من الغرق إلى الاقتلاع.. خيام النازحين في غزة بين السيول والرياح وصمت العالم

يعيش النازحون في غزة أوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة مع دخول الشتاء
في ظل غياب وصمت شبه تام من الأنظمة العربية والمجتمع الدولي، لا سيما الوسطاء الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتفاقم الأوضاع الإنسانية بصورة غير مسبوقة مع تجدد تأثير المنخفضات الجوية التي زادت من معاناة مئات آلاف الفلسطينيين، بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة في غرق عشرات الخيام ومراكز الإيواء المنتشرة في مختلف مناطق القطاع.
وتسببت أمطار غزيرة والتي رافقت منخفضًا جويًا جديدًا ضرب قطاع غزة، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، في إصابة فلسطينية بجراح متوسطة، إضافة إلى غرق مئات خيام النازحين وتطاير عدد كبير منها، خاصة في منطقتي “الشاليهات” وتل الهوى غربي مدينة غزة؛ حيث تقيم آلاف العائلات في خيام بدائية تفتقر لأدنى مقومات الحماية.
ومساء 15 ديسمبر، تفاقم تأثر القطاع بالمنخفض الجوي الجديد، بعد أيام قليلة فقط من منخفض جوي قاسٍ أسفر عن مصرع 11 فلسطينيًا وفقدان شخص واحد، جراء انهيار عدة مبانٍ سكنية متضررة إلى جانب خسائر أولية مباشرة قُدرت بنحو 4 ملايين دولار، وتضرر وغرق نحو 53 ألف خيمة بشكل كلي أو جزئي، وفق معطيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وفي ظل سوء الأحوال الجوية وتتابع المنخفضات، يعيش النازحون أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة، في ظل انعدام وسائل الحماية من الأمطار والبرد، وغياب البدائل الآمنة للإيواء، الأمر الذي يفاقم معاناتهم اليومية ويضاعف المخاطر التي تهدد حياتهم، لا سيما الأطفال وكبار السن.
ويأتي ذلك في وقت تتنصل فيه إسرائيل من التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبروتوكوله الإنساني، ما فاقم من معاناة الفلسطينيين، الذين لم يلمسوا أي تحسن يُذكر في واقعهم المعيشي منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
وفي هذا السياق، حذّر رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة، يحيى السراج، من تداعيات خطيرة مع دخول المنخفض الجوي الجديد إلى القطاع، واصفًا إياه بأنه “قد يكون أشد قسوة من سابقه”، في ظل الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية، واستمرار تقييد الاحتلال إدخال مواد الإغاثة والطوارئ.
وقال السراج: إن “المنخفض الجوي الجديد دخل في وقت لم يتعافَ فيه القطاع بعد من آثار المنخفض السابق، ونحذر من مخاطر كبيرة في ظل غياب المأوى الآمن وانعدام وسائل التدفئة”. بحسب ما نقلته وكالة الأناضول. مؤكدًا أن المخاطر تتضاعف مع استمرار الأحوال الجوية القاسية، لا سيما في المناطق المنخفضة والمكتظة بالنازحين؛ حيث تزداد احتمالات غرق الخيام ومراكز الإيواء.
وأشار إلى أن فرق الطوارئ في البلديات بالتعاون مع الدفاع المدني تعمل على مدار الساعة للحد من الأضرار، إلا أن النقص الحاد في الوقود يشكل عائقا رئيسا أمام تشغيل الآليات الثقيلة ومحطات ضخ المياه، ما يحدّ من القدرة على التعامل مع السيول وتجمعات مياه الأمطار.
وأوضح السراج أن العديد من المباني السكنية المتضررة التي يقيم فيها نازحون، لا تزال مهددة بالانهيار، لافتًا إلى أن المنخفض السابق أدى إلى انهيار 13 مبنى سكنيًا، وانتشال جثامين 11 فلسطينيًا من تحت الأنقاض، وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي.
