من الجزر الثلاث إلى حقل الدرة.. لماذا اختار الخليج هذا التوقيت للضغط على طهران؟

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شهدت الساحة السياسية في الخليج تصاعدا حادا في التوتر بين إيران ودول مجلس التعاون، عقب القمة التي عقدها المجلس في المنامة، والتي طالبت خلالها الدول الأعضاء بإنهاء "الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث". وأكدت فيها أن حق التصرف في حقل الدرة الغازي يخصّ الكويت والسعودية فقط.

هذه المواقف أثارت غضبا كبيرا في طهران، عبّر عنه مسؤولون إيرانيون بسلسلة تصريحات هجومية اتسمت بالحدة والتهديد، تزامنت مع تغطيات صحفية إيرانية حملت طابع التحريض والدعم لخطاب التصعيد.
وقد فتح هذا التوتر الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بين الجانبين وإلى أين يمكن أن تتجه في ظل تجدد الخلافات حول الملفات الحدودية والطاقة.

بيان مختلف

أثار البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة موجة حادة من الاتهامات المتبادلة بين إيران ودول المجلس، بعدما طالب قادة الخليج بإنهاء "الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث". وأكدوا على الحصرية الكاملة لحق الكويت والسعودية في استغلال "حقل الدرة" الغازي في المياه الخليجية.

ورغم أن معظم البيانات الختامية السابقة للقمة كانت تتضمن موقفا ثابتا بشأن الجزر، فإن بيان قمة المنامة في 3 ديسمبر/كانون الأول 2025 جاء مختلفا من حيث حدّته وتفاصيله، بعد أن أشار بشكل مباشر إلى إجراءات وتصريحات إيرانية تتعلق بالجزر الثلاث.

فبعد إعادة تأكيده على أن الجزر محتلة من قبل إيران وأنها جزء لا يتجزأ من أراضي دولة الإمارات، ودعوته طهران إلى حل الخلاف عبر المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أدان المجلس الخليجي استمرار إيران في بناء منشآت سكنية لتوطين إيرانيين في هذه الجزر.

كما استنكر المجلس الإجراءات التصعيدية الإيرانية، بما في ذلك إدراج مناسبة جديدة في التقويم الإيراني تحت اسم "اليوم الوطني للجزر الثلاث في الخليج"، وتصريحات عدد من المسؤولين، إلى جانب المناورات العسكرية التي أُجريت هناك.

ورفض المجلس كذلك إعلان أحمد بنافي، حاكم جزيرة أبو موسى التي تحتلها إيران، حول مواصلة تنفيذ خطة بناء 110 وحدات سكنية في الجزيرة بأمر من وزارة الطرق وبناء المدن الإيرانية.

وأشاد مجلس التعاون بموقف الاتحاد الأوروبي المؤيد لحق الإمارات، كما ورد في البيان المشترك للقمة الأولى بين الجانبين في بروكسل بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024. وفي الاجتماع الوزاري المشترك التاسع والعشرين الذي عُقد في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وتحمل الجزر الثلاث ــ أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ــ أهمية إستراتيجية وعسكرية كبيرة في الخليج العربي، وقد سيطرت عليها إيران عام 1971 قبل يومين من استقلال دولة الإمارات عن بريطانيا، ومنذ ذلك الحين تواصل أبوظبي المطالبة بها، بينما عززت طهران وجودها العسكري عبر قواعد وصواريخ بحرية.

كما أكد بيان مجلس التعاون أن حقل الدرة يقع كاملا ضمن المناطق البحرية الكويتية، وأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المقسومة المحاذية للحدود السعودية–الكويتية هي ملكية مشتركة فقط بين البلدين اللذين يمتلكان وحدهما حق استغلال مواردها الطبيعية.

وشدّد المجلس على رفضه التام لأي مطالبات من أي طرف آخر بالحقوق في الحقل أو في المنطقة المغمورة المحاذية، انسجاما مع القانون الدولي والاتفاقيات السارية بين الكويت والسعودية.

ويحتوي الحقل المكتشف عام 1960، على نحو 200 مليار متر مكعب من الغاز وما يزيد على 300 مليون برميل من النفط. وفي حين تؤكد الكويت والسعودية ملكيتهما الكاملة للحقل، تصر إيران على أنها شريك ثالث، وهو ما أدّى إلى تعطّل أي مشاريع لاستخراج ثرواته حتى اليوم.

