من العداء إلى الوساطة مع أميركا.. علاقات السعودية وإيران إلى أين؟

"غياب إيران يعني هيمنة إسرائيل بسهولة على المنطقة"
أثارت زيارة سعود بن محمد الساطي، نائب وزير الخارجية السعودي، إلى طهران في الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، نقطة انطلاق لموجة واسعة من التحليلات والتكهنات بشأن احتمال بدء دور سعودي في إدارة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
وبحسب موقع "الدبلوماسية الإيرانية" تصاعدت هذه التكهنات بعد أن سلطت وسائل الإعلام الضوء على الرسالة التي أرسلها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قبيل زيارته الولايات المتحدة الأميركية ولقائه بالرئيس دونالد ترامب".
فوفقا له، “جاءت الزيارة في وقت مازالت فيه الساحة السياسية والإعلامية الإيرانية تحت تأثير روايات متباينة حول مضمون الرسالة التي بعث بها الرئيس الإيراني إلى ولي العهد السعودي”
وحول مضمون الرسالة الإيرانية، ذكر أن الرواية الرسمية لهذه الرسالة قدمها رضا عنایتي، سفير إيران في الرياض، مؤكدا أن رسالة بزشكيان اقتصرت على الشكر لتسهيلات الحج والتشديد على تعزيز العلاقات الثنائية، دون أي صلة بالملف النووي أو بالوساطة بين طهران وواشنطن".
في المقابل، أشار الموقع الفارسي إلى أن "وكالة رويترز نشرت تقريرا استند إلى مصادر إقليمية، زعمت فيه أن مضمون الرسالة تجاوز موضوع الحج، وتحدث عن استعداد إيران لحل الخلافات النووية عبر المسار الدبلوماسي".
وقد أدى تقرير الوكالة الأميركية إلى "فتح الباب أمام موجة جديدة من التحليلات حول الدور المحتمل لابن سلمان كوسيط بين إيران والولايات المتحدة".

مرحلة جديدة
ولفت الموقع إلى أن "حدة النقاشات تصاعدت عندما أشارت صحيفة (الأخبار) إلى أن ترامب منح ولي العهد السعودي، خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض، (صلاحية إدارة الحوار للتوسط بين إيران والولايات المتحدة)".
ووفقا للصحيفة اللبنانية، "جرت اتصالات بين الرياض وطهران لعقد اجتماع رفيع المستوى بعد مغادرة بن سلمان واشنطن".
وعقب الموقع الفارسي: "ورغم أن طهران لم تؤكد أو تنفِ هذا الخبر، إلا أن نشر هذه الرواية بحد ذاته أظهر أن المواقف تجاه السعودية آخذة في التغير".
من هذا المنطلق، يقدر الموقع أنه "لا يمكن النظر إلى زيارة نائب وزير الخارجية السعودي إلى طهران كزيارة بروتوكولية ثنائية فحسب، بل كجزء من سلسلة تطورات متلاحقة خلال الأسابيع الماضية، أسست لمرحلة جديدة في العلاقات بين طهران والرياض وواشنطن".
وتابع: "ومع أن تصريحات المرشد الإيراني الأخيرة، ثم النفي الصريح من وزارة الخارجية لأي (وساطة أو دعوة للتفاوض مع أميركا)، صححت كثيرا من الانطباعات الأولية، إلا أن المؤشرات السياسية القائمة تكشف أن الرياض تختبر قدرتها على الدخول في هذا الميدان المعقد، وأن زيارة الساطي تمثل أول خطوة عملية في هذا الاتجاه".
"أما داخل إيران، فالمواقف بدت أكثر حذرا"، يقول الموقع. ويتابع: "فقد أكد وزير الخارجية عباس عراقجي في مقابلة مع قناة (فرانس 24) أنه (لا توجد أي مفاوضات بين إيران وأميركا عبر القناة السعودية)، مشددا على أن رسالة بزشكیان إلى ابن سلمان (لا علاقة لها بالملف النووي)".
وبحسب الموقع، فقد "أضاف بلهجة واضحة أن الجانب الأميركي (لا يُظهر إرادة حقيقية لمفاوضات عادلة ومنصفة)".
من جانبه، أوضح المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي أن زيارة نائب وزير الخارجية السعودي "تأتي في سياق مسار تطوير العلاقات الثنائية المستمر منذ عامين، ولا تحمل أبعادا أخرى".
