شباب أميركا الإنجيليون يعلنون الحرب على إسرائيل.. ما السر؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يوجد في أميركا حوالي 100 مليون مسيحي من الطائفة الإنجيلية، منهم حوالي 20 مليونا على الأقل، يدعمون الكيان الإسرائيلي، لأسباب عقائدية. بحسب وسائل إعلام عبرية.

بيد أن مؤشرات حقيقية رصدتها صحف أميركية، كشفت أن دعم جزء هام من الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل بدأ يتراجع أو يتصدع بشكل ملحوظ، خاصة بعد حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة الفلسطيني.

وأظهرت استطلاعات رأي حديثة، أن دعم الإنجيليين الصهاينة لإسرائيل، خاصة بين جيل الشباب، تراجع، والسبب الرئيس هو تأثير منصات التواصل وظهور روايات مغايرة لروايات إسرائيل، وتيار داخل الحركة الإنجيلية يدعم فلسطين.

وبسبب هذا التراجع استضافت الخارجية الإسرائيلية 1000 قس ومؤثر إنجيلي، لاستغلالهم في مواجهة هذا التراجع في الدعم الإنجيلي لإسرائيل؟ بقيادة القس مايك إيفانز المستشار الديني للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ولا يعني هذا انتهاء دعم الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل، لكن هناك تراجعًا نسبيًا واضحًا بين الأجيال الجديدة، يواكبه تغيير في مشهد الدعم الأميركي لإسرائيل بشكل عام منذ إبادة غزة.

مؤشرات التراجع

كان اعتراف ترامب، ثلاث مرات، بتآكل دعم الأميركيين لإسرائيل هو أبرز مؤشر، أقلق الإسرائيليين قبل غيرهم، لأن قاعدة الدعم الإنجيلية الأميركية لإسرائيل عمرها أكثر من 50 عاما.

فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، أنشأ المسيحيون الصهاينة، وهو المصطلح الذي يطلق على هؤلاء المؤيدين المسيحيين الإنجيليين، حركة عالمية متعددة الأوجه وواسعة النطاق.

ويُنسب إليها الفضل في تشكيل المناقشات السياسية في العديد من البلدان وأصبحت ذات أهمية متزايدة للسياسة الخارجية الإسرائيلية، بحسب ما ذكرته مجلة “نيولاين” في 27 يوليو/ تموز 2023.

ففي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2025، حفلة استقبال بمناسبة عيد حانوكا اليهودي في البيت الأبيض، قال: إن "تأثير إسرائيل على المجتمع الأميركي في تراجع مستمر".

و"النفوذ السياسي المؤيد لإسرائيل في واشنطن، كان قبل أكثر من عقد، هو الأقوى بين جماعات الضغط، ولكنه لم يعد كذلك في الوقت الراهن".

وفي مقابلة مع موقع "دايلي كولر" الأميركي، مطلع سبتمبر/أيلول 2025، قال: إن تل أبيب "فقدت نفوذها وقدرتها السابقة على الضغط على الدوائر السياسية في واشنطن بسبب استمرار القتال في القطاع المحاصر".

وذكر أن “إسرائيل كانت تملك أقوى جماعة ضغط رآها قبل 15 عاما وكانت لديها سيطرة تامة على الكونغرس والآن فقدت ذلك”. وفق تعبيره.

وفي 31 يوليو/تموز 2025، حذر ترامب في تسريب إعلامي، نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، خلال لقاء خاص مع أحد المتبرعين اليهود لحملته الانتخابية، حذر من "تآكل الدعم الشعبي التقليدي للحليف الإقليمي (إسرائيل).

لأن ما تفعله في غزة "مفجع وعار وكارثي"، وقال: "أنصاري بدأوا يُغيرون نظرتهم".

وأكثر ما يقلق تل أبيب هو أن الدعم الإنجيلي الأميركي الذي بدأ يتقلص، انتقل لتيار "ماغا" الديني، وهي حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، أبرز داعمي الاحتلال بين المحافظين الأميركيين.

من جانبها، أكدت مجلة "بوليتيكو"، في 29 يوليو 2025، أن حركة "ماغا" انقلبت على إسرائيل، وبدأت تدير ظهرها لها، وترامب قد يخسر قاعدته الانتخابية "ماغا" بسبب جرائم الاحتلال في القطاع.

ويمثل المؤثر الأميركي الإنجيلي الشهير تاكر كارلسون النموذج الصارخ لهذا التحول ضد إسرائيل، من مدافع عن الصهيونية إلى محارب لها، بعدما أيقظت إبادة غزة ضميره.

