معلق منذ السبعينيات.. ما سر عودة مشروع نفق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ 50 سنة، لم يعد نفق مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا مجرد حبر على ورق؛ حيث توجد مرحلة تقنية ملموسة، وجدول زمني، وخطط حفر لهذا النفق، فضلا عن سياق جيوسياسي موات للغاية.

صحيفة “الكونفدنسيال” الإسبانية تقول: إن مضيق جبل طارق هو أقصر مسافة تربط إسبانيا عن المغرب بمسافة لا تتجاوز 14 كيلومترا في المحيط. 

وتعدّ هذه المسافة القصيرة كافية لتغذية حلم الربط المادي بين جانبي المضيق، الذي ظلّ كامنا لعقود. 

معلق منذ السبعينيات

وقد طُرح مشروع ربط سواحل الضفتين لأول مرة في سبعينيات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين، عاد للظهور بشكل دوري على الساحة السياسية والإعلامية دون أن يجسّد إلى واقع ملموس. 

مع ذلك، ربما في المستقبل القريب، ستكون سنة 2025 العام الذي أُعيد فيه إحياء حلم ربط إفريقيا بأوروبا، وهذه المرة لأسباب وجيهة.

وأوردت الصحيفة أن دراسة جدوى أجرتها شركة هيرنكنخت الألمانية، المتخصصة في آلات حفر الأنفاق، بتكليف من الحكومة الإسبانية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، خلصت إلى أن حفر نفق سكة حديد تحت مضيق جبل طارق ممكن تقنيا باستخدام التقنيات الحالية. 

ويقترح هذا التقرير أيضا حفر جزء قصير من النفق أولا - كنوع من التجربة في باطن المضيق - لتقييم المناطق الأكثر صعوبة بشكل مباشر.

ونوهت الصحيفة إلى أن إسبانيا منحت شركة الاستشارات العامة "إينيكو" عقدا لتحديث التصميم الفني وإجراء الدراسات الجيولوجية اللازمة، مع التزام بتسليم النسخة الأولى في سنة 2026، بناء على هذا الاستنتاج. 

ووفقا لهذه الخطة، سيُتخذ القرار السياسي النهائي في سنة 2027. 

وفي حال الموافقة على المشروع، ستبدأ الأعمال الميدانية في سنة 2030، وقد تبدأ أعمال الإنشاء الرئيسة بين سنتي 2035 و2040. 

في واقع الأمر، هي مواعيد أولية للغاية وقابلة للتغيير، لكنها تمثل علامة فارقة في تاريخ المشروع الطويل وغير المُثمر إلى حد كبير: فللمرة الأولى منذ 50 سنة، توجد مرحلة فنية ملموسة، وجدول زمني، وخطط حفر.

وأشارت الصحيفة إلى أن التصميم يتّبع نموذج نفق المانش: نفقان متوازيان للسكك الحديدية، أحدهما في كل اتجاه، متصلان بممر مركزي يُستخدم للإخلاء والصيانة. 

ومن المرجح أن يربط المسار منطقة بونتا بالوما، في مقاطعة قادس، بمنطقة بونتا مالاباتا، بالقرب من طنجة. 

على الجانب الإسباني، يمكن أن تقع المحطة الشمالية المستقبلية بالقرب من فيخير دي لا فرونتيرا، مما يتيح ربطها بشبكة السكك الحديدية الأندلسية، خاصة بخط قادس-إشبيلية.

سيبلغ طول النفق الإجمالي حوالي 42 كيلومترا، منها ما يقارب 28 كيلومترا تحت الماء. ويتجاوز أقصى عمق مخطط له 470 مترا، مما يجعله أعمق من نفق المانش، ولا يضاهيه إلا بعض أنفاق السكك الحديدية الحديثة في جبال الألب. 

ويقدّر زمن العبور، بعد اكتماله، بحوالي 30 دقيقة بالقطار، مع قدرة على نقل الركاب والبضائع.

وأوردت الصحيفة أن المخطط الحالي هو ثمرة سلسلة طويلة من الرفض. في السنوات الأولى، طُرحت فكرة إنشاء جسر معلق بين ضفتي المضيق، وهي فكرة سرعان ما تم استبعادها بسبب عمق المضيق، والنشاط الزلزالي، وظروف الرياح العاتية. 

خلال تسعينيات القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة، استُكشفت فكرة نفق مشترك للسكك الحديدية والطرق، لكن متطلبات التهوية والسلامة والإخلاء جعلتها غير قابلة للتنفيذ. 

