20 سنة مفاوضات.. اتفاقية التجارة بين الصين والخليج تقترب نظريا وتتعثر عمليا

لا يزال النفط يشكل جزءا كبيرا من الروابط التجارية بين الصين ودول الخليج
بعد أكثر من عقدين على المفاوضات، تقف الصين ومجلس التعاون الخليجي على أعتاب إتمام اتفاقية التجارة الحرة، بعد أن توصلا إلى توافق في الآراء حول 90 بالمئة من بنودها.
وفي ظل تزايد حالة الضبابية في الخليج بشأن موثوقية الولايات المتحدة، تبدو اللحظة مناسبة لإنهاء المباحثات، لكن رغم الفوائد المحتملة لهذه الصفقة، فإن إحراز تقدم ملموس لا يزال صعب المنال. بحسب تقييم مؤسسة بحثية هندية.
ومطلع عام 2024 كشف السفير الصيني السابق لدى السعودية تشن وي تشينغ، عن إنجاز حوالي 90 بالمئة من بنود ملف مفاوضات التجارة الحرة بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي، وأن الطرفين حققا تقدما كبيرا في الفترة الأخيرة، لكن لم يصدر أي جديد منذ هذا الإعلان.
وأوضح السفير السابق وقتها خلال حديث مع عدد محدود من الصحفيين، في الرياض، أن بلاده على تواصل مستمر مع دول الخليج العربية فيما يتعلق بهذا الملف، داعيا إلى مزيد من "المرونة من كلا الجانبين".

علاقات ممتدة
وقالت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF)، في تقرير لها: إن جذور العلاقات بين الصين ودول الخليج تعود تاريخيا إلى قطاع الطاقة.
فبوصفها دولة نامية بسرعة وتعتمد بشكل كبير على التصنيع، كانت الصين بحاجة إلى النفط، بينما كانت دول الخليج بحاجة إلى أسواق لمنتجاتها من الهيدروكربونات لدعم نموها الخاص.
وتعد الصين الآن أكبر مستورد للنفط في العالم، فيما تأتي معظم وارداتها من الشرق الأوسط.
وكانت السعودية المورد الأول للصين لسنوات عديدة، حتى أدت العقوبات المفروضة على روسيا في 2022 إلى تحولات في سلاسل إمداد الطاقة العالمية، ما دفع المملكة إلى المرتبة الثانية.
وتطورت العلاقة منذ ذلك الحين لتتجاوز قطاع الطاقة، ففي 2020، حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ بلغت صادرات دول الخليج إلى الصين حوالي 173 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 129 مليار دولار في 2023.
وبالمقارنة، صدّرت دول الخليج نحو 80 مليار دولار إلى الاتحاد الأوروبي واستوردت منه حوالي 101 مليار دولار في نفس العام.
ولا يزال النفط يشكل جزءا كبيرا من الروابط التجارية بين الصين ودول الخليج، لكن العلاقة تبقى غير متكافئة بدرجة كبيرة. بحسب المؤسسة الهندية.
وتسعى صادرات دول الخليج إلى الصين للتنويع نحو السلع غير النفطية، لا سيما المنتجات البتروكيميائية مثل البلاستيك والمقطرات الأخرى.
ومن جانبها، تعد الواردات من الصين كبيرة وتشمل السلع المصنعة، وخصوصا الآلات والمعدات الكهربائية والمركبات.
أهمية الاتفاق
وتجري المفاوضات منذ عام 2004 بشأن اتفاقية التجارة الحرة، التي تهدف إلى خفض الحواجز التجارية وتعزيز العلاقات.
ومن المتوقع -بحسب التقرير- أن يعزز الاتفاق التجارة غير النفطية في قطاعات التكنولوجيا والنقل واللوجستيات والبناء والمالية والخدمات.
ويبرز قطاع الطاقة الخضراء كأحد المستفيدين الرئيسين؛ إذ قد تتيح إزالة الحواجز أمام التجارة مزيدا من الاستثمار والتبادل التكنولوجي، وتدعم طموحات الطرفين لينالا مكانة قيادية عالمية في هذا المجال.
وفي المناخ الحالي، قد توفر اتفاقية التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي فرصة لتصبح مراكز بديلة لسلاسل التوريد الصينية التي تعطلت بفعل سياسة الرسوم الجمركية الأميركية جنوب شرق آسيا.
ويمكن أن تتحول هذه الدول إلى مراكز لإعادة تصدير السلع الصينية نحو دول ثالثة، على غرار ما فعلته دول رابطة الآسيان مثل كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام سابقا.
وذلك نظرا لموقعها الإستراتيجي بين الممرات التجارية القائمة وتلك الناشئة مثل الممر الاقتصادي الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC).
وتتزايد أهمية اتفاقيات التجارة الحرة للطرفين باضطراد؛ فقد واجهت الصين أخيرا بعض أعلى التعريفات الجمركية في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ حيث بلغ معدل التعرفة 145 بالمئة في أبريل/نيسان إلى جانب توترها التجاري مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مايو/أيار، اختُتمت المفاوضات مع رابطة الآسيان بشأن اتفاقية تجارة حرة مطوّرة، فيما تواصل المحادثات بشأن اتفاقيات أخرى.
وبينما تؤكد دول مجلس التعاون على أهمية هذه الاتفاقيات، فقد أعادت إحياء المفاوضات مع عدة شركاء في إطار جهود تعزيز الترابط.
وتعد الصفقة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي هي الأكثر قربا، مع توقع إتمام الاتفاق بحلول نهاية العام 2025.

