جسر موسى.. خطوة سعودية-مصرية قد تعيد تشكيل موازين البحر الأحمر والمنطقة

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

“مضيق تيران” عاد في الأسابيع الأخيرة إلى مركز الاهتمام الإقليمي والدولي؛ وذلك بعد إعلان السعودية ومصر اقتراب اكتمال التخطيط لجسر ضخم يربط بين شمال غرب السعودية وشبه جزيرة سيناء المصرية

وتبلغ كلفة المشروع نحو 4 مليارات دولار، وتؤكد الرياض والقاهرة أن مرحلة التخطيط انتهت في يونيو/ حزيران 2025. 

ونشر مركز "فيكير تورو" التركي مقالا للكاتب أورهان كارا أوغلو، ذكر فيه أن هذا الجسر، الذي يحمل اسم (جسر موسى)، لا يُنظر إليه كمشروع عمراني فحسب، بل كتحوّل جيوسياسي شامل قد يعيد رسم موازين القوى وشبكات الاتصال في الشرق الأوسط.

عابر للقارات

وقال الكاتب التركي: إن "المشروع يستمد أهميته من طبيعة الموقع الذي سيُقام عليه، فمضيق تيران ليس ممرا مائيا عاديا؛ بل عقدة إستراتيجية شكّلت عبر التاريخ مصدرا لأزمات إقليمية كبرى". 

وأوضح أنه “المنفذ البحري الوحيد لإسرائيل عبر ميناء إيلات باتجاه البحر الأحمر ومنه إلى التجارة العالمية، كما أنه بوابة الأردن البحرية الوحيدة نحو المحيطات”. 

ولفت إلى أن “المضيق لعب دورا حاسما في إشعال أزمة السويس عام 1956 حين أغلقته مصر أمام السفن الإسرائيلية، كما كان أحد الأسباب المباشرة لانطلاق حرب يونيو 1967 عندما كرّرت القاهرة الإغلاق وعدّت تل أبيب ذلك تهديدا وجوديا لا يمكن تجاوزه”.

وأكد الكاتب أن “هذا الموقع الحساس شهد في العقد الأخير تحوّلا مهما مع انتقال سيادة جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وهو انتقال تم تثبيته عام 2022 ضمن ترتيبات أمنية ورقابية شاركت في صياغتها الولايات المتحدة وإسرائيل”. 

وبذلك باتت السعودية ليست مجرد طرف مجاور، بل صاحبة القرار المباشر في الممر البحري الذي لطالما مثّل محور التوترات الإقليمية، وهذا ما فتح الطريق أمام مشاريع ضخمة مثل جسر موسى، الذي كان الحديث عنه يدور منذ عقود دون قدرة على تطبيقه.

وقال كارا أوغلو: إن “الجسر المخطط سيشكّل ممرا بريا بطول 32 كيلومترا؛ حيث يربط قارتي آسيا وإفريقيا مباشرة دون اللجوء إلى أي نقطة عبور داخل أراضٍ أخرى”. 

وذكر أن “هذا الربط الجغرافي الجديد سيعزز ما تسعى إليه السعودية ضمن رؤية 2030؛ من إعادة صياغة دورها الإقليمي عبر الانتقال من كونها قوة تعتمد على النفط إلى قوة تعتمد على البنية التحتية والتجارة واللوجستيات”. 

ومن هنا فإن المشروع لا يهدف فقط إلى تسهيل حركة السياحة أو الحج بين الخليج وسيناء، بل يطمح إلى إنشاء محور جديد للتجارة يمتد من الخليج إلى البحر الأحمر ثمّ المتوسط، ما يمنح الرياض مركزية في الشبكات التجارية العابرة للقارات.

وفي الجانب المصري، يمثل المشروع فرصة إستراتيجية؛ حيث يمكن أن يساعد هذا المشروع القاهرة على تجاوز أزمة الانخفاض الحاد في عائدات قناة السويس، التي تراجعت بنحو النصف بسبب التوترات الأمنية في البحر الأحمر وهجمات الحوثيين. 

بينما يمنحها الجسر إمكانية تعزيز دورها كمعبر بري بين إفريقيا والخليج وأوروبا، وبصورة لا تتقاطع مع إسرائيل، ما يصبّ في مصلحة مصر في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي تمر بها.

انعكاسات إسرائيلية

وأردف كارا أوغلو بأن “التطورات المرتبطة بمشروع جسر موسى تشير إلى تحوّل جيوسياسي قد يُعيد صياغة بيئة الأمن القومي الإسرائيلي بصورة عميقة”. 

واستطرد: “فبينما تتعامل الرياض والقاهرة مع الجسر بوصفه رافعة اقتصادية ومشروع ربط عابر للقارات، تنظر إليه إسرائيل كعامل قد يؤثر مباشرة في موقعها الإستراتيجي في البحر الأحمر، وفي قدرتها على الحفاظ على دورها التقليدي في شبكات التجارة الإقليمية، وفي توازنات النفوذ التي اعتادت التحكم بها منذ عقود”.

وأوضح كارا أوغلو أن "أول الانعكاسات وأكثرها حساسية يتعلق بفضاء الملاحة في خليج العقبة، فميناء إيلات يمثل البوابة الوحيدة لإسرائيل نحو محيطات العالم بعيدا عن المتوسط، ما يجعل أي تغيير في البنية الملاحية للمنطقة مسألة أمن قومي". 

وبناء جسر ضخم قرب المضيق قد يفرض تحديات تتعلق بارتفاعه، وحجم الأعمدة، ومسارات الإبحار، واحتمال زيادة ازدحام الحركة البحرية. 