خطوط حمراء

لم يكن بيان قمّة المنامة وقعه سهلا على إيران، إذ جاء ردّ عدد من مسؤوليها حادا. فقد صرّح علي شمخاني، ممثّل المرشد الإيراني علي خامنئي في مجلس الدفاع الوطني، بأنّ على الدول الخليجية عدم “اللعب بالخطوط الحمراء” لطهران فيما يتعلّق بقضية الجزر الثلاث.

وكتب شمخاني على منصّة "إكس" في 4 ديسمبر أنّ "ادعاءات مجلس التعاون بشأن الجزر الإيرانية وحقل آرش (الدرة)، في ظلّ شرور الولايات المتحدة والصهاينة، غير بنّاءة".

وأضاف: "تحلّت إيران بضبط النفس خلال حرب الأيام الاثني عشر رغم بعض أشكال الدعم للعدوان. وإنّ اقتدار إيران في الخليج الفارسي لا ينبغي أن يُساء تفسيره؛ فدور الجيران هو صناعة الأمن لا اللعب بالخطوط الحمراء للشعب الإيراني".

كما ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، على البيان الختامي للقمة الـ46 لمجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الثلاث، معربًا عن استنكاره ومؤكدًا أنّ هذه الجزر جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية. وأن أي ادعاءات بشأنها لا تستند إلى أي أساس، وتفتقر للمصداقية، وتتعارض بصورة واضحة مع مبدأ احترام وحدة أراضي الدول وحسن الجوار.

وأضاف بقائي أنّ "السيادة الإيرانية الفعلية والمستمرة وغير القابلة للنزاع على هذه الجزر الثلاث امتدت عبر قرون طويلة". مشددًا على أنّ "تكرار مزاعم لا أساس لها بشأن جزء من أراضي دولة ما، لا يغيّر الحقائق الجغرافية والتاريخية، ولا يُنشئ من الناحية القانونية أي حق لمطلقي تلك المزاعم".

وتابع قائلا: إنّ "سياسة إيران قائمة على حسن الجوار والتعاون مع الدول المحيطة بهدف تعزيز العلاقات وصون الأمن والاستقرار في المنطقة". داعيًا الإمارات العربية المتحدة ومجلس التعاون الخليجي إلى "تجنّب اتخاذ مواقف استفزازية تتعارض مع مبادئ حسن الجوار تجاه إيران".

وخلال مشاركته في جلسة ضمن «منتدى الدوحة» في 7 ديسمبر، وقع سجال بين نائب الرئيس الإيراني السابق محمد جواد ظريف، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، بعد أن بدا على ظريف قدْر من الانفعال.

ونفى ظريف وجود أي طموحات توسعية لإيران على حساب جيرانها. موضحًا أن "دول الخليج نفسها تعاني من خلافات حدودية بينها، لكن القانون الدولي لا يصنفها مشاكل كبرى". في إشارة منه إلى النزاع المتعلق بحقل الدرة بين إيران من جهة، والسعودية والكويت من جهة أخرى.

وردّ البديوي خلال الجلسة ذاتها بالقول: "إيران تريد منا الدخول في حوار معها بشأن حقل الدرة الغازي الذي تتشاركه السعودية والكويت". مؤكدًا وجود فجوات كبيرة ما تزال قائمة في العلاقة مع طهران، وأن بناء الثقة يجب أن يسبق أي حوار، وهو ما أثار حفيظة ظريف.

فعقّب ظريف بانفعال: “كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي لديها خلافات حدودية مع الأخرى، والآن صديقي يتحدث عن حقل آراش (الدرة) المتنازع عليه بين إيران والسعودية والكويت، ويقول: إنه شأن سعودي–كويتي، فلماذا يُعد كذلك؟”

فأجابه البديوي: "لأن القانون الدولي ينظر إليه بهذه الصورة"، ليرد ظريف مرة أخرى بحدة قائلا: إن "الكويت هي التي كانت ترفض الحوار بشأن الحقل، وليس إيران".

