"قوة لا يمكن السيطرة عليها".. هل يؤدي نفوذ الحرس الثوري إلى تهميش خامنئي؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

“إذا كان أعلى حاكم في دولة ما عاجزا عن حماية أكثر القادة العسكريين الذين يثق بهم، وكذلك المسؤول الأول عن البرنامج النووي، فهل يمكن القول إن سلطته المعلنة ما زالت قائمة بالفعل؟”

بهذا التساؤل استهل موقع صيني تقريره الذي تناول ما عده "تراجعا لمكانة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمام النفوذ المتنامي للحرس الثوري".

وبحسب تقرير "سوهو" فإن "مسار الأحداث الأخيرة في إيران يبدو على قدر كبير من الغرابة".

وأوضح مقصده: "ففي عام 2020، قُتل القائد البارز في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في بغداد عبر ضربة دقيقة نفذتها طائرة أميركية مسيرة".

وأضاف: "في العام نفسه، اغتيل العالم النووي محسن فخري زاده في ضواحي طهران بواسطة سلاح آلي يتم التحكم فيه عن بعد".

وأردف: "ثم في عام 2024، اغتيل القيادي البارز في حركة حماس، إسماعيل هنية، داخل ما وُصف بأنه (منزل آمن) في طهران إثر انفجار استهدفه".

تحديات علنية

وعقّب التقرير: "هذه الاغتيالات المتتالية بدت وكأنها سلسلة من التحديات العلنية، تضرب مباشرة في صميم سلطة وهيبة المرشد الأعلى  خامنئي".

إذ يرى أن هذه الضربات تعني أن "الرجل الذي يعلن امتلاكه السلطة المطلقة على الدولة، باتت أراضيه أشبه بساحة مفتوحة أمام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية".

فالأمر، بحسب وجهة نظره، "لا يقتصر على سهولة الاختراق فحسب، بل يمتد إلى نجاحهما في تنفيذ العمليات بهدوء والانسحاب الآمن،  وتحقيق هدفهم المتمثل في تصفية شخصيات هامة".

وتساءل الموقع: “ما الذي يكمن خلف هذه الظاهرة؟ هل يعود الأمر إلى أن أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية أصبحت مثقوبة إلى حد العجز”. 

وتابع: “أم أن ذلك يعكس حقيقة أن هذا الزعيم، الذي يحكم منذ 35 عاما، لم يعد يملك السيطرة الفعلية على المشهد، تماما كما حدث مع بعض الحكام في التاريخ الذين ظلوا في مواقعهم شكليا بينما جُرّدوا من النفوذ الحقيقي؟”

وللإجابة على هذا السؤال، يعود الموقع إلى ما حدث منذ أربعين عاما في إيران، حين شهدت طهران ما وصفه بـ"التحول الداخلي في موازين السلطة".

وقال: "بالعودة إلى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، كان الوضع الصحي للمرشد الأعلى روح الله الخميني يتدهور بسرعة، مقتربا من نهاية حياته".

ووفقا للموقع، فإن "هذا الرجل أدرك بوضوح أن ما تبقى له من وقت قصير، وأن عليه أن يحسم على وجه السرعة قضية انتقال السلطة، وهي القضية الأكثر إلحاحا وحساسية في تلك المرحلة".

وأضاف: "في ذلك الوقت، كان الجميع تقريبا يعتقد أن هوية خليفة الخميني محسومة بلا جدال، وأن الأمر قد أصبح شبه نهائي، فالمرشح الأبرز والمتفق عليه كان حسين علي منتظري الذي عد منذ سنوات طويلة الخيار الطبيعي والأكثر ملاءمة لتولي القيادة العليا".

وعزا ذلك قائلا: "منتظري كان يتمتع بسلطة دينية لا يرقى إليها الشك، إذ يُنظر إليه بصفته أبرز تلامذة الخميني على مدى أكثر من أربعين عاما، حتى بات في الوسط الشيعي الأكثر تقديرا، وقد حظي بلقب المرجع الأعلى وآية الله العظمى، ما جعله في نظر الكثيرين قمة الهرم الديني".

أما على صعيد الثورة، فقال الموقع: "لعب منتظري دورا محوريا حين كان الخميني في المنفى، إذ بقي منتظري في الداخل صامدا، وتعرض للاعتقال ثلاث سنوات كاملة، ثم واصل نشاطه بعد الإفراج عنه في قيادة الحراك المعارض".

وأردف: "وبعد انتصار الثورة، تولى الإشراف على صياغة الدستور الجديد، وأدخل فيه مبدأ (ولاية الفقيه) ليصبح أساس النظام السياسي، مانحا بذلك الشرعية القانونية الكاملة لسلطة الخميني الدينية".

