"أرض الصومال" بين الاعتراف الإسرائيلي والصمت الدولي.. إلى أين تتجه الأوضاع؟

داود علي | منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في خطوة وصفها كثيرون بأنها استفزازية وخطيرة، أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة 26 ديسمبر 2025، الاعتراف بإقليم أرض الصومال، المنفصل عن جمهورية الصومال الفيدرالية، كدولة مستقلة ذات سيادة.

تُعد هذه الخطوة غير مسبوقة، وتتعارض بشكل واضح مع الإجماع الدولي والإفريقي والعربي الراسخ منذ أكثر من ثلاثة عقود بشأن وحدة الأراضي الصومالية.

وجاء الإعلان عبر بيان رسمي على منصة "إكس"، حيث ربط نتنياهو الاعتراف بإقليم أرض الصومال بروح اتفاقيات أبراهام، التي روج لها منذ توقيعها عام 2020 كإطار للسلام الإقليمي، إلا أن الاعتراف الأخير يشير إلى تحولات تتجاوز التطبيع الدبلوماسي إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والسيادة في منطقة القرن الإفريقي، التي تعد واحدة من أكثر المناطق هشاشة وتعقيداً في العالم.

اختراق تاريخي

لم يخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأبعاد العملية للاعتراف بإقليم أرض الصومال، إذ أكد أن إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم عبر تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد.

لكن التصريحات اللاحقة لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر كشفت أن الخطوة أبعد من مجرد تعاون تنموي، حين أعلن أن الاتفاق يشمل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، بما يتضمن فتح سفارات وتعيين سفراء.

وأضاف أنه قد وجه وزارته للتحرك الفوري من أجل إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين البلدين في مجموعة واسعة من المجالات.

وفي تأكيد على الطابع الرسمي المتقدم للخطوة، أفاد البيان الإسرائيلي بأن نتنياهو وساعر ورئيس إقليم أرض الصومال (غير المعترف به دولياً) عبد الرحمن محمد عبد الله وقعوا إعلاناً مشتركاً للاعتراف المتبادل.

وقد عدته حكومة هرجيسا اختراقاً تاريخياً في مساعيها الطويلة لانتزاع اعتراف دولي بكيانها المنفصل منذ عام 1991.

من جانبه، أعلن عبد الرحمن محمد عبد الله أن أرض الصومال ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام، واصفاً الخطوة بأنها تقدم نحو السلام الإقليمي والعالمي.

مؤكداً التزام الإقليم ببناء الشراكات وتعزيز الازدهار المتبادل ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا.

غير أن هذا الخطاب الذي يستعير مفردات الدبلوماسية الغربية، قوبل بتشكيك واسع، خاصة في ظل التوقيت والسياق السياسي الأوسع، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الإعلان خطوة ذات تأثير حقيقي أم مجرد مناورة سياسية تكتيكية.

رفض واسع

ما إن أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاعتراف بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، حتى انهالت ردود الفعل الرافضة من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

في مقدمة هذه الردود، جاء الموقف المصري الحازم، حيث عدت وزارة الخارجية المصرية الخطوة “سابقة خطيرة” تهدد السلم والأمن الدوليين، وتنتهك المبادئ الراسخة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وأفاد بيان الوزارة بأن وزير الخارجية بدر عبد العاطي أجرى اتصالات هاتفية مع نظرائه في الصومال وجيبوتي وتركيا، حيث شددوا على دعم وحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، ورفضوا بشكل قاطع أي إجراءات أحادية قد تمس بسيادة الصومال أو تقوض استقراره.

المملكة العربية السعودية عبّرت بدورها عن رفضها للاعتراف، وعدته تكريساً لإجراءات أحادية انفصالية، مؤكدة تمسكها بوحدة وسيادة الصومال.

فيما أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الإعلان الإسرائيلي يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والعربي، ودعماً غير مشروط لأي محاولة تمس وحدة الدول.

على الصعيد الإقليمي، وصفت جامعة الدول العربية الخطوة بأنها “استفزازية ومرفوضة”، وترى أنها تعدٍّ سافر على مبدأ وحدة الأراضي وسيادة الدول، وهو ذات الموقف الذي عبر عنه مجلس التعاون الخليجي الذي دان الاعتراف وعده “تجاوزا خطيرا لمبادئ القانون الدولي وانتهاكا صارخا لسيادة الصومال”.

