إزالة 4 أصفار من الريال.. كيف تنعكس على الاقتصاد الإيراني المتدهور؟

"يصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى نحو 925 ألف ريال"
مع إقرار الحكومة الإيرانية مشروع قانون إزالة 4 أصفار من العملة الوطنية "الريال"، برزت أسئلة عديدة عن توقيت هذه الخطوة، وكيف ستنعكس على الواقع الاقتصادي الإيراني الذي يشهد انهيارا مستمرا منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018.
الاقتصاد الإيراني تهاوى بشكل أكبر بعدما أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تطبيق سياسة "الضغط القصوى" على طهران في مطلع فبراير/ شباط 2025، وذلك بهدف "قطع الطريق عليها نحو الحصول على سلاح نووي، ومواجهة نفوذها المزعزع للاستقرار في الخارج".
وتأزم الوضع أكثر بعد حرب الـ12 يوما التي بدأتها إسرائيل ضد إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، والتي شملت أيضا قصفا أميركيا استهدف مواقع نووية إيرانية، حتى وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى نحو 925 ألف ريال، ما يعكس حجم الانهيار في قيمة العملة الوطنية.

مساعٍ طويلة
في 11 أغسطس أقرت حكومة إيران برئاسة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، مشروع قانون إزالة 4 أصفار من العملة الوطنية بأغلبية أصوات أعضائه بعد المناقشة والمراجعة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
حذف الأصفار إجراء يستبدل فيه البنك المركزي العملة القديمة بأخرى جديدة ذات قيمة اسمية أقل، بحيث تجرى إزالة عدد من الأصفار من العملة بلا تغيير في القيمة الحقيقية، وهذا يعني أن كل ريال إيراني جديد سيساوي 10 آلاف ريال من الريال الحالي المتداول.
ونقلت الوكالة الرسمية عن المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، قلوها إن "مجلس الوزراء في البلاد وافق على إزالة أربعة أصفار من العملة الوطنية الريال، بعد أسبوع من تمرير لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) اقتراحا يتعلق بهذه الخطوة".
وأشارت المتحدثة إلى أن العملة الوطنية للبلاد ستظل الريال، على أن تكون وحدتها الفرعية هي القِران، مشددة على أن عملية إزالة الأصفار ستستغرق بعض الوقت، وأنه لمدة من الزمن سيتم استخدام عملتين، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل.
وعن تفاصيل هذه الخطوة، قال رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان، شمس الدين حسيني، إن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة كان قد اقترح تغيير اسم العملة من "الريال" إلى "التومان"، والوحدة النقدية الأصغر إلى "القِران"، إلا أن اللجنة قررت الإبقاء على اسم "الريال".
وأوضح حسيني أنه بناء على قرار اللجنة، فإن العملة الفرعية ستكون "القِران"، بحيث يعادل كل "ريال جديد" 100 قران، لافتا إلى أن مجلس صيانة الدستور أبدى غموضا بشأن مدى تأثير هذه الخطوة على التزامات طهران تجاه صندوق النقد الدولي.
وأكد رئيس اللجنة أن هذه الخطوة تأتي ضمن إصلاح نقدي أوسع لا يغير من الهيكل المالي جذريا، وإنما يهدف إلى تبسيط العمليات المالية وتقليص التضخم المحسوس في التعاملات اليومية.
يعود الحديث عن حذف الأصفار إلى تسعينيات القرن العشرين خلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989 إلى 1997)، لكنه بقي حينها في إطار المقترحات، ثم أعيد طرح الموضوع بجدية أكبر في عهد خلفه محمود أحمدي نجاد (2005 إلى 2023).
وفي عهد نجاد كُلّف محافظ البنك المركزي حينها، محمود بهمني، بإجراء الدراسات الأولية، غير أن تزامن المشروع مع تطبيق قانون "ترشيد الدعم" والتقلبات الاقتصادية الحادة حال دون تنفيذه.
وخلال ولاية الرئيس الإيراني حسن روحاني (20013 إلى 2021)، طُرح الموضوع مجددا، وبدأ الحديث عن حذف ثلاثة أصفار، قبل أن يُعد مشروع قانون لحذف أربعة أصفار وتعديل الوحدة النقدية، لكن التنفيذ رُبط بتحقيق معدل تضخم أحادي وتوفير البنية التحتية الملائمة.
ومن الخطوات التي سبقت المشروع خلال عهد حسن روحاني، اعتماد "التومان" كوحدة عدّ نقدي بدلا من الريال في عام 2016، دون حذف الأصفار، ما عكس توجّها نحو إصلاح النظام النقدي.
