"انفصال" جنوب اليمن مقابل التطبيع مع إسرائيل.. هل تنجح خطة الزبيدي لشرعنة التقسيم؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

وسط التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط واستمرار الهجمات الحوثية على إسرائيل بدعم إيراني، برزت في الأيام الأخيرة دعوة من أحد أطراف النزاع في اليمن تطالب بتأسيس دولة مستقلة في جنوب اليمن تنضم إلى اتفاقيات إبراهام.

وترى صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية أن خلف هذه الدعوة تبرز تقديرات جيوسياسية معقدة، وانقسامات دينية عميقة، وصراع تاريخي طويل بين الشمال والجنوب.

وتقدر أن هذه المبادرة “قد تحدث تغييرا جذريا في مشهد اليمن السياسي، وبالتالي إعادة تشكيل ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط”.

انعطاف محتمل 

وأشارت الصحيفة إلى أن "هذه الدعوة غير المتوقعة جاءت على لسان نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، عيدروس الزبيدي، خلال مقابلة مع صحيفة (ذا ناشيونال) الإماراتية في 25 سبتمبر/ أيلول 2025".

وأفاد الزبيدي الذي يشغل أيضا منصب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بأن الجنوب اليمني “بات جاهزا سياسيا وجيوسياسيا للاستقلال الكامل”.

وأوضح أن "قيام دولة جنوبية مستقلة من شأنه عزل الحوثيين المهيمنين على الشمال وتوفير قاعدة صلبة للشراكة الدولية". 

وأضاف قائلا: "الجنوب محرر بالفعل، ونحن نحمي حدودنا، ما نحتاجه فقط هو إعلان الاستقلال لكي يعترف بنا الآخرون".

وأكد الزبيدي أن "الانسحاب من الاتحاد مع الشمال سيسمح للجنوب بصياغة سياسة خارجية مستقلة، بما في ذلك إمكانية الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام". 

وأردف: "قبل أحداث غزة، كنا نتجه نحو الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام. وإذا استعادت غزة وفلسطين حقوقهما، ستكون هذه الاتفاقيات أساسية لاستقرار المنطقة". 

وتابع: "عندما تكون لدينا دولة جنوبية، سنتخذ قراراتنا بأنفسنا، وأعتقد أننا سنكون جزءا من هذه الاتفاقيات".

في الوقت نفسه، أشارت الصحيفة العبرية إلى أن الزبيدي أكد في مقابلة مع صحيفة الغارديان أُجريت على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، على موقفه من تقسيم اليمن. 

وقال: "الحل الأمثل لليمن والطريق الصحيح نحو الاستقرار هو حل الدولتين، سواء بالاستفتاء الشعبي أو بالاتفاق السياسي". 

وأوضح الزبيدي أنه "لا توجد أي فرصة لإخراج الحوثيين من شمال اليمن عبر القصف العسكري"، مؤكدا أن "الواقع على الأرض يُظهر وجود دولتين فعليا، من الناحية العسكرية والاقتصادية".

وشدد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على عدم إمكانية إزاحة الحوثيين عن السلطة عبر القصف الجوي وحده، وأكد على انعدام أي إمكانية للتوصل إلى تسوية سياسية معهم.

وقال: "صعد الحوثيون هجماتهم على خطوط الملاحة، وأدرجوا من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، لن يكون هناك مطلقا اتفاق سياسي بينهم وبين الجنوب".

ولا تنظر الصحيفة إلى هذه التصريحات كمؤشر على انعطاف محتمل في الصراع الداخلي باليمن فحسب، بل إنها "قد تفتح أيضا آفاقا جديدة ومثيرة لسياسة إسرائيل الخارجية في المنطقة".

خيار شرعي

ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن فكرة تقسيم اليمن إلى دولتين ليست جديدة؛ فبين عامي 1967 و1990 كان اليمن منقسما إلى اليمن الشمالي، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات التوجه الاشتراكي في الجنوب.

وأوضحت أنه "منذ الوحدة المتعثرة عام 1990 وحتى اليوم، ظل الشرخ بين الشمال والجنوب عميقا، والآن يرى الزبيدي أن هذا الإرث التاريخي يجعل خيار العودة إلى الانفصال أمرا ممكنا وشرعيا".

ورغم أن المجتمع الدولي لا يزال ينظر لليمن كدولة واحدة، أشارت الصحيفة إلى أن "الواقع على الأرض يكشف عن انقسام فعلي بين الشمال والجنوب".

وذكرت أن "الموقف الرسمي لكل من السعودية والأمم المتحدة ما زال يتمثل في الحفاظ على وحدة اليمن كدولة واحدة يبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة".

واستدركت: "غير أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، إذ إنه يتطلب إما هزيمة عسكرية للحوثيين -وهو أمر غير مرجح- أو التوصل إلى تسوية سياسية لا يبدي الحوثيون أي رغبة فيها".

ونقلت عن مقربين من الزبيدي اعتقادهم أن "إقامة دولة جنوبية مستقلة تمتلك بنوكا عاملة، ومصافي نفط، وموانئ بحرية، يمكن أن تجعل منها دولة مزدهرة وقوة استقرار لصالح الغرب".

