"اختبار الخيمة".. من يعيق اختيار سُنة العراق مرشحهم لرئاسة البرلمان؟

القو فشلت في ثلاث اجتماعات من إعلان مرشحها لتولي منصب رئيس البرلمان
على مدار ثلاثة اجتماعات متتالية، فشل المجلس السياسي الوطني (السني) في التوصل إلى توافق على شخصية واحدة لترشيحها إلى منصب رئيس مجلس النواب العراقي، وهو المنصب الأعلى تمثيلا للمكون السني وفق العرف السياسي السائد في البلاد منذ عام 2003.
ويضمّ ما يُعرف بـ"المجلس السني" خمس قوى سياسية تمتلك مجتمعة نحو 75 مقعدا في البرلمان، وهي: حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، وتحالف "السيادة" بقيادة خميس الخنجر، وتحالف "العزم" برئاسة مثنى السامرائي، إضافة إلى كتلتي "الحسم" بزعامة ثابت العباسي، و"الجماهير" بقيادة أحمد الجبوري.

تأجيل الحسم
في آخر جلسة عقدها المجلس، يوم 21 ديسمبر/كانون الأول، في مقر رئيس تحالف "حسم الوطني" ثابت العباسي بالعاصمة بغداد، صدر بيان أشار إلى مناقشة الاستحقاقات الدستورية وأهمية حسمها خلال المرحلة المقبلة، مع الاتفاق على مواصلة الحوارات والمناقشات في اجتماع آخر يُعقد بعد يومين.
وأضاف البيان أن المجتمعين أكدوا التزامهم بالتوقيتات الدستورية لجلسة مجلس النواب، المقرر عقدها في 29 ديسمبر/كانون الأول بدعوة من رئيس الجمهورية، لا سيما ما يتعلق بحسم ملف اختيار رئيس البرلمان ونائبيه.
في المقابل، نقلت صحيفة "العالم الجديد" العراقية، في 21 ديسمبر/كانون الأول، عن مصدر سياسي لم تسمّه، أن اجتماع المجلس السياسي الوطني للقوى السنية شهد خلافات حادة بشأن مرشحي رئاسة البرلمان.
وأفادت الصحيفة بأن رئيس تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي غادر الاجتماع غاضبا، بعد تعذر التوصل إلى اتفاق حول مرشح رئاسة البرلمان، مبينة أن غالبية المجتمعين لا يرغبون بترشيح الحلبوسي للمنصب.
وأشارت إلى أن المجلس السياسي الوطني يتجه لدعم ترشيح رئيس تحالف "عزم" مثنى السامرائي لرئاسة البرلمان، وسط استمرار المشاورات بين القوى السنية لحسم الموقف النهائي من المنصب قبل انعقاد الجلسة البرلمانية المقبلة نهاية الشهر الجاري.
غير أن عضو تحالف "تقدم" أنور العلواني نفى هذه الأنباء، وتحدث عن اتفاق أربعة أطراف من أصل خمسة ضمن المجلس السياسي الوطني على ترشيح الحلبوسي لرئاسة البرلمان المقبل.
وقال العلواني، في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول، إن جهات سياسية وصفها بـ"الإسلام المؤدلج"، إلى جانب السياسي العراقي جمال الكربولي، تحاول التشويش على عمل المجلس السياسي، نافيا وجود خلافات بشأن ترشيح شخصية لتولي رئاسة البرلمان.
من جانبه، علّق جمال الكربولي على اجتماع المجلس السياسي، عبر تدوينة على منصة "إكس" في 21 ديسمبر/كانون الأول، قائلا:
"لا اتفاق، لأنه من البداية لم يُرَد الوفاق، بل أُريد أن تُجمع الأوراق في سلة واحدة، ليُذلّ بها الأعناق، ويُسَاد بها على الآفاق".
