انهيارات متسارعة في مليشيات إسرائيل بغزة والمقاومة تتهيأ للحسم.. كيف؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يشهد مشروع المليشيات العميلة لصالح الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، منعطفا حادا ولافتا، في ظل تصاعد الانهيارات داخل صفوفها.

وتتزايد المؤشرات على اقتراب المقاومة الفلسطينية من إغلاق ملف هذه المليشيات، بعد انتهاء المهلة التي أُعلنت تحت عنوان “باب التوبة”، والتي خُصصت لمنح المتعاونين مع الاحتلال فرصة أخيرة لتسليم أنفسهم.

وتضم هذه المليشيات، مليشيا أبو شباب، وهي أول العصابات الخائنة التي شكلها الاحتلال في أبريل/نيسان 2024 شرقي رفح، تبعتها مجموعات أخرى، منها مجموعة المنسي التي أطلقت على نفسها اسم "الجيش الشعبي" شمال القطاع بقيادة أشرف المنسي.

إلى جانب مجموعة الأسطل شرق خان يونس، والتي يقودها حسام الأسطل الملقب “أبو سفن”، المدان بالتعاون مع مخابرات الاحتلال.

كما ظهرت مجموعة صغيرة في حي الشجاعية يقودها رامي حلس، وكذلك مليشيا أحمد جندية في شرق غزة.

وأحدث المجموعات هي مجموعة شوقي أبو نصيرة، وهو ضابط في سلطة رام الله، وقد أعلن عن تشكيلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وتعمل شرق المنطقة الوسطى وخان يونس.

باب التوبة

وأعلن أمن المقاومة في قطاع غزة، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، انتهاء حملة “باب التوبة”، وهي الحملة التي أُطلقت بهدف فتح نافذة للعودة أمام المتورطين في التعاون مع الاحتلال قبل الانتقال إلى مرحلة الحسم. حسب ما أعلنته المقاومة.

وأوضح أمن المقاومة، في بيان، أن أعدادا من الأشخاص بادروا بالفعل إلى تسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية خلال فترة المهلة، مؤكدا أن ملفاتهم تخضع حاليا للدراسة والمعالجة وفق الإجراءات القانونية المعمول بها.

وذكر البيان أن الحملة انتهت بشكل رسمي، مشيدا في الوقت ذاته بمواقف العائلات الفلسطينية والرموز الوطنية التي قال: إنها اصطفت بوضوح إلى جانب الأجهزة الأمنية والمقاومة.

 وأسهمت في حماية الجبهة الداخلية، ومنعت محاولات العبث بالنسيج المجتمعي في واحدة من أكثر المراحل حساسية التي يمر بها القطاع.

وشدَّد أمن المقاومة على أنه سيواصل تفكيك شبكات العملاء وملاحقتهم، وأن الإجراءات الأمنية ستتواصل دون توقف أو تهاون.

 كما وجَّه تحذيرا من أي تواصل مع العملاء المرتزقة أو المنصات الإعلامية الداعمة لهم، لافتا إلى أن هذه الجهات تستخدم أسماء متعددة وأساليب مختلفة بهدف التأثير على الوعي العام ومحاولة شرعنة التعاون مع الاحتلال.

وجاءت الحملة عقب تطورات ميدانية وأمنية بارزة وتلقتها هذه المليشيات، أبرزها مقتل مؤسس المليشيات العميلة للاحتلال ياسر أبو شباب، في 4 ديسمبر 2025، وهو الحدث الذي شكل نقطة تحول رئيسة في مسار هذا الملف.

انهيار المليشيات

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “معاريف” العبرية في 7 ديسمبر  2025، إنه خلال الساعات الأربع والعشرين التالية لمقتل أبو شباب، بدأت ملامح انهيار واضح تظهر داخل صفوف المليشيات والعشائر المسلحة المرتبطة بالاحتلال في قطاع غزة.

وأفادت الصحيفة بأن عددا من عناصر هذه المجموعات بادروا إلى تسليم أنفسهم لحركة حماس والأجهزة الأمنية عقب مقتل أبو شباب، وأن ما يجرى قد يمثل بداية “تأثير الدومينو” الذي قد يطال باقي المليشيات خلال الفترة المقبلة.

ونقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان” عن مصادرها أن حالة من التفكك تسود صفوف هذه المجموعات، في ظل تنامي الخوف وانعدام الثقة بين عناصرها.

كما ذكرت قناة “i24” العبرية، أن العشائر الفلسطينية في غزة منسجمة تماما مع موقف المقاومة، وتتعاون معها في محاربة هذه المليشيات.

