مراجعة اللجوء أم تمهيد للترحيل.. ماذا تريد برلين من السوريين؟

مصعب المجبل | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشير التطورات الأخيرة في ألمانيا إلى دخول ملف اللاجئين السوريين مرحلة جديدة ومعقّدة، في ظل توجه متزايد نحو مراجعة سياسات اللجوء المعتمدة سابقًا، الأمر الذي أفضى إلى انقسام سياسي واضح بشأن آليات التعاطي مع هذا الملف الحساس.

ويتوزع النقاش الدائر بين مقاربة شاملة تأخذ الحسبان التحولات التي يشهدها المشهد السوري، وبين اتجاه آخر يدعو إلى اعتماد تقييمات فردية دقيقة لأوضاع اللاجئين، تراعي ظروفهم الشخصية ومدى استعداد بعضهم للعودة الطوعية، من دون أن يترتب على ذلك فقدان حق اللجوء أو ما يُعرف بـ"الحماية الفرعية".

تدقيق على اللاجئين

كشفت صحيفة بيلد الألمانية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2025، عن تغيّرات جديدة في سياسات التعامل مع اللاجئين السوريين في ألمانيا، تتضمن سحب الحماية والإقامة من 552 لاجئا سوريا.

وأوضح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) أنه يراجع آلاف قرارات اللجوء الممنوحة للسوريين. مشيرًا إلى أن الفئات المستهدفة تشمل مرتكبي الجرائم، ومن يُعدّون خطرًا أمنيًا، إضافة إلى من زاروا سوريا أخيرا.

ومنذ بداية عام 2025 وحتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني منه، تم البت في 16 ألفًا و737 إجراءً ضمن مراجعات سحب الحماية الفرعية. وأظهرت البيانات أنّ الحماية سُحبت في 552 حالة؛ حيث أُلغي حق اللجوء المكفول بموجب الدستور الألماني في 6 حالات، وسُحبت صفة اللاجئ وفق اتفاقية جنيف في 268 حالة، كما أُلغي وضع الحماية الفرعية في 184 حالة، فيما رُفع حظر الترحيل الذي كان ممنوحًا سابقًا في 94 حالة.

وفي المقابل، قرر المكتب الاتحادي الإبقاء على وضع الحماية القائم في 16 ألفًا و185 حالة، بينما لا تزال 20 ألفًا و428 مراجعة إضافية قيد النظر دون حسم نهائي. كما أعلن المكتب استئناف إجراءات السحب بحق فئات محددة فور اتضاح الصورة الأمنية في سوريا.

وتضم ألمانيا أكبر جالية سورية في أوروبا، بعد استقبالها نحو مليون لاجئ عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتحمل الغالبية العظمى منهم صفة "الحماية الفرعية".

وبدأت الحكومة الألمانية منذ سبتمبر/أيلول 2025 في رفض طلبات اللجوء السورية على نطاق واسع، قبل أن تتخذ وكالة اللجوء خطوة أبعد تمثلت في مراجعة تصاريح اللجوء القائمة، في تطور لافت مرتبط بالتغيرات السياسية التي شهدتها سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2024، جرى تعليق معظم القرارات المتعلقة بطلبات اللجوء المقدمة من السوريين، مبررًا ذلك بما وصفه المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بـ"الوضع المتغير" في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السابق.

وقبل الشروع في إجراءات سحب الحماية، سبقت هذه الخطوات سلسلة من الإجراءات الصارمة التي أثارت صدمة واسعة في أوساط اللاجئين السوريين، لا سيما الحاصلين على صفة الحماية الفرعية؛ إذ وافقت الحكومة الألمانية، في 28 مايو/أيار 2025، على خطط لتقييد لمّ شمل العائلات لمدة عامين لفئة الحاصلين على الحماية الفرعية، دون من يتمتعون بوضع لاجئ كامل.

وأدى هذا القرار إلى صدمة كبيرة لدى آلاف اللاجئين الذين كانوا ينتظرون لمّ شمل زوجاتهم وأطفالهم من سوريا أو لبنان أو تركيا أو الأردن منذ سنوات، ما دفع بعضهم إلى اللجوء لطرق غير قانونية أو خطرة، أبرزها السفر خلسة إلى سوريا للالتقاء بعائلاتهم. كما عادت عائلات سورية كثيرة إلى داخل البلاد بعد سقوط نظام الأسد، عقب فقدان الأمل بإتمام إجراءات لمّ الشمل إلى ألمانيا.