ومنذ عام 1980، جرى تعيين منتظري رسميا بمنصب "نائب القائد"، وظهرت صورته إلى جانب صورة الخميني في شوارع طهران ومدن أخرى.

وعقّب الموقع: "كل هذه الترتيبات جعلت موقعه يبدو راسخا لا يتزعزع، وكأن خلافته أمر لا يمكن تغييره".

واستدرك: "لكن مسار التاريخ غالبا ما يحمل مفاجآت غير متوقعة، فعندما بدا أن الأمور قد استقرت، ظهر على المسرح رجل آخر بهدوء، هو علي خامنئي".

وتابع: "في تلك الحقبة، لم يكن خامنئي يملك أي وزن يُذكر مقارنة بمنتظري، لا سياسيا ولا دينيا، فمن حيث المكانة الدينية، لم يكن خامنئي سوى رجل دين متوسط المرتبة، لم يحصل بعد على أي لقب رفيع أو موقع بارز في هرم المرجعية، وكان بعيدا تماما عن قمة السلطة الروحية".

وأضاف: "وفي الحوزة العلمية بمدينة قم، حيث يجتمع كبار علماء الدين الشيعة، لم يكن خامنئي يحظى بأي اهتمام يُذكر، إذ لم يُنظر إليه بصفته شخصية ذات ثقل أو تأثير في ذلك الوقت".

لحظة التحول

مع ذلك، لفت التقرير إلى أن هناك "ميزة جوهرية لم يمتلكها منتظري، بصفته مثقفا وعالما دينيا، وكانت في المقابل بيد منافسه علي خامنئي وهي: السيطرة المطلقة على القوة المسلحة".

فبحسب الموقع، "يعد خامنئي هو مؤسس الحرس الثوري، تلك القوة العسكرية الخاصة التي تتمتع بمكانة استثنائية، إذ إنها مستقلة عن مؤسسات الدولة التقليدية وعن صلاحيات الرئيس، ومنذ نشأتها عام 1979 ارتبطت مباشرة بالخميني ولم تبايع سوى المرشد الأعلى".

وتابع: "عند تأسيسها، عُين خامنئي قائدا أولا لها، وتحت قيادته، شهدت هذه القوة توسعا سريعا ولافتا، إذ تحولت من تشكيل محدود لا يضم سوى بضعة آلاف من العناصر إلى قوة عسكرية ضخمة تضم عشرات الآلاف من الأفراد".

ويعتقد الموقع الصيني أنه "مع اقتراب الخميني من نهاية حياته، ازدادت حساباته تعقيدا وغموضا، فقد خشى أن يعجز الخليفة المعين (منتظري) عن ضبط المشهد السياسي المعقد، أو أن ينحرف عن إرادته بعد رحيله".

لذلك لجأ -بحسب الموقع- إلى "أسلوب الموازنة التقليدي، فاختار دعم خامنئي، الذي كان ضعيف الجذور دينيا لكنه يمسك بزمام القوة العسكرية، ليكون بمثابة كابح لنفوذ منتظري الذي يكتسب نفوذا واسعا في المجال الديني".

وبذلك، أصبح على خامنئي رئيس الجمهورية الإيرانية، وحسين علي منتظري خليفة المرشد الأعلى الخميني ونائبه.

واستدرك: "غير أن خامنئي استطاع بعد ذلك الانفراد بالسلطة، فبعد أن تولى منصب الرئاسة عام 1981، التف حوله سريعا تحالف واسع من أصحاب المصالح".

هؤلاء، وفق التقرير، لم يكونوا مستعدين لقبول قيادة مثالية الطابع مثل منتظري، الذي دعا إلى  تحسين العلاقات مع الغرب، والحد من السلطة الفردية المطلقة، مرجحا وجود قيادة جماعية من رجال الدين".

واستطرد: "مثل هذه التوجهات كانت تهدد بشكل مباشر مصالح التيار المتشدد في الداخل".

واسترسل: "وجاءت لحظة التحول الحاسمة عام 1988، حينما انتقد منتظري علنا عمليات الإعدام الجماعية التي نفذتها السلطات بحق السجناء السياسيين".

فبحسب الموقع، "فجر هذا الموقف أزمة سياسية عنيفة، استغلها خامنئي وحلفاؤه لإقناع الخميني بأن خليفته المعلن لم يعد صالحا".