وأكد أن المنخفض الأخير خلّف دمارًا واسعًا طال آلاف الخيام، وأغرق مئات مراكز الإيواء، ما أدى إلى تشريد آلاف العائلات مرة أخرى، في ظل نقص حاد في الآليات والوقود لدى البلديات، وعدم السماح بإدخال مواد البناء اللازمة لإصلاح البنية التحتية، خاصة شبكات تصريف مياه الأمطار.
ودعا السراج المؤسسات الدولية، والأمم المتحدة، والدول الوسيطة إلى التدخل العاجل لإدخال “الكرفانات” والمساكن المؤقتة، إلى جانب توفير مساعدات إغاثية عاجلة تشمل ملابس شتوية، وأغطية، ووسائل تدفئة، للتخفيف من معاناة السكان في ظل الظروف الجوية القاسية.
من جانبه، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة: إن أكثر من ربع مليون نازح، من أصل نحو 1.5 مليون نازح في القطاع، يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية من الأمطار والبرد.
وأضاف أن دولة الاحتلال تمنع إدخال نحو 300 ألف خيمة وبيت متنقل، وتواصل إغلاق المعابر أمام مواد الإغاثة والطوارئ، رغم التزاماتها الواضحة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وعلى صعيد التفاعل الشعبي استنكر ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي الأوضاع المأساوية التي يعيشها مئات آلاف الفلسطينيين، في ظل افتقارهم لأدنى مقوّمات الحياة من خيام وأغطية وملابس شتوية تقيهم وأطفالهم قسوة الشتاء، معبرين عن غضبهم من تقاعس الأنظمة الدولية والعربية والإسلامية عن نصرة غزة.
وندّد الناشطون، عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصات “إكس” و“فيسبوك”، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها: #غزة_تغرق، #غزة_تستغيث، #غزة_خذلها_العرب_والمسلمين، بالقيود والعراقيل التي تفرضها سلطات الاحتلال أمام إدخال المساعدات الإغاثية لسكان القطاع، متسائلين عن موقف الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار إزاء ما يجرى.
كما تداول ناشطون مقاطع فيديو وصورا توثق تطاير واقتلاع عدد كبير من خيام النازحين بفعل شدة الرياح والأمطار، معربين عن شعورهم بالخجل والعجز أمام المشاهد القادمة من غزة، والتي تعكس عمق المأساة الإنسانية، ومؤكدين تضامنهم مع أهالي القطاع، رغم ضيق ذات اليد وفشل المجتمع الدولي في توفير الحماية والمساعدة اللازمة لهم.
واقع ماسأوي
ورصدا للواقع الذي تعيشه غزة، عرض إسماعيل الثوابتة، مقطع فيديو يوثق جانبا مما خلفته الرياح، قائلا: "هكذا يواجه النازحون المنخفضات الجوية في قطاع غزة بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لـ 288,000 منزل ووحدة سكنية، كما أنه يصرّ على منع إدخال الخيام ومواد الإيواء".
ووصف الناشط تامر قديح المشاهد القادمة من القطاع بأنها "مرعبة لا تحتاج إلى وصف تجاوزت الألم والمأساة وكل مصطلحات المعاناة التي عرفها البشر".
وعرضت الإعلامية هدى نعيم، مقطع فيديو يظهر غرق مستشفى الشفاء بمياه الأمطار المتسربة من السقف، قائلة: "لا معدات لتصليح الشوارع ولا حتى خيام ولا ملابس شتاء ولا حتى أغطية، كلها مكدسة عند معبر رفح يعاقب بمنع دخولها شعب كامل".
وبث الصحفي إسلام بدر، مقطع فيديو يظهر تأثير الرياح على خيام النازحين وغرقها بمياه الأمطار، قائلا: "تخيل نفسك مع أطفالك داخل واحدة من هذه الخيام!!.. مليون ونصف غزاوي يعيشون فيها".
وكتب عمرو محمود: "قتلٌ بالقصف، وتجويعٌ بالحصار، وتعطيشٌ بالمنع، والمطر سلاحٌ آخر على من لا يملك سقفًا". داعيا: "اللهم آوِ أهل غزة، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، واكفِهم شر البرد والجوع والخوف، وكن لهم ناصرًا ومعينًا".
