قائد "أفريكوم" يلتقى بالدبيبة وحفتر.. ما أهداف واشنطن من تحركها المكثف بليبيا؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

دور أميركي متنام في المشهد الليبي، برز أكثر مع  أول زيارة رسمية قام بها قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا الجنرال داغفين أندرسون إلى الدولة العربية، خاصة أن الزيارة شملت لقاءات مع قيادات عسكرية وسياسية غرب البلاد وشرقها.

وعقد أندرسون اجتماعات مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2025 في طرابلس مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ووكيل وزير الدفاع عبد السلام الزوبي ورئيس أركان الرئاسي محمد الحداد، في إطار تقييم شامل للوضع الأمني والسياسي.

تقوية العلاقات

وأكد الدبيبة خلال الاجتماع “حرص حكومته على تعزيز الأمن والاستقرار ومكافحة التهديدات في المنطقة”. مشددا على "أهمية دعم المؤسسة العسكرية عبر شراكات فاعلة وبرامج تدريبية نوعية".

كما التقى أندرسون الجنرال الانقلابي خليفة حفتر ونائبه صدام حفتر  ببنغازي، في 2 ديسمبر 2025، لتعزيز التعاون الأمني والعسكري المشترك، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، وشبكات مهربي البشر والهجرة غير النظامية. بحسب مكتب إعلام القيادة العامة.

ونقل تقرير نُشر بموقع القيادة الأميركية في 2 ديسمبر، عن أندرسون قوله: إن لقاء القادة من الجانبين كان ضروريا لفهم التحديات الحالية، مشجعا الأطراف الليبية على اعتماد الحوار والعمل المشترك من أجل تحقيق السلام والاستقرار الدائم.

وأشار أندرسون إلى أن الأشهر المقبلة ستشهد عملا مشتركا بين قوات الشرق والغرب استعدادا لمناورات “فلينتلوك 2026”. مؤكدا أن ليبيا ستستضيف للمرة الأولى جانبا من هذه المناورات، بما يسهم في دعم تكامل المؤسسات العسكرية.

في السياق، قال القائم بالأعمال الأميركي جيرمي بيرنت: إنه كان مسرورا بمرافقة أندرسون خلال زيارته إلى طرابلس وبنغازي. مؤكدا أن شراكة أفريكوم تواصل دعم الأهداف الأميركية في ليبيا وتعزز جهود مكافحة الإرهاب.

وأوضح بيرنت أن القيادة الأميركية ترى في هذه الزيارة فرصة لتقوية العلاقات مع الشركاء الليبيين، مبرزا أن توحيد المؤسسات العسكرية يعد خطوة جوهرية لتحقيق الاستقرار.

وأعلن المسؤول الأميركي أن الولايات المتحدة تدعم العملية السياسية التي تقودها ليبيا، مشددا على أهمية تعزيز الأمن والتكامل الاقتصادي كركائز لضمان السيادة والاستقرار على المدى الطويل.

وأشار إلى مناقشة التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة، مبينا أن واشنطن تأمل في دفع الأطراف الليبية نحو نهج موحد يعزز قدرة البلاد على مواجهة هذه التحديات.

في متابعتها لهذه التحركات، قالت صحيفة "الوسط" الليبية المحلية: إن واشنطن تتبنى منذ شهور نهجا براغماتيا في التعاطي مع الملف الليبي، يقوم على التنسيق المباشر بين القوى المسلحة التابعة للسلطتين في غرب البلاد وشرقها، فيما يشبه الاعتراف المتبادل بينهما.

ورأى الموقع من خلال تقرير له في 5 ديسمبر 2025، أن واشنطن تتجاهل التدابير التصعيدية لمتصدري المشهد السياسي، بعد دعوات فرض الحكم الذاتي وإنشاء هيئة الرئاسات الثلاث في طرابلس، والانتقادات الحادة لمهمة البعثة الأممية ورئيستها، هانا تيتيه.

وذكر أن "زيارة أندرسون تعد استكمالا لجهود أميركية في دعم وجودها العسكري والأمني في إفريقيا، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة التي تعصف بدول الساحل والتغيرات الجيوسياسية في غرب إفريقيا وفقدان مواقعها ومصالحها في هذه المنطقة الحساسة من العالم".

