معركة الخطوط الحمراء.. ما دور تركيا في مفاوضات روسيا وأوكرانيا؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أثناء عودته من تركمانستان عقب لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2025، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تفاؤله بقرب التوصل إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدا استعداد أنقرة لدعم الجهود الشاملة لإنهاء الحرب.

وفي السياق، نشر مركز “سيتا” التركي مقالا للكاتب التركي "نبي ميش"، ذكر فيه أنّ التطورات الدبلوماسية الأخيرة بشأن الحرب الأوكرانية–الروسية تشير إلى أنّ الحرب قد دخلت مرحلة مختلفة عن سابقاتها. 

نقطة حرجة

وقال الكاتب التركي هذه المرحلة لم تعد تدار فيها الأزمة فقط، بل يتم البحث فيها بشكل جدي عن مخرج سياسي شامل مهما كان ثمنه. 

وأضاف أن اللقاء المطوّل الذي جمع أردوغان وبوتين في تركمانستان، وما أعقبه من تصريحات وإشارات سياسية، يعكس أن مسار التفاوض بات أقرب إلى النضج من أي وقت مضى. 

فأردوغان صرح أن "السلام ليس بعيداً، نحن نراه" لا يبدو تعبيراً إنشائياً أو أُمنية سياسية، بل توصيفًا يستند إلى معطيات ملموسة اطّلع عليها خلال النقاشات المغلقة مع بوتين.

وتابع أن هذا الفهم تعززه صيغة البيان الصادر عن رئاسة دائرة الاتصال التركية، والذي أكد أنّه تمّ التباحث حول المساعي الرامية إلى تحقيق سلام شامل في الحرب الأوكرانية–الروسية. 

وأشار الكاتب إلى أن مثل هذا التعبير يوحي بأن الحديث لم يقتصر على مبادئ عامة أو مواقف إعلامية، بل تناول تفاصيل تتعلق بإطار التسوية المحتملة، ومواقف الأطراف منها، وإمكانية الانتقال من إدارة الصراع إلى محاولة إنهائه. 

كما أن إعلان أردوغان عزمه إجراء اتصال هاتفي مع دونالد ترامب عقب لقائه مع بوتين يكشف عن دور تركي نشط في ربط خيوط التواصل بين موسكو وواشنطن، في وقت باتت فيه المفاوضات متعددة الأطراف ومعقدة إلى حدّ بالغ.

وأردف الكاتب التركي، أن المسار التفاوضي الحالي وصل إلى نقطة حرجة، يتم فيها اختبار مدى استعداد كل طرف للتراجع عن بعض خطوطه الحمراء. 

فالولايات المتحدة التي تقود الإطار العام لمبادرة السلام تسعى إلى إيقاف الحرب بسرعة، لكنها في المقابل تضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات جوهرية تتعلق بالأرض والسيادة. 

وهذه المقاربة تعكس إدراكا أميركياً متزايداً بأن استمرار الحرب بات مكلفاً سياسياً واقتصادياً، وأن ميزان القوى الميداني لا يسمح لكييف بفرض شروطها السابقة.

في هذا السياق، تبقى مسألة قبول روسيا بالتعديلات التي اقترحتها أوروبا وأوكرانيا على الخطة الأميركية موضع غموض. 

وأضاف الكاتب: من المرجح أن بوتين قد نقل إلى أردوغان الإطار النهائي الذي يمكن لموسكو القبول به، وذلك بما يشمل حدود المرونة الممكنة والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها. 

كما أن احتمال استخدام تركيا كقناة لنقل الموقف الروسي إلى أطراف أخرى يبدو وارداً في ظل الثقة النسبية التي تحظى بها أنقرة لدى مختلف الأطراف.

حلم الناتو

ولفت الكاتب التركي إلى أن الموقف الأوكراني شهد تحولاً لافتاً خلال زيارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى برلين. 