لهذا تتمسك إسرائيل بضرورة وضع ضمانات هندسية صارمة تحول دون أي تقييد لحركة السفن التجارية أو العسكرية؛ إذ تخشى أن يتحول الجسر بمرور الوقت إلى نقطة ضغط سياسية قد تُستخدم في لحظات التوتر.

أما الانعكاس الثاني ينال الطموح الإسرائيلي طويل الأمد في تحويل إيلات إلى محور تجاري إقليمي، قادر على منافسة قناة السويس أو على الأقل تقديم مسار بديل يربط البحر الأحمر بالمتوسط عبر سكك الحديد والطرق البرية. يقول كارا أوغلو.

وتابع: “فقد سعت إسرائيل منذ سنوات إلى تطوير ما يشبه (طريق الحرير الإسرائيلي)، وهو مشروع كان من المفترض أن يجعلها عقدة أساسية في حركة البضائع بين آسيا وأوروبا”. 

واستدرك: “لكن إنشاء جسر بري ضخم يربط السعودية مباشرة بمصر يعني عمليا نقل مركز الثقل اللوجستي إلى محور (الرياض – القاهرة)، وهو ما قد يهمّش الدور الذي تطمح إسرائيل أن تلعبه في التجارة العابرة للقارات، وبذلك يصبح الجسر منافسا مباشرا للرؤية الإسرائيلية لجعل البحر الأحمر نقطة نفوذ أساسية”.

أما الانعكاس الثالث فيتعلق بالمسار الاقتصادي للتطبيع مع دول الخليج. فقد كانت إسرائيل تعوّل على أن مشاريع الربط الإقليمي الكبرى، خاصة الممر الهندي-الأوروبي الذي أعلنته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2023، ستجعلها شريكا لا يمكن تجاوزه في البنية التحتية التجارية.

غير أن جسر موسى يقدم نموذجا مغايرا تماما؛ إذ يربط الخليج وإفريقيا وأوروبا "دون المرور بالأراضي الإسرائيلية". 

وبذلك يصبح الجسر تجسيدا لاحتمال قيام شبكة إقليمية واسعة تتجاوز إسرائيل بالكامل، خصوصا أن السعودية تربط مسألة التطبيع بوجود تقدم ملموس في قضية الدولة الفلسطينية، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي التي تظهر أن 81 بالمئة من السعوديين يعارضون التطبيع قبل تحقيق حقوق الفلسطينيين. 

وفي حال تحقق هذا الاتجاه، ستفقد إسرائيل واحدة من أهم ركائزها في علاقاتها مع الخليج، موقعها بوصفها "الضرورة الجغرافية" لأي مشروع ربط تجاري دولي.

انعكاسات دولية

وقال الكاتب التركي: “على المستوى الدولي، يحمل المشروع دلالات متعددة. فواشنطن تراه جزءا من البنية التحتية التي قد تساعد لاحقا في دفع ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي”. 

واستدرك: "لكنها في الوقت نفسه تخشى من أن يؤدي إلى توسّع نفوذ الصين في البحر الأحمر، خصوصا أن الجسر يتقاطع لوجستيا مع شبكة الحزام والطريق الصينية الممتدة نحو إفريقيا". 

ولفت إلى أن “الصين ترحب بالمشروع؛ لأنه يسهّل حركة بضائعها عبر البحر الأحمر ويعزّز علاقاتها الاقتصادية مع السعودية”. 

وتابع: “في حين تنظر إيران إلى المشروع بقلق مزدوج، فهو من جهة يعزز محورا إقليميا جديدا بقيادة السعودية، والذي يقلّل من تأثير شبكاتها في البحر الأحمر، ومن جهة أخرى يعيد تشكيل خارطة طرق التجارة بعيدا عنها، ما قد يحدّ من نفوذها الجيوسياسي”.

وإلى جانب مشروع الجسر، تظهر مبادرات برية أخرى قد تُعيد ترتيب المنطقة مثل مسار إعادة فتح سوريا تدريجيا لربط الخليج بتركيا، أو مشروع "ممر التنمية" الذي يربط ميناء الفاو العراقي بتركيا. 

ورغم العوائق السياسية والأمنية التي تواجه هذه المبادرات، إلا أن وجودها يؤكد أن المنطقة تشهد سباقا بين القوى الإقليمية، وذلك من أجل إعادة تصميم شبكات الربط التجاري بعيدا عن الاعتماد على إسرائيل أو قناة السويس وحدها.

في المحصلة، لا يمكن النظر إلى "جسر موسى" كمجرد مشروع بنية تحتية؛ فهو يعكس تحوّلا حاسما في أولويات القوى الإقليمية. 

وقال: إن "السعودية تقدم نفسها بوصفها مركزا لوجستيا عابرا للقارات، ومصر تبحث عن بدائل اقتصادية تنعش موقعها الجغرافي، وإسرائيل تواجه تحديا إستراتيجيا جديدا يهدد دورها في البحر الأحمر، بينما تتحرك الولايات المتحدة والصين وإيران لمراقبة التوازنات التي قد تنشأ عن المشروع.

ومع أن التخطيط دخل مراحله النهائية، إلا أن المشروع ما يزال محاطا بأسئلة مفتوحة، هل سيحصل على الموافقة السياسية والأمنية اللازمة؟ وهل سيُنفّذ في ظل التعقيدات الإقليمية؟ وهل سيعيد فعلاً رسم موازين الشرق الأوسط أم سيظل مشروعاً ضخماً يواجه مصير مبادرات سابقة لم ترَ النور؟ 

والسنوات المقبلة وحدها ستكشف مقدار تأثير هذا المشروع في الجغرافيا السياسية للمنطقة.