تلويح مصر بالخطوط الحمراء والتدخل العسكري في السودان.. موجه لمن؟

الأمن القومي المصري يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي السوداني
وضعت مصر خطًا أحمر جديدًا لأمنها القومي، مؤكدة في 18 ديسمبر/كانون الأول 2025 أن أي مساس بوحدة الأراضي السودانية أو بمؤسسات الدولة الشرعية، أو أي محاولة للتأثير على سيادة السودان، يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
وجاءت هذه التحذيرات بالتزامن مع زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، حيث ورد في بيان صادر عن الرئاسة المصرية أن “هناك خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها”، وهو ما عده مراقبون تلويحًا واضحًا بإمكانية التدخل العسكري الرسمي.
ولفت مراقبون إلى أن صياغة البيان هذه المرة بدت مختلفة وأكثر حدة، وكأنها رسالة موجهة إلى أطراف داخلية وخارجية فاعلة في المشهد السوداني، مفادها أن القاهرة قد تنتقل من مرحلة الدعم غير المعلن للجيش السوداني في مواجهته مع مليشيا “الدعم السريع” إلى تدخل عسكري رسمي ومباشر إذا اقتضت الضرورة.
وشدد البيان على أن “الأمن القومي المصري يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي السوداني”، وأن من حق مصر “اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة وفق القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك مع السودان، لضمان احترام هذه الخطوط الحمراء”.
وأثار هذا الموقف تساؤلات حول الجهة المقصودة بالتحذير المصري، حيث استبعد محللون أن يكون المقصود هو مليشيا “الدعم السريع” نفسها، مرجحين أن الرسالة موجهة إلى دولة الإمارات، التي يتهمها هؤلاء بدعم تلك المليشيا بالسلاح والمرتزقة.
كما طُرحت تساؤلات أخرى بشأن قدرة القاهرة على ردع أبوظبي في الساحة السودانية، وما هي أوراق الضغط التي تمتلكها مصر في مواجهتها، لا سيما في ظل العلاقة الوثيقة التي جمعت الإمارات بالنظام المصري منذ انقلاب عام 2013.

تحليل البيان
تنبع أهمية بيان الرئاسة المصرية من مسألتين أساسيتين؛ الأولى تحديد “خطوط حمراء” واضحة في مواجهة أي أطراف تعبث بأمن السودان، الذي تعده القاهرة امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي.
أما الثانية، فهي التلويح الصريح بإمكانية التدخل العسكري المباشر استنادًا إلى “اتفاقية الدفاع المشترك”، وإن لم يسمِّ البيان الجهات المستهدفة، مكتفيًا بالإشارة إلى أطراف تتحرك في ما تصفه مصر بـ“حديقتها الخلفية” وتهدد أمن البلدين معًا.
وجاء هذا التلويح المصري باتفاق الدفاع المشترك وبالخطوط الحمراء في توقيت بالغ الحساسية، عقب انهيار خطوط دفاع الجيش السوداني داخل إقليم كردفان، وسيطرة مليشيا “الدعم السريع” على مزيد من المدن والمواقع الإستراتيجية، مثل بابنوسة وهجليج، في تطور ميداني وُصف بأنه بالغ الخطورة.
تاريخيًا، وقّع السودان ومصر في يوليو/تموز 1976 اتفاقية “دفاع مشترك”، لم تُفعّل عمليًا في أي مرحلة، قبل أن تتبعها اتفاقيات عسكرية متعددة بين البلدين، كان آخرها اتفاق مارس/آذار 2021، الذي ركّز على “حماية الأمن القومي للجانبين”.
وقد وقّع اتفاق الدفاع المشترك الرئيسان الراحلان أنور السادات وجعفر النميري، فيما وُقّعت اتفاقيات التعاون العسكري اللاحقة على مستوى رئيسي أركان الجيشين، وشملت مجالات التدريبات المشتركة، والتأهيل العسكري، وأمن الحدود، ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.
غير أن اللافت في هذا السياق أن اتفاقية الدفاع المشترك أُلغيت بقرار من رئيس الوزراء السوداني الأسبق الصادق المهدي في 2 أبريل/نيسان 1989، دون صدور بيان رسمي مصري بهذا الشأن. وكان المهدي يرى، وفق تحليلات لاحقة، أن الاتفاقية صُممت أساسًا لحماية نظام الرئيس جعفر النميري بدعم من الرئيس أنور السادات، أكثر من كونها لحماية السودان، بحسب ما أشار إليه الخبير السوداني فيصل عبد الرحمن على طه في تحليل نشره موقع “سودان تربيون” في 18 ديسمبر/كانون الأول 2025.