حيث إنّ إعلان الرئيس الأوكراني التخلي عن هدف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي مقابل الحصول على ضمانات أمنية غربية يمثل نقطة انعطاف إستراتيجية كبرى. 

فهذا الهدف لم يكن مجرد خيار سياسي عابر، بل كان منصوصاً عليه في الدستور الأوكراني، ويشكل أحد أعمدة الهوية الإستراتيجية للدولة الأوكرانية منذ سنوات. 

وإنّ التراجع عنه يعني ضمنياً الإقرار بأحد أبرز دوافع روسيا لشن الحرب، وهو ما يجعل هذا القرار بالغ الحساسية داخلياً في أوكرانيا.

غير أن هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة ضغوط واضحة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، التي رأت أن الإصرار على عضوية الناتو بات عائقاً حقيقياً أمام أي تسوية. 

في المقابل، تسعى كييف إلى تعويض هذا التراجع بالمطالبة بضمانات أمنية ملزمة قانونياً، ومدعومة من الكونغرس الأميركي، بما يضمن عدم ترك أوكرانيا عرضة للضغوط الروسية مستقبلًا.

لكنّ هذه المطالب تصطدم بتعقيدات كبيرة داخل المعسكر الغربي نفسه. 

فرغم استعداد دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبعض دول شرق أوروبا للحديث عن ضمانات أمنية، إلّا أنّ أوروبا لا تزال عاجزة عن التوافق على سياسة دفاع وأمن مشتركة واضحة، ناهيك عن تحمل أعباء مالية وعسكرية طويلة الأمد. 

كما أن الفجوة المتزايدة بين واشنطن والعواصم الأوروبية، خاصة في ظل توجهات ترامب، تجعل الحصول على دعم صريح وملزم من الكونغرس الأميركي مسألة غير مضمونة.

الوضع الميداني

في الميدان، تواصل روسيا استخدام تفوقها العسكري النسبي للضغط على طاولة المفاوضات، فيما تبقى أوكرانيا معتمدة بشكل شبه كامل على الدعم الغربي عسكرياً ومالياً. 

ويزيد تدمير البنية التحتية للطاقة من معاناة المدنيين، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء، ما يفرض ضغطاً اجتماعياً واقتصادياً داخلياً على القيادة الأوكرانية ويدفعها نحو البحث عن تسوية، حتى لو كانت مؤلمة.

في الوقت نفسه، عبّر ترامب عن امتعاضه من طول أمد الاجتماعات وتكرارها دون نتائج حاسمة، وهو ما يعكس رغبة أميركية متزايدة في إنهاء الملف بسرعة. 

بذلك فإنّ هذا الاستعجال قد يؤدي في النهاية إلى تسوية عامة الملامح، تُترك فيها بعض القضايا الأساسية، مثل طبيعة الضمانات الأمنية، بصياغات غامضة وتعهدات مستقبلية غير محكمة.

وأشار الكاتب إلى أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق، فإن الطريق أمام تطبيقه لن يكون سهلًا. 

فإدارة زيلينسكي قد تلجأ إلى طرح الاتفاق على استفتاء شعبي، لتحميل المجتمع الأوكراني مسؤولية القرار. 

كما أن فكرة إجراء انتخابات، وهي مطلب يلقى قبولًا لدى كل من ترامب وبوتين، قد تُطرح بالتوازي مع الاستفتاء. 

وفي بلد أنهكته الحرب وتآكلت مؤسساته، قد لا تفضي هذه العملية السياسية إلى الاستقرار المنشود، بل قد تفتح الباب أمام فوضى داخلية أو انقسامات حادة.

وختم الكاتب مقاله قائلاً: لا يمكن القول إن السلام بات مضموناً، لكنه أصبح مطروحاً بجدية على الطاولة لأول مرة منذ اندلاع الحرب. 

غير أن هذا السلام، إن تحقق، فسيكون نتاج توازنات قاسية وتنازلات مؤلمة، وقد يحمل في داخله بذور أزمات جديدة.