في اليوم نفسه أصدر أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، بيانا أدان "تصريحات إعلامية صادرة عن مسؤولين إيرانيين تجاه دول مجلس التعاون، تمس سيادة البحرين، وحقوق الإمارات في جزرها الثلاث، وسيادة حقل الدرة النفطي العائدة ملكيته بالشراكة بين الكويت والسعودية".

وقال البيان: "التصريحات تضمنت مغالطات وادعاءات باطلة ومزاعم مرفوضة تتعارض مع مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحسن الجوار الذي انتهكته إيران باعتدائها على سيادة واستقلال دولة قطر"، في إشارة إلى قصف قاعدة العديد في 23 يونيو 2025.

الإنذار الأخير

فيما يتعلق بالتصعيد القائم بين إيران ودول الخليج وتوقيته، يرى الباحث في الشأن السياسي إياد ثابت أن دول الخليج اختارت لحظة تعدها مناسبة؛ إذ يشهد النفوذ الإيراني تراجعًا واضحًا في المنطقة إلى جانب ضغوط غربية وإسرائيلية متزايدة. ويرى أن "النظام الإيراني يعيش إحدى أضعف مراحله منذ عام 1979".

وأكد ثابت لـ"الاستقلال" أن دول الخليج "تسعى للحصول على تنازلات من إيران عبر طرح قضيّة الجزر الثلاث وملف حقل الدرة الغازي بهذه الطريقة غير المسبوقة، وهو ما عدته طهران ابتزازًا لها". مشيرًا إلى أن تصريحات وتهديدات علي شمخاني تعكس هذا الانزعاج الإيراني.

وأضاف أن "دول الخليج باتت ترى أن إيران غير قادرة حاليًا على تهديدها أو استهدافها عبر أذرعها بالمنطقة؛ لأنها ستكون عرضة لردّ أميركي وربما إسرائيلي لا قدرة لها على تحمّله، بل قد تعد ذلك استدراجًا لها إلى مواجهة ثانية مع إسرائيل والولايات المتحدة".

وفي السياق ذاته، أولت الصحف الإيرانية اهتمامًا لبيان مجلس التعاون الخليجي ومطالبته طهران بإعادة الجزر الثلاث إلى دولة الإمارات؛ إذ كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" أن ما يميز البيان الأخير هو استخدام تعبير "الإنذار الأخير"، واصفة إياه بأنه تصعيد غير مسبوق.

وفي افتتاحيتها، أكدت الصحيفة أن "الوثائق التاريخية تثبت ملكية إيران للجزر منذ قرون، وهو ما لا يمكن تغييره عبر بيانات سياسية"، مشيرة إلى أن "الإجماع الشعبي الإيراني على وحدة الأراضي يجعل أي تنازل بشأن الجزر أو حقل آرش مستحيلاً". وختمت بالتشديد على أن "إيران لن تتراجع أمام الإنذارات أو الضغوط، وأن قوة البلاد واستقلال قرارها السياسي يمنعان التخلي عن أي جزء من أراضيها"، داعية دول الخليج إلى "التوقف عن تكرار الادعاءات الزائفة والابتعاد عن الرهانات على الدعم الغربي".

من جانبه، رأى الكاتب الإيراني محمد صفوري أن "التصعيد في بيانات مجلس التعاون الذي يزداد حدة في كل مرة، لا يعكس موقفًا خليجيًا مستقلًا، بل يأتي نتيجة تحريض أميركي وإسرائيلي يهدف إلى خلق توترات تُشغل المنطقة عن الخطر الحقيقي المتمثل في إسرائيل".

وشدد صفوري في افتتاحيته بصحيفة "سياست روز" في 6 ديسمبر على أن "إيران، رغم قوتها العسكرية، تتجنب التصعيد مع جيرانها، لكن ذلك لا يعني التنازل عن وحدة أراضيها". داعيًا إلى "إعادة النظر في السياسة الخارجية، وتكثيف العمل الإعلامي داخليًا وخارجيًا لإبراز حقيقة ملكية الجزر".

وخلص إلى أن "إثارة القضية في هذا التوقيت تهدف إلى تشتيت الأنظار عن أزمات المنطقة، وأن الرد الإيراني يجب أن يكون أكثر حزمًا سياسيًا وإعلاميًا وعسكريًا، لأن تهدئة الملف تجعل الطرف الآخر أكثر جرأة". على حد قوله.