وتبرر السلطات الألمانية هذه الخطوات بتغير الوضع الأمني في أجزاء من سوريا، وعدّ بعض المناطق "أكثر استقرارًا" وفق تقييماتها، وهو ما ترى أنه يتيح مراجعة أو سحب الحماية في حالات محددة. غير أن هذه الإجراءات لا تعني الترحيل الفوري، بل إخضاع كل ملف لتقييم فردي.

وفي الوقت الراهن، يكاد لا يحصل أي طالب لجوء سوري جديد على وضع الحماية من المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. ووفق ما نقلته صحيفة فيلت أم زونتاغ عن إحصاءات رسمية، لم يُعترف بطلبات اللجوء إلا في 0.8 بالمئة فقط من الحالات خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025.

فمن أصل 3134 طلب لجوء قدَّمها سوريون، حصل شخص واحد فقط على اللجوء بموجب القانون الأساسي، ونال 10 أشخاص صفة لاجئ، فيما مُنحت الحماية الفرعية لتسعة أشخاص فقط، وحصل ستة آخرون على حماية من الترحيل.

ويرى مراقبون أن إسهام اللاجئين السوريين، الذين يشكلون ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا بعد الأتراك والأوكرانيين، في سوق العمل، لا سيما في قطاعي الرعاية الصحية والخدمات، يربك حسابات صناع القرار الألمان.

وفي هذا السياق، تؤكد الجمعية الطبية الألمانية أن أكثر من 7 آلاف طبيب سوري يعملون حاليًا في ألمانيا، ويسهمون بشكل ملموس في سدّ النقص ودعم القطاع الصحي في البلاد.

انقسام بشأن السوريين

في هذا السياق، قال الصحفي السوري المقيم في ألمانيا محمد علاء، في حديث لـ"الاستقلال": إن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لم يعد، منذ شهر سبتمبر/أيلول 2025، يمنح بشكل عام أي وضع حماية جديد للسوريين. موضحًا أن ما يقوم به حاليًا يقتصر على مراجعة عدد كبير من قرارات اللجوء القديمة، بهدف التحقق مما إذا كانت الحماية لا تزال ضرورية، أم أن الظروف باتت تتيح سحبها.

وأضاف علاء أن عدد المتأثرين فعليًا من ناحية خطر الترحيل يبقى محدودًا جدًا. مشيرًا إلى إمكانية طرح سؤال جوهري في هذا الإطار: من هم المتأثرون؟ وبيّن أن الفئات المتأثرة تشمل الأشخاص الذين يُعدّون خطرًا على الأمن أو من لديهم سجل إجرامي، إضافة إلى من يسافرون خلسة إلى سوريا رغم حملهم صفة اللجوء أو الحماية الفرعية، وهو أمر محظور قانونًا، فضلًا عمّن قدموا معلومات غير صحيحة عند حصولهم على اللجوء، لا سيما ما يتعلق بالخطر الأمني أو التهديد الذي زعموا تعرضهم له.

وأكَّد علاء أن مسألة الترحيل ليست دراماتيكية كما يجرى تضخيمها حاليًا في بعض وسائل الإعلام، موضحًا أنه لا يمكن تنفيذ عمليات ترحيل جماعية بهذه السهولة. واستدرك بالقول: إن الإجراءات معقدة وطويلة، وتبدأ بجلسات استماع فردية يجريها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لكل شخص على حدة؛ حيث تُفحص كل حالة بشكل مستقل ودقيق.

وأشار علاء إلى أنه لا يمكن سحب وضع الحماية الفرعية إلا إذا ثبت أن الأوضاع في بلد المنشأ قد تغيرت بشكل كبير ودائم، وليس بصورة مؤقتة. لافتًا إلى أن تصنيف سوريا كبلد منشأ آمن لا يزال غير محسوم حتى الآن، رغم أنه احتمال وارد من الناحية النظرية.