بالتوازي مع ذلك، ذكر التقرير أن مهدي محمدي، مستشار رئيس البرلمان محمد باقر قالیباف، كتب على منصة (إكس) أنه (لا وجود لأي مفاوضات سرية بين إيران وأميركا، وأن الحديث عن دور السعودية يعكس أجواء إعلامية أكثر مما يعكس واقعا سياسيا)".
مع ذلك، يعتقد الموقع أن "مجمل هذه المواقف والتصريحات جعلت زيارة المسؤول السعودي إلى طهران تتجاوز كونها لقاء ثنائيا عاديا، لتصبح محورا رئيسا في التحليلات المتعلقة بمستقبل التوتر بين إيران والولايات المتحدة".
وأضاف: "توتر دخل مرحلة جديدة تماما بعد الهجوم العسكري المشترك الذي شنته إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران في شهر يونيو/ حزيران 2025".

مصادفة نادرة
تضاعفت أهمية زيارة المسؤول السعودي عندما هبطت في نفس الساعة تقريبا طائرة هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، في مطار مهرآباد بطهران"، يقول الموقع.
ويضيف: "هذه المصادفة النادرة في السنوات الماضية أثارت منذ اللحظة الأولى تصورا بأن طهران أصبحت في قلب مبادرة دبلوماسية جديدة، يقودها لاعبان رئيسان يمتلك كل منهما قدرة على الوصول إلى الغرب، ويمتلكان قنوات نشطة مع إيران، ولديهما خبرة سابقة في لعب دور الوساطة في الملفات الإقليمية".
في هذا السياق، لفت إلى أنه "يُنظر إلى فيدان على أنه أكثر من مجرد وزير خارجية عادي، فهو صاحب خلفية أمنية طويلة وأحد أقرب المستشارين إلى الرئيس رجب طيب أردوغان".
ووفقا له، "سعى فيدان خلال الأشهر الأخيرة إلى إعادة صياغة موقع تركيا في المعادلات الأمنية للشرق الأوسط، خصوصا بعد هجمات يونيو/ حزيران 2025 وما أثارته من مخاوف مشتركة بشأن احتمال اندلاع مواجهة واسعة".
لذلك، يقدر الموقع أن "حضوره في طهران إلى جانب زيارة المسؤول السعودي عزز الاعتقاد بأن الطرفين يحملان رسائل تتعلق بالملف النووي، وبإدارة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، فضلا عن ملفات إقليمية أخرى تشمل لبنان والعراق وسوريا وفلسطين".
وأفاد بأنه "بحسب مصادر دبلوماسية في طهران، فإن الرسالة المشتركة لهاتين الزيارتين يمكن تلخيصها في أن (دول المنطقة تخشى وصول أزمة إيران وأميركا إلى نقطة اللاعودة، وتفضل أن تمسك هي بزمام المبادرة بدلا من أن تفرض القوى الخارجية قواعد اللعبة)".
وتابع: "في الواقع، خلصت كل من الرياض وأنقرة إلى أن استمرار الوضع الراهن قد يعرض أمن الشرق الأوسط لاهتزازات جديدة، وهي اهتزازات لا تخدم مصالح أي من العواصم الثلاث: الرياض، أنقرة، أو حتى واشنطن".
من زاوية أخرى، يرى الموقع أن "هذه المصادفة مهمة من منظور مختلف، إذ إن تركيا والسعودية خلال الفترة الماضية، وبعد دخول سوريا حقبة (ما بعد الأسد)، أعادتا فتح قنوات جديدة مع طهران".
وأردف: "وفي ظل هذه الظروف، فإن وجودهما المتزامن في العاصمة الإيرانية يمكن عده جزءا من تنسيق إقليمي يهدف إلى منع انهيار كامل للآليات الدبلوماسية، التي أصيبت بالشلل عمليا بعد هجمات يونيو/ حزيران التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة".
واستطرد: "وبعبارة أخرى، فإن زيارة فيدان والساطي لم تكن مجرد لقاءين ثنائيين، بل إشارة واضحة إلى رغبة القوى الإقليمية في التمركز بين طهران وواشنطن قبل أن ينفلت التوتر من السيطرة".