وسبق ذلك توقيع “ميثاق الإخاء” بين الصادق المهدي ورئيس الوزراء المصري عاطف صدقي في 21 فبراير/شباط 1987، من دون أن ينص الميثاق صراحة على إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك أو الإشارة إليها.
وفي يوليو/تموز 1987، صرّح وزير الدفاع المصري آنذاك، محمد عبد الحليم أبو غزالة، بأن القاهرة لم تُبلّغ رسميًا بما أُعلن في الخرطوم بشأن إلغاء الاتفاقية، مؤكدًا أن اتفاقية الدفاع المشترك تخدم مصالح السودان قبل أن تكون في مصلحة مصر.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، في تصريحات لقناتي “العربية” و“الحدث”، أن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان “ما زالت قائمة”، وتشمل مواجهة أي مخاطر أو تهديدات تمس أمن البلدين.
ويرى محللون أن الإشارة المصرية إلى إمكانية تفعيل “اتفاقية الدفاع المشترك” في هذا التوقيت تُعد بحد ذاتها تفعيلًا عمليًا لها، وهو ما رجّحه الكاتب والمفكر السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد، في تصريح لقناة “إم بي سي مصر” بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول، حين قال: “جرى تفعيلها بالإعلان عنها، فالإعلان ذاته هو تفعيل”.
ورغم ذلك، لم يُعلن حتى الآن عن تنفيذ عملي يتمثل في نشر قوات مشتركة أو تحركات ميدانية واضحة، إذ اقتصر الموقف المصري على التلويح الرسمي باستخدام بنود الاتفاقية للدفاع عن مصالحها الأمنية في السودان، في حال تفاقم الأوضاع هناك.
وتشير تقارير سودانية ومصرية إلى أن إعلان مصر تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع السودان يمثل تطورًا بالغ الدلالة سياسيًا وإستراتيجيًا، سواء على صعيد العلاقات الثنائية أو في إطار ترتيبات الأمن الإقليمي.
ويعكس هذا الإعلان توجّهًا نحو بناء تحالف أمني رسمي وعملي بين البلدين، يعزز مستوى التنسيق والتوافق الإستراتيجي، ويوجّه رسائل ردع واضحة في مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية في الإقليم.
كما يؤكد أن اتفاقية الدفاع المشترك ليست مجرد إطار شكلي أو وثيقة سياسية غير مفعّلة، بل تمثل أساسًا قانونيًا يمكن الاستناد إليه لتقديم الدعم أو التدخل، في حال تدهور الأوضاع الأمنية.
فعندما تعلن مصر تفعيل اتفاقية دفاع مشترك، فهذا يعني انتقال الاتفاقية من حيزها الإجرائي أو الرمزي إلى المستوى التنفيذي، بما يفرض التزامات متبادلة على الطرفين في حال تعرض أحدهما لتهديد أمني مشترك، ويشمل ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية، وإجراء تدريبات مشتركة، وربما تنسيق خطط الدفاع عن الحدود والمصالح الحيوية.
وكان البيان الصادر خلال زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة قد أكد أن “هناك خطوطًا حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها”، بتقدير أن أي مساس بها “يمس مباشرة الأمن القومي المصري، المرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي السوداني”.
وحدد البيان أربعة مرتكزات رئيسة لهذه الخطوط الحمراء، تتمثل في: الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني، ورفض انفصال أي جزء من أراضيه، إضافة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية.
وتحمل هذه الخطوط الحمراء دلالات ضمنية على رفض القاهرة ومخاوفها من سيناريو انفصال إقليم دارفور، ليكون ثالث انفصال يشهده السودان بعد جنوب السودان، وهو ما ترى فيه مصر تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.
وقد عزز البيان هذا الموقف بتأكيد “الرفض القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها”، بتقدير أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.
ويأتي ذلك في ظل إعلان قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) تشكيل ما سُمّي “تحالف السودان التأسيسي” (تأسيس)، كسلطة موازية للحكومة الرسمية، واتخاذ مدينة نيالا في جنوب دارفور مقرًا له، وهي خطوة قوبلت برفض إقليمي ودولي واسع.