وأضاف أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بتّ خلال عام 2025 في نحو 16 ألفًا و700 إجراء، إلا أن إلغاء الحماية تم فعليًا في 552 حالة فقط، وهو ما يعكس محدودية القرارات النهائية مقارنة بحجم المراجعات.

ولفت علاء إلى أن الساحة السياسية الألمانية تشهد انقسامًا واضحًا بشأن مسألة مطالبة اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم. موضحًا أن هناك مَن يرى ضرورة تقييم هذه الخطوة على أساس الوضع الأمني في سوريا ككل، وليس وفق معايير مناطقية أو محلية فقط. وأشار إلى أن استطلاعات الرأي تظهر استعداد بعض السوريين للعودة، ولكن ليس بشكل فوري، وهو ما يدفع بعض البرلمانيين الألمان إلى التفكير في سياسات أكثر مرونة تأخذ هذه المعطيات في الحسبان.

وأوضح علاء أن عددًا كبيرًا من السوريين يعملون حاليًا في ألمانيا، ما يتيح لهم إمكانية التقدم بطلبات للحصول على تصاريح إقامة لأغراض العمل. معتبرًا أن هذا الملف يدخل في إطار موازنة المصالح لدى بعض الساسة الألمان؛ إذ إن من مصلحة ألمانيا، بحسب هذا المنطق، أن تتم أي عودة مستقبلية للسوريين بشكل منظم، وبعد أن يكونوا قادرين على ترتيب أوضاعهم الحياتية من جديد عقب سنوات طويلة من الهجرة.

وأضاف أن جوهر الخلاف القائم يتمحور حول ضرورة عدم تسرع الحكومة الألمانية في اتخاذ قراراتها، وعدم تنفيذ عمليات إعادة إلى مناطق محددة داخل سوريا، بل النظر إلى البلاد كوحدة جغرافية واحدة. ولفت إلى أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يقوم حاليًا بإعادة تقييم شاملة للوضع في سوريا، وهي عملية تتطلب وقتًا ولا يمكن حسمها بسرعة.

وحول مسألة زيارة بعض اللاجئين السوريين لبلادهم خلسة، قال علاء: إن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل كانت موجودة حتى في ظل النظام السابق، ولكن بنسب محدودة جدًا، ولا يمكن مقارنتها بالحالات التي تتحدث عنها السلطات الألمانية عقب سقوط نظام الأسد.

وأشار إلى أن الغالبية العظمى من السوريين يعيشون في ألمانيا بشكل قانوني منذ سنوات طويلة بموجب تصاريح إقامة، وهم مندمجون إلى حد كبير في المجتمع الألماني ويتقنون اللغة.

ورأى علاء أن الحد من ظاهرة التحايل في مسألة زيارة سوريا يمكن أن يتحقق من خلال تطبيق المقترح الذي تحدثت عنه الحكومة الألمانية عقب سقوط الأسد، والذي يسمح للاجئين بإجراء زيارة أولية إلى سوريا لتقييم إمكانية العودة، دون أن يفقدوا في الوقت ذاته حق اللجوء أو الحماية. وبيّن أن اعتماد مثل هذه الآلية من شأنه أن يخفف العبء عن الحكومة الألمانية، لا سيما في الحالات التي يكون فيها اللاجئ أو الحاصل على الحماية يعمل بشكل قانوني داخل البلاد.

وأضاف أن إمكانية زيارة بلد المنشأ دون فقدان صفة اللجوء أو الحماية متاحة في دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا، وهو ما يمكن الاستفادة منه كنموذج.

وفي المقابل، أشار علاء إلى أنه في غياب مثل هذا التصريح، يفقد السوريون عمومًا وضعهم المحمي إذا ثبتت زيارتهم لبلدهم الأصلي؛ إذ يُفترض قانونيًا في هذه الحالة أن شروط الحماية لم تعد قائمة. ولا يُستثنى من ذلك إلا حالات ضيقة جدًا ومحددة بدقة، كزيارة أحد الأقارب المقربين في حال كان على فراش الموت.

