الجزائر تتجاوز أزمة الصحراء وتمضي قدما لإذابة الجليد مع إسبانيا.. ما القصة؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

دخلت العلاقات الجزائرية الإسبانية في أزمة كبيرة، منذ مارس/ آذار 2022، عقب إعلان رئيس حكومة مدريد بيدرو سانشيز، دعمه لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب كحل وحيد للنزاع في إقليم الصحراء، بينما تواصل الجزائر الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

وأدت الأزمة الدبلوماسية إلى ما يشبه قطيعة بين البلدين، إذ علقت الجزائر وارداتها من إسبانيا بشكل شبه كامل، بينما استمر تدفق صادراتها نحو مدريد وأغلبها غاز ونفط ومشتقات البترول.

لكن بدءا من خريف 2024، بدأت العلاقات التجارية الاقتصادية تعود إلى طبيعتها تدريجيا، بعد سماح الحكومة بعمليات الاستيراد مجددا من هذا البلد الأوروبي، ثم جرت زيارت مسؤولين سياسيين بشكل متبادل.

وفي هذا السياق، تقول صحيفة الإندبندينتي الإسبانية: إن البلدين يبديان استعدادهما لتجاوز هذا الخلاف، والمضي قدما نحو إذابة الجليد بينهما خلال الأشهر الأولى من سنة 2026. 

إعادة بناء العلاقات

وبحسب مصادر الصحيفة، يتجه البلدان نحو إعادة بناء العلاقات بشكل تدريجي وعلني. وعلى الرغم من حديث وسائل إعلام إسبانية عن زيارة مرتقبة من الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون إلى إسبانيا، إلا أنه لا توجد خطط رسمية في هذا الصدد. 

لكن، من المرجح أن يؤدي وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، زيارة إلى الجزائر خلال الأشهر المقبلة؛ الأمر الذي سيجسد بالفعل ذوبان الجليد بين البلدين ونهاية الأزمة التي استقرت بين الجارتين منذ شباط/ فبراير سنة 2024. 

وفي وقت سابق، أحبطت مطالب ألباريس الزيارة، وهو ما عزته وزارة الخارجية التي تعرف بالتعتيم الإعلامي، إلى "الأجندة الجزائرية" وعدتها مجرد "تأجيل". 

وبحسب مصادر الصحيفة، رفض الوزير الاشتراكي، آنذاك، عقد مؤتمر صحفي في الجزائر العاصمة والتوقيع على إعلان مشترك كان من شأنه أن يتناول نزاع الصحراء الغربية ويدعو إلى حل "مقبول للطرفين" في إطار الأمم المتحدة. وكان هدفه ببساطة إعادة إطلاق العلاقات التجارية.

ونقلت الصحيفة أن هذا الموقف كاف ليفسر سبب  الزيارة على مدار العامين الماضيين. أما الآن، فقد وضع البلدان هذه الزيارة على أجندتهما السياسية، على أمل أن تكون بادرة للمصالحة. 

وبشكل عام، أصبح إنجاح هذه الزيارة من أولى مهام راميرو فرنانديز باتشيلر، الذي عُيّن في وقت سابق من هذا الشهر سفيرا جديدا لإسبانيا لدى الجزائر. 

وأوضحت الصحيفة أن الزيارة التي من المقرر أن يؤديها وزير الخارجية الإسباني إلى الجزائر ليست إلا واحدة من مظاهر المصالحة بين البلدين. زيادة عن ذلك، شهدت التجارة الثنائية نموا ملحوظا، بعد سنتين من التعليق المحكم، باستثناء الغاز الجزائري.

ووفقا لبيانات رسمية من التجارة الخارجية الإسبانية، ارتفعت مبيعات المنتجات الإسبانية إلى الجزائر بنسبة 162 بالمئة، بين كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو سنة 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. 

ووفقا لبيانات نشرتها شركة آيكورس يوم الثلاثاء، بلغ حجم المبيعات الإسبانية حوالي 900 مليون يورو، وهي أرقام تقترب من مستويات ما قبل أزمة 2022. كما عززت الجزائر مكانتها كمورد رئيس للغاز الطبيعي إلى إسبانيا، متقدمة على الولايات المتحدة ونيجيريا. 

في تشرين الأول/ أكتوبر، استوردت إسبانيا 30304 جيجاوات/ ساعة من الغاز الطبيعي، بزيادة تقارب 28 بالمائة مقارنة بالعام السابق. وأمّنت الجزائر 39.6 بالمئة من إجمالي الغاز المستورد.