ونقلت القناة عن أحد قادة العشائر- لم تسمه- قوله: إن هذه المجموعات “ستختفي مهما حاولت إسرائيل دعمها”، مؤكدا أن هدفها الأساسي يتمثل في كشف أنفاق المقاومة ومواقع مقاتليها، أي تنفيذ ما عجز الاحتلال عن تحقيقه خلال عامين من الحرب.

وقال قيادي في أمن المقاومة، خلال بيان في 8 ديسمبر، إن عناصر هذه المليشيات الذين سلموا أنفسهم ضمن المهلة المعلنة خضعوا للتحقيق، مشيرا إلى أن الاعترافات الأولية التي أدلوا بها كشفت حجم التفكك والارتباك الذي يضرب البنية التنظيمية لتلك المليشيات.

وبحسب القيادي، فإن قادة المرتزقة لجؤوا إلى فرض إجراءات مشددة على عناصرهم عقب إعلان “فتح باب التوبة”، شملت عزلا اجتماعيا داخل العائلات، وتقييدا واسعا للاتصالات واستخدام الإنترنت، في محاولة لاحتواء موجة الانشقاقات ومنع انهيار التنظيم من الداخل.

وكشف القيادي أن أحد العملاء الذين سلموا أنفسهم قال إن “عصابات المرتزقة نفذت إعداما ميدانيا بحق شاب حاول الفرار من مناطق سيطرتها، وذلك أمام زوجته وأطفاله”.

وخلال التحقيقات، كشف أحد العملاء الذين سلموا أنفسهم خلال حملة “باب التوبة” عن تورط جهة عربية في تدريب عناصر المليشيات إعلاميا.

ووفق اعترافاته، التي نشرها جهاز أمن المقاومة في 8 ديسمبر، فإن شخصية عربية تتحدث بلهجة خليجية عقدت ورشا تدريبية لعناصر المرتزقة في مجالي الصحافة والإعلام، تحت غطاء مؤسسة إعلامية تحمل اسم “جسور نيوز”.

وأوضح العميل أن تلك الورش ركزت على كيفية الظهور أمام وسائل الإعلام، وإبراز الجوانب الإنسانية والمدنية والاجتماعية، في محاولة لتلميع صورة المليشيات، وترغيب المواطنين بالانتقال إلى ما يسمى بالمنطقة الصفراء، الخاضعة لسيطرة الاحتلال.

مرحلة الحسم 

عن كواليس بدء تفكك المليشيات، كشف مصدر أمني، في حديث خاص لـ"الاستقلال"، أن وجهاء ومخاتير عائلات فلسطينية انخرطوا في جهود تسليم أعداد من عناصر مليشيا ياسر أبو شباب ومليشيات أخرى مدعومة من الاحتلال.

وأوضح المصدر أن مرحلة جديدة وصفها بمرحلة الحسم قد بدأت، لافتا إلى أن هذه المجموعات باتت اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه في السابق، معتبرا أن مقتل أبو شباب شكل نقطة التحول الأبرز في مسارها، كونه الشخصية المركزية في تشكيلها وإدارتها.

وبين أنه سُجلت حالات هروب كبيرة في صفوف المليشيات خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، وكذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وأيضا بعد فتح باب التوبة.

وأوضح المصدر الأمني أن فتح باب التوبة أسفر كذلك عن كشف خلايا تابعة لهذه المليشيات ومتعاونة معها داخل المناطق المدنية (خارج الخط الأصفر) التي لا يسيطر عليها الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى كشف عدد إضافي من العملاء.

وأضاف أن عددا من العناصر الذين كانوا ينشطون في تلك المناطق سلموا أنفسهم بالفعل، وقدموا إفادات تفصيلية لأمن المقاومة والأجهزة الأمنية حول أدوارهم السابقة، مؤكدا أن التحقيقات لا تزال جارية معهم.

وأشار المصدر إلى أن العائلات الفلسطينية والعشائر البدوية لعبت دورا محوريا في التعرف على أفراد هذه المليشيات والتواصل مع عائلاتهم، ما أسهم في دفع عدد منهم إلى التوبة وتسليم أنفسهم.

وأضاف أن هذه الجهود شملت مجالات متعددة، وأسهمت في تعزيز الأمن والحد من حالة الفلتان، وتقويض نشاط المليشيات داخل المجتمع الغزي.

دور العشائر

ولعبت الهيئات العشائرية والتشكيلات القبلية والمجتمعية دورا كبيرا في إسناد المقاومة خلال المعركة مع العصابات المتعاونة مع الاحتلال.