وعلى الأرض، تسيطر قوات “الدعم السريع” على خمس ولايات دارفورية غرب البلاد، باستثناء أجزاء من شمال دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني، في حين يفرض الجيش نفوذه على معظم الولايات الثلاث عشرة المتبقية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

موجّهة لمن؟ وكيف؟
السؤال الأبرز الذي طُرح عقب البيان المصري يتمحور حول الجهة المقصودة بهذا التلويح بالتدخل العسكري وتحديد “الخطوط الحمراء”. فهل الرسالة موجّهة إلى قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومليشياته، علمًا بأن مصر تتحرك بالفعل، وفق تقارير متعددة، بشكل غير معلن لدعم الجيش السوداني في مواجهته؟
أم أن الرسالة تتجاوز ذلك إلى طرف إقليمي آخر أكثر تأثيرًا، يتمثل في دولة الإمارات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي أوراق الضغط أو “الخطوط الحمراء” التي تمتلكها القاهرة في مواجهة أبوظبي داخل الساحة السودانية؟
رسميًا، لم تُشر القاهرة ولا الخرطوم في بياناتهما إلى الإمارات بالاسم، كما لم تصدر عن أي جهة مصرية رسمية تصريحات تؤكد أن التحذير موجّه إلى أبوظبي. غير أن هذا الفراغ التفسيري فتح الباب أمام حملات إلكترونية نشطة، روّجت عبر مقاطع فيديو ومنشورات لفرضية أن “مصر تهدد الإمارات في السودان”، أو أنها “توجّه إنذارًا مباشرًا لأبوظبي”.
ويذهب مراقبون إلى أن هذه الحملات لا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي المصري، بقدر ما تستثمر الغموض المقصود في صياغة البيان، الذي تعمّد استخدام لغة عامة وفضفاضة، تتيح توجيه الرسالة إلى أكثر من طرف في آن واحد، من دون الدخول في مواجهة سياسية مباشرة أو تسمية خصم بعينه.
هذا الأسلوب، وفق محللين، يمنح القاهرة هامش مناورة أوسع، ويُبقي باب التصعيد أو الاحتواء مفتوحًا، سواء تجاه الفاعلين المحليين في السودان أو تجاه الأطراف الإقليمية المنخرطة في الصراع.
شهد الخطاب المصري تجاه قضية السودان خلال الأشهر الأخيرة تطورًا ملحوظًا، عكس تصاعدًا في نبرة الغضب وتوترًا مكتومًا، كانت قد ألمحت إليه مصادر غير رسمية، دون أن يُفصح عنه صراحة عبر القنوات الدبلوماسية أو وسائل الإعلام الرسمية.
وبحسب مصدر دبلوماسي مصري تحدث لـ"الاستقلال"، فإن زيارات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان المتكررة إلى القاهرة، وكذلك زيارات مسؤولين مصريين رفيعي المستوى إلى السودان، لا سيما وزير الخارجية ومدير المخابرات العامة، كانت تشهد في كل مرة تصاعدًا في النقاشات بشأن هذا الغضب المصري من التدخلات الخارجية في السودان، في إشارة واضحة إلى دولة الإمارات، غير أن تلك التحذيرات لم تُسفر عن نتائج ملموسة.
وأوضح المصدر أن رفع سقف التحذير هذه المرة، والتلويح العلني بإمكانية التدخل العسكري، جاء بمثابة رسالة "قاسية" ومباشرة موجهة إلى أبوظبي، متوقعًا في الوقت ذاته ألا تستجيب لها، على غرار تجاهلها السابق للضغوط الأميركية.
وأشار المصدر إلى أن رسائل التحذير المصرية لا تقتصر على الإمارات فحسب، بل تمتد أيضًا إلى تشاد، التي تُتهم بأنها ممر لنقل السلاح الإماراتي إلى مليشيا الدعم السريع، وكذلك إلى إثيوبيا، التي بدأت، وفق تقديرات مصرية، تظهر كمسار جديد لتوريد السلاح الإماراتي إلى قوات حميدتي. وهو ما يفسر، بحسب المصدر، اللجوء إلى تحديد "خطوط حمراء" واضحة في البيان المصري الأخير.
وفي موازاة ذلك، يرى نشطاء مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن الإمارات تُعد الداعم الأبرز للنظام المصري منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، سواء عبر الدعم السياسي أو الودائع المالية في البنك المركزي المصري، وهو ما يقيّد، برأيهم، قدرة القاهرة على خوض مواجهة مباشرة معها، رغم ما يعدونه ضررًا مباشرًا يلحق بالأمن القومي المصري نتيجة الدور الإماراتي في السودان.
وبحسب هؤلاء، فإن الخيار الواقعي المتاح أمام مصر يتمثل في تعزيز دعمها للجيش السوداني الرسمي، وتكثيف حضوره وعلاقاته الدولية، بوصفه معادلًا إستراتيجيًا لقوات الدعم السريع المدعومة خارجيًا، وعلى رأسها الإمارات، في وقت تكتفي فيه ما تُعرف بـ"لجان السيسي" بالتلميح إلى أن أبوظبي "ستدفع الثمن"، دون تسميتها صراحة.
