الأخطر منذ 2006.. تداعيات تجاهل أميركا لعنف المستوطنين في الضفة

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

يُشكل تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة مشكلة مستمرة على مدار العامين الماضيين، على الرغم من إغفال هذه القضية في كثير من الأحيان، وسط حرب الإبادة الإسرائيلية التي دمرت غزة.

إلا أن الارتفاع التاريخي في هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة دق ناقوس الخطر لدى قادة العالم، وهناك مخاوف متزايدة من أن هذا الوضع قد يُقوّض مساعي السلام الهشة أصلا في غزة، في ضوء خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وفي تقرير لها بهذا الشأن، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية: إن "عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يُهدد خطة ترامب للسلام في غزة".

الأخطر منذ 2006

حيث أُصيب أكثر من ألف فلسطيني في هجمات المستوطنين حتى الآن في عام 2025، أي أكثر من ضعف عدد المصابين في عام 2024، وفقا للأمم المتحدة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025 وحده، وقع 264 هجوما للمستوطنين على فلسطينيين في الضفة الغربية، أسفرت عن سقوط ضحايا أو أضرار مادية أو كليهما. بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ويمثل هذا الرقم أعلى حصيلة شهرية منذ أن بدأ المسؤولون في تسجيل مثل هذه الحوادث عام 2006.

وبينما تسعى إدارة ترامب إلى نقل خطة السلام في غزة إلى المرحلة التالية -والتي تواجه بالفعل عقبات كبيرة- يُشكل عنف المستوطنين في الضفة الغربية "تهديدا خطيرا" لهذه العملية، لا سيما فيما يتعلق بموقف القوى الإقليمية، وفقا لما ذكره دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل.

وأشار التقرير إلى أن البيت الأبيض يأمل أن تلعب الدول العربية دورا محوريا في استقرار غزة، بما في ذلك تمويل إعادة الإعمار.

لكن هذه الدول ستكون أكثر ترددا في المشاركة في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب إذا طُلب منها ذلك في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الضفة الغربية، بحسب ما صرّح به شابيرو.

وأكد شابيرو، وهو زميل بارز حاليا في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، أن الدول العربية قلقة من أن خطة ترامب بشأن غزة غير كافية فيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية وتقديم مسار موثوق لإقامة دولة فلسطينية.

وأضاف أن مشاهد العنف في الضفة الغربية تجعل المشاركة في خطة ترامب أكثر صعوبة بالنسبة لتلك الدول.

وقالت المجلة: "رغم أن ترامب قد خالف سياسة الولايات المتحدة المتبعة منذ عقود بعدم تقديمه دعما قاطعا لحل الدولتين -بما في ذلك تصريحه المثير للجدل خلال ولايته الأولى بأن الولايات المتحدة لم تعد المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية- فقد كان الرئيس واضحا في معارضته لضم الضفة الغربية".

لكن ترامب التزم الصمت نسبيا حيال أعمال العنف الأخيرة في الضفة الغربية، ولم يمارس ضغوطا تُذكر على إسرائيل لمعالجة الوضع، رغم احتمال أن تُقوّض هذه الفوضى خطته بشأن غزة.

وقد حثّ الديمقراطيون في الكونغرس ترامب على اتخاذ إجراءات، لكنه لم يلقَ دعوات مماثلة من المشرعين الجمهوريين، الذين يتمتعون بنفوذ أكبر بكثير لدى الرئيس. وفق المجلة.

وقال شابيرو: إن مسؤولية السيطرة على العنف تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية، لكن من "المناسب تماما أن تُبلغ إدارة ترامب الحكومة الإسرائيلية بأنها تتوقع منها الوفاء بتصريحاتها" بشأن الهجمات الأخيرة.

نظرا لما قد يُسببه عدم الاستقرار من عرقلة لعملية السلام وأهداف البيت الأبيض الأخرى في المنطقة، ومنها تعزيز اتفاقيات التطبيع.

وتصاعدت وتيرة العنف في الضفة الغربية بشكل ملحوظ منذ بدء وقف إطلاق النار في غزة مطلع أكتوبر/تشرين الأول، والذي تزامن مع موسم قطف الزيتون.

وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 100 ألف عائلة فلسطينية في الضفة الغربية تعتمد على قطف الزيتون لكسب عيشها، وقد سعى المستوطنون العنيفون إلى تعطيل هذا التقليد الحيوي -الذي يحمل أيضا أهمية ثقافية ورمزية بالغة- بتصاعد حدة العنف في السنوات الأخيرة.

وتعرضت أكثر من 4 آلاف شجرة زيتون وشتلة للتخريب على أيدي المستوطنين خلال موسم الحصاد هذا العام، والذي يُصنف من بين الأسوأ في الذاكرة الحديثة نتيجة لتضافر آثار هجمات المستوطنين والجفاف.

إرهاب وضرب متكرر

بدوره، أجرى جوست هيلترمان، المستشار الخاص لمجموعة الأزمات الدولية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بجولة في أنحاء الضفة الغربية خلال أكتوبر.

وبناء على ما سمعه وعرفه خلال زيارته، فقد واجه الفلسطينيون الذين يحاولون قطف الزيتون إرهابا وضربا متكررا من المستوطنين. وقال: "كان الجيش [الإسرائيلي] يأتي ويغلق فعليا الطرق المؤدية إلى المناطق؛ دعما للمستوطنين".

وأوضح هيلترمان أن هذا مرتبط بتصعيد شامل بدأ حتى قبل الحرب الحالية في غزة، لكنه "تسارع" خلال الحرب. مضيفا: "كان الجميع عيونهم على غزة، ورأى المستوطنون في الضفة الغربية فرصتهم الحقيقية لتحقيق أهدافهم".

ويوجد ما يقرب من 500 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية. ورغم أن انخفاض تكلفة المعيشة يُعد حافزا لبعض المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، إلا أن الكثيرين منهم يوجدون هناك لإيمانهم بحقهم الإلهي في الأرض. بحسب المجلة.

وقال شابيرو: إن "المستوطنين المتورطين في الهجمات العنيفة، والتي تشمل جماعات متطرفة مثل "شبيبة التلال"، لديهم "دوافع عديدة، ولديهم مؤيدون في الحكومة الإسرائيلية، خاصة [وزير الأمن القومي إيتامار] بن غفير و[وزير المالية بتسلئيل] سموتريتش، الذين يشاركونهم هذه الأجندات".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، ندّد مايك هاكابي، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، بعنف المستوطنين ووصفه بأنه "إرهاب".

لكن دافع هاكابي أيضا عن تعامل إسرائيل مع عنف المستوطنين، مصرحا بأن "كل الجهود بُذلت" حتى من جانب "الإسرائيليين أنفسهم للتأكيد على أن مرتكبي الأعمال الإرهابية، حتى لو كانوا إسرائيليين، سيواجهون أقصى عقوبة ينص عليها القانون".

من جانبها، أكدت يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، أنه لا ينبغي النظر إلى تفاقم العنف في الضفة الغربية على أنه منفصل عن "الإبادة الجماعية" في غزة.

وقالت نوفاك: "إنها نفس المنظومة، نفس نظام الحكم، نفس الحكومة، نفس الجنود، في الواقع، الذين كانوا يعملون في غزة، يعملون الآن في الضفة الغربية تحت نفس القادة".

وأضافت نوفاك: "نحن نتحدث عن أكثر من ألف فلسطيني قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، الذين تسلّحهم الدولة". "عندما نفكر في الأمر فيما يتعلق بالأعداد في غزة، قد يبدو منخفضا، لكنه رقم جنوني".

وقالت نوفاك: إن المنطقة تمر بمرحلة "خطيرة" بين استمرار تدمير القطاع الساحلي والعنف في الضفة الغربية. وفي هذا السياق، تُبدي نوفاك تشككا عميقا في خطة ترامب، ولا يعوّل على تحقيقها أي نتائج، لا سيما بالنظر إلى مدى تقلب الرئيس الأميركي.

وتابعت: "لا أعتقد أن هناك عملية سلام". مشيرةً إلى غياب الأصوات الفلسطينية والمشاركة. وأعربت عن قلقها البالغ "من أن الأسوأ لم يأتِ بعد، وأن الإبادة الجماعية قد تشتعل من جديد في أي لحظة، بل قد تمتد بسهولة إلى الضفة الغربية وداخل إسرائيل".