طرق الموت بدل الطائرات.. كيف يواجه السوريون العالقون في السودان رحلة العودة؟

"الكثير من أبناء الجالية السورية يعانون من أوضاع مادية صعبة جدا بالسودان"
بعد تحرير سوريا وسقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، يجد السوريون العالقون في السودان أنفسهم أمام فرصة حقيقية للعودة إلى وطنهم، بعد سنوات طويلة من المعاناة التي فرضتها ظروف الحرب وعدم الاستقرار.
ومع تصاعد وتيرة المعارك في السودان، تتفاقم معاناة الجالية السورية هناك، في ظل فقدان مصادر الرزق وتراجع فرص العمل، فضلا عن العقبات القانونية المرتبطة بالإقامة، ونقص الخدمات الأساسية، وتزايد المخاطر الأمنية، وسط موجات نزوح متجددة تزيد من تعقيد أوضاعهم الإنسانية.

السوريون في السودان
في خطوة استثنائية، دعت وزارة الخارجية السورية، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2025، المواطنين السوريين المقيمين حاليا في السودان والراغبين بالعودة إلى سوريا إلى تسجيل بياناتهم عبر رابط إلكتروني مخصص.
وقالت الوزارة، في بيان نشرته عبر معرفاتها الرسمية: إن هذه الخطوة تأتي في إطار التحضير لدراسة إمكانية تنظيم عملية إجلاء استثنائية. وفق الإمكانات المتاحة وبما يراعي الظروف الراهنة.
وأكدت أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان سلامة المواطنين السوريين الموجودين في مناطق النزاع، وبما يتوافق مع الأطر التنظيمية المعمول بها. كما أرفقت الوزارة في بيانها كودًا خاصًا للتسجيل، وخصصت رقمًا للاستفسارات هو:
+963987759761
ولا يزال اللاجئون السوريون في السودان يواجهون موجات نزوح متجددة، في ظل نقص حاد في الخدمات الأساسية، وتعرضهم لمخاطر متعددة، مع محدودية سبل الحماية والدعم.
وفي هذا السياق، أصدر السودان، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2025، قرارا يقضي بإعفاء السوريين المقيمين في أراضيه من مخالفات الإقامة.
وبموجب القرار الوزاري الصادر عام 2025، يُعفى السوريون الذين دخلوا أو أقاموا في السودان قبل 15 أبريل/نيسان 2023 من الغرامات والمخالفات المتعلقة بتأخير تجديد الإقامة، على أن يسري هذا الإعفاء لمدة 50 يومًا بدءا من تاريخ صدور القرار في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
وشكّل هذا القرار بارقة أمل للسماح للسوريين بمغادرة السودان، بعدما كانت الحكومة السودانية تفرض غرامات مالية كبيرة، ولا تسمح لهم بالمغادرة إلا بعد تسديدها، وهي غرامات تراكمت على بعضهم لسنوات.
غير أن تحرير سوريا وسقوط نظام بشار الأسد دفع كثيرين من السوريين في السودان إلى البحث الجاد عن سبل العودة إلى وطنهم، إلا أن مسألة الغرامات كانت تشكل العائق الأكبر أمام تحقيق ذلك.
وتعود جذور معاناة السوريين في السودان إلى اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني ومليشيا قوات الدعم السريع، وهو ما أجبر كثيرًا منهم على النزوح وفقدان مصادر رزقهم.
وفي تلك الفترة، لم يتدخل نظام بشار الأسد المخلوع لتنفيذ أي عمليات إجلاء للسوريين الراغبين بالعودة إلى بلادهم، بل تُركوا يواجهون مصيرهم وسط ظروف إنسانية وأمنية بالغة الصعوبة.
وعقب تحرير سوريا، توالت مناشدات السوريين العالقين في السودان إلى الحكومة السورية الجديدة، مطالبين بالنظر في أوضاعهم ومساعدتهم على العودة إلى وطنهم.
إحصاءات رسمية
لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة منشورة حديثًا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أو الأمم المتحدة تحدد عدد السوريين المقيمين في السودان بشكل منفصل، لكن وفقًا لأحدث بيانات رسمية متاحة عن اللاجئين في السودان يستضيف السودان نحو 838 ألف لاجئ وطالب لجوء (بحلول نهاية 2024)، بأعداد في انخفاض عن السنوات السابقة، وهم من جنسيات متعددة تشمل السودان الجنوبي وإريتريا وإثيوبيا وسوريا وغيرها، لكن الأرقام الرسمية لا تُفصل عدد السوريين بدقة ضمن هذه الإحصائية العامة.