وحول الدور الذي لعبته العائلات الفلسطينية، قال رئيس التجمع الوطني للقبائل والعشائر الفلسطينية علاء الدين العكلوك إن العشائر تواصلت مع جميع عوائل المتورطين في هذه العصابات، سواء من شكلها أو من انضم إليها، ومدت يد العون لمن يرغب منهم في العودة إلى أحضان شعبه.

وأوضح العكلوك، في تصريحات صحفية في 7 ديسمبر، أن العشائر نجحت في إعادة عدد من عناصر المليشيات عبر عائلاتهم وقبائلهم، وسجلت مواقف مشرفة لعائلات فضلت أن تُقصف وتنزح على أن ترتكب خطيئة التعاون مع الاحتلال.

وكشف العكلوك عن ترتيبات اتخذتها العشائر الفلسطينية مؤخرا لإنهاء ملفات عدد من الشباب الذين سلموا أنفسهم عبر عائلاتهم وعشائرهم، وتوسطت لدى الجهات المختصة لإنهاء ملفاتهم، التي استجابت لفتح باب التوبة لمدة عشرة أيام.

وتابع، أن "الاحتلال لجأ إلى توظيف مجموعة من الأشخاص المرتبطين بسجلات إجرامية، محاولا إضفاء صبغة قبلية وعشائرية عليهم، ولكن مصيره كان الفشل”.

بدوره، قال أبو أدهم الحنجوري، أحد أعيان ووجهاء العشائر الفلسطينية: إن القبائل والعشائر في قطاع غزة كانت أول من واجه العصابات والمليشيات المتعاونة مع الاحتلال، وحدت من خطرها.

وأوضح الحنجوري، في حديث خاص لـ“الاستقلال”، أن الموقف العشائري تُرجم عمليا عبر نبذ هذه العصابات ومحاربتها بمختلف الوسائل، وعلى رأسها رفع الغطاء العشائري والعائلي عن جميع المتورطين فيها.

 "إلى جانب التعاون المباشر والمستمر مع الأجهزة الأمنية والمقاومة الفلسطينية، بهدف القضاء على هذه الفئة التي وصفها بأنها ضالة وباغية وخائنة للقضية الوطنية".

وأشار إلى أن العشائر والعائلات الفلسطينية عملت بشكل حثيث خلال الفترة الماضية، بما في ذلك أثناء فتح باب التوبة، على ملاحقة ظاهرة المليشيات، وحصر أسماء عناصرها والمتعاونين معها، ومحاولة التواصل معهم عبر عائلاتهم لإجبارهم على العودة إلى حضن الوطن والتراجع عن مسار الخيانة.

وبين الحنجوري أن هذه الجهود أثمرت بالفعل عن عودة عدد من المتورطين وامتناعهم عن الاستمرار في التعاون مع الاحتلال.

وأكد أن هذا الدور العشائري لن يتوقف، وأنه لن يكون هناك بعد اليوم أي تستر أو غطاء عشائري أو عائلي على أي شخص يثبت تعاونه مع الاحتلال أو مع هذه المليشيات.

وشدد أبو أدهم على أن هناك توافقا بين العائلات الفلسطينية على نبذ جميع عناصر هذه المجموعات، وكذلك نبذ كل من يتعامل معهم بأي شكل من الأشكال، وعزلهم اجتماعيا بشكل كامل، لافتا إلى أن عائلات المتورطين كافة أعلنت براءتها الصريحة منهم ومن أفعالهم.

وأكد الحنجوري أن القبائل والعشائر الفلسطينية كانت موحدة في مواجهة هذه الظاهرة، وفي مقدمتها قبيلة الترابين التي قدمت آلاف الشهداء والمقاومين.

وشدد على أن انتماء بعض العناصر المنحرفة إلى القبيلة لا يمس بمكانتها أو تاريخها، بل على العكس، كانت في طليعة القبائل التي واجهت هؤلاء، وأسهمت في تحجيم خطرهم وتجنيب الشعب الفلسطيني تداعيات مشروعهم التخريبي.

وفي ختام حديثه، وجَّه أبو أدهم شكره للأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ويرى أنها أعادت تنظيم عملها رغم الاستهداف المباشر الذي تعرضت له خلال الحرب، وبدأت تدريجيا بفرض الأمن وإنهاء حالة الفلتان.

وأكد وقوف جميع العشائر والقوى والعائلات الفلسطينية إلى جانب هذه الأجهزة. مشيرا إلى أن أبناء القطاع باتوا يلمسون اليوم، بشكل متزايد، عودة الأمن والأمان بفضل هذه الجهود.