دراسة متأنية

لكن وكالة الأنباء الألمانية نقلت، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن متحدث باسم وزارة الداخلية الاتحادية، فضّل عدم ذكر اسمه، قوله ردًا على استفسار بشأن سفر اللاجئين السوريين إلى وطنهم، إن وزارة الداخلية الاتحادية قررت، بعد دراسة متأنية، عدم السماح بالسفر القصير الأجل إلى سوريا بالنسبة للاجئين السوريين، من دون أن يؤثر ذلك على وضع حمايتهم.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، عاد 2869 سوريًا إلى وطنهم بدعم من الحكومة الاتحادية، وذلك خلال الفترة الممتدة بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ونهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، بحسب ما أبلغ به المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) صحيفة "فيلت أم زونتاغ".

في المقابل، يضغط المستشار الألماني فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، باتجاه استئناف سريع لعمليات الترحيل إلى سوريا، في حين تبدي حكومة الائتلاف بين يمين الوسط ويسار الوسط رغبة واضحة في ترحيل مرتكبي الجرائم على وجه الخصوص، وبوتيرة متسارعة.

وفي هذا السياق، صرّح وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبريندت، المنتمي إلى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بأن الحكومة تعمل على “التوصل إلى اتفاقيات مع سوريا تتيح أيضًا ترحيل الأشخاص إليها”.

وكان دوبريندت قد قال، في سبتمبر/أيلول 2025، لصحيفة "راينيشه بوست": “نريد التوصل إلى اتفاق مع سوريا خلال عام 2025، ثم البدء بترحيل المجرمين أولًا، يليهم لاحقًا الأشخاص الذين لا يحملون تصاريح إقامة”.

من جهته، يرى وزير داخلية ولاية بافاريا، يواخيم هيرمان، المنتمي إلى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ضرورة عودة عدد كبير من السوريين إلى وطنهم. وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2025: “بالطبع، يجب على السوريين أنفسهم إعادة بناء بلادهم، ومع ذلك فإن أولئك الذين اندمجوا في المجتمع مرحّب بهم للبقاء”.

غير أن المطالب داخل تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي لا تقف عند هذا الحد؛ إذ صرّح وزير داخلية ولاية ساكسونيا، أرمين شوستر، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بأن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل كانت “محقة تمامًا في تأكيدها على الطبيعة المؤقتة لاستقبال السوريين”.

وفي السياق ذاته، غادر نحو 4000 مواطن سوري ألمانيا خلال النصف الأول من عام 2025 عائدين إلى وطنهم. ومن بين هؤلاء، استفاد 995 شخصًا من برنامج العودة “REAG/GARP 2.0” الذي أطلقته الحكومة الاتحادية بالتعاون مع حكومات الولايات، وحصلوا على دعم مالي لتغطية نفقات السفر.

ويتيح البرنامج منحة تأسيسية بقيمة 1000 يورو للشخص الواحد، وبحد أقصى 4000 يورو للعائلة، إضافة إلى بدل سفر بقيمة 200 يورو للبالغين و100 يورو للقاصرين، فضلًا عن تغطية تكاليف السفر والنفقات الطبية عند الضرورة.

كما غادر 2727 مواطنًا سوريًا ألمانيا دون تلقي أي مساعدة حكومية حتى نهاية يونيو/حزيران 2025. ومع ذلك، أوضحت وزارة الداخلية الاتحادية أن هذه الأرقام لا تحدد بالضرورة ما إذا كانت وجهتهم النهائية هي سوريا أم دولة أخرى.

ورغم هذه الأرقام، فإنها تبقى محدودة للغاية مقارنة بإجمالي عدد اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا، والذي يناهز المليون شخص، ما يعكس مؤشرًا واضحًا على رغبة الغالبية في البقاء داخل ألمانيا في الوقت الراهن.

وكان وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول قد عبّر عن موقف بلاده من الدعوات إلى تفعيل عمليات ترحيل اللاجئين السوريين، خلال زيارته إلى دمشق في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وخلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، أشار فاديفول إلى أن الحرب في سوريا قد انتهت فعليًا، إلا أن البلاد لا تزال غير قادرة في الوقت الحالي على استقبال أعداد كبيرة من العائدين، بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية.

وقال الوزير الألماني، أثناء ظهوره أمام مبانٍ مدمرة: “إن العودة الممكنة في الوقت الراهن محدودة للغاية، فهناك مناطق واسعة باتت غير صالحة للحياة الإنسانية الكريمة”.