ووفق بيانات سابقة وتقديرات من مفوضية الأمم المتحدة إلى جانب تسجيلات دخول لاجئين من سوريا، كان من الممكن تسجيل حوالي 90 إلى 100 ألف سوري في السودان في بعض السنوات السابقة، بحسب بيانات المفوضية ومصادر الأمم المتحدة، لكن هذا الرقم يتغير بسبب النزاعات والتحركات المستمرة للسكان.
ويتوزع السوريون في السودان على نحو أربع ولايات رئيسة، هي بورتسودان، الخرطوم، ولاية الجزيرة، ومنطقة القضارف، إضافة إلى أعداد محدودة في ولايات أخرى.
وتمكن بعضهم من الوصول إلى مدينة بورتسودان الساحلية المطلة على البحر الأحمر، والتي كانت في وقت سابق مركزًا تجاريًا مزدهرًا، قبل أن تتحول إلى ملاذ مؤقت للاجئين يحاولون الفرار من الحرب بيأس.
وكان السودان من أوائل الدول التي فتحت أبوابها للسوريين عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث منحهم تسهيلات واسعة في مجالات الإقامة والدراسة والعمل، بل وكانت الدولة العربية الوحيدة التي منحت جنسيتها لعدد من السوريين.
ويُقدّر عدد المسجلين من أبناء الجالية السورية العالقين في بورتسودان بنحو 500 شخص تقريبًا، في حين تعجز أعداد أخرى عن الوصول إلى المدينة بسبب الصعوبات المادية.
ويعكس هذا المشهد حجم التعقيدات التي واجهها اللاجئون السوريون على مدار سنوات، بين قيود الإقامة في السودان، وغياب تدخل النظام السوري السابق، وفرصة جديدة تلوح أمامهم اليوم في أعقاب التغيير السياسي الأخير في سوريا.

واقع وصعوبات
عانى مئات السوريين المقيمين في السودان خلال السنوات الماضية من صعوبات بالغة في دفع غرامات الإقامة، التي وصلت في بعض الحالات إلى نحو أربعة آلاف دولار أميركي، نتيجة التأخر في تجديد إقاماتهم على خلفية الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023.
كما أدت الحرب في السودان إلى شلل شبه كامل في عمل الدوائر الرسمية وتوقف معظم المعاملات الحكومية، ما جعل متابعة إجراءات الإقامة وتجديد الوثائق أمرًا بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلًا، بالنسبة للسوريين.
وتعود مشكلة الغرامات والضرائب إلى ما قبل الحرب الأخيرة؛ إذ كانت السلطات السودانية تفرض ضرائب سنوية على إقامات العمل تختلف قيمتها باختلاف المهنة والوضع الوظيفي، ما رَاكَم أعباءً مالية كبيرة على السوريين على مدى سنوات.
وفي ظل هذه التعقيدات، جاءت دعوة وزارة الخارجية السورية للمواطنين الراغبين بالعودة إلى وطنهم لتسجيل بياناتهم إلكترونيًا، تمهيدًا لدراسة تنظيم عمليات إجلاء استثنائية وفق الإمكانات المتاحة، في وقت لا تزال فيه معاناة السوريين مستمرة جراء نقص الخدمات الأساسية وتعدد المخاطر في بيئة غير آمنة.
ويُنظر إلى قرار وزارة الخارجية السورية بصفته فرصة حقيقية لمعالجة الأوضاع القانونية المتعثرة للسوريين في السودان منذ سنوات.
وفي هذا السياق، قال محمود العيسى، من أبناء الجالية السورية في السودان، لـ"الاستقلال": إن "معظم أفراد الجالية السورية قاموا بالتسجيل عبر الرابط الذي نشرته وزارة الخارجية السورية، في إطار استكمال شروط الإجلاء من السودان إلى سوريا. وفق خطة وضعتها الحكومة السورية".
وأضاف العيسى، من مدينة بورتسودان، أن "تعثر سفر السوريين إلى بلدهم بعد سقوط نظام بشار الأسد من السودان واجه تعقيدات قانونية، إضافة إلى عوائق مرتبطة بالحرب الدائرة في هذا البلد".
وتابع: "صحيح أن قيام السلطات السودانية بإلغاء الغرامات المفروضة على السوريين جعلنا نتنفس الصعداء، لكن لا تزال هناك مشكلة كبيرة تتعلق بانتهاء صلاحية الوثائق التي منحها الوفد السوري الذي زار السودان سابقًا؛ إذ كانت مدة صلاحيتها 45 يومًا فقط".