واسترسل الموقع: “كما يأتي ذلك في وقت بات التوجه الجديد للبيت الأبيض يعكس رغبة واشنطن في لعب دور أكثر تأثيرا في صنع التفاهمات السياسية والاقتصادية داخل ليبيا، عبر إدارة حوار مباشر يخضع لإشراف أميركي كامل”.

وأوضح أن "هذا الأسلوب يستند إلى منهج تبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارة النزاعات عبر التواصل المباشر بين الأطراف المتخاصمة".

وأشار الموقع إلى أن “الوساطة الأميركية أسهمت في التوصل إلى اتفاق 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، الذي جاء ليضع أساسا لبرنامج تنموي موحد بين الشرق والغرب إلى جانب معالجة ملف توزيع إيرادات النفط الذي كان محور خلاف طويل بين الطرفين”.

وتابع: “وذلك في سياق استمرار المفاوضات التي لعب فيها مبعوث البيت الأبيض، مسعد بولس دور الوسيط الرئيس، حيث جمع كلا من صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة في اجتماع بروما مطلع سبتمبر/أيلول 2025”.

أهداف إقليمية

لا يمكن فصل الانخراط العسكري الأميركي في ليبيا عن خطط روسية تجري في المنطقة؛ إذ تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن عرض سوداني إلى موسكو بإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء إستراتيجي على البحر الأحمر.

وفي هذا الصدد، علق مسؤول أميركي للصحيفة في تحليل نُشر مطلع ديسمبر 2025 قائلا: إن "وجود قاعدة روسية في ليبيا أو في بورتسودان يمكن أن يعزز قدرات روسيا على إبراز قوتها ويسمح لها بالعمل خارج العقوبات".

ويرى الجنرال المتقاعد في القوات الجوية مارك هيكس الذي قاد وحدات العمليات الخاصة الأميركية في إفريقيا، أن وجود قاعدة روسية في إفريقيا "يزيد من نفوذ موسكو بمنحها المزيد من المكانة والنفوذ الدوليين".

ولفتت الصحيفة إلى أن احتمال إقامة مثل هذه القاعدة على البحر الأحمر يثير قلق المسؤولين الأمنيين الأميركيين، الذين يتنافسون مع بكين وموسكو منذ سنوات على النفوذ العسكري في إفريقيا.

وأشارت إلى أن "وجود قاعدة في ليبيا، أو على البحر الأحمر، سيتيح للسفن الروسية الإبحار لفترات أطول في البحر المتوسط والمحيط الهندي".

من جانب آخر، قال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الليبية مسعود السلامي: إن زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" إلى ليبيا تأتي ضمن إستراتيجية أميركية شاملة تهدف إلى تعزيز دور الولايات المتحدة كقوة عالمية بارزة والحفاظ على توازن القوى في شمال إفريقيا.

وأضاف السلامي خلال مشاركته في برنامج "وسط الخبر" المُذاع على قناة "الوسط" المحلية في 4 ديسمبر، أن "الزيارة لم تقتصر على ليبيا، بل سبقتها جولات في دول شمال إفريقيا الأخرى، في إطار مسعى أميركي لإدارة الصراعات الإقليمية ومتابعة أطراف الصراع الليبي من قريب".

وأوضح أن “هذه الزيارة تسعى لاستشراف أبعاد الوضع الليبي بشكل شامل، وليس بشكل محدود”. مشيرا إلى أن الهدف الرئيس يكمن في تثبيت الوضع الراهن على الصعيد العسكري، ومنع تفاقم الانقسامات بين الأطراف العسكرية المختلفة في ليبيا، والتي قد تؤدي إلى صراع أوسع.

وأكد السلامي أن "محاولة توحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة ليست الهدف الأساسي لهذه الزيارة؛ إذ إن الواقع الحالي لم ينضج بعد لتحقيق هذا الهدف"، ويرى أن "هذه الجولات تهدف على الأقل إلى ضمان عدم تحول الأمور إلى مزيد من الانقسام العسكري".

وأشار إلى أن تحركات "أفريكوم" في ليبيا تتوازى مع الجهود الأميركية على الصعيد السياسي، وأن هذه الزيارة تمثل الأولى لقائد "أفريكوم" بشكل شخصي بعد زيارات سابقة لنواب ووفود أخرى.

وأكد السلامي أن "تصريحات قائد القيادة الأميركية حول الهدف من الزيارة تركز على جانب توحيد الجيش الليبي والحفاظ على الاستقرار العسكري".