يتوقع المحلل السياسي السوداني مكاوي الملك أن تشهد الساعات أو الأيام المقبلة "محاولات وزيارات إماراتية عاجلة، أو اتصالات مباشرة، في مسعى لتهدئة التوتر مع مصر".
وقال: إن "دخول إثيوبيا على خط المواجهة، واقتراب التهديد من صميم الأمن القومي المصري، إلى جانب كون المشروع الإماراتي، بحسب تقديره، يحظى بدعم إسرائيلي، كلها عوامل تجعل مليارات أبوظبي ووعودها غير قادرة هذه المرة على احتواء الأزمة".
ووصف الملك ما يجري حاليًا بين القاهرة وأبوظبي بأنه "ليس خلافًا عابرًا أو سوء تفاهم دبلوماسيًا، بل اصطدام مباشر مع مصالح أمن قومي كبرى".
وأكد أن "المعادلة تغيّرت، وأن الوقت لم يعد في صالح ما يصفه بمشروع الفوضى الإماراتي"، مضيفًا: “الأيام القادمة حبلى بالتطورات، وقد نشهد عمليات وضربات حاسمة ومؤثرة”. على حد تعبيره.
وكانت تقارير استخبارية فرنسية قد تحدثت عن توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنذارًا مباشرًا إلى دولة الإمارات، على خلفية تهديدات أطلقها قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) باستهداف مطارات وقواعد مصرية، مؤكدًا أن أي تحرك باتجاه الحدود المصرية سيُعد إعلان حرب.
وذكرت مجلة “أفريكا إنتليجانس” الفرنسية، في تقرير لها بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أن القاهرة تدرك خطورة تسليح مليشيات تتلقى دعمًا من أبوظبي بطائرات مسيّرة ومنظومات دفاع جوي تمسّ أمنها القومي، وهو ما دفعها إلى تكثيف التنسيق العسكري مع الجيش السوداني، وصولًا إلى مستوى يقترب من التحالف الدفاعي الكامل.
وفي السياق ذاته، قال السفير المصري السابق فوزي العشماوي: إن “السياسات والتدخلات الإماراتية، لا سيما في ملفات السودان وإثيوبيا وليبيا وغزة، تمثل مخاطر جسيمة على الأمن القومي المصري”.
وأوضح العشماوي، عبر حسابه على منصة “فيسبوك”، أن إعلان مصر خطوطًا حمراء في السودان يؤشر إلى تدشين توجه جديد في التعامل مع هذه الملفات.
وردًا على تساؤل حول “ما الذي تفعله مصر؟ وما هي أولوياتها وأوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة الإمارات؟” قال: إن فلسفة صانع القرار المصري تقوم على ثلاث ركائز أساسية:
أولًا، الهدوء والتمهل، وتجنب التسرع أو المغامرة بالعمل العسكري المباشر أو حتى التلويح به، مع التركيز على التأكيد المستمر على المصالح المصرية وخطوطها الحمراء. ورأى أن هذا النهج هو ذاته الذي اتبعته القاهرة في مواجهة تركيا في ليبيا قبل خمس سنوات، ولا يزال حاضرًا في تعاملها المتدرج مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وكذلك في السودان في مواجهة التدخلات الخارجية، كما عكسه البيان الرئاسي الأخير.
ثانيًا، السرية والكتمان التام، حيث تحرص الدولة ومؤسساتها على عدم الإعلان عن أي خطط أو إجراءات أو محددات تتعلق بالأمن القومي.
ثالثًا، الانفراد بصنع القرار، مع غياب الدور الشعبي، سواء بالمعنى العام أو من خلال المؤسسات البرلمانية، والاكتفاء بما يرد في الخطب الرئاسية وبيانات الهيئة العامة للاستعلامات أو وزارة الخارجية، من توضيحات محدودة تُقدَّم في توقيتات محسوبة.
ويرى نشطاء سودانيون ومصريون أن البيان المصري، وما تضمنه من تحديد “خطوط حمراء”، ما كان ليصدر في مواجهة الإمارات لولا دخول السعودية بدورها في مسار تصادمي مع أبوظبي.
ورأى هؤلاء أن أهمية بيان “الخط الأحمر المصري” لا تكمن في كونه تعبيرًا عن رغبة في تدخل عسكري مباشر، بل في توقيته وسياقه الإقليمي، إذ جاء متزامنًا مع تحركات للمملكة العربية السعودية، يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للحد من الدور الإماراتي في عدد من ساحات النفوذ، وعلى رأسها السودان واليمن.
