عملية رفح النوعية.. كيف أضحت نقطة تحوّل كشفت وهم النصر الإسرائيلي؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

تضاعفت الدلائل على عمق فشل جيش الاحتلال في حربه الدموية على غزة، وعجزه عن اجتثاث المقاومة من أي جزء من القطاع، خصوصا بعدما شهدت مدينة رفح جنوب قطاع غزة عملية نوعية للمقاومة الفلسطينية.

وأسفرت العملية في 18 سبتمبر/ أيلول 2025، عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين بجروح، بعضها وُصف بـ"الخطير"، بعد استهداف مجموعة من المقاومين مركبة عسكرية من نوع "همر".

ووقعت العملية في منطقة تعدها دولة الاحتلال "آمنة" لقواتها، وهو ما فجّر موجة من الغضب والتشكيك داخل مجتمع الكيان بشأن حقيقة السيطرة العسكرية على المدينة وجدوى العمليات العسكرية في القطاع.

وبحسب البيانات الإسرائيلية، فإن الجنود قُتلوا في الجزء الجنوبي من رفح، قرب محور فيلادلفيا والحدود المصرية-الفلسطينية؛ حيث يُفترض أن تكون هذه المنطقة الأكثر أمنا لقوات الاحتلال نتيجة الحملات العسكرية الضخمة التي نفذها فيها، وعدم انسحابه منها حتى وقت الهدنة التي جرت في 19 يناير/ كانون الثاني 2025.

لمن السيطرة؟

وأعلن جيش الاحتلال أنه "أحكم السيطرة" على كامل مدينة رفح في 12 أبريل/ نيسان 2025، و"اجتث" لواء رفح في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بعد حملة تدميرية هائلة.

لكن مصداقية إعلان الاحتلال لم تعد قائمة بعد الهجوم في أقصى جنوب رفح؛ حيث كشف أن المقاومة ما زالت قادرة على اختراق المنظومة الأمنية والعسكرية، وتنفيذ هجمات موجعة حتى في أكثر المناطق تحصينا.

وطرح وصول المقاومين إلى تلك النقطة وتنفيذهم الهجوم كثيرا من التساؤلات، خصوصا مع الوجود العسكري الكبير للاحتلال في رفح.

وقال أيمن أبو عامر، أحد سكان مدينة رفح والنازحين قرب منطقة المواصي غرب المدينة: إن رفح "ما زالت تحتفظ بوجود سكاني رغم حجم الدمار الذي لحق بها".

وأضاف أبو عامر لـ"الاستقلال" أن “الأسابيع الأخيرة شهدت تمكن بعض الأهالي من العودة إليها جزئيا، مستفيدين من فترات إدخال المساعدات الأميركية ونقاط التمركز القريبة من الجهة الغربية للمدينة”. 

ولفت إلى أن حركة السكان امتدت حتى وصول بعضهم إلى منطقة "العلم" الواقعة في وسط رفح، وتحديدا في شطرها الجنوبي.

وردّ أبو عامر على مزاعم الاحتلال بشأن "تطهير رفح" عسكريا، مؤكدا أن واقع المدينة "يناقض هذه الادعاءات". 

وأوضح أن الأشهر الأخيرة لم تخلُ من أصوات الاشتباكات المتواصلة القادمة من رفح، والتي تُسمع في جنوب خان يونس؛ حيث يتكرر سماع إطلاق النار والقصف المدفعي والغارات الجوية.

وتساءل أبو عامر قائلا: "إذا لم يكن هناك مقاومون بالفعل، فلمن توجه هذه العمليات العسكرية، وضد من تستمر هذه الاشتباكات؟"، في إشارة واضحة إلى وجود مقاومة نشطة في المدينة.

وأكّد أن عمليات التدمير في رفح “ما زالت متواصلة”. مشيرا إلى سلسلة انفجارات ضخمة رُصدت أخيرا، ويُعتقد أنها استهدفت حي السعودي.

وأضاف أن المشهد الميداني “لا يعكس سيطرة كاملة لجيش الاحتلال كما يُروَّج، إذ إن المدينة الكبيرة تضم مساحات واسعة فارغة وأخرى لا ينشط فيها الاحتلال بشكل دائم”. 

لفت أبو عامر إلى أن مليشيا "أبو شباب" تبقى محصورة في شرق المدينة، ما يبرز محدودية الانتشار الإسرائيلي ويعطي فرصة لخلايا المقاومة بالتسلل والتحرك.

وأوضح أن عددا من العائلات والسكان ظلوا داخل رفح حتى لحظة اجتياحها، ولا يزال مصير كثير منهم مجهولا حتى الآن، بينما تمكن آخرون من النزوح إلى مدينة خان يونس خلال الفترات الأخيرة.

ويرى أبو عامر أن ذلك يعزز احتمال وجود تجمعات سكانية باقية داخل المدينة، بعيدا عن المناطق التي تسيطر عليها مليشيا "أبو شباب"، وهو ما يطرح تساؤلات حول الأوضاع الميدانية غير المكشوفة بالكامل.

ولم تكن عملية رفح وحدها دليل فشل الاحتلال في هزيمة المقاومة وإنهاء سيطرتها الميدانية في القطاع؛ حيث شهد الشمال الذي أعلن الاحتلال تدميره بالكامل وهزيمة المقاومة فيه وسيطرته عليه، إطلاق صواريخ في 21 سبتمبر 2025 باتجاه مدينة أسدود، وبعضها وصل إلى هدفه.

غضب إسرائيلي

وجاءت ردود فعل إسرائيلية ساخطة على حكومة بنيامين نتنياهو واستمرار الحرب، بعد تكرار عمليات المقاومة في مناطق سيطرة الاحتلال الكاملة. 