وأشارت نورا أبو غانم إلى أن خيام النازحين في غزة طارت ولم تغرق فقط، بل اقتلعها الهواء، مؤكدة أن هذه المأساة الأكبر في هذا المنخفض، أن الخيام انتقلت من مرحلة الغرق إلى الاقتلاع، ما يعني أن حتى إمكانية تعويض ضررها غير مجدٍ!
وقالت: "غزة تعيش مأساة فوق تحمل البشر.. غزة يا ناس.. غزة يا مسلمون.. غزة تغرق".
غريق ينتظر النجاة
وقال الصحفي مصعب الشريف: "تفنّنت بنا طرق الغرق.. فالطرقات مدمرة، ولا مصارف صحية، فتطفو مياه الصرف في الشوارع، وتغمر الخيام.. منا من يموت، ومنا من يمرض، ومنا من يبقى غريقًا ينتظر النجاة".
وأضاف: "لا مأوى لنا سوى ما تسمّونه خياما، ويا ليتها خيام، هي مجرد أوهام لا تقي برداً، ولا تمنع ماءً، ولا تحفظ كرامة"، متسائلا: “أي خذلان هذا الذي نحيا فيه.. بل نموت فيه؟”
وعرض الصحفي محمد هنية مقطع فيديو لطفل يستنكر فيه أشكال الخذلان كافة التي تتعرض له غزة؛ إذ قال "نغرق ونقول الحمد لله ولكن إلى متى هذا الخذلان؟ مضيفا: فرغم الآلام مستمرون ونحمد الله أننا في موطن نمتحن فيه".
ودعا هنية للإنصات لهذا الطفل المقداد حازم من غزة ومن باب خيمته، وقدم مقطعه رسالة للعلماء والمشايخ والمسؤولين.. والمتخاذلين.
وتساءل: "من يُقنع العالم أننا في غزة نسكن العراء لا الخيام، فالخيمة هي العراء بعينه.. وصمتكم هو الخذلان بعينه".
وأكد الصحفي أحمد وائل حمدان، أن الوضع في غزة لم يعد يُحتمل. مشيرا إلى "خيام تغرق.. أطفال يرتجفون من البرد.. عائلات بلا مأوى، بلا ملابس، بلا فراش وأغطية.. المطر يحاصرهم، والبرد ينهش أجساد الصغار، ولا شيء يقيهم سوى خيمة ممزقة لا تصمد أمام عاصفة".
وتساءل: “أين الضمائر الحية؟! أين القلوب الرحيمة؟! أين الإنسانية؟! كيف يمكن للعالم أن يرى الأطفال يغرقون في الطين ولا يتحركون، كيف تُترك آلاف العائلات تواجه العاصفة وحدها؟!”
وعلق الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل على مشاهد تظهر تطاير خيام النازحين في غزة بسبب الرياح الشديدة التي تعصف بالقطاع، قائلا: "فيديو حقيقي من غزة العزة وليس Ai.. حرب من نوع آخر مع الرياح والأمطار الشديدة في ظل مشاهدة صامتة من أمة المليارين بحكامها الـ 57!.. يا رب لطفك".
واستنكرت هبة جمال، أن غزة وحدها تواجه البرد والعالم، قائلة: "والله سنُسأل عن خذلانهم، وسنُحاسَب على صمتنا.. العواصف تقتلع خيام أهل غزة.. وخذلان المسلمين أشد".
واستهجن كمال السيد ازدواجية الغرب الديمقراطي صاحب الحضارة يطالب روسيا بتحمل تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا، بينما لا يطالب "إسرائيل" بنفس الشيء فيما يخص تدمير قطاع غزة ومعاناة الناس في القطاع من جراء الأمطار والإقامة في خيام لا تتناسب مع أبسط حقوق الحياة.