وجاء تلويح الرئاسة المصرية باتفاقية الدفاع المشترك وتحديدها خطوطًا حمراء، عقب لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في ظل حديث مصادر سودانية عن قلق سعودي متزايد إزاء تمدد النفوذ الإماراتي على ساحل البحر الأحمر.
وفي السياق ذاته، دخلت لجان إلكترونية مصرية في مناوشات على مواقع التواصل الاجتماعي مع مستشار رئيس دولة الإمارات، عبد الخالق عبد الله، مستخدمة عبارات توحي ضمنيًا بأن ما تقوم به أبوظبي في السودان لا يتجاوز كونه “استعراضًا وهميًا للعضلات السياسية” وبحثًا عن أدوار إقليمية.
وأضافت هذه الحسابات أن المصريين “شعب أصيل لا يتنكر لأشقائه”، في إشارة إلى البعد الشعبي المساند للموقف الرسمي المصري.
في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أكدت وكالات الاستخبارات الأميركية أن دولة الإمارات كثّفت إمداداتها من الطائرات المسيّرة الصينية وأنظمة تسليح أخرى إلى قوات الدعم السريع، وذلك وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات تمتلك قاعدتين داخل الأراضي السودانية، الأولى في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، والثانية في منطقة المالحة على بعد نحو 200 كيلومتر من مدينة الفاشر، وتُستخدم هاتان القاعدتان لأغراض الإمداد اللوجستي وجمع المعلومات الاستخباراتية.

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الإمارات قاعدة في مدينة بوساسو في الصومال، لعبور المرتزقة الكولومبيين، وتنفيذ رحلات نقل منتظمة وشحنات متعددة.
وترى الصحفية المصرية منال أحمد أن "خطوط مصر الحمراء" في ليبيا وإثيوبيا والسودان ليست تهديدًا بالحرب، وإنما تهدف إلى ممارسة ضغط دبلوماسي على المجتمع الدولي للتدخل وحماية مصالح مصر الإقليمية.
فسرت مصر رفع لهجتها الحالية تجاه التهديد في السودان، لا سيما في مواجهة الإمارات، بعدة عوامل منها:
- خطر "التطبيع مع المليشيا"، حيث بدأت محاولات لتقديم حميدتي كشريك سلام، وهو أمر يشكل خطًا أحمر حقيقيًا بالنسبة للقاهرة.
- التخوف من تكرار سيناريو ليبيا، حيث مليشيا تسيطر على الأرض والموارد وتحظى بدعم خارجي، مما يؤدي إلى تكوين دولة مشوهة، وهو ما ترفضه مصر أن يحدث جنوب حدودها.
- إرسال رسالة مزدوجة إلى الغرب مفادها: عدم تجاوز الدولة الشرعية، وإلى الإمارات (ضمنيًا): هناك سقف لا يمكن تجاوزه.
- ملف نهر النيل، حيث إن وجود كيان موازٍ في السودان قد يفتح الباب أمام ترتيبات مائية وأمنية خارج حسابات القاهرة، مما يزيد من تعقيد أزمة سد النهضة.
4 خطوط حمراء
فرض الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ يونيو 2014 أربعة "خطوط حمراء" في قضايا خارجية حساسة، تُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري:
- محور سرت-الجفرة في ليبيا (يونيو 2020): حدّد السيسي هذا الخط كحدود لا يجوز تجاوزها من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة تركياً، مؤكداً أن أي تقدم نحو هذا المحور يشكل "خطًا أحمر لأمن مصر القومي".
- التهجير في غزة: أعلنت مصر رسمياً رفضها التام لأي محاولة لتهجير سكان قطاع غزة، عادّة ذلك تهديدًا للأمن القومي الفلسطيني والمصري على حد سواء.
- مياه نهر النيل: شدّد السيسي على أن حقوق مصر المائية "خط أحمر" لا يمكن تجاوزه، عادا قضية المياه قضية وجود وحياة لمصر، ورفض أي إجراءات أحادية من إثيوبيا بهذا الشأن.
- وحدة الأراضي والسيادة السودانية (ديسمبر 2025): أكدت مصر أن المساس بوحدة السودان أو سيادته يمثل خطًا أحمر لا تسامح فيه، مؤكدة ارتباط أمنها القومي ارتباطًا وثيقًا بأمن السودان.
المصادر
- قراءة ثانية في اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان لعام 1976
- 3 مراحل و8 بنود.. سير اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان
- قبل السودان.. 3 خطوط حمراء فرضتها مصر وغيرت المشهد
- How U.A.E. Arms Bolstered a Sudanese Militia Accused of Genocide
- Sissi's delicate balancing act since the fall of El Fasher
- Sudan’s civil war: A visual guide to the brutal conflict
