حيث ينتقد في برنامجه قتل عشرات الآلاف من الأطفال في غزة ثم اختلاق الإنجيليين في إدارة ترامب المبررات لذلك لحماية إسرائيل.

ويؤكد أن هذا "ليس موجودا في الكتاب المقدس بل هو نقيضه تماما"، ويهاجم القساوسة المسيحيين الصهاينة ويتهمهم باستخدام الدين لغسل أدمغة أتباعهم وإقناعهم بأن قتل الأطفال تحت غطاء الحرب أمر مقبول.

وهناك 4 أسباب تزيد غضب تيار "ماغا" تجاه ترامب وتجعل أفرادا من التيار خاصة الشباب يعزفون عن دعمه خاصة مسألة جرائم الاحتلال في غزة.

وبدأت أصوات في القاعدة الجماهيرية لترامب، من "تيار ماغا" الإنجيلي الديني، تُصعد من نقدها له ولإسرائيل، وسط ترجيحات إعلامية.

وبحسب رصد "الاستقلال"، انتقد تيار "ماغا" ترامب لـ 4 أسباب: 

أولها: دعم ترامب لإسرائيل رغم أن ما تفعله يتعارض مع مبادئ المسيحية الإنجيلية التي يعتنقونها، ومن ثم تشويه الإنجيليين بوصفهم مؤيدين للإبادة.

والثاني: توريط ترامب بلاده في حروب غزة وإيران، بما يخالف برنامجه الانتخابي الخاص بعدم الدخول في أي صراعات خارجية، والتركيز على البناء الداخلي ضمن خطة "جعل أميركا عظيمة مجددا".

الثالث: غضب "تيار ماغا"، من تزايد اعتداء المستوطنين الصهاينة على المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعرقلة أو منع حكومة تل أبيب دخول قساوسة غربيين لإسرائيل، والتضييق عليهم وعلى أنشطة الجمعيات المسيحية الغربية، رغم أنها تدعم الاحتلال بالمال والمساندة.

الرابع: غضب "ماغا" من رفض ترامب نشر وثائق حول تورطه في فضيحة تاجر جنس القاصرات جيفري إبستين، وعلاقته به، ما ينفي عنه أخلاقياته المسيحية التي يدعمه تياره بسببها.

سر الانقلاب

تحدثت دراسة في موقع "أوراسيا ريفيو"، في 7 ديسمبر 2025 عن انحدار الدعم للكيان بين الفئات الشابة من الإنجيليين (18–29 سنة)، مقارنة بعقود سابقة، وأن شريحة كبيرة منهم إما بدأت تأخذ موقفا محايدا أو حتى مؤيدا للفلسطينيين.

أكدت أن "دعم إسرائيل بين الإنجيليين الأميركيين يشهد حاليًا انخفاضًا حادًا، وإذا تم تجاهل هذا الاتجاه التنازلي، فقد يؤدي ذلك إلى حركة إنجيلية أميركية، في غضون عقد أو عقدين، تعارض إسرائيل إلى حد كبير".

وأشارت الدراسة، التي أجراها "معهد معاداة السامية العالمية والسياسات" (ISGAP)، بجامعة كامبريدج البريطانية، ورئيس منظمة "فريق مناصري إسرائيل الدولي"، وهي منظمة غير ربحية تُدافع عن الوجود اليهودي، لثلاثة أسباب وراء "انقلاب" الشباب الإنجيليين الأميركيين على إسرائيل.

أولها: "التفكيكية"، حيث يُعيد العديد من الشباب الإنجيليين حاليًا تقييم إيمانهم ومعتقداتهم من خلال عملية أُطلق عليها اسم "التفكيكية"، تجعلهم يتبنون شكلا أكثر "تقدمية" من مسيحية الكنيسة التقليدية.

أي ترجعهم عن الإيمان بتركيز مذهبهم الإنجيلي على أهمية أرض إسرائيل واعتقادهم بأن اليهود هم شعب الله المختار، الذي باتوا يرفضونه، بحسب "معهد معاداة السامية العالمية والسياسات".

وثانيها: نمو "أيديولوجية الصحوة" بين الإنجيليين الشباب، فمع تزايد تفكيك الشباب الإنجيليين لإيمانهم، ينجذبون إلى قضايا العدالة الاجتماعية وإلى لاهوت يركز على تحرير الشعوب التي يُنظر إليها على أنها مضطهدة (ومنها الفلسطينيين).

وفي هذا الإطار، يتم تصوير إسرائيل على أنها الجاني، والفلسطينيين على أنهم الضحايا، وإسرائيل نفسها على أنها "دولة استعمارية عنصرية تمارس الفصل العنصري".

