"بؤس ويأس وموت".. طقس صعب يعصف بغزة المنهكة وإسرائيل تمنع المساعدات

"غزة تغرق بسبب عدم إدخال إسرائيل الكرفانات والبيوت الجاهزة وتطوير البنى التحتية"
مأساة إنسانية متجددة وأوضاع متردية في غزة منذ بداية فصل الشتاء تتصاعد حدتها بقوة إثر منخفض جوي جديد فاقم معاناة مليوني فلسطين محاصرين في القطاع.
إذ أغرقت الأمطار شوارع غزة وغمرت خيام النازحين وتسببت في اقتلاع أخرى، وسط صمت مطبق من العالم أجمع رغم النداءات المطالبة بسرعة إدخال المساعدات.
ويتأثر مختلف أنحاء قطاع غزة بمنخفض جوي عميق، تصل سرعة الرياح فيه إلى 100 كيلومتر/ساعة مصحوبة بأمطار غزيرة تصنع بركا وتدمر الخيم.
وفاقم المنخفض الجوي معاناة العائلات الفلسطينية التي دمر الاحتلال منازلها، وحتى العائلات التي تتخذ من المباني الآيلة للسقوط والمهددة بالانهيار مساكن لهم، في ظل إصرار سلطات الاحتلال على منع إدخال مستلزمات الإيواء.
ونقلت وسائل إعلام محلية ودولية مشاهد مأساوية لأطفال ونساء ورجال من غزة، وهم يواجهون البرد الشديد والأمطار التي أغرقت خيامهم، فيما وثق مراسلون من مختلف مناطق القطاع جوانب من المعاناة اليومية للغزيين.
متحدث بلدية غزة حسني مهنا، يقول: إن المدينة تشهد غرقا واسعا وتطاير آلاف الخيام، إضافة إلى غرق عشرات المناطق المنكوبة، مع كل منخفض جوي يضرب المدينة، في ظل أوضاع إنسانية كارثية وانهيار شبه كامل في البنية التحتية والقدرة التشغيلية.
ويضيف أن ذلك يحوّل الأحوال الجوية الماطرة إلى حالة طوارئ إنسانية حقيقية، موضحا أن اشتداد المنخفضات الجوية يضاعف المخاطر على حياة السكان والنازحين.
وأكد مهنا أن ذلك يحدث في ظل تهالك آلاف الخيام التي لم تُنشأ لتحمّل الرياح والأمطار، إلى جانب انهيار عشرات المباني السكنية الآيلة للسقوط، والتي يقطنها نازحون اضطرارا لغياب البدائل، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا ويعمّق حجم المأساة الإنسانية.
بدورها، قالت بلدية شمال غزة: إن الاحتلال دمّر المحافظة وجعلها غير صالحة للسكن، داعية الجهات والمنظمات الدولية كافة للتدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من الحياة في القطاع تطبيقا للقوانين الدولية.
ودعت البلدية للعمل على دعمها بالوقود وقطع الغيار والمعدات اللازمة لتشغيل آبار المياه وجمع النفايات ومضخات الصرف الصحي.
من جهته، حذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، من تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة مع اشتداد موجة الشتاء القاسي.
وقال: إن الظروف الجوية الحالية تزيد من معاناة السكان المستمرة منذ أكثر من عامين نتيجة الحرب الإسرائيلية والحصار المفروض على القطاع.
وأضاف أن "المزيد من الأمطار في غزة يعني المزيد من البؤس واليأس والموت". مشيرا إلى أن آلاف العائلات الفلسطينية تعيش في أوضاع إنسانية شديدة القسوة داخل خيام بالية وغارقة بالمياه أو بين أنقاض المنازل المدمرة، في ظل غياب مقومات الحياة الأساسية.
كما أكد أن مساعدات الإغاثة "لا تصل بالكمية المطلوبة" إلى القطاع، الأمر الذي يزيد من خطورة الوضع الإنساني، خاصة على الأطفال وكبار السن والمرضى.
ومنذ بدء تأثير المنخفضات الجوية على غزة في ديسمبر/كانون الأول الجاري، لقي 17 فلسطينيا بينهم 4 أطفال مصرعهم، فيما غرقت نحو 90 بالمئة من مراكز إيواء النازحين الذين دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم، وفق بيان سابق للدفاع المدني بالقطاع.
كما أدت المنخفضات إلى تضرر أكثر من ربع مليون نازح، من أصل نحو 1.5 مليون يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية، وفق معطيات سابقة للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وفي ظل تفاقم معاناة النازحين نتيجة تعنت الاحتلال في إدخال مساعدات الإيواء، تواصل القوات الإسرائيلية استهداف القطاع وخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأصيب 3 فلسطينيين في 29 ديسمبر إثر استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم جباليا المدمر الواقع شمالي القطاع، في منطقة انسحب منها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال شهود عيان: إن الفلسطينيين أصيبوا بغارة في منطقة انسحب منها الجيش الإسرائيلي بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. بحسب الجزيرة.