غير قابلة للوساطة
ورغم كل تلك التحليلات حول دور محتمل للسعودية أو تركيا، ورغم ما تردد عن رغبة ترامب في إسناد ملف إيران إلى ابن سلمان، إلا أن الموقع ينظر بصورة سلبية إلى فرص نجاح الرياض وأنقرة في حل الخلافات بين طهران وبين تل أبيب وواشنطن.
وقال: "معظم التقييمات المستقلة تتجه نحو خلاصة واحدة متشائمة: التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة بات في جوهره غير قابل للوساطة".
وشدد على أن "هذه النتيجة ليست مجرد انعكاس للداخل الإيراني، بل ثمرة تقييمات واسعة في مراكز الفكر والإعلام الدولي".
فقد "أكدت مجلة (الإيكونوميست) في تقرير حديث أنه (يجب عدم الاعتماد حاليا على أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة)، مشيرة إلى أن مشاركة واشنطن في الهجوم على أهداف نووية إيرانية قضت عمليا على أي مسار دبلوماسي، وجعلت أي مفاوضات تتحمل طهران ثمنا سياسيا باهظا.
وأوضحت المجلة البريطانية أن "عدم الثقة المتبادل وعودة واشنطن إلى موقفها الأقصى بشأن (صفر تخصيب) تجعل احتمالية أي اتفاق منخفضة جدا".
في الوقت ذاته، أشار إلى أنه "في طهران، يتفق البعض مع هذا التحليل أيضا؛ إذ يرى بعض صناع القرار أن وساطات الدول الإقليمية لم تعد مجدية، لأن الخلاف تجاوز مستوى النزاع القابل للإدارة إلى مواجهة بنيوية وأمنية".
وبحسبه، "ينظر العديد من المسؤولين الإيرانيين إلى أن هجمات يونيو/ حزيران حملت رسالة عسكرية وسياسية معا: (الولايات المتحدة وإسرائيل مستعدتان لاستخدام القوة لتغيير سلوك إيران)، وهو ما فُسر داخلياً على أنه نهاية مرحلة الثقة بالوسطاء".
من هنا، يقدر الموقع أن "السؤال لم يعد حول من يمكن أن يتوسط، بل حول جدوى الوساطة نفسها في أزمة توصف بأنها (غير قابلة للوساطة)".
وأردف: "لذلك، يعتقد كثير من المحللين أن زيارات المسؤولين السعوديين والأتراك، حتى لو تضمنت إشارات إلى الملف النووي، ستظل محصورة في قضايا إقليمية مثل غزة ولبنان وسوريا واليمن، دون أن تعني عودة فعلية إلى مفاوضات بين طهران وواشنطن".
وبالتالي، خلص الموقع إلى أن "زيارة المسؤول السعودي إلى طهران وتزامنها مع حضور وزير الخارجية التركي قد تعكس بالفعل سعيا إقليميا لتفادي تفاقم الأزمة، لكن جوهر النزاع بين إيران وأميركا سيُحسم في عواصم القرار لدى الطرفين".
مشددا على أنه "طالما بقيت إرادة التغيير مفقودة في هاتين العاصمتين، فلا وسيط -مهما كان وزنه أو نفوذه أو تاريخه- قادر على حل العقدة الرئيسة بين الطرفين".

مثلث القوة
بدوره، تحدث أحمد بخشایش أردستاني في حديثه مع صحيفة (شرق) الإيرانية، عن أهداف زيارة نائب وزير الخارجية السعودي إلى طهران، مشيرا أولا إلى الأجواء التي تشكلت عقب رسالة مسعود بزشكيان إلى محمد بن سلمان.
وأوضح أنه "كان من المقرر أن يقوم أحد المسؤولين السعوديين بزيارة إلى إيران، وكان السبب الأولي مرتبطا بتلك الرسالة؛ لكن عندما أكد قائد الثورة أن هذه الرسالة لا علاقة لها بالولايات المتحدة وأننا لم نوجّه أي رسالة إلى ترامب، تغير مسار التحليلات".
وبحسب عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، فإن مضمون الرسالة "اقتصر بطبيعة الحال على العلاقات الثنائية، وقضية الحج، وتوجيه الشكر إلى الملك السعودي على الخدمات المقدمة للحجاج الإيرانيين".
مشيرا أنه "حتى إذا تطرقت الرسالة إلى بعض أشكال التعاون الثنائي أو المتعدد، فلم يكن لها أي ارتباط بالملف الأميركي)".