ومن ثم، في مارس/ آذار 1989، اضطر الخميني، وهو على فراش المرض إلى إصدار قرار بإلغاء صفة منتظري كخليفة رسمي له، حفاظا على استقرار النظام، وبعد شهرين، رحل الخميني عن الدنيا.

في اليوم التالي مباشرة، انعقد اجتماع طارئ لمجلس خبراء القيادة، وخلال ست ساعات فقط جرى تثبيت خامنئي كمرشد أعلى جديد. 

ولفت الموقع إلى أنه "لإضفاء الشرعية على هذا الاختيار، تم تعديل الدستور على عجل، بحيث خُفض شرط المنصب من مرتبة (آية الله العظمى) إلى مستوى (الاجتهاد) الذي كان خامنئي يملكه".

وهكذا، عبر تجاوز إرادة معلمه واستبعاد الخليفة الذي كان قد عينه بنفسه، تمكن خامنئي من اعتلاء قمة هرم السلطة في إيران.

الشرعية القيادية

كانت أكبر معضلة تواجه خامنئي، هي ما أطلق عليه الموقع مصطلح "نقصان شرعيته القيادية، إذ إن كثيرا من كبار رجال الدين لم يكونوا مقتنعين بسلطته ولا يعترفون بها على نحو كامل".

واستدرك: "غير أن منطق صراع السلطة يفرض حقيقة مختلفة؛ فإثارة الخوف في نفوس الخصوم غالبا ما تكون أكثر حسما من نيل اعترافهم أو رضاهم".

وهكذا، اعتمد خامنئي على الردع العسكري لتثبيت أركان حكمه، فوفق التقرير، ركز خامنئي على تعزيز قوة الحرس الثوري.

وتابع: "تحت إشرافه، حصل الحرس الثوري على امتيازات اقتصادية غير مسبوقة، فتحول تدريجيا من مجرد قوة عسكرية إلى إمبراطورية تجارية لا تخضع للقوانين التقليدية".

وبحسب تقرير خاص نشرته وكالة "رويترز" عام 2019 بعنوان مشروع إيران، فإن الحرس الثوري يسيطر عبر شركته العملاقة "مقر خاتم الأنبياء للإعمار" على معظم مشاريع النفط والغاز والبنية التحتية في البلاد. 

كما يمتلك نصف أسهم شركة الاتصالات الإيرانية، ويشارك بعمق في مشاريع كبرى مثل بناء شبكة مترو طهران وتوسعة مطار الإمام الخميني الدولي.

وعلّق الموقع: "هذه الشبكة التجارية الضخمة تمتد إلى مختلف القطاعات المربحة، وتتمتع بإعفاءات ضريبية وحصانة من التدقيق المالي، ما جعلها بمثابة (مملكة مستقلة) خارج الاقتصاد الرسمي، لا تدين بالولاء إلا لخامنئي نفسه".

واستطرد: “ونتيجة لذلك، راكم قادة الحرس الثوري ثروات هائلة، وارتبطوا بمصالح وثيقة مع المرشد الأعلى، بحيث إن أي تهديد يواجهه ينعكس مباشرة على مصالحهم”.

وأضاف: "لكن الاعتماد على القوة وحدها لم يكن كافيا، فكان لا بد من إرفاقها بسياسة توزيع المنافع الاقتصادية".

وفي هذا الإطار، يسيطر خامنئي على منظومة أوقاف ومؤسسات دينية تُعرف باسم (ستاد).

والتي قدرت تحقيقات "رويترز" قيمة أصولها بنحو 95 مليار دولار، أي بما يفوق حتى الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري.

وبحسب الوكالة الأميركية، "تعود هذه الأموال أساسا إلى ممتلكات النخبة الأرستقراطية التي صودرت في عهد الشاه، إضافة إلى أصول تعود لمعارضين سياسيين".

وأوضح الموقع أنه "من خلال هذا القناة المالية، انتهج خامنئي سياسة ممنهجة لاستمالة رجال الدين،  حيث تُصرف سنويا مخصصات سخية لرجال الدين في حوزة قم، إلى جانب توفير السكن وضمانات معيشية مستقرة.".

وأردف: "ومع مرور الوقت، تحولت المعارضة المحتملة داخل المؤسسة الدينية إلى طبقة مستفيدة من النظام، تفضل الصمت مقابل الامتيازات المادية".

"وبذلك، بنى خامنئي منظومة مزدوجة لحماية سلطته: قوة الحرس الثوري كذراع عسكرية رادعة، ومؤسسة (ستاد) كأداة لتوزيع المنافع الاقتصادية".