وفي عام 2019، صادقت الحكومة على مشروع حذف الأصفار، ثم أقرّه البرلمان من حيث المبدأ في عام 2020، لكن العقوبات الأميركية والتقلبات في سوق العملات، إضافة إلى جائحة كورونا، أعاقت تطبيقه.

"مخطط استعراضي"
رغم إقرار مشروع قانون شطب الأصفار من العملة الوطنية، يعتقد معظم الخبراء الاقتصاديين الإيرانيين أن تطبيق هذه الخطة في ظل الظروف الحالية للاقتصاد الإيراني لن يُسهم في السيطرة على التضخم فحسب، بل قد يكون له أيضًا عواقب سلبية وتكاليف إضافية على البلاد.
تتركز المشكلة الرئيسة للاقتصاد الإيراني في ارتفاع التضخم، واختلالات النظام المصرفي، وعجز الموازنة، وسياسات الاقتصاد الكلي غير الفعالة، وإلى أن تُحلّ هذه المشاكل، فإن إزالة الأصفار لن تؤدي إلا إلى ارتباك مؤقت وزيادة تكاليف الطباعة والبرمجيات.
يُشدّد الخبراء على أن الإصلاحات الهيكلية، وضبط السيولة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي يجب أن تكون أولوية صانعي السياسات، ومن ثم يُمكن اعتبار إجراءات مثل إزالة الأصفار من العملة الوطنية خطوة أخيرة في تسهيل المعاملات المالية والمحاسبية.
وبخصوص الجدوى الحالية من شطب أربعة أصفار من العملة، قال الخبير المالي الإيراني، أحمد حاتمي يزد، إن "حجم السيولة والسياسات الاقتصادية الكلية تُعد المحددات الرئيسية للتضخم والتنمية الاقتصادية، ولا يُمكن لإلغاء الأصفار أن يُحدث فرقًا في هذا الصدد".
ورأى الخبير الإيراني أنه "بدلاً من التركيز على هذه المخططات الاستعراضية، ينبغي على المسؤولين اتباع سياسات من شأنها خلق الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على التضخم وتشجيع الاستثمار"، حسبما نقل موقع "كبنا نيوز" الإيراني في 12 أغسطس.
وعلى الصعيد ذاته، صرّح الخبير الاقتصادي الإيراني، وحيد شقاقي، خلال مقابلة مع موقع "خبر أونلاين" في 12 أغسطس، قائلا: "حاليا، لا توجد أرضيةٌ كافيةٌ لإزالة الأصفار نظرا لعدم وجود أفق واضح للحدّ من التضخم، واستمرار الاختلالات الاقتصادية الكلية".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "تطبيق هذه السياسة في ظل الوضع الراهن لن يكون فعالا فحسب، بل قد يُفاقم التوقعات التضخمية ويفرض عبئا تضخميا طفيفا على السوق".
وأكد شقاقي أن تجارب الدول الناجحة في إلغاء الأصفار تُظهر ضرورة السيطرة على التضخم أولاً وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإلا فإن تطبيق هذه السياسة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ووصف الخبير الاقتصادي، محمد تقي فياضي، إلغاء أربعة أصفار بأنه "مجرد دليل وغير مُجد"، وقال: "لم يُثبت علميا أن إلغاء الأصفار يُساعد في السيطرة على التضخم. هذه السياسة غير مُجدية في ظل ظروف تضخم تتجاوز 30 بالمئة، ويجب تطبيقها عندما يكون التضخم في خانة الآحاد".
ونقلت وكالة "رويداد 24" الإيرانية في 12 أغسطس، عن فياضي، قوله: "مثل هذه الخطة لا تؤدي إلا إلى فرض تكاليف إضافية على النظام النقدي، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم".
وأردف فياضي، قائلا: "في ظل استمرار التضخم بنسبة تتراوح بين 40 و50 بالمئة، ستنخفض قيمة العملة الوطنية بسرعة، وستتكرر دورة التضخم"، مشيرا إلى تجارب دول ناجحة في هذا المجال، مثل ألمانيا الغربية وتركيا، التي تمكنت أولا من السيطرة على التضخم، ثم طبقت عملية حذف الأصفار.

"فرصة للإصلاحات"
رغم الأهداف الرسمية للخطة، مثل تسهيل المعاملات وخفض تكلفة طباعة الأوراق النقدية، لكن وكالة "داردسي" الإيرانية، رأت أن هذا الإجراء أشبه بـ"تعبيد الطريق في نهاية مشروع بناء"، في حين أن المراحل الأولية من الإصلاحات لم تكتمل بعد.
