هل تستطيع المعارضة الإسرائيلية الموحدة إزاحة نتنياهو عن الحكم؟

"كتلة نتنياهو أصغر حجما من كتلة المعارضة، ومع ذلك، لا يزال حزب الليكود، بفارق كبير، الحزب الأكبر"
“انقسام المعارضة ينذر بتكرار إخفاقات الماضي؛ وتوحيد أحزابها هو السبيل الوحيد لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو”.. بهذا التحذير شدد الكاتب الإسرائيلي يعقوب كاتس، في مقال نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، على ضرورة توحد المعارضة الإسرائيلية لهزيمة نتنياهو.
ومنذ أسابيع تتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن تخطيط نتنياهو لتقديم موعد الانتخابات العامة إلى يونيو/ حزيران 2026، بدل 3 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته.

الأرقام الأكثر أهمية
وقال الكاتب: "في السياسة الإسرائيلية، يبرز رقمان بوصفهما الأكثر أهمية ليلة الانتخابات. وبما أن إسرائيل نظام برلماني، فإن الفوز بأكبر عدد من المقاعد لا يعني بالضرورة تحقيق الانتصار. ما يحدد النتيجة فعليا هو أي تكتل يستطيع تشكيل الحكومة، ومن يُكلَّف رسميا بتشكيلها".
هذا الفارق ليس نظريا، ففي عام 2009، فاز حزب "كاديما" بقيادة تسيبي ليفني، بمقعد واحد فقط أكثر من الليكود، لكن نتنياهو هو من حصل على تكليف تشكيل الحكومة، لأن كتلته كانت الأكبر.
وقد خضعت الرئاسة للواقع السياسي، لا للأرقام فحسب.
"وهناك رقم ثانٍ لا يقل أهمية: مَن هو الحزب الأكبر؟ فعندما يكون الفارق ضيقا، كما كان الحال في عام 2009، تحسم التكتلات النتيجة".
"أما عندما يكون الفارق واسعا، فإن المعادلة تتغير؛ إذ يخلق الفوز الكاسح لحزب واحد زخما سياسيا وقدرا من القصور الذاتي قد يتجاوز حسابات التكتلات، حتى لو لم يبلغ الطرف الفائز فوريا عتبة الـ 61 مقعدا".
فالصورة العامة تتحول إلى قوة؛ والإحساس ذاته بالانتصار يعيد تشكيل مفاوضات الائتلاف بعد الانتخابات، وترشيحات التكليف، وفي نهاية المطاف عملية تشكيل الحكومة الجديدة.
وهذا درس ينبغي على المعارضة استيعابه قبل الانتخابات المقبلة التي يجب إجراؤها بحلول أكتوبر/تشرين الأول بموجب القانون.
فإذا كانت المعارضة جادة في استبدال الحكومة الحالية، فإن أفضل سبيل أمامها هو الوحدة والاندماج في قائمة واحدة والترشح معا.
وتُظهر استطلاعات الرأي الحالية أن كتلة المعارضة -الحزب الجديد لرئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، وحزب يش عتيد بزعامة يائير لابيد، وحزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان، وحزب ياشار بزعامة غادي آيزنكوت، وحزب الديمقراطيين بزعامة يائير غولان- تتأرجح بين 56 و58 مقعدا.
أما كتلة نتنياهو فهي أصغر حجما؛ إذ تتراوح مقاعدها بين 52 و54 مقعدا. ومع ذلك، لا يزال حزب الليكود، بفارق كبير، الحزب الأكبر، حيث يتقدم في بعض استطلاعات الرأي بفارق يزيد عن 10 مقاعد على أقرب منافسيه.
وتساءل الكاتب: “هل من الممكن أن يمنح الرئيس إسحاق هرتسوغ تفويض تشكيل الحكومة لزعيم من المعارضة إذا ما توحدت جميع تلك الأحزاب خلف تزكية واحدة؟” قائلا: "نعم، هذا ممكن".
وتابع: "ومن الممكن أيضا أنه عندما يبرز حزب واحد كفائز واضح، متقدما بفارق كبير على باقي الأحزاب، فإن التفويض سيتجه إليه، حتى لو كانت أرقام الكتل متقاربة".
"فالرؤساء سياسيون، يقرأون الواقع السياسي، وهو واقع لا تصنعه الحسابات وحدها، بل تحسمه القدرة على إظهار الحسم والوضوح".
ولهذا السبب تحديدا، من المنطقي أن تتحد أحزاب المعارضة الوسطية، بينيت، ولابيد، وبيني غانتس، وليبرمان، وفق المقال.