وأوضح العيسى أن "تأخر صدور قرار الإعفاء من الغرامات أدى إلى انتهاء صلاحية تلك الوثائق، ما يعني أن أيًا من أبناء الجالية السورية لا يستطيع اليوم السفر عبر الترانزيت إلى سوريا".
واستدرك قائلا: "من الضروري وجود ممثل عن الحكومة السورية هنا لإجراء تسويات قانونية وتجديد الوثائق، خاصة أن فترة الإعفاء المحددة بـ50 يومًا قد تنتهي قبل أن يتمكن بعض السوريين من تجديد جوازاتهم".
ولفت العيسى إلى أن "عددا كبيرا من أبناء الجالية السورية يعانون أوضاعًا مادية بالغة الصعوبة، نتيجة الحرب الدائرة في السودان، وحالات النزوح المتكررة، وانقطاع مصادر الدخل، وارتفاع الأسعار، فضلًا عن تعقيدات التحويلات المالية".
وأشار إلى أن "هناك عائلات سورية تعيش في خيام تحت حرارة الشمس الحارقة، أو داخل المدارس، وتعاني من نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية، فيما يعاني بعض أفرادها من أمراض مزمنة انقطع علاجها بسبب الحرب، ولا يملكون القدرة على تأمين الدواء أو دفع تكاليف السكن المرتفعة، فضلا عن غلاء المعيشة".

مخاوف شديدة
في ظل هذه الظروف القاسية، يضطر بعض أفراد الجالية السورية في السودان إلى البحث عن حلول فردية لمغادرة البلاد، عبر سلوك طرق غير رسمية تنطوي على مخاطر جسيمة.
ويلجأ بعض الشباب إلى محاولة العودة من السودان إلى سوريا مرورًا بمصر، في رحلة محفوفة بالمخاطر قد تصل إلى حد الموت؛ إذ يتم قطع مسافات طويلة عبر الصحراء في ظروف قاسية تتخللها حالات جوع وعطش، فضلًا عن مطاردات محتملة من قبل الجيش المصري.
كما يُجبر هؤلاء على دفع مبالغ مالية مرتفعة للمهربين الذين يستغلون حاجتهم الماسة لمغادرة السودان؛ حيث تشير المعلومات إلى أن الشخص الواحد يدفع نحو 500 دولار أميركي مقابل نقله إلى مصر عبر سيارات التهريب.
وتفيد المعطيات بأن المسافرين يتوجهون لاحقًا من مصر إلى الأردن دون عوائق تُذكر من السلطات المصرية، على أساس أن وجهتهم النهائية هي سوريا.
وفي هذا السياق، شدد محمود العيسى على ضرورة تعيين ممثل رسمي للجالية السورية في السودان، بما يسهم في حصر أعداد الراغبين بالعودة إلى بلادهم، ووضع آلية واضحة ومنظمة لإجلاء السوريين.
وقال العيسى: "لا سيما أن عددًا من السوريين تقطعت بهم السبل، ولا يملكون تكاليف السفر أو الوصول إلى مدينة بورتسودان من ولايات أخرى، خصوصًا العائلات، حيث تصل كلفة الوصول إلى بورتسودان للشخص الواحد إلى نحو 200 دولار أميركي".
وأشار إلى أن "السوريين العالقين في السودان يأملون حاليًا أن تتولى الدولة السورية الجديدة تأمين عودتهم إلى بلادهم، بعد إعفائهم من الغرامات المتراكمة عليهم نتيجة عدم تجديد إقاماتهم بسبب الحرب".
وختم العيسى بالتحذير من أن "انقضاء المهلة التي حددتها السلطات السودانية دون التوصل إلى حلول عملية قد يعيد السوريين مجددًا إلى دوامة المشكلات القانونية والإدارية".
المصادر
- الخارجية تدعو السوريين الراغبين بالعودة من السودان لتسجيل بياناتهم
- سوريون بالسودان يخوضون “رحلة الموت” للعودة إلى بلدهم
- آلاف السوريين مشردون في "بورتسودان" وتذاكر الإجلاء بمئات الدولارات
- بشروط .. مصر توافق على دخول السوريين من السودان
- Eastern and Southern Africa Sudan
- Mixed migration consequences of Sudan’s conflict