السيطرة على تدفقات الهجرة

ومن المنتظر أن يشمل هذا التوجه مجالات أخرى، ومنها الهجرة. وفي هذا المعنى، بعثت الجزائر رسائل تؤكد تعاونها الكامل مع إسبانيا في ضبط تدفقات الهجرة، وسط تزايد مقلق في جزر البليار.

ووفقا لوكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية، فرونتكس، شهد طريق غرب البحر الأبيض المتوسط ​​زيادة بنسبة 27 بالمئة في عمليات العبور غير النظامية بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر. وانطلق أكثر من 75 بالمائة من المهاجرين من الجزائر، وكان الجزائريون والمغاربة من أبرز الجنسيات بين من خاطروا بالعبور.

يؤكد أحدث تقرير نصف شهري صادر عن وزارة الداخلية ارتفاع عدد الوافدين بحرا إلى جزر البليار بنسبة 28.3 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024. 

وحتى الأول من كانون الأول/ ديسمبر، بلغ عدد المهاجرين الوافدين 6688 مهاجرا، مقابل 5212 مهاجرا خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام الماضي. 

وبلغ إجمالي عدد القوارب الوافدة أكثر من 300 قارب، ما رفع تدفق المهاجرين إلى مستويات قياسية، حيث حطمت جزر البليار الرقم القياسي المسجل في تشرين الأول/ أكتوبر من العام السابق.

ومن بين 1865 شخصا لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا حتى أيار/ مايو 2025، لقي 328 شخصا حتفهم على “الطريق الجزائري”؛ حيث كانت جزر البليار وجهتهم الرئيسة. 

ودعت رئيسة جزر البليار، مارغا بروهينز، بروكسل في 15 تشرين الأول/ أكتوبر إلى اتخاذ إجراءات بشأن "مأساة" الهجرة غير النظامية في هذه المنطقة ذات الحكم الذاتي.

وأضافت الصحيفة أن الجزائر، التي رفضت دائما استعمال الهجرة كسلاح للضغط على إسبانيا، أبدت تعاونها الكامل مع وزير الداخلية، فرناندو غراندي مارلاسكا، والوفد المرافق له من كبار المسؤولين خلال زيارتهم الأخيرة إلى الجزائر العاصمة، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وهي أول زيارة لوزير إسباني منذ اندلاع الأزمة في 2022.

وخلال هذا اللقاء، أكد الوزير الجزائري، سعيد سيود، أن الجزائر لا تستخدم "الهجرة غير النظامية كوسيلة ابتزاز سياسي"، على عكس ما ينسبه إلى دول أخرى، في إشارة إلى عدوتها الإقليمية اللدودة، المغرب الذي تتنافس معه على النفوذ في المغرب العربي.

وأفادت الجزائر بأنه لا توجد حاليا أية مشاكل مع إسبانيا. وتؤكد أنه في مجال الهجرة، تم منع نحو 30 ألف حالة مغادرة غير شرعية خلال سنة 2024، وأن هذا التعاون في مجالات الأمن والهجرة والتجارة يمتد بالفعل إلى قطاعات أخرى، مثل إصدار تأشيرات للمهنيين، وحركة الطلاب، وتبادل التكنولوجيا.

ونقلت الصحيفة أن عوامل عديدة أسهمت في تعزيز هذه الحقبة الجديدة من التفاهم، منها تشكيل الحكومة الائتلافية نفسها، حيث رفض جناح سومار المشاركة في الاجتماع رفيع المستوى الذي عُقد الأسبوع الماضي بين إسبانيا والمغرب، وتصريحات نائبة الرئيس الثانية، يولاندا دياز التي أكدت فيها أن إسبانيا "لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضي الصحراوية". 

كما أسهم وجود تسلم سيدي، ذات الأصل الصحراوية والتي تعرضت لهجمات متكررة من الصحافة المغربية الرسمية، في صفوف الحكومة الائتلافية، في هذا التقارب.

وفي الجزائر العاصمة، تم التوصل أيضا إلى استنتاج مفاده أنه بعد ثلاث سنوات، لا يزال التحول في السياسة المتعلقة بالصحراء قرارا فرديا اتخذه رئيس الحكومة، سانشيز، ودائرة مقربة من القصر الملكي المغربي.