ائتلاف ضروري
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا الاندماج قد يُنتج حزبا يقارب 50 مقعدا. وبالتعاون مع حزب الديمقراطيين بزعامة غولان، قد يكون هذا كافيا لتشكيل ائتلاف حكومي.
ويرى الكاتب أنه "حتى لو لم يبلغ حاجز الـ 61 مقعدا، فإن التقدم بنحو 20 مقعدا على الليكود سيترك مجالا ضئيلا للشك حول هوية الفائز في الانتخابات. وسيكون واضحا مَن يجب أن يكلف بتشكيل الحكومة، ومن ستكون له الغلبة في نهاية المطاف".
ومع الاقتراب من 50 مقعدا، سيحمل زعيم الحزب الموحد تفويضا شعبيا واضحا من الجمهور الإسرائيلي. وسيكون ذلك انتصارا حاسما لم تشهده إسرائيل منذ سنوات، بحسب المقال.
في مثل هذا السيناريو، لن تكون هناك مبررات منطقية لبقاء حزب الليكود في صفوف المعارضة. فنتنياهو، بسبب محاكمته الجنائية، لن يكون قادرا على تولي أي منصب وزاري.
والسؤال هنا، بحسب الكاتب: ما المبرر الذي قد يقدمه الليكود لرفض الانضمام إلى حكومة تحظى بتأييد واسع، ويشكلها الفائز الواضح في الانتخابات؟ في هذه الحالة، سيكون صوت الجمهور قد عبّر عن نفسه بوضوح لا لبس فيه.
وأضاف أن "هناك فوائد إضافية للوحدة تتجاوز الحسابات الانتخابية. فبعد 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) وسنتين من الحرب (الإبادة في غزة)، تعاني البلاد إنهاكا عميقا".
"الإسرائيليون يريدون، بل يحتاجون إلى الوحدة. السياسيون يحبون تقديم أنفسهم بوصفهم قادة، لكن القيادة لا تعني فقط الوقوف على رأس حزب. إنها تعني إظهار طريق للمجتمع نحو المستقبل، وتجسيد السلوك الذي يحتاجه البلد ليتعافى". بحسب المقال.

معضلة القيادة
وأوضح الكاتب أنه "كلما سئل أعضاء الأحزاب عن سبب عدم توحد قياداتهم، يأتي الجواب نفسه دائما: مَن سيكون في الصدارة؟"
لكنه اعترض قائلا: "بعد كل ما مرّت به إسرائيل، لم يعد هذا مبررا مشروعا. ليس الآن. فلقد حان الوقت لأن يضع بينيت ولابيد وليبرمان وغانتس وآيزنكوت خلافاتهم الشخصية جانبا، وأن يفعلوا ما تفرضه لحظة تاريخية كهذه".
وقال: "لابيد يعرف كيف يفعل ذلك. فهو السياسي الإسرائيلي البارز الوحيد الذي تنحى مرتين بدافع الضرورة السياسية. ففي عام 2019، منح غانتس الصدارة في قائمة "أزرق أبيض".
"وفي عام 2021، سمح لـ "بينيت" بتولي رئاسة الوزراء رغم أن حزبه "يش عتيد" كان يمتلك أكثر من ضعف عدد مقاعده. وقد كان ذلك حدثا نادرا في السياسة، وفهما بأن القيادة أحيانا تعني التنازل".
ويقر الكاتب أن "اختيار من ينبغي أن يقود حزب المعارضة الموحد لن يكون سهلا. لكن هناك حل واضح وهو عقد انتخابات تمهيدية، وإعلان سباق قيادة مفتوح، ومنح المرشحين شهرين أو ثلاثة للحملة، ثم ترك الجمهور يقرر".
وتابع: "نعم، ستكون هناك حاجة لضمانات. يجب على الناخبين الانضمام إلى الحزب وتسجيل أنفسهم، ودفع رسوم العضوية، ويجب أن يتم التصويت حضوريا. كل هذا الفحص مهم لمنع محاولات التخريب من المعسكرات المنافسة. هذه تحديات تقنية، وليست مفاهيمية، ويمكن التغلب عليها".
وأردف: "إلى جانب تعزيز فرصها في تغيير الحكومة، إذا اختارت المعارضة الوحدة، فستثبت أن السياسة الإسرائيلية لا تزال قادرة على تحمل المسؤولية. وستُظهر أن القيادة تعني أكثر من مجرد البقاء، وأكثر من مجرد الصورة الذهنية، وأكثر من الطموح الشخصي".
وختم الكاتب بالقول: "لا يمكن للوحدة أن تبقى مجرد شعار يُفرض على الجمهور بينما يتمسك القادة بمواقعهم الضيقة، بل يجب أن تبدأ الوحدة من القمة".