وتساءل الأكاديمي محمد السقاف: “هل يضغط القادة العرب والمسلمين علي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن يطلب بشكل عاجل من نتنياهو ضمن اتفاق غزة أن يسمح بتقديم إغاثة عاجلة للفلسطينيين بسبب تداعيات هطول الأمطار بغزارة على قطاع غزة؟”
وأشار إلى أن ذلك وفق ما تنادي به ( الأونروا) التي أوضحت أن الشوارع المغمورة بالمياه وتسربها إلى خيام النازحين يزيدان من سوء الأوضاع المعيشية وأن البرد القارس والاكتظاظ وانعدام النظافة يرفعان من خطر الإصابة بالأمراض والعدوى خاصة بين الأطفال الذي توفي أخيرا عددا منهم نتيجة ذلك".
وأكد السقاف، أن هذا التحرك العاجل مطلوب دون انتظار لقاء ترامب في آخر الشهر بنتنياهو، متسائلا: “هل هناك حمية عربية وإسلامية نحو أخواتهم أم لديهم أولويات وهموم أخرى غير الدواعي الإنسانية؟”
وقال سمير حجازي: "ألا لعنة الله على المجرمين الصهاينة والأميركان رأس الأفعى الذين يشاركون في حرب الإبادة على غزة". متسائلا: "ما ذنب أطفال غزة يعانون البرد والغرق بعد أن تدمرت الخيام التي لجأوا إليها مع عائلاتهم التي دمر الاحتلال منازلها وسط عدم استجابة العالم للمناشدات لتوفير المساكن لهم".
وناشد الكاتب عبدالعزيز الفضلي، المسلمين قائلا: "أيها المسلمون ستُسألون أمام الله عن إخوانكم في غزة، أنصرتموهم أم خذلتموهم، فأعدّوا لهذا السؤال جوابا، كل إنسان حسب منصبه وقدرته وإمكاناته".
شعور بالخجل
وفي تضامن مع أهل غزة وابتهال وتضرع بالدعاء إلى الله لإنقاذهم وتوجيه النداءات لجميع الدول خاصة الضامنين لاتفاق غزة لمساعدتهم، عرض أحمد محمد الكندري، مقطع فيديو يوثق صرخات أطفال غزة بعد تعرض خيامهم للغرق.
ودعا قائلا: "اللهم الطف بحال أهلنا في غزة اللهم ارحم برحمتك يا أرحم الراحمين"، موجها نداء إلى جميع الدول الإسلامية والعربية، وإلى الدول الضامنة للاتفاق بأن يدخلوا الكرفانات، ورجاهم واستحلفهم بالله أن يتحركوا.
كما عرض الباحث نصر البوسعيدي المقطع ذاته، معلقا عليه بالقول: "يا رب الناس وكل الأقدار قل لرحمتك كن فتكون لأهل غزة.. يا الله رحمتك".
ودعا الصحفي وائل الدحدوح العالم لأن ينظر بضميره لما يحدث في غزة.
وأعرب عثمان صميدي عن شعوره بالخجل وهو يشاهد الخيام وهي تتطاير من الرياح تاركة ساكنيها من الأطفال والشيوخ في مواجهة المطر والبرد والريح دون حماية أو سقف دافئ يلجؤون إليه.
وأشار إلى أن الجدران تنهال فوق خيمة أرملة وأطفالها اليتامى وقلوب تنخلع من هول المنظر وشعور عجز وخيانة كبير منا نحن العرب والمسلمين قبل كل أحد!
وقال الباحث حذيفة عبدالله عزام: "لو تبرع كل مقتدر بخيمة لما بقي أحد في غزة في العراء أو تحت شوادر مهترئة أو في خيام بالية، لو تكفل كل مقتدر بأسرة لكفوا أهل غزة مؤنة السؤال وذل الحاجة، لو تبرع كل مقتدر بحذاء وكسوة ما تجمدت أطراف أطفال وشيوخ ونساء القطاع، لكنَّ لو -مع الأسف الشديد- أداةُ امتناعٍ لامتناع".