وقد صمد حل السكك الحديدية أمام جميع الدورات السياسية، مثبتا أنه أكثر واقعية من الناحية التقنية ومتوافق مع معايير السلامة الأوروبية.

محفوف بالتعقيدات

ولا يعني كون مشروع ما قابلا للتنفيذ، بطبيعة الحال، أنه سهل التنفيذ. وفي هذا المعنى، يشير فيسنت إستيبان شابابريا، أستاذ الهندسة البحرية والرئيس السابق لجمعية المهندسين المدنيين، إلى أن مشروع نفق المضيق قد تعثر لفترة طويلة، تحديدا بسبب تعقيده. 

بحسب الخبير، فإن المقارنة المتكررة مع نفق المانش مضللة. ويشير: "جيولوجيا، هما مختلفان تماما. 

فالقناة الإنجليزية منطقة مستقرة للغاية، ذات مواد متجانسة ومعروفة جيدا. أما مضيق جبل طارق فهو على نقيض ذلك تماما: فهو حدود نشطة بين الصفائح التكتونية، مع نشاط زلزالي متكرر، وتغيرات مفاجئة في المواد على مسافات قصيرة جدا".

فضلا عن ذلك، لهذا التعقيد ثمنه. تشير الأرقام الحالية إلى ميزانية تتراوح بين 8.5 و9 مليارات يورو للجزء الإسباني، مع العلم أن التكلفة الإجمالية ستتجاوز هذا الرقم بوضوح عند إضافة الاستثمارات المغربية، وخطوط السكك الحديدية، والتكاليف غير المباشرة. 

وسيصل الرقم النهائي إلى 15 مليار يورو على الأقل، متجاوزا بذلك تكلفة بناء نفق المانش البالغة 9.5 مليارات جنيه إسترليني.

بعيدا عن الأرقام، يتزامن إعادة تفعيل المشروع مع فترة استثنائية من الانسجام السياسي بين مدريد والرباط. 

فأخيرا صرّح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عقب اجتماع رفيع المستوى مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، بأن العلاقات الثنائية تشهد مرحلة "غير مسبوقة" نظرا لتقاربها. 

وقد أيّد مكتب رئيس الوزراء الإسباني هذا التقييم في بيان لاحق، مؤكدا على "عمق علاقات الصداقة وحسن الجوار" بين البلدين.

وأوردت الصحيفة أن جزءا كبيرا من هذا التوافق ينبع من تحوّل موقف إسبانيا بشأن الصحراء الغربية سنة 2022، حين بدأت بدعم خطة الحكم الذاتي التي تبنّاها المغرب بصفتها الخيار "الأكثر جدية ومصداقية". 

وقد تعزز هذا الموقف في أكتوبر 2025 مع اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الذي يصنّف المقترح المغربي بأنه "الحل الأمثل". 

وعقب التصويت، رحّبت إسبانيا بالنتيجة، وأعادت التأكيد في بيانها المشترك مع الرباط على أنها تعد هذا الإطار الأنسب للمضي قدما.

ومنذ هذا التحول في الموقف، عززت الحكومتان برامجهما المشتركة في مجالات الطاقة والنقل والأمن. 

وفي هذا السياق، يتماشى إنشاء النفق مع طموح المغرب في ترسيخ مكانته كمركز لوجستي بين إفريقيا وأوروبا. 

ومن شأن هذا المشروع الذي تقدر شركة سيسيجسا أنه سيستوعب ما يصل إلى 12.8 مليون مسافر سنويا، أن يُكمّل الشبكة الواسعة من العبّارات والموانئ والخطوط الجوية التي تُشكّل بالفعل البنية التحتية للنقل بين البلدين.

باختصار، يتمتع المشروع بمناخ سياسي موات للغاية وخارطة طريق تقنية أكثر وضوحا من أي وقت مضى في تاريخه. 

لكن هذا الزخم لا يبدد كل الشكوك. وفي هذا المعنى يحث أستاذ الهندسة البحرية، فيسنت إستيبان شابابريا، على توخي الحذر. 

ويلخص قائلا: "أراه صعبا للغاية وغير واقعي. لا أقول إنه مستحيل، لكن الانخراط فيه أشبه بالدخول في مستنقع جيولوجي، وهذا عادة ما ينتهي بتأخيرات وتجاوزات في التكاليف وقرارات سياسية لا تنفذ أبدا".