ومع ذلك، يضيف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية أن "التساؤل يبقى قائما حول توقيت الرسالة: لماذا تأخر إرسال الشكر عن حج العام الماضي؟ ولماذا أُرسلت قبل أشهر من موسم الحج المقبل؟".
في هذا الصدد، يعتقد أردستاني أن "الأفضل هو النظر إلى الموضوع في إطار مثلث القوة الإقليمي الذي يضم إيران وتركيا والسعودية، حيث يميل كل طرف إلى أحد التكتلات الدولية".
وفي سياق متصل، يشير النائب إلى الزيارة المتزامنة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى طهران، موضحا أن "تركيا تشعر اليوم بأن لها اليد العليا في الملف السوري".
وتابع: "فبينما كانت إيران تتحمل في الماضي تكاليف سوريا بعدّها جزءا من محور المقاومة، باتت تركيا الآن تتحمل العبء الأكبر، في وقت يشكل فيه الوجود الإسرائيلي في الجنوب السوري تهديدا أمنيا حقيقيا لأنقرة".
وزعم أردستاني أن "الضغوط الاجتماعية على حكومة أردوغان، والتظاهرات في سوريا ضد تقاعس حكومة أحمد الشرع أمام الهجمات الإسرائيلية، تشكل عوامل ضاغطة على تركيا".
"كما أن السعودية دخلت عمليا على خط الملف السوري خلال الأشهر الأخيرة عبر إرسال معدات للشرطة ودعم أمني"، يقول أردستاني.
ويكمل: “قد ترى أنقرة أن تهدئة نسبية للوضع السوري يمكن أن تمر عبر طهران، ومن هنا يمكن تفسير زيارة هاكان فيدان إلى إيران”. على حد قوله.
وفي جانب آخر من الحوار، تناول أردستاني الدور "الوسيط" المحتمل للسعودية، مؤكدا أن "زيارة نائب وزير الخارجية السعودي محاولة للعب دور الوسيط؛ ليس لنقل رسائل بين إيران وأميركا عبر ترامب، بل في إطار منافسة مع عُمان وقطر لإبراز الثقل السياسي للسعودية".
وأردف: "السعودية لا تمانع في القول إنها أهم من عُمان وقطر، وأنها قادرة على الوساطة بين إيران وأميركا، كما أنها تدرك تماما أن قوة الردع الإيرانية تمنع إسرائيل من التفرد في المنطقة، وهذا الفهم تعزز بعد حرب الأيام الاثني عشر والهجوم الإسرائيلي على قطر".
وعند سؤاله عما إذا كانت تصريحات خامنئي الأخيرة تعني أن التوتر بين إيران وأميركا بلغ مرحلة "غير قابلة للوساطة"، رفض أردستاني هذا التفسير.
موضحا أن "كلام القائد يحمل ثنائية واضحة؛ فهو دائما ما منح الإذن بالتفاوض في إطار المصلحة، سواء في الاتفاق النووي، أو في المفاوضات الخماسية الأخيرة، أو حتى في ملفات أفغانستان والعراق سابقا".
وبحسب تقديره، فإن "الهدف من كلماته ضمان عدم فرض شروط على البلاد، أي أنه لا ينبغي لنا أن نتوقع حل جميع المشاكل الاقتصادية بمفاوضات واحدة".
وأكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية أن "هذا التصريح لا يعني إغلاق باب المفاوضات مع الولايات المتحدة"، بل كان رد فعل على أجواء "كان الهدف منها منح الناس أملا في اتفاق وهمي".
وفي ختام حديثه، أشار النائب إلى أن "السعودية تسعى إلى لعب دور الأب في المفاوضات الكبرى؛ فهي تريد أن تقول لأميركا إنها قادرة على إدارة الأزمات، وأن تبعث برسالة إلى المنطقة بأنها في مرتبة أعلى من عُمان وقطر".
"كما أنها أدركت أن إيران ليست عدوها؛ فغياب إيران يعني هيمنة إسرائيل بسهولة على المنطقة"، وفق تحليله.
“لذلك لا تمانع السعودية في بناء علاقة موثوقة مع طهران، علاقة لم تصل إلى حد الحرب طوال الأربعين عاما الماضية رغم كل الخلافات”. بحسب ما ذكره.