ويقول ديفيد بيرنشتاين، الباحث في معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات (ISGAP): إن أيديولوجية "الصحوة" التقدمية التي يعتنقها هؤلاء الشباب الإنجيليون الأميركيون بأنها "تُلحق الضرر باليهود"، و"تُؤجج معاداة إسرائيل ومعاداة السامية".

أما السبب "الثالث"، لانقلاب الشباب الإنجيلي الأميركي على إسرائيل، فهو، "الأمية الدينية"، أي تراجع دراسة الكتاب المقدس ومعرفته بين الشباب الإنجيليين، وفق الدراسة.

وقد رصدت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، دراسة استقصائية أجرتها "جمعية الكتاب المقدس" الأميركية، أبريل 2024، أظهرت انخفاضا حادا في معرفة الكتاب المقدس بين جيل "زد" الأميركي، سواء كانوا متدينين أم لا.

وبحسب الدراسة: يسهم عدم معرفة الشباب الإنجيليين بالعهد القديم وتعاليم الكتاب المقدس اللازمة لدعم إسرائيل، في تراجع الدعم لدولة الاحتلال".

دعاية إسرائيلية ضد القساوسة

وبسبب هذا الانقلاب، قامت إسرائيل بحملة دعائية بملايين الدولارات تستهدف المسيحيين في الولايات التي يتركز فيها الإنجيليون، ويتراجع دعمهم لها، مثل ولاية أريزونا.

وتستهدف الحملات الموسعة لاستهداف الإنجيليين والمسيحيين الأميركيين محاولة تعزيز التأييد التقليدي الذي بدأ يتراجع، مثل حملة في أريزونا تستهدف 38 كنيسة بهدف "تشجيع المسيحيين على نظرة أكثر إيجابية تجاه إسرائيل".

وذلك وفق موقع "news. azpm"، في 8 أكتوبر 2025، الذي أكد أن هذا يُعد دليلًا غير مباشر على أن هناك قلقًا إسرائيليًا من تراجع التأييد حتى بين الإنجيليين، ما دفع إلى مبادرات دعائية تخصص موارد كبيرة لاستعادة الدعم.

وكان موقع "فوكس 10"، كشف في 24 أكتوبر 2025 انطلاق "أكبر حملة لتحديد المواقع الجغرافية للكنائس المسيحية في تاريخ الولايات المتحدة".

تقوم بها شركة تم إنشاؤها حديثًا، وضعت إستراتيجية لحملة تسويق وتوعية رقمية ضخمة نيابة عن الحكومة الإسرائيلية.

وهذه الحملة تستهدف الكنائس المسيحية والحرم الجامعية في أربع ولايات، بما في ذلك أريزونا التي تكلفت حملتها 3.2 مليون دولار.

وقد سلطت الصحف الأميركية الأنظار على استضافة الخارجية الإسرائيلية ما بين 3 و7 ديسمبر، أكثر من 1000 قس إنجيلي أميركي، ضمن حملات الدعاية لإسرائيل، والاستقواء بقاعدة ترامب المسيحية الإنجيلية "ماغا" بعد حرب غز.

ووصفت مجلة "ذا أميركان كونسيرفاتيف"، في 14 ديسمبر، ومجلة "رسيسبونسيبل ستاتكرافت"، في 15 ديسمبر، جولة القساوسة، بكل محطاتها الدينية والسياسية، بأنها كانت محاولة منسقة لاستغلال الصهاينة لقاعدة ترامب الدينية (الإنجيليين) في الضغط عليه كي يلبي مطالب إسرائيل.

كانت أشبه بمحاولة لإيصال رسالة مباشرة إلى الإدارة الأميركية بأن أي ضغط على إسرائيل سيكون ثمنه سياسيًا داخل قاعدة ترامب الإنجيلية، ولدمج الخطاب الإنجيلي الأميركي بالمشروع الاستيطاني في الضفة، وتشجيع إدارته على الاعتراف بضمها.

ولخص مؤسس "متحف أصدقاء صهيون"، مايك إيفانز، ومساعد ترامب الديني، الهدف من استقدام الدعم الإنجيلي لإسرائيل بقوله: إن "إسرائيل لا يمكنها تحقيق الانتصار من دون دعم الإنجيليين".

ويعتقد الإنجيليون أن الله وعد الأرض المقدسة، لليهود، وأن عودتهم إليها (فلسطين) من جميع أنحاء الأرض وتجمعهم هناك سيُعجل بحرب نهاية العالم (هرمجدون) وبالمجيء الثاني للمسيح.