وفي أنقرة، اتخذت وزارة الخارجية التركية موقفاً حاداً، مقدرة أن الاعتراف يمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للصومال، مشيرة إلى التناقض الصارخ في سياسة إسرائيل التي تواصل التوسع من جهة، وفي الوقت نفسه تمنع الاعتراف بدولة فلسطينية.

على المستوى القاري، أكد الاتحاد الإفريقي رفضه لأي اعتراف بإقليم أرض الصومال ككيان مستقل، مجدداً التزامه بوحدة وسيادة الصومال.

وحذر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف من أن أي محاولة لتقويض وحدة الصومال وسلامة أراضيه قد تؤسس لسابقة خطيرة، ذات تداعيات بعيدة المدى قد تهدد السلام والاستقرار في القارة الإفريقية بأسرها.

 ترتيبات إقليمية 

ويتزامن إعلان الاحتلال الإسرائيلي اعترافه بإقليم أرض الصومال مع استمرار العدوان على قطاع غزة، وتصاعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تتحدث عن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

وفي هذا السياق، بدأت تظهر مؤشرات على تقاطع مقلق بين السياسة والجغرافيا، حيث يُنظر إلى أرض الصومال كجزء محتمل من ترتيبات إقليمية جديدة في المنطقة.

وكشفت شبكة "KAN" الإسرائيلية في مطلع مارس 2025 عن محاولات لإقليم أرض الصومال لاستغلال الوضع في غزة والساحة الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ترافق ذلك مع تساؤلات حول صفقة غير معلنة قد تقوم على أساس اعتراف دولي مقابل فتح أراضي الإقليم أمام مشاريع أمنية وإستراتيجية، من بينها إمكانية استيعاب مهجرين فلسطينيين من قطاع غزة.

وتداولت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير تفيد بأن هرجيسا تظهر انفتاحاً لاستقبال فلسطينيين مهجرين، بشرط الاعتراف بها رسمياً.

وفي 11 مارس 2025، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" تصريحات لمسؤولين أميركيين تفيد بتواصلهم مع حكومات في شرق إفريقيا لمناقشة إمكانية نقل نازحين فلسطينيين من غزة.

وفي اليوم التالي، نقلت هيئة البث الإسرائيلية تصريحات منسوبة لوزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر آدان، الذي أكد أن الإقليم "لا يستبعد استيعاب سكان غزة"، مشدداً على أن أي نقاش في هذا الشأن يفترض أولاً إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع هرجيسا.

موقع إستراتيجي

وتكمن الأهمية الكبرى لإقليم أرض الصومال في موقعه الإستراتيجي الحساس على امتداد ساحل يبلغ طوله 740 كيلومتراً على خليج عدن، عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر الأحمر، وهو موقع حيوي في منطقة القرن الإفريقي.

ورغم انفصالها الفعلي عن جمهورية الصومال منذ عام 1991، فإن أرض الصومال لم تحظَ حتى الآن باعتراف دولي رسمي كدولة مستقلة.

وفي 6 فبراير 2025، أشار تقرير نشره موقع "بي بي سي" البريطاني إلى أن أرض الصومال، إلى جانب المغرب تعد من بين المناطق المرشحة لاستقبال الفلسطينيين الذين تسعى الإدارة الأميركية لتهجيرهم من غزة، في إطار سياسة طويلة الأمد أعلنتها الولايات المتحدة للسيطرة على القطاع.

ويمتد الإقليم على مساحة تقارب 212 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه حوالي خمسة ملايين نسمة، وقد أعلن في 2024 أنه سيعمل كدولة مستقلة وظيفياً، وسط نزاعات دستورية داخل الصومال ومساع مكثفة لبناء تحالفات دولية تتيح له الحصول على الاعتراف الدولي.

مشروع 2025

لا يبدو الاعتراف الرسمي بأرض الصومال منفصلاً عن الحسابات العسكرية والسياسية الأميركية في المنطقة. فقد ورد ذكر الإقليم صراحة في وثيقة "مشروع 2025"، وهي خطة انتقال رئاسي أميركية صاغها 140 من أعضاء وأنصار الحزب الجمهوري قبل انتخابات 2024، تقترح فيها الاعتراف الرسمي بأرض الصومال والاستفادة من موقعها الإستراتيجي الحيوي.