وأضاف الشهود أن طائرة إسرائيلية شنت غارة جوية على المناطق الشرقية لمخيم البريج وسط القطاع، بالتزامن مع قصف مدفعي استهدف مناطق شرقي مدينة رفح، ضمن المناطق التي يواصل الجيش احتلالها إلى جانب استهداف مناطق شرقي مدينة غزة.
وتداول ناشطون على منصات التواصل مقاطع فيديو وصور توثق تفاقم المعاناة الإنسانية في القطاع وتظهر غرق الخيام وارتجاف الأطفال من شدة البرد القارس وافتقارهم لأبسط مقومات الحياة والحماية من البرد، منددين بدور الاحتلال الإسرائيلي في مفاقمة الأزمة بمنعه دخول مستلزمات الإيواء.
وجددوا التغريد والتدوينات على وسوم عدة أبرزها #غزة_تغرق، #ادخلوا_الكرفانات، #أنقذوا_غزة، وغيرها، صابّين جام غضبهم على الضامنين لوقف إطلاق النار لصمتهم على تعنت الاحتلال الإسرائيلي وعدم التزامه ببنود الاتفاق التي تتضمن السماح بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للقطاع.
مأساة إنسانية
وتفاعلا مع المنخفض، كتب مدير عام وزارة الصحة بغزة منير البرش: "لكِ الله يا غزة، اجتمع على أهلِ غزة هذه الليلة القصفُ المباشر، والبردُ القارس، والمطرُ الشديد، والرياحُ العاتية في ابتلاءٍ عظيمٍ تتتابع فيه الشدائد على جسدٍ واحدٍ أنهكه النزف.
وأضاف: "خيامٌ ترتجف، وأطفالٌ يلتصقون بأمهاتهم طلبًا لدفءٍ لا يأتي، وأمهاتٌ يحضنَّ الخوفَ أكثر مما يحضنَّ الصغار، ورجالٌ يقفون في العراء لا يملكون إلا الدعاء.
وتابع البرش: "ليلٌ طويلٌ في غزة، يُقصف فيه الأمان، ويُحاصر فيه الدفء، وتُختبر فيه الإنسانية أمام صمت العالم، لكن غزة رغم المطر، ورغم الريح، ورغم النار النازلة من السماء، ما زالت واقفة، تقاوم بالممكن، وتحتمي بالله.. لكِ الله يا غزة في ساعةِ بلاء، وضيقٍ شديد، لا ملجأ فيه إلا الله".
وأوضح محمد نشبت، أن في غزة ارتقى 20 شهيدًا بسبب المنخفضات الجوية، استشهد اثنان منهم أمس واليوم.
وأشار إلى أن أكثر من 127,000 خيمة تمزقت وخرجت عن الخدمة وأهلها يفترشون العراء الآن، و49 منزلا انهار على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار والعواصف، لافتا إلى أن هذا جزء من معاناة النازحين ونحن في بداية موسم الشتاء.
وأكد ثائر البنا، أن أهالي غزة يعيشون الآن مرارة الشتاء بكل قسوته، بردٌ قارس وجوعٌ وغرق، فيما أطفالهم يواجهون موجات برد شديدة.
وعرضت أمال الحياة، مقطعَ فيديو مدته ثوانٍ معدودة رأتها كافية للكشف عن المعاناة الهائلة التي يتحملها سكان غزة خلال فصل الشتاء الذين يعيشون في خيام لا تحميهم من الحرارة الحارقة ولا من الأمطار الغزيرة.
كما عرض أحد المدونين صورةً لامرأة تجلس على مدخل خيمتها الغارقة بمياه الأمطار، قائلا: لم يكن المطر يوما عدوا، لكنه في غزة صار سوطا يجلد ظهور المتعبين".
وأكد أن تلك المرأة الجالسة فوق الماء، لا تبكي بللاً أصاب ثيابها، بل تبكي عُمُراً غرق في لحظة، وبيتا صار خيمة، وخيمةً صارت بركة من طين ودمع، تضع يدها على وجهها ليس خجلاً، بل لأنها لم تعد تقوى على رؤية هذا الخراب الصامت والخذلان من بني جلدتنا".
وتساءل المدون: “كيف يشرح الإنسان للعالم أن أقصى أمانيه الآن هي (بقعة جافة) يضع عليها قدمه؟”
وذكرت ندا عياد، أن الناس في غزة مسحوقون بشكلٍ قاهر، خيامهم اقتُلعت من جذورها واقتلعتها الرياح العاتية كأنها لم تكن يومًا مأوى، وما تبقّى منها لم يصمد أمام المطر، فغرق ومعه غرق آخر ما تبقّى من الإحساس بالحماية. لم تعد الخيمة بيتًا مؤقتًا، بل صارت هشاشةً مكشوفة تحت سماء لا ترحم.
ودعت لتخيّل "أطفالًا صغارًا، كان من المفترض أن يكونوا الآن في أسرّتهم الدافئة، يلتفّون ببطانياتهم، يشاهدون فيلمهم المفضّل قبل أن يناموا بسلام. تخيّل كم هو بسيط هذا الحق، وكم هو مستحيل هنا".