وقالت والدة الجندي الأسير نمرود كوهين: إن إخضاع حماس "شعار يبيعونه للجمهور"، مؤكدة أن الحرب لم تحقق أهدافها رغم الخسائر الفادحة، وترى أن قتل مقاتل واحد يقابله ظهور عشرة آخرين، حسب ما نقلته عنها صحيفة هآرتس العبرية في 16 سبتمبر 2025.

أما زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، فاتّهم الحكومة بـ"الفشل الذريع".

ولفت ليبرمان إلى أن "استمرار إطلاق الصواريخ حتى الآن يثبت عجزها عن إدارة المعركة"، وفق موقع "واللا" العبري في 21  سبتمبر.

وأقر محللون إسرائيليون من جهتهم بأن العملية الأخيرة تعكس “مأزقا إستراتيجيا” للجيش في رفح. 

وفي نقاش على القناة 12 العبرية في 19 سبتمبر، قال المحلل أوري سيغال: إن العملية كشفت نقاط ضعف خطيرة في الرقابة الأمنية، وأن عنصر المفاجأة الذي استغلته المقاومة دليل على تجدد قدراتها وعودة نشاطها في رفح.

بينما شدد المحلل الإسرائيلي دانيال ليفي على أن جيش الاحتلال، رغم تفوقه التكنولوجي، لا يزال عاجزا عن فرض سيطرة مطلقة على المدينة. 

أما المعلقة العبرية تامار أفنيري فأكَّدت أن رفح تظل ساحة إستراتيجية للمقاومة، وأن نجاح العملية رغم الإجراءات المشددة يبرهن على مرونتها واستمراريتها.

في حين لفت المحلل الإسرائيلي يتسحاق بن إلياهو إلى صعوبة التنبؤ بخطوات المقاومة، محذرا من أن مثل هذه العمليات تبعث رسائل سياسية وأمنية واضحة مفادها أن السيطرة الإسرائيلية على الأرض بعيدة المنال.

أما قائد استخبارات السجون الإسرائيلية، يوفال بيتون، فقال تعقيبا على عملية رفح: إن "القتال يجرى على أرض ملعونة مليئة بالانتحاريين". ومن المتوقع أن تستمر الأثمان الباهظة جدا في حياة أرواح الجنود". حسب وصفه.

وقالت المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تاليا لانكري، إنه لا توجد في كل قطاع غزة، وحتى في رفح، منطقة آمنة، وأن الغطاء الناجم عن الركام يسمح للمقاومين بالتسلل وزراعة العبوات والانسحاب.

فيما يرى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس مالكا، أن "استمرار العملية خسارة لإسرائيل، وأنه بعد وصول الاحتلال إلى قائد في المقاومة يُعيَّن مباشرة بديل له، وتستمر العمليات ويدفع جيش الاحتلال على إثرها ثمنا داميا. 

وتابع: “في النهاية، لن ترفع حماس الراية البيضاء”. حسب وصفه.

فشل عسكري

من جانبه، قال المختص في الجانب الإسرائيلي، جمال مسامح: إن عملية رفح الأخيرة أثبتت بوضوح زيف الرواية الإسرائيلية التي ادّعت القضاء التام على المقاومة داخل المدينة.

وأوضح مسامح لـ"الاستقلال" أن الاحتلال كان قد أعلن أنه دمّر البنية التحتية للمقاومة، وحوّل رفح إلى منطقة عازلة وأمنية تفصل قطاع غزة عن الحدود المصرية، غير أن هذه المزاعم سرعان ما انهارت مع استهداف وتدمير آلية "الهمر"، وهو ما يعكس استمرار فاعلية المقاومة وتفنيد الادعاء بتراجعها.

وأضاف أن الإعلام الإسرائيلي دأب منذ أشهر على تصوير رفح وكأنها قد انتهت عسكريا، مروجا لإنجازات ميدانية مزعومة، وعارضا مشاهد للأنفاق وغيرها من الأهداف التي جرى استهدافها.

ولفت مسامح إلى أن “هذا الخطاب الإعلامي سعى إلى تكريس صورة مفادها أن المدينة أصبحت جاهزة لفرض السيطرة الكاملة من قبل الاحتلال، بل وتحويل أجزاء منها إلى مقرات للمليشيات الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، لتمرير مخطط معسكرات الاعتقال فيما يسمى بالمدينة الإنسانية التي خُطط لحصر كل سكان القطاع فيها، قبل تهجيرهم”.

وشدد على أن الاحتلال فرض خلال الأسابيع الأخيرة، وبالتحديد منذ إعلانه السيطرة على رفح، رقابة عسكرية على نشر أخبار الاشتباكات مع المقاومة، وما كانت تنقله مواقع المستوطنين كان يُحظر تداوله حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

ولكن مع الحدث الكبير المتمثل في عملية تفجير الجيب ووقوع هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين، “لم يتمكن الاحتلال من إخفاء العملية”، يؤكد مسامح.

وتابع: "فجّرت العملية موجة غضب داخل إسرائيل؛ حيث كان الجيش قد سوّق أنه أنهى خطر رفح تماما، ولكن تبين أنها لا تزال تشهد مقاومة كبيرة. 

وختم مسامح حديثه بالقول: إن "المخاوف زادت حول ما ستواجهه قوات الاحتلال في مدينة غزة من عمليات وكمائن، والوقت الهائل الذي ستستغرقه العملية دون الوصول إلى نقطة حسم حقيقية، على تقدير أن غزة مختلفة تماما عن رفح، والمقاومة فيها أقوى وكثافتها السكانية عالية".

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في قطاع غزة، ارتقى على أثرها 66 ألفا و55 شهيدا و168 ألفا و346 مصابا، معظمهم أطفال ونساء.