مسارات جديدة

ورأى رئيس "الهيئة الدولية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة”، عبد الباسط القاضي، أن زيارة الأفريكوم إلى ليبيا تحمل رسائل واضحة بشأن الوضع السياسي والعسكري في البلاد.

وأوضح القاضي لـ"الاستقلال" أن "الزيارة تعطي إشارة بأنه لن يكون هناك أي تغيير سياسي في ليبيا إلى نهاية أبريل/نيسان 2026، بما أنه تم الاتفاق والتوقيع على ترتيبات للمناورات العسكرية في نهاية ذلك الشهر".

واسترسل: "الأمر الذي يعني أي توسع في نشاط أفريكوم داخل ليبيا سيؤثر بشكل مباشر على مصالح القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الملف الليبي".

وذكر القاضي أن "تفعيل الإستراتيجية الجديدة والنشاط الإفريقي بليبيا في هذا التوقيت، أو التصعيد الأخير في الأنشطة العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة عبر  أفريكوم، موجه بالدرجة الأولى نحو تحقيق الاستقرار، ويهدف إلى استغلال الانقسام الداخلي لترسيخ ليبيا كجبهة مواجهة سياسية متقدمة”.

وأشار إلى أن الأولوية القصوى لأفريكوم هي "توفير مركز للاطلاع والمراقبة ومكافحة الإرهاب وتأمين حقول النفط".

ودعا القاضي المسؤولين في بلاده إلى "وضع هذا الأمر في الحسبان، وإعادة تقييم التعاون الأمني المقصود في العقود أو مراجعة الاتفاقيات بشكل قانوني، ووضع شروط صارمة تمنع استخدام الأرض الليبية والمياه الإقليمية كمنطقة مناورات أو قاعدة لتهديد طرف ثالث".

من جانبه، يرى الأكاديمي الليبي أسامة الشحومي أن زيارات قادة "أفريكوم" المتتالية "تأتي ضمن مسار أميركي متدرج، وهي مؤشر واضح على ارتفاع مستوى اهتمام واشنطن بالملف الليبي، مع نقل العلاقة من مستوى الاتصال الديبلوماسي إلى العسكري المباشر".

وذكر الشحومي لموقع "أخبار ليبيا" المحلي في 5 ديسمبر 2025، أن توحيد المؤسسة العسكرية "على رأس الملفات التي يجري بحثها، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وضبط الحدود، لا سيما الجنوبية، في ظل التوتر الحاصل في دول غرب إفريقيا".

وشدد على أنه "يجب ألا ننسى الحضور الروسي في المنطقة ومحاولاته تحجيم تأثيره في ليبيا".

ويلاحظ الشحومي “رغبة أميركية لوضع ترتيبات أمنية جديدة قبل الدخول في مرحلة سياسية حاسمة”. مؤكدا أن لقاءات الجنرالات الأميركيين وطريقة إدارة الملف "تحمل رسالة واضحة، مفادها أن الشرعية العسكرية ستكون فقط للمؤسسات الرسمية بعد توحيدها".

وأردف “كما أن لواشنطن رسالة أخرى، وهي أن مستقبل ليبيا الأمني لن يقوم على تعدد القوى المسلحة، وأنها لن تعترف بأي مليشيا مهما كان نفوذها المحلي كطرف سياسي أو أمني”.

ويتوقع الشحومي أن تمضي باقي الدول والأمم المتحدة “على الخط نفسه الذي تؤسسه الولايات المتحدة”.

ووفقا له، فإن "المجتمع الدولي بات يعلم أن أي مسار سياسي أو اقتصادي مستدام لن ينجح من دون هيكل أمني موحد، وبالتالي فإن استعجال واشنطن إنجاز ملف توحيد الجيش يحمل انعكاسا مباشرا على خلق بيئة أقل استقطابا، ويقلص من قدرة أي طرف مسلح على عرقلة العملية السياسية.

وذكر الشحومي أن المؤسسة العسكرية "ضرورية لحماية حقول إنتاج النفط في ظل عودة ليبيا إلى سوق الاستثمار في مجالي النفط والغاز".

وخلص إلى أن "هناك رغبة أميركية في أن تُدير ليبيا مواردها بعيدا عن لغة السلاح والصدام؛ حيث يُعد الأمن الموحد مفتاحا لحلحلة المشكلات السياسية والاقتصادية القائمة بالبلاد".