"قسد" عند مفترق طرق.. هكذا يفتح تراجع الدعم الأميركي باب الاندماج مع دمشق

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، شكلت التنظيمات الكردية المسلحة، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، أحد اللاعبين الرئيسين في المعادلة السورية. 

ومع الدعم الأميركي الكبير استطاعت هذه الجماعات، التي يُعتقد أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ"حزب العمال الكردستاني" (بي كا كا)، السيطرة على مناطق واسعة شمال سوريا، ما أثار العديد من التساؤلات حول مستقبلها في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. 

ونشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب نديم شينير، قال فيه: إن "التوازنات السياسية والعسكرية يبدو أنها قد تغيرت اليوم بشكل كبير، ما يشير إلى أن مصير هذه الجماعات، التي تطلق على نفسها (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد)، قد وصل إلى مفترق طرق حاسم".

تحولات سياسية

وأوضح الكاتب التركي أنه "في عام 2003 وبتوجيهات من زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، تم تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سوريا". 

في البداية، لم تُعتَبَر هذه الجماعات تهديدا مباشرا للدول المجاورة، حيث ركزت على القضايا المحلية مثل حماية الأكراد السوريين في المناطق الحدودية.

لكن مع بداية الثورة السورية في 2011، استفاد حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب من الفوضى الناتجة عن الحرب الأهلية، وتمكن من بناء قوة عسكرية وسياسية، خاصة بعد دخول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة واشنطن عام 2014.

وأضاف شينير أن “الولايات المتحدة دعمت هذه الجماعات بشدة، حيث قدمت لها الأسلحة والدعم المالي لمحاربة تنظيم الدولة”. 

وكان هذا التعاون محط جدل بين حلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة أنقرة التي عدت هذه الجماعات امتدادا لحزب العمال الكردستاني، المصنف على أنه منظمة إرهابية من قبل تركيا والعديد من الدول الغربية.

لكنّ الأمور بدأت تتغير تدريجيا، خاصة بعد التحولات السياسية التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة. 

فبينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تُعد أحد الأذرع الرئيسة للولايات المتحدة في المنطقة، بدأت واشنطن في التحول نحو دعم دمشق بشكل غير مباشر، عبر التنسيق مع "قوات سوريا الديمقراطية" في إطار تحالف جديد ضد تنظيم الدولة. 

بنفس الوقت، بدأت بالتراجع عن دعم حزب العمال الكردستاني/قوات سوريا الديمقراطية بشكل تدريجي.

من الدعم إلى التراجع

في 12 ديسمبر 2024، ومع وصول حكومة أحمد الشرع إلى السلطة، بدأت المؤشرات على تراجع الدعم الأميركي لحزب العمال الكردستاني/قوات سوريا الديمقراطية تظهر بوضوح. 

وهذه الحكومة التي شكلت نتيجة لثورة 8 ديسمبر تعتمد على توسيع نفوذها داخل سوريا، وذلك من خلال الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ما شكل ضربة قوية للجماعات الكردية المدعومة أميركيا.

وأكد الكاتب التركي أن التحول الأبرز في هذا السياق كان إعلان الولايات المتحدة عن مساعيها لتعزيز التعاون بين الحكومة السورية وقسد، من خلال "اتفاق 10 مارس 2025" الذي تم توقيعه بين حكومة الشرع وقسد. 

والاتفاق يهدف إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري، وتحديدا في مجال مكافحة تنظيم الدولة وتحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيمات المسلحة.

وأردف الكاتب: في ديسمبر 2025 ظهر قائد قسد، مظلوم عبدي، في وسائل الإعلام الإسرائيلية وتحديدا في صحيفة "جيروزاليم بوست"، وهذا في محاولة واضحة للحصول على دعم سياسي من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. 

وأوضح أن “عبدي كان يسعى إلى الضغط على الكونغرس الأميركي من أجل العودة لدعم قوات سوريا الديمقراطية، وذلك في مواجهة حكومة الشرع التي تحظى بتأييد واسع من موسكو وطهران”. 

في هذا السياق، أشار عبدي إلى احتجازهم لأكثر من 10 آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة في معسكرات وسجون تديرها قوات سوريا الديمقراطية، مما يتيح لهم ورقة ضغط يمكن استخدامها ضد أي تغييرات في الدعم الأميركي.

لكن هذه المحاولة تأتي في وقت صعب للغاية بالنسبة لحزب العمال الكردستاني/قوات سوريا الديمقراطية، فحتى القيادة المركزية الأميركية التي كانت تشكل أحد أقوى حلفائهم، بدأت في التراجع عن دعمهم بشكل تدريجي. 

فقد أكد قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال براد كوبر، في تصريحات عديدة، أن الولايات المتحدة بدأت في التركيز على التعاون مع حكومة دمشق في إطار مكافحة تنظيم الدولة، و"هو ما يعني عمليا تهميش الدور الكردي في المعادلة السورية".

التكيف مع التغيرات

ولفت الكاتب النظر إلى أنه بناء على المتغيرات الأخيرة، يبدو أن الحل الوحيد المتبقي لقسد “هو التكيف مع التغيرات السياسية والقبول بالتكامل مع الحكومة السورية”.

ففي 10 مارس 2025 وقّع الطرفان السوري والكردي اتفاقية تؤكد التكامل بين "قوات سوريا الديمقراطية" والجيش السوري. 

وتتضمن هذه الاتفاقية دمج المقاتلين ضمن تشكيلات الجيش السوري، وتسليم السجون الخاصة بمقاتلي تنظيم الدولة. 

بالإضافة إلى إنهاء الهياكل العسكرية والإدارية المستقلة، وتجميد أي حديث عن الفيدرالية والإدارة الذاتية.

وقال شينير: إن “هذه الخطوة تشير إلى أن الحكومة السورية أصبحت في موقع القوة، بينما بدأت الجماعات الكردية تتراجع عن مطالبها بالاستقلالية أو الحكم الذاتي”.

وأضاف: "الجنرال كوبر أكد في تصريحاته أن هذا التكامل بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية سيؤدي إلى بيئة أمنية أكثر استقرارا وأمانا في المنطقة". 

وقد شدد على أن الولايات المتحدة “تدعم هذا التكامل كجزء من إستراتيجيتها لمكافحة تنظيم الدولة”، معتبرا أن هذا التنسيق “سيكون مفيدا لتسريع استقرار سوريا وتوجيه الأنظار نحو إعادة إعمار البلاد”.

واعتبر شينير أنه “بهذا، يبدو أن الحلم الكردي بالحكم الذاتي أو الفيدرالية قد وصل إلى طريق مسدود”.

وشدد على أنه “مع تناقص الدعم الأميركي وتزايد ضغوط الدول الإقليمية، بات التكامل مع حكومة الشرع هو الخيار الوحيد المتاح أمام قوات سوريا الديمقراطية”. 

وأضاف: “إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فقد تشهد المرحلة المقبلة انضمام هذه الجماعات إلى الجيش السوري، وإنهاء سنوات من الصراع السياسي والعسكري مع دمشق”.

واستدرك شينير: “مع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة الحكومة السورية على دمج هذه الجماعات بشكل كامل، ومدى توافق هذا التكامل مع تطلعات الأكراد في سوريا”. 

وتابع: “بالنظر إلى تعقيد الوضع السياسي في المنطقة، قد يشهد المستقبل تحولات جديدة تفرض نفسها، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن خيار التكامل مع دمشق هو الخيار الوحيد المتاح للجماعات الكردية المسلحة في سوريا”.