وفي ديسمبر 2024، قدم عضو مجلس النواب الأميركي سكوت بيري مشروع قانون إلى الكونغرس يدعو للاعتراف الرسمي بأرض الصومال كدولة مستقلة.

كما كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 15 مارس 2025 عن محادثات بين واشنطن وقيادة أرض الصومال بشأن إقامة قاعدة عسكرية أميركية في ميناء بربرة، في ظل تصاعد القلق الأميركي من النفوذ الصيني بعد إنشاء بكين قاعدة عسكرية في جيبوتي.

من جانبها، ترى إسرائيل في أرض الصومال أكثر من مجرد ورقة دبلوماسية؛ إذ نشرت صحيفة "هآرتس" تقريراً في 3 ديسمبر 2024 تحت عنوان "كل العيون تتجه نحو أرض الصومال"، عدت فيه الإقليم مفتاحاً لحرب إسرائيل على الحوثيين في اليمن، في إطار مساعٍ لتأسيس قاعدة عسكرية هناك بدعم إماراتي.

وبحسب موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، نقل في نوفمبر 2024 عن مصادر دبلوماسية أن الإمارات تلعب دور الوسيط بين إسرائيل وأرض الصومال، وأنها لا تقتصر على إقناع هرجيسا بقبول القاعدة العسكرية فحسب، بل تتولى أيضاً تمويلها بالكامل.

حدود الدم

وفي تصريح خاص لـ"الاستقلال"، حذر الباحث السياسي المصري محمد ماهر من التداعيات الخطيرة للاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال، مؤكداً أن خطورته تتجاوز الانتهاك الصريح لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، لتشكل سابقة خطيرة قد تُستخدم لاحقاً لتبرير الاعتراف بكيانات انفصالية أخرى في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي.

وأشار ماهر إلى أن التزامن بين الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال وتصاعد الحديث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لا يمكن النظر إليه كمجرد صدفة زمنية، بل يعكس تقاطعاً سياسياً وجغرافياً يكشف عن تصور صهيوني أوسع لإعادة توزيع الأدوار والمواقع في المنطقة.

وأضاف أن الاعتراف بأرض الصومال يأتي في إطار صفقة سياسية وأمنية شاملة قد تشمل توطين فلسطينيين مهجرين من غزة أو إقامة قواعد عسكرية أجنبية، مما يفضي إلى انتهاك مزدوج: الأول بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، والثاني بسيادة الصومال ووحدة أراضيه، وتحويل الأزمات الإنسانية إلى أدوات في صفقات جيوسياسية خطيرة.

وحذر الباحث السياسي من أن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن رؤية أوسع تهدف إلى تفكيك وإعادة تشكيل العالم العربي والإسلامي، مستندا إلى أطروحات قديمة أعيد إحياؤها بأساليب وأدوات جديدة، من قبيل مشاريع "حدود الدم" التي تهدف إلى تفتيت الدول متعددة الأعراق والطوائف إلى كيانات أصغر وأكثر هشاشة.

وأوضح أن الصهيونية الاستعمارية تعد من أكثر المستفيدين من تفكيك الدول المجاورة، وتحويلها إلى كيانات متنازعة وضعيفة، مما يضمن تفوقها الإستراتيجي طويل الأمد، مشيراً إلى أن تشجيع النزعات الانفصالية في إفريقيا والمشرق العربي يصب في هذا الإطار، حيث تتحول الجغرافيا إلى ساحة لصياغة هندسة سياسية وأمنية تخدم مصالح قوى محددة.

وأكد ماهر أن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في قدرة الدول الإسلامية على بلورة موقف موحد وفعّال، لا يكتفي بالإدانة اللفظية، بل يترجم إلى إستراتيجيات سياسية ودبلوماسية تحمي وحدة الدول وتمنع استغلال القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، كورقة تفاوض في صفقات جيوسياسية خطيرة.

وختم محذراً من أن "الطريق من غزة إلى هرجيسا"، إذا ما فتح، لن يكون مجرد مسار جغرافي جديد، بل عنواناً لمرحلة من الفوضى المنظمة، قد تدفع المنطقة بأسرها ثمناً باهظاً له على المديين القريب والبعيد.