وأضاف: "ولن يكون له.. لا كرسي، ولا مطرقة، ولا رفاق، فالفيتو أحرق بيده الأوراق"، في إشارة إلى منع محمد الحلبوسي من العودة إلى منصب رئيس البرلمان.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارا بإلغاء عضوية محمد الحلبوسي في مجلس النواب، بعد إدانته بتهمة تزوير طلب إقالة أحد النواب، وهي تهمة وصفها بيان القضاء بأنها مخلة بالشرف ويعاقب عليها القانون.

"عبث ومراوغة"
وبشأن الجهة التي تعرقل توصل «المجلس السياسي الوطني» إلى اتفاق على ترشيح شخصية لتولي رئاسة مجلس النواب، كشف مصدر سياسي خاص أن محمد الحلبوسي لم ينضم إلى هذه الخيمة الجامعة للقوى السنية الفائزة في البرلمان إلا بهدف واحد، هو الحصول على منصب رئيس البرلمان.
وأوضح المصدر، في حديثه لـ«الاستقلال» مشترطا عدم الكشف عن هويته، أن «الحلبوسي تلقى إشارات واضحة بأنه لن يحصل على المنصب، ما دفعه إلى السعي لتشكيل المجلس السياسي الوطني، كي ينضوي ضمنه بصفته زعيم أكبر كتلة برلمانية سنية، وبالتالي تقديم نفسه بوصفه الأحق بترشيح رئيس البرلمان».
وأشار إلى أن «الحلبوسي يخشى العزلة السياسية، وتشكيل بقية القوى السنية كتلة أكبر من كتلته داخل البرلمان، بما يتيح لها تقاسم المناصب المخصصة للمكون السني، سواء رئاسة البرلمان أو الوزارات الست وغيرها، ولذلك كان حريصا على الدخول ضمن المجلس السياسي الوطني».
وبحسب المصدر، فإن «على الحلبوسي فيتو من قِبل الإطار التنسيقي لتولي رئاسة البرلمان، إلا أن هذا الإطار يفضّل بقاءه طرفا مؤثرا ومربكا داخل البيت السني، بما يؤدي في النهاية إلى منح المنصب لشخصية سنية أخرى غير جدلية، ولا تنقلب على الاتفاقات، ولا تسعى لصناعة زعامة سياسية منفردة».
ولفت المصدر إلى أن «الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يمثل أكبر كتلة برلمانية كردية، يرفض أيضا تولي محمد الحلبوسي رئاسة البرلمان، بسبب هجومه المتكرر على الحزب عبر وسائل الإعلام، ولا سيما خلال الحملات الانتخابية».
وشدد على أن «الحلبوسي توسط لدى خميس الخنجر لترتيب لقاء مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في محاولة للتوسط لدى إيران للضغط على الإطار التنسيقي بهدف إعادته إلى رئاسة البرلمان، وهو ما يفسر اللقاء الذي عُقد قبل مدة في الدوحة، غير أنني لا أعتقد أن تسفر هذه المساعي عن أي نتيجة».
وكشف المصدر أن «القوى السنية تتجه إلى ترشيح شخصيتين لمنصب رئيس البرلمان وترك الحسم لأعضاء مجلس النواب لاختيار أحدهما، مشيرا إلى أن مثنى السامرائي ومحمد الحلبوسي هما الأقرب للتنافس على المنصب».
من جانبه، قال القيادي في تحالف «الأنبار المتحد» محمد الفهداوي، في تصريح نقلته وكالة «المسلة» العراقية في 20 ديسمبر، إن «رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي رفض جميع العروض المغرية التي قدمها له رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي مقابل سحب ترشيحه لمنصب رئاسة مجلس النواب».
وأوضح الفهداوي أن «الحلبوسي أوفد وسيطا إلى مثنى السامرائي، حاملا عروضا مغرية للتنازل عن الترشح مقابل تولي مناصب قيادية في الحكومة الجديدة»، إلا أن السامرائي «رفض تلك المغريات كافة، وأعلن تمسكه بالترشح للمنصب».