عقبات في الطريق
وأفاد التقرير بأن الجهود السابقة لتسريع المفاوضات واجهت عدة عقبات أدت إلى تعطيل الاتصالات المنتظمة للتوصل إلى اتفاق.
فقد أُوقفت المفاوضات لأول مرة في 2009 بعد رفض الصين رفع الرسوم الجمركية عن صادرات دول مجلس التعاون الخليجي من المنتجات البتروكيميائية في محاولة لحماية صناعتها المحلية الناشئة.
ورغم أن بكين أكدت لاحقا التزامها بالتوصل إلى اتفاق؛ فقد كانت الخلافات حول الحرب السورية والتوترات داخل مجلس التعاون التي أدت إلى الأزمة الدبلوماسية في 2017، بمثابة عقبات إضافية أمام اتفاقية التجارة الحرة.
انهارت المفاوضات عام 2024 بسبب مخاوف السعودية من أن يؤدي تدفق الواردات الصينية إلى تقويض طموحها في أن تصبح قوة صناعية.
ونظرا لتنافس دول مجلس التعاون والصين في عدة مجالات، بما في ذلك البتروكيميائيات والإسمنت والألمنيوم والصلب، تشكل الحواجز التجارية الأقل صرامة تهديدا للصناعة المحلية.
وخصوصا مع المخاوف المتعلقة بالممارسات التجارية غير العادلة مثل الدعم الحكومي، مما يجعل هذه القضية مركزية في المفاوضات.
وتكمن أهمية الاتفاق بالنسبة لدول الخليج في أن المنافسة غير العادلة قد تقوض جهود التنويع الاقتصادي وتعيق التقدم في معالجة البطالة.
ومع ذلك، هناك قدر أقل من التداخل بين الهيكل الاقتصادي للصين ودول مجلس التعاون مقارنة بعلاقة الصين ودول الآسيان التي لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق تجارة حرة، بحسب التقرير.
وقال: إن “القلق الأوسع في الخليج هو أن تصبح الدول أكثر انكشافا ماليا لبكين”.
ولأن الصين تُعدّ بالفعل الشريك التجاري الأول للمنطقة، يبدو أن السياسة الحالية في التوجه شرقا تركز بشكل أكبر على توسيع العلاقات مع دول أخرى مثل أعضاء آسيان أو اليابان.

مصدر قلق للغرب
وأضاف أنه "إذا أصبحت اقتصادات دول مجلس التعاون تعتمد بشكل مفرط على بكين، فإنها لا تواجه فقط مخاطر مرتبطة بالاقتصاد الصيني الداخلي المتقلب، بل قد تواجه أيضا تبعات السياسات الأميركية الرامية إلى كبح منافسها في ظل تصاعد التنافس العالمي على النفوذ".
كما أن زيادة التمويل لمشاريع مدعومة من الصين قد يزيد من نفوذ بكين في دول الخليج.
ورغم العلاقات الجيدة بين ترامب وزعماء الخليج، فإن صعود النفوذ الصيني سيكون مصدر قلق للولايات المتحدة.
وبالنظر إلى التعاون الوثيق بين واشنطن ودول الخليج في مجالات الأمن والدفاع، فإن إعلان اتفاقية تجارة حرة مع الصين قد تنظر إليه واشنطن على أنه استفزاز.
وبينما يبدو أن دول الخليج تفكر في إعادة ترتيب تحالفاتها، فإن اعتمادها على الغرب في هذا المجال لا يزال كبيرا، ما يجعل أي توتر علني مع واشنطن مخالفا لمصالحها. بحسب تأكيد المؤسسة البحثية الهندية.
علاوة على ذلك، أوضح التقرير أن إمكانية توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تشكل مصدر قلق للاتحاد الأوروبي الذي استأنف محادثاته مع الإمارات عام 2024؛ إذ قد تفقد السلع الأوروبية قدرتها التنافسية في دول الخليج، وفي الوقت نفسه قد تُستخدم المحادثات المستمرة بين الصين ومجلس التعاون كورقة ضغط في مفاوضات الأخير مع الغرب.
كذلك، فإن احتمالية إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الصين قد تُذكّر صانعي السياسات الغربيين بأن غيابهم يترك فرصة لبكين، وربما يعزز التقدم نحو اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
وقال التقرير: "حتى الآن، لا يبدو أن اتفاقية تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وشيكة على الرغم من التوافق حول العديد من البنود".
"وقد تقترب الصين تدريجيا من اتفاق شامل من خلال الاتفاقيات الثنائية، مثل تلك التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع دول الخليج بشكل منفصل في غياب صفقة أوسع".
واستدرك: "مع ذلك، قد تولد هذه الاتفاقيات إحباطا بين دول الخليج وتعرقل المحادثات المستقبلية، دون ضمانات بأن تنجح المفاوضات الثنائية مع الصين أكثر من اتفاق على مستوى مجلس التعاون ككل".
وختم قائلا: “في غياب تحول كبير في الديناميكيات الإقليمية، يبدو أن اتفاقية التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون قد تظل مجرد طموح طويل الأجل أكثر من كونها حقيقة وشيكة، مما يسلط الضوء على حدود إستراتيجية بكين في المنطقة”.