وأضافت عياد: "هؤلاء الأطفال أنفسهم قد تجدهم غرقى في الماء والوحل، أو ينهشهم البرد نهشًا حتى العظم، وحتى من ينجو منهم لا ينجو حقًا؛ يخرج إلى العراء بعد أن ابتلع المطر خيمته، بلا سقف، بلا دفء، بلا مأوى".
وشددت على أن ما يعيشه الناس في غزة لا يُحتمل، ولا يمكن لعقلٍ بشريّ أن يستوعبه دون أن ينكسر، قائلة: "هذا ليس طقسًا قاسيًا فحسب، بل سحقٌ متواصل للإنسان، وامتحان وحشيّ لما تبقّى من الروح.. الألم هنا لا يصرخ، بل يتراكم في الصدور بصمتٍ ثقيل، حتى يصبح الصمت نفسه جريمة".
وعدت الفاجعة الأكبر أن كل هذا يحدث والعالم غائب، أو متغافل، أو متواطئ بصمته.. لا ضجيج، لا غضب، ولا حتى كلمات خجولة تُكتب على الهامش، كأن معاناة الناس في غزة لا تستحق الالتفات، ولا تستحق أن تُروى.
استنكار الصمت
وتحت عنوان "مرّة إثر مرّة.. البيوت الجاهزة يا بقايا الضمير.."، هاجم ياسر الزعاترة، الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، قائلا: "تخطبون يوميا عن رفض التهجير، لكنكم لا تفعلون شيئا لتثبيت الناس ودعم صمودهم".
وذكّر الضامنين بأن البيوت الجاهزة جزء من الاتفاق، متسائلا: "لماذا يصبح مصير جثة وحيدة باقية أهم من مصير شعب يواجه برد الشتاء والأمطار؟!.. احترموا أنفسكم وافعلوا شيئا".
وقالت مايا رحال: إن موسم الشتاء ليس جريمة على سكان الخيم المهترئة بغزة. وأكدت أن الجريمة أن يصمت العالم على ممارسات الاحتلال بعدم إدخال الكرفانات وجعل هذا الشتاء قاسيا على أطفالها الذين يموتون من البرد نسائها رجالها التي تنتهك آدميتهم وإنسانيتهم بمواجهة شتاء هو الأقسى عليهم.
وذكرت ابتهال عادل، أن ما تشهده غزّة من مآسٍ أليمة حُجةٌ قائمة على كل مسلمٍ قادرٍ على نصرتهم؛ قائلة: "أنقذوا أنفسكم من موقف الحساب، وأعِدوا للوقوف بين يدي الله جوابًا".
وأضافت: "أنا لا أستجديكم، هذا حقهم علينا يا أمة غارقة لاهية في توافه الحياة، يا أمة تنفق المليارات في لعبة سفيهة تسمى كرة القدم، وفي المراقص والأفلام الخليعة واحتفالات المغنيين الفاسدة المفسدة".
وتابعت عادل: "فقط ضعوا أنفسكم مكان أهليكم في غزة وتخيلوا أن تعيشوا تحت شوادر وخيام ممزقة، مع أول ريح تُقتلع وتتطاير فيلفحكم البرد القارس وتتجمّد أجسادكم، وأطفالكم يرتجفون من شدّة البرودة!!!.. تخيلوا أطفالكم يموتون أمام أعينكم من شدة البرد!!".
وكتبت إسلام الهبيل: "تعز علينا الصور الخارجة من غزة، صور لا تصف معشار ما يعاش هناك، ومع ذلك ما زال كثيرون ينكرونها بعد عامين من الإبادة.. يُنكرون هذا الذلّ كله الذي فُرض على أهل العزة والكرم، على أناس عاشوا لأجل أسمى قضايا العالم، وعلى شعب دافع عن المظلومين من تحت حصاره، وأحب العالم رغم قسوته، فخذله كثيرون".
وذكر سعيد الحاج، أن ما يحصل لأهلنا في غزة في خيامهم مع المنخفض الجوي ليس آفة طبيعية مرتبطة بتغير الطقس أو المناخ، موضحا أن المشهد في غزة ليس سبباً، وإنما نتيجة لعاملين أساسيين.
وأشار إلى أن العامل الأول هو سياسة الاحتلال المتعمدة في حشر الناس في شريط ساحلي ضيق من القطاع، وبظروف صعبة، وعشوائية، لدرجة أن من وجد خيمة ولو بالحد الأدنى غير المنظم رأى نفسه محظوظا، وهو ما يؤكد إجرام الاحتلال.
ولفت الحاج إلى أن العامل الثاني هو عدم إدخال الكرفانات والبيوت الجاهزة وتطوير البنى التحتية للإعداد لإعادة الإعمار كما يفترض وقف المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب واتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يظهر تقاعس الوسطاء الذين تحولوا لدول ضامنة للاتفاق.
في انتظار الكرفانات
وعرض ناشطون صورا ومقاطع فيديو توثّق معاناة الفلسطينيين في القطاع ومعاناتهم في ظل المنخفض الجوي ورفض الاحتلال إدخال المساعدات، وأبدوا تضامنهم وتعاطفهم مع أهل غزة بالدعاء والتضرع إلى الله أن ينقذهم، داعين لإدخال الكرفانات إلى القطاع.