وحول تأثيرات هذه السياسة على الشعب، قال: "أدى هذا النمط إلى تركز شديد للموارد داخل المجتمع، بحيث لم يعد تدهور أوضاع المواطنين المعيشية ناتجا عن العقوبات الدولية فحسب، بل أيضا عن احتكار الكيانات المعفاة من الضرائب لأهم قطاعات الاقتصاد، ما أفرغ خزينة الدولة وأفقدها القدرة على تحسين مستوى حياة المواطنين".

وعي الحداثة

بالعودة إلى الوقت الحاضر، لفت الموقع إلى أن "هذا النمط الذي حكم به خامنئي البلاد طيلة ما يقرب من نصف قرن، يواجهه اليوم معضلة كبيرة".

وقال: "ربما كان خامنئي يعتقد أن البنية التي شيدها صلبة لا تهتز، لكنه لم يدرك أن صورة الدولة الحقيقية قد تجاوزت توقعاته بكثير".

في هذا السياق، تناول الموقع الصيني بالتفصل التغيرات التي طرأت على بنية المجتمع خلال خمسين عاما.

وقال: "ظل النظام الديني في إيران يسعى جاهدا للسيطرة على ما يمكن وصفه بـ(وعي الحداثة)، غير أن هذا الوعي ظل يتنامى في الخفاء ويطفو إلى السطح بين الحين والآخر".

وتابع: "فإذا عدنا إلى ثورة عام 1979، نجد أن إيران آنذاك كانت مجتمعا يغلب عليه الطابع الزراعي".

فقد كان عدد السكان نحو 37 مليون نسمة، ولم يتجاوز سكان المدن عشرة ملايين، معظمهم من الفلاحين محدودي التعليم، الذين كانوا ينظرون إلى رجال الدين بإجلال مطلق لا يقبل التشكيك.

"في تلك الحقبة، لو أعلن الخميني أن الأرض مسطحة، لوجد من يصدقه بلا تردد"، يقول التقرير.

وأكمل: "لكن طهران اليوم مختلفة تماما، فبحسب بيانات البنك الدولي والإحصاءات الرسمية الإيرانية، بلغ عدد السكان بحلول عام 2024 قرابة 90 مليون نسمة، يعيش أكثر من ثلاثة أرباعهم في المدن". 

كما ارتفعت نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة من أقل من 40 بالمائة قبل الثورة إلى 97 بالمائة حاليا، وهو تحول لافت.

أما التعليم العالي فقد شهد قفزة هائلة، ففي عام 1979 لم يكن عدد طلاب الجامعات يتجاوز 170 ألفا، بينما وصل اليوم إلى نحو 4.8 مليون طالب، بنسبة التحاق جامعي تجاوزت 64 بالمائة. 

ويقدر التقرير أن "هذه الأرقام تكشف عن تحول جذري في البنية الاجتماعية، إذ لم يعد المجتمع يعيش في عزلة معرفية أو تحت وطأة الجهل كما كان في الماضي".

فأكثر من نصف الشباب الإيرانيين اليوم تلقوا تعليما جامعيا منظما، حيث درسوا الفيزياء والكيمياء وعلوم الحاسوب، واطلعوا على الفلسفة الغربية، ويتابعون عبر الإنترنت الأفلام الأميركية والموسيقى الكورية ويشاركون في ألعاب الفيديو العالمية.

لذلك، يرى أن "محاولات إقناعهم بأن (عدم ارتداء الحجاب يقود إلى الجحيم) أو أن (الاستماع إلى الموسيقى الغربية هو غواية شيطانية) تبدو بالنسبة لهم أقوالا تنتمي إلى زمن متقادم منفصل عن الواقع".

في هذا الصدد، أشار الموقع إلى ما قاله عالم الاجتماع المعروف خوسيه كازانوفا من أن انتشار التعليم الحديث هو العامل الأكثر فاعلية في تقويض سلطة رجال الدين. 

فبحسب وجهة نظره، عندما يتوسع نطاق المعرفة ويصبح التفكير العقلاني والجدلي جزءا من الحياة اليومية، فإن أنماط الحكم القائمة على الغموض والامتثال المطلق تواجه أزمة شرعية حادة.

ويعتقد الموقع أن "هذا ما تجلى بوضوح في عام 2022، حينما توفيت الشابة مهسا أميني بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق بسبب قضية الحجاب".

فقد أشعلت الحادثة احتجاجات واسعة امتدت لأشهر، وكان في طليعتها جيل الشباب بين 18 و35 عاما في المدن الكبرى. 

إلا إن اللافت، بحسبه، أن "المتظاهرين لم يرفعوا شعارات اقتصادية فحسب، بل صدحوا بمطالب جوهرية حول (المرأة، الحياة، الحرية)".