وهو الأمر الذي يُقدر أنصار الزبيدي أنه "سيضمن حماية طرق الملاحة الحيوية في مضيق باب المندب، ويحد من تمدد الحوثيين والنفوذ الإيراني في الجنوب، ويشكل في الوقت نفسه حاجزا أمام تنظيم القاعدة".

قوة مسيطرة 

وبعيدا عن الانقسام الجغرافي، أبرز التقرير الاختلافات الجوهرية التي تتعلق بالهوية والدين بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين الذين يسيطرون على شمال اليمن.

وأوضح أن "الحوثيين ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية، ويحظون بدعم مباشر من إيران، وتتحرك سياساتهم من منطلقات دينية شيعية". 

وأضاف: "أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فيتكون في غالبيته من السنة، على غرار سكان السعودية والإمارات، كما أنه ليس تنظيما دينيا كالحوثيين، بل يركز على الهوية الوطنية الجنوبية والسعي نحو تقرير المصير".

ولفت إلى أنه "يحظى كذلك بدعم اقتصادي وعسكري من السعودية والإمارات، ما يجعله جزءا من محور مضاد للمحور الشيعي الإيراني في المنطقة".

وسلطت الصحيفة الضوء على النفوذ المتنامي للمجلس الانتقالي الجنوبي وقالت: "تحول المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الزبيدي، والمدعوم من الإمارات، إلى القوة المسيطرة في جنوب اليمن".

ووفقا لتقرير استخباراتي صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، نشرته مجلة "لونغ وور جورنال" في أبريل/ نيسان 2025، فإن حجم القوات الموالية للإمارات، بما في ذلك قوات المجلس الانتقالي، يتراوح بين 150 و200 ألف مقاتل.

وبحسب الصحيفة، يشمل هذا التقدير أيضا مليشيات أخرى مثل قوات طارق صالح وقوات الساحل الغربي، غير أن المجلس الانتقالي يشكل النواة الأبرز بينها، إذ يضم وحدات عسكرية وأمنية منظمة.

وتتركز هذه القوات في المناطق الجنوبية، وعلى رأسها مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

في المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن "عدد مقاتلي الحوثيين يقدر بنحو 200 ألف مقاتل، ويسيطرون على معظم مناطق شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة التاريخية صنعاء".

وتابعت: "يعتمد الحوثيون بشكل كبير على الدعم الإيراني، الذي زودهم بالخبرات والتكنولوجيا لتطوير أسلحة متقدمة، منها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استخدمت في مهاجمة إسرائيل".

"في المقابل، تلقى المجلس الانتقالي الجنوبي دعما كبيرا على مدار السنوات من السعودية والإمارات، اللتين تدخلتا عسكريا ضد الحوثيين"، وفق التقرير.

من الجانب السياسي، أوضح التقرير أن "المجلس الانتقالي يعد جزءا من مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ويشغل ثلاثة من أصل ثمانية مقاعد فيه، ما يمنحه شرعية دولية نسبية، رغم استمرار الخلافات مع باقي الأطراف داخل المجلس".

وأردف: "ومن الناحية التكتيكية، يعتمد الحوثيون على الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة من مسافات بعيدة، بينما يمتلك المجلس الانتقالي قوات برية كبيرة تسيطر على مناطق الجنوب وتعمل بشكل أساسي على الدفاع وحماية الحدود".

مكسب إستراتيجي 

وترى الصحيفة أن "تصريحات الزبيدي التي أشار فيها إلى أن تأسيس دولة مستقلة في جنوب اليمن، سيفتح الباب أمام الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام؛ تُعد ذات أهمية بالغة في ظل التوترات مع العالم العربي بعد الهجوم على الدوحة، وبالتزامن مع الحرب في غزة".

واحتفت الصحيفة العبرية بتصريحاته قائلة: "تصريحاته تتناقض تماما مع موقف الحوثيين، الذين يدفعون نحو الحرب ضد إسرائيل، ما يُبرز الفجوة الأيديولوجية بين الطرفين". 

بالنسبة لإسرائيل، تقدر الصحيفة أن "إقامة علاقات مع جهة فاعلة في جنوب اليمن قد تشكل مكسبا إستراتيجيا في مواجهة المحور الإيراني، وخصوصا الحوثيين، حيث قد يصبح اليمن الجنوبي المستقل حليفا إستراتيجيا".

وتابعت موضحة: "فالسيطرة على الموانئ والمصافي وممرات الشحن في مضيق باب المندب قد تحد من نفوذ إيران في المنطقة، وتعزز أمن الشحن في البحر الأحمر، وتعمل كحاجز ضد المنظمات الإرهابية العالمية".

في المحصلة، ترى الصحيفة أن تصريحات الزبيدي "ترسم صورة لواقع منقسم داخل اليمن، حيث تعيش البلاد حالة من (لا حرب ولا سلام)، لكنها تسعى في الوقت ذاته إلى نيل الاعتراف الدولي وتحقيق الاستقلال".

واختتمت قائلة: "في حال استجاب المجتمع الدولي لدعوته، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في مشهد اليمن السياسي، وبالتالي إعادة تشكيل التوازن الإقليمي بأكمله".