هؤلاء المحتجزين.

وعلى الصعيد ذاته، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لذوي المعتقلين تطالب السوداني، والبرلمان بالتدخل للإفراج عنهم، وذلك بالتزامن مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر 2025.

"معتقلون مغيبون"

في المقابل، لا يزال عدد من المعتقلين العراقيين قابعين خلف القضبان في الإمارات، بعد اعتقالهم داخل الأراضي الإماراتية لأسباب مختلفة، إذ تجاوز البعض منهم عامين بسجنه، وآخرون صدرت بحقهم أحكاما بالحبس المشدد.

وقال أبو محمد، وهو من ذوي أحد المعتقلين في الإمارات، لـ"الاستقلال" إن ابنهم المعتقل مضى عليه أكثر من سنتين لأسباب غير مفهومة حتى الآن، خصوصا أنه ذهب إلى هناك بقصد العمل، ولكنه اعتقل من السلطات الإماراتية، ولم نستطع زيارته حتى الآن خشية اعتقالنا أيضا.

وأضاف أبو محمد أن "المعتقلين العراقيين في الإمارات لا صوت لهم، لكن بعض الأهالي تزور أبناءها هناك ويُنقل لنا أن إجراءات تعسفية يعاني منها المعتقل تتعلق بعرض قضيته على المحاكم، إضافة إلى عدم تمكنهم من الإفصاح لذويهم عن أسباب اعتقالهم".

ولفت إلى أن "بعض المعتقلين أصبح يعاني من أمراض نتيجة ظروف الاعتقال التي يعيشها وتدهور حالات البعض منهم، فضلا عن سوء الحالة النفسية التي يمرون بها، كونهم لا يعرفون لماذا يستمر احتجازهم أو السماح بتوكيل محامين للدفاع عنهم أو إعادتهم إلى بلدانهم إذا كانوا مذنبين". 

وكشف أبو محمد أن "بعض الجهات السياسية تواصلت قبل أشهر معهم بعد سنوات من عرض موضوع المعتقلين عليهم، لكنهم لم يفعلوا شيئا وطالبوا في وقتها بمبالغ مالية كبيرة مقابل مفاتحة بعض المسؤولين العراقيين للحديث بقضية أبنائهم من الجانب الإماراتي". 

وأكد أن "تواصل بعض السياسيين مع ذوي المعتقلين حاليا يأتي في سياق الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية التي يروّج فيها للمرشحين، بالتالي لم نر منهم أفعالا وإنما فقط وعود مقابل الطلب منا بانتخاب شخصيات معينة، وحث الأقارب والمعارف على انتخابهم أيضا".

وبخصوص عدد المعتقلين هناك، توقع أبو محمد أن يصل عددهم إلى أكثر من عشرة أشخاص؛ لأن الأمر يجرى التعتيم عليه بشكل غير مفهوم، لكننا نسمع أن ملف هؤلاء المعتقلين من مسؤولية، طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني في الإمارات.

ودعا أبو محمد السلطات العراقية إلى مفاتحة السلطات الإماراتية بخصوص المعتقلين، وإنهاء معاناة هؤلاء كونهم عراقيين أيضا، خصوصا أن الإمارات سبق لها أن حبست عراقيا بسبب انتقاده غرق شوارع دبي بعد نزول المطر في فصل الشتاء.

وفي مطلع ديسمبر 2023، انتشر مقطع فيديو للعراقي باسم رحيم الجبوري، يتحدث عن غرق شوارع دبي بسبب الأمطار، ليعتقل مدة شهر كامل، قبل أن يفرج عنه بتدخل أحد العراقيين المقيمين هناك ودفع غرامة مالية قدرها 30 ألف دولار، بعدما صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عام.

وكان عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي، أكد في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020، أن شكاوى وصلت إليهم في اللجنة بخصوص اعتقالات نالت أفرادا من الجالية العراقية في الإمارات، و"حتى الآن نحاول فهم حقيقة وسبب الاعتقال".