وبالتالي، خلص إلى أن "هذه الشعارات تعكس أن ما يطمح إليه الجيل الجديد ليس مجرد تحسينات سطحية أو زيادة في الدعم الاجتماعي، بل تغيير عميق يمس جوهر النظام القائم".

تيار تاريخي

وحول علاقة هذه الأوضاع والتطورات بسلسلة الاغتيالات وتنامي نفوذ الحرس الثوري وتهميش خامنئي، قال الموقع: "عندما نعيد النظر في سلسلة (الاغتيالات) التي أُشير إليها في مطلع هذا التقرير، تتبدى جميع الخيوط على نحو واضح ومترابط".

وتابع: "فالوضع الذي يعيشه خامنئي اليوم يكاد يطابق المأزق الذي واجهه أستاذه الخميني في سنواته الأخيرة، بل وربما يفوقه تعقيدا وخطورة".

وأردف: "لقد أصبح فعليا في موقع (المهمّش)، لكن هذه المرة لم يكن الإقصاء بفعل منافس سياسي بعينه، بل نتيجة تيار تاريخي لا يمكن وقفه".

واستطرد: "فالحرس الثوري الذي بناه ورعاه بيديه تحول إلى كيان ضخم يصعب التحكم فيه، بتكوين داخلي مترهل أخذ ينحرف عن مساره الأصلي".

واسترسل: "جيل جديد من القادة العسكريين راكم ثروات هائلة تحت مظلة النظام، وبات ولاؤهم لا يتجه بالضرورة إلى خامنئي شخصيا، بل إلى الآلية التي تضمن استمرار مصالحهم ونفوذهم". 

وهنا “يثور التساؤل: ما مقدار السيطرة التي يمكن لزعيم في الخامسة والثمانين أن يمارسها على هؤلاء النافذين الشباب؟”

في هذا السياق، قدر التقرير أن "الثغرات المتكررة التي تكشفت أخيرا داخل أجهزة الاستخبارات والأمن قد لا تكون مجرد أخطاء عرضية، بل قد تعكس تساهلا متعمدا من بعض العناصر الداخلية، ولا يمكن استبعاد احتمال وجود قوى منقسمة داخل النظام تعمل بصمت في الخفاء".

ويعتقد أن ذلك تعبير عن "نزعات تفكيكية داخل بنية الحكم آخذة في التصاعد، وتناقضات كانت تُدار في الظل بدأت تخرج إلى العلن".

وأشار إلى أن "المثال الأبرز على ذلك، ما صدر عن الرئيس الإصلاحي الجديد، مسعود بزشكيان، الذي تولى منصبه عام 2024، حين ظهر على شاشات التلفاز موجها اللوم صراحة إلى خامنئي على الأزمة الاقتصادية، واتهمه برفض التفاوض مع واشنطن، ما أدى، بحسب قوله، لتعطيل مسار التنمية".

وعقّب الموقع: "مثل هذا التصريح كان في الماضي مستحيلا، لكنه اليوم يمثل تحديا صريحا لأعلى سلطة في البلاد، ويكشف أن خامنئي لم يعد قادرا على كبح الانقسامات المتصاعدة داخل النظام".

في المحصلة، يرى أن "التاريخ يعيد نفسه بسخرية لافتة: فخامنئي الذي استغل ضعف الخميني في أواخر أيامه ليقصي منتظري ويستحوذ على السلطة، يجد نفسه الآن في موقع مشابه، وقد بدأ هو الآخر يتعرض للتهميش داخل البنية التي صنعها".

واستطرد: "لقد أصبح ذلك الشيخ الذي يتوارى تدريجيا عن مركز القرار، فيما ترتد عليه إستراتيجياته القديمة بطرق غير متوقعة".

أما مستقبل إيران، فيعتقد التقرير أن "لا أحد يستطيع الجزم بمساره، لكن المؤكد أن محاولة زعيم في الخامسة والثمانين، مدعوما برجال دين ما زالوا يعيشون بعقلية ما قبل الحداثة، إدارة دولة تضم 4.8 ملايين طالب جامعي وتعيش تحولات فكرية حديثة، تمثل تناقضا بنيويا عميقا".

ومن منظور خارجي، يقدر أن "إدراك هذه التوترات الداخلية المتجذرة والتعامل معها بحذر وبمسافة محسوبة قد يكون الخيار الأكثر عقلانية، ففي منطقة شديدة الحساسية وقابلة للانفجار، أي انخراط مفرط أو متسرع قد يقود إلى مخاطر غير متوقعة".