ولفتت الوكالة خلال تقرير لها نشرته في 13 أغسطس، إلى أن "نجاح هذه الخطة يعتمد على حل مشاكل الاقتصاد الكلي، مثل عجز الموازنة، ونمو السيولة، والعقوبات، ونقص الاستثمار الأجنبي".
بالإضافة إلى الجوانب الفنية والاقتصادية، تُطرح خطة "حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية" تحديات وفرصا أمام صنع السياسات والإدارة الحكومية، والتي يجب معالجتها لنجاح الخطة، وفقا للوكالة.
وشددت على أهمية الجمع بين الإصلاحات السطحية والهيكلية، وذلك لأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومة هو كيفية تحويل هذا التغيير الرمزي إلى فرصة حقيقية لحل المشكلات الاقتصادية الأساسية، مثل إدارة السيولة وعجز الموازنة، وأن نجاح هذه الخطة يعتمد على قرار الحكومة دمجها مع برنامج اقتصادي شامل.
وأكدت أن تنفيذ الخطة بتكاليف طباعة الأوراق النقدية الجديدة وتحديث البنية التحتية للبرمجيات. في ظل محدودية الموارد الحكومية، تكتسب الإدارة المثلى للتكاليف وتبريرها الاقتصادي للرأي العام أهمية خاصة، إذ يمكن أن تكون هذه الخطة فرصة حكمية لكسب ثقة الجمهور لإجراء إصلاح اقتصادي رئيسي بشفافية تامة حول الفوائد والتكاليف.
ورأت الوكالة أن التغييرات النقدية تتطلب تعاونا وثيقا بين جميع المؤسسات التنفيذية والقضائية، وخاصة البنك المركزي. كما أن توفير المعلومات الدقيقة والتدريجية للجمهور أمر حيوي لمنع أي ارتباك أو تقلب في الأسواق، إضافة إلى أنه يمكن للحكومة إشراك الجمهور كشركاء في هذه العملية المهمة.
وخلص تقرير الوكالة إلى أنه يُمكن اعتبار خطة "إزالة أربعة أصفار من العملة الوطنية" في الوضع الراهن فرصةً أو تحديا للحكومة. ولا يقتصر نجاح هذه الخطة في نهاية المطاف على عدد الأصفار التي تم حذفها، بل في قدرة الحكومة على استغلال هذه الفرصة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية وكسب ثقة الجمهور.
وعلى الوتيرة ذاتها، قال غلام رضا مصباحي مقدم، رئيس المجلس الفقهي للبنك المركزي الإيراني، إن "لإزالة أربعة أصفار من العملة الوطنية تأثير نفسي إيجابي"، حسبما نقل موقع "همشهري أونلاين" في 13 أغسطس.
وأوضح مصباحي مقدم، قائلا: إن "الناس يقارنون قيمة العملة الوطنية بعملات الدول الأخرى، فيعتقدون أن الريال لا قيمة له ولا أهمية له. لذلك، يُعدّ الإصلاح النقدي ضروريا".
وسبق أن أقدمت دول عدة على ذات الإجراء، فمثل تركيا (أزالت 6 أصفار عام 2005) وفنزويلا وزيمبابوي، وكلها كانت تحاول السيطرة على التضخم وتحسين صورة عملتها، إضافة إلى تبسيط النظام النقدي عبر تسهيل العمليات الحسابية وتقليل التعقيدات في المعاملات اليومية.
المصادر
- إيران.. مجلس الشورى يوافق على إزالة 4 أصفار من العملة والإبقاء على "الريال" اسما رسميا
- إيران تحذف 4 أصفار من عملتها الوطنية
- الحكومة الإيرانية توافق على إزالة 4 أصفار من العملة الوطنية
- إيران توافق على إزالة 4 أصفار من عملتها الوطنية
- تومان به جای ریال؟ / جزئیات کامل حذف ۴ صفر از پول ملی
- حذف چهار صفر؛ طرحی پرهزینه و بیثمر در سایه تورم و ناترازی اقتصادی
- تومان به جای ریال؟ | جزئیات کامل حذف ۴ صفر از پول ملی
- حذف چهار صفر از پول ملی؛ راهکار اقتصادی یا اقدام نمایشی؟
- حذف چهار صفر از پول ملی به تصویب کمیسیون مجلس رسید.