وحث الموسوي في وقتها "وزارة الخارجية العراقية مطالبا إياها بالتحرك السريع لمعرفة ملابسات الموضوع وسبب الاعتقال، وتأمين تواصل مع ذوي المعتقلين بشكل فوري".

"سجون الأسد"

وفي الوقت الذي تتحدث فيه حكومة السوداني عن حرص الأخير على متابعة شؤون الآخرين في مختلف بلدان العالم، فإنه مع سقوط نظام الأسد، كشف الستار عن مئات المتعقلين العراقيين كانوا في سجون النظام السوري السابق، ولم يسبق أن تحدثت عنهم الحكومات العراقية.

وبعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، نشر إعلاميون ووسائل إعلام عراقية قوائم بأسماء مئات العراقيين كانوا يقبعون في سجن صيدنايا- سيئ الصيت- ومنهم من أعدم هناك لأسباب مجهولة.

ولا تزال طريقة وصول هؤلاء إلى سوريا مبهمة، لأن بعضهم فقد في بغداد قبل أن يُكشف عن وجودهم في دمشق.

في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قالت شقيقة أحد المعدومين في سجن صيدنايا ويدعى “أبو عبد الله” إن شقيقها اختطف عام 2012 بالقرب من محل سكنه ولم نسمع عنه شيئا.

وهذا الأخير هو مواطن سني من منطقة اليوسفية جنوب العاصمة بغداد، وكان يعمل صيدلانيا.

وأضافت خلال مقابلة تلفزيونية، أنها تواصلت مع منظمة الهلال الأحمر بعدما قرأت أسماء العديد من المعتقلين العراقيين في سجون النظام السوري، وأنهم أبلغوها بأن شقيقها أعدم في سجن صيدنايا وزودوها بنحو 150 صورة لسجناء عراقيين هناك، وكان هو من بينهم.

وقبل ذلك، وتحديدا مع بدايات تحرير المدن السورية من سيطرة نظام بشار الأسد، تحدث الإعلامي العراقي، عمر الجمّال عبر منصة "إكس" في 5 ديسمبر، عن العثور على عشرات المعتقلين العراقيين في سجون النظام.

ونشر الجمّال أسماء معتقلين عراقيين قال إنها وصلته من ناشطين سوريين دخلوا السجون التابعة للنظام، واصفا الأمر بأنه "حدث جلل وكبير"، وشكل صدمة بشأن أعداد السجناء العراقيين في سوريا، وأن هناك من فقد في بغداد عندما كان يمارس عمله كسائق تكسي.

وبحسب معلومات أوردتها وكالة "شفق نيوز" العراقية في 29 ديسمبر، فإن رئيس جهاز المخابرات العراقية، حميد الشطري، حينما التقى مع رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، كان ملف المعتقلين حاضرا خلال المباحثات بين الطرفين.

وأكدت الوكالة العراقية أن الشطري والشرع اتفقا على "تسليم العراق البيانات والوثائق الخاصة بكل المعتقلين العراقيين المودعين في سجون النظام السابق أو السجون الأخرى خارج إطار الدولة".

وأوضحت أن "بعض هذه الوثائق الخاصة بالمعتقلين، وصلت إلى الجهات المعنية العراقية"، مؤكدة أن "العراق قد يضع سقفا زمنيا لا يتعدى 6 أشهر لتحديد مدى التزام الشرع بعهوده للوفد العراقي".

وفي 13 ديسمبر، اعترف القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، عصام شاكر بوجود أعداد كبيرة من العراقيين معتقلين داخل سجون نظام الأسد في سوريا، واصفا إياهم بأنهم مدرجون على "القوائم السوداء".

وقال شاكر في تحريض ضد المعتقلين إن العشرات من المتهمين من الجنسية العراقية موجودون في عدة سجون سورية بعضهم أطلق سراحه في الأحداث الأخيرة، وبعضهم مطلوب لبغداد، وفق موقع قناة "الرافدين" العراقية.