لذا فهم يدعمون الاحتلال كشأن ديني، ويشجعون احتلالهم لـ "الأرض الموعودة"، ويؤمنون بالتوراة والإنجيل معا.

ويقول المحلل الإسرائيلي "جودي ملتس" في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 11 ديسمبر 2025: إن تجميع هؤلاء الـ 1000 قس إنجيلي أميركي غرضه استغلاله في تمرير رسائل للرئيس ترامب بأن أنصاره المسيحيين يدعمون إسرائيل وعليه أن يستجيب لما يريدون.

وللضغط على ترامب ونائبه وقف قساوسة وأعلنوا خلال استضافتهم في إسرائيل أن حركة "ماغا" مبنية على هذا الكتاب (رفعوا التوراة والإنجيل)، وعلى إله هذا الكتاب، إله إسرائيل".

الجدل ينتقل إلى مصر

وبسبب حديث القس مايك إيفانز أحد مستشاري ترامب عن تدريب 100 ألف مسيحي إنجيلي ليكونوا سفراء لإسرائيل في بلادهم، وعن زيارة ألف قس إنجيلي لإسرائيل ضمن مبادرة لتدريبهم كسفراء غير رسميين، لتعزيز الدعم للكيان وشرعنة احتلاله الإجرامي باسم الدين، أثار مسيحيون ضجة في مصر.

وعرضت الإعلامية هند الضاوي في قناة “القاهرة والناس”، في 17 ديسمبر 2025، جهود المسيحية الصهيونية في دعم إسرائيل، وطالبت الكنائس الشرقية بالرد على الإنجيليين الأميركيين.

لكن حملة انتقادات ثارت ضدها بسبب حديثها عن تأسيس "أكاديمية رقمية لتدريب الإنجيليين لدعم إسرائيل، ومطالبتها الكنائس الشرقية بالرد.

وأصدرت الطائفة الإنجيلية بمصر بيانا يوم 20 ديسمبر 2025، تؤكد رفضها القاطع لأي ربط بينها وبين ما يسمى بالمسيحية الصهيونية.

وكتبت صحيفة "وطني" المُعبرة عن الكنيسة الأرثوذوكسية، أكبر الكنائس المصرية، في 21 ديسمبر 2025، تنتقد تحميل حسابات على مواقع التواصل المسيحيين في مصر مسؤولية ما تفعله إسرائيل، مؤكدة أن أقباط مصر يدفعون "ثمن صراع لا يخصهم".

وسبق لرئاسة الطائفة الإنجيلية في مصر رفض الربط بينها وبين المسيحية الصهيونية في أميركا، وأدانت في بيانات مختلفة العدوان الإسرائيلي على غزة ورفضت خطة توطين الفلسطينيين في سيناء، والاعتداء على مستشفيات وكنائس في القطاع.

بالمقابل، تجمع الكنائس والمؤسسات الإنجيلية الغربية التبرعات لجيش الاحتلال، وتدعم وتسهل انتقال اليهود إلى إسرائيل، لذا وصفهم نتنياهو بأنهم "أعظم أصدقاء للدولة العبرية".

وبسبب هذا الدعم وحرب الإبادة في غزة، وبعدما كان تيار المسيحية الإنجيلية واحدا من أكثر الكتل التصويتية تماسكا في الولايات المتحدة، بدأت تظهر تصدعات في هذا التحالف مع تزايد خيبة أمل أعضائه في الاحتلال.

وذكر موقع "جاكوبين"، الذي يمثل التيار اليساري التقدمي في أميركا، في 24 نوفمبر 2025، أن الأمر انتقل الآن إلى "نهاية الزمان للصهيونية المسيحية".

ووفقا لأخر استطلاع رأي، أجراه معهد التفاهم في الشرق الأوسط (IMEU) وشركة YouGov، فيما يتعلق بتغير نظرة الأميركيين إلى إسرائيل وداخل الحزب الجمهوري، تبين تحول الجمهوريين الشباب ضد إسرائيل.

وقال 51 بالمئة من الجمهوريين الشباب إنهم يفضلون دعم المرشحين الذين سيخفضون حجم المساعدات التي تقدمها أميركا لإسرائيل، وأكد 53 بالمئة منهم أنهم يعارضون تجديد الالتزام الأميركي السنوي بتقديم مساعدات لإسرائيل.

وتقدم واشنطن لإسرائيل نحو 3.3 – 3.8 مليارات دولار سنويًا كمساعدات عسكرية مباشرة، وقدم ترامب أكثر من 18.5 مليار دولار كتمويل لتسليم الأسلحة إلى إسرائيل في 2025.