ووفقا للفهداوي، فإن «السامرائي أبلغ وسيط الحلبوسي بأن القوى السياسية الشيعية والكردية ترفض تولي محمد الحلبوسي منصب رئاسة مجلس النواب».

توقيتات حاكمة
يواجه «المجلس السياسي الوطني» للقوى السنية تحديا كبيرا في حسم اختيار مرشحه، ولا سيما بعد تأكيد رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، أن الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، المقرر عقدها في 29 ديسمبر، يجب أن يُحسم فيها اختيار رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز دستوريا أو قانونيا تأجيل هذا الاستحقاق أو تمديده.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد حدد التوقيتات الدستورية القصوى لإنجاز الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية وتشكيل الحكومة، ابتداء من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات البرلمانية في 14 ديسمبر.
ونشر «القضاء الأعلى» جدولا توضيحيا بيّن فيه أن «أول الاستحقاقات يتمثل بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، والذي يجب إنجازه خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما من تاريخ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات، استنادا إلى المادة (54) من الدستور».
وأوضح الجدول أن «انتخاب رئيس الجمهورية يتم خلال 30 يوما من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب بعد انتخاب رئيسه ونائبيه، فيما يتم تكليف رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية».
كما أشار مجلس القضاء الأعلى إلى أن «تشكيل الحكومة الجديدة يجب أن يتم خلال مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ تكليف رئيس مجلس الوزراء».
وفي بيان إعلان تشكيله الصادر في 23 نوفمبر، أكد «المجلس السياسي السني» أنه جرى الاتفاق على تأسيسه بوصفه مظلة جامعة للقوى السنية، تتولى تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى والقرارات إزاء مختلف الملفات الوطنية الكبرى، فضلا عن تعزيز العمل المشترك بين القيادات والكتل السياسية، بما يخدم مصالح الجمهور ويرتقي بالأداء السياسي.
وشدد البيان على استمرار عقد الاجتماعات الدورية للمجلس بشكل منتظم طوال الدورة النيابية السادسة، مؤكدا أن «المجلس سيكون منفتحا على جميع الشركاء الوطنيين، ومتمسكا بالثوابت الجامعة التي تصون وحدة العراق واستقراره، وتحفظ حقوق جميع مكوناته دون استثناء، انطلاقا من رؤية وطنية تهدف إلى بناء دولة قوية وعادلة تتسع للجميع».
وعلى خلفية توحد القوى السنية، أعلن المجمع الفقهي العراقي، وهو أكبر مرجعية دينية لأهل السنة في البلاد، مباركته لتشكيل «المجلس السياسي الوطني»، عادّا هذه الخطوة «إيجابية لتعزيز وحدة الصف وتنسيق الجهود بما يخدم المصلحة العليا للبلاد»، وذلك بحسب بيان رسمي صدر في 24 نوفمبر.
وثمّن المجمع ما وصفه بـ«كل جهد وطني» يسهم في جمع الكلمة وتشكيل حكومة مهنية كفؤ، داعيا في الوقت ذاته «جميع الأطراف السياسية إلى الالتزام بالمصلحة العامة، وتحمل مسؤولياتها الوطنية في خدمة العراق وأبنائه».
المصادر
- مجلس القضاء الأعلى ينشر تواريخ الاستحقاقات الدستورية
- الحلبوسي يخرج غاضبا من اجتماع الإطار السني: هل سيقبض السامرائي على مطرقة البرلمان؟
- اجتماع يفضح الانقسامات: رفض لترشيح الحلبوسي وتمسك السامرائي بالمنصب رغم العروض المغرية
- "المجلس السياسي" بالعراق.. مظلة حقيقية للسنة أم تحالف لتقاسم الحصص؟
- المجلس السياسي الوطني يعقد اجتماعه في العاصمة بغداد بحضور قادة القوى السنية
















