تضارب روايات إمام أوغلو حول شهادته الجامعية.. قضية تعيد إثارة الجدل لتركيا

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في الأسابيع الأخيرة، مثل رئيس بلدية إسطنبول المعزول أكرم إمام أوغلو، أمام محكمة تابعة لسجن سيليفري في قضية شهادته الجامعية المزورة التي سبق أن ألغيت من مجلس التعليم الأعلى، وتطالب النيابة العامة بسجنه من عامين إلى 8 سنوات و9 أشهر، مع منعه من العمل السياسي.

وتمثل قضية الشهادة الجامعية واحدة من مجموعة محاكمات يخضع لها إمام أوغلو، وهي مستقلة عن قضية الفساد التي عزل وسجن بسببها.

وعن جديد القضية، نشرت صحيفة “حرييت” مقالا للكاتب التركي “نديم شينير” ذكر فيه أن قضية الشهادة الجامعية عادت إلى صدارة النقاش العام في تركيا كملف مركّب تتداخل فيه السياسة بالتاريخ الشخصي، والإعلام بالوثائق الرسمية، والقضاء بالسرديات الفردية. 

شهادة "مزورة"

وأوضح أن الجلسة الأخيرة في المحكمة، وما رافقها من تصريحات متضاربة، أعادت فتح باب الأسئلة حول حقيقة المسار التعليمي لإمام أوغلو، وحول ما إذا كان قد حصل بالفعل على انتقال أفقي قانوني إلى جامعة إسطنبول، أو أنّ الأمر بني على سلسلة من التناقضات التي تراكمت عبر الزمن.

وأشار الكاتب إلى أن الحقائق تظهر في النهاية، فإمام أوغلو "غطّى كذبة بأخرى" خلال دفاعه أمام المحكمة، خصوصا عندما نفى ما نُقل في الكتب والمصادر التي كان هو نفسه قد استند إليها سابقا.

وأضاف: تبدأ القصة من السيرة الذاتية التي روّج لها إمام أوغلو لسنوات طويلة، والتي تقول إنه بعد تخرّجه من ثانوية طرابزون، توجه إلى قبرص التركية.

حيث دخل امتحان القبول في "جامعة شرق المتوسط" ونجح في قسم الهندسة المدنية، قبل أن يغيّر مساره لاحقا ويسجل في "جامعة غيرنة" الأميركية لدراسة إدارة الأعمال. 

وقد ظهرت هذه الرواية في المواقع الرسمية، وفي الكتب المكتوبة عنه، وفي مقابلات إعلامية موثقة. 

إلا أنّها تضعف كثيراً أمام الشهادات الرسمية الصادرة عن جامعة شرق المتوسط نفسها، والتي أكَّدت أنه لا وجود لأي تسجيل لإمام أوغلو في الجامعة، وأنها منذ عام 1986 لا تقبل أي طالب دون امتحان رسمي، وأن سجلاتها تخلو تماما من اسمه. 

بذلك فإن هذا التناقض بين السيرة الذاتية والمصادر الرسمية يفتح الباب أمام تساؤلات حول مصدر هذه الرواية، وكيف تم تثبيتها وتكرارها لعقود.

وتبرز أهمية هذا الخلاف عندما نتناول مسألة الانتقال الأفقي إلى جامعة إسطنبول عام 1990. 

ففي دفاتر سجل الطلاب الخاصة بكلية إدارة الأعمال، يظهر أن مصدر انتقال إمام أوغلو كان جامعة شرق المتوسط، وهي معلومة أساسية في إجراءات معادلة الشهادات. 

لكن إذا كانت الجامعة تؤكد أنه لم يدرس فيها، فمن أين جاءت هذه المعلومة؟ وكيف سُجّلت في وثائق رسمية؟ 

هذه الأسئلة تزداد أهمية عندما نعلم أن جامعة غيرنة الأميركية التي درس فيها فعليا بحسب المعطيات لم تكن معترفا بها آنذاك بما يسمح لطلابها بالانتقال إلى جامعات تركية. 

بالتالي فإن أي انتقال منها إلى جامعة إسطنبول لم يكن ممكنا وفق القوانين السارية في ذلك الوقت.

ولعل ما يزيد المشهد تعقيدا هو السياق الذي جرت فيه هذه الانتقالات؛ فقد أظهرت التحقيقات أن عدد المقاعد المتاحة للانتقال الأفقي كان رسميا عشرة فقط، ثلاثة منها لطلاب أجانب، لكنّ العدد ارتفع فجأة إلى 53 مقعدا. 

كما تبيّن أن عددا كبيرا من الطلاب الذين قدموا من جامعة غيرنة الأميركية سُجّلوا في السجلات وكأنهم قدموا من جامعة شرق المتوسط، وهو ما يشير إلى احتمال وجود منظومة كاملة من التسهيلات غير القانونية أو التجاوزات الإدارية التي شاركت فيها أطراف متعددة. 

وإذا صحت هذه المعطيات، فإن القضية تتجاوز وضع إمام أوغلو الفردي إلى نمط أوسع من الفوضى أو التلاعب في إجراءات الانتقال الجامعي خلال تلك الفترة. 

ورغم ثقل هذه الوثائق والشهادات، تبقى تصريحات إمام أوغلو عاملا مهما في تحليل القضية. 

أكاذيب متراكمة

وأشار الكاتب التركي إلى أن “الأكاذيب المتراكمة” لم تتوقف عند حدود السيرة الذاتية، بل امتدت إلى قاعة المحكمة نفسها.

حيث حاول إمام أوغلو التملص من المسؤولية عبر تحميل الخطأ للموظفين وللكتاب الذين أعدوا سيرته، نافيا أن تكون له علاقة بالبيانات المثبتة في دفاتر الجامعة. 

وهذه المواقف تُعدّ استمراراً لنهجٍ قديم يهدف إلى تغطية الكذبة الأولى بكذبات جديدة كلما انكشفت حقائق إضافية. 

فبينما تحدث إمام أوغلو بوضوح في مقابلة مع “سوناي أكن” عن دخوله امتحانات جامعة شرق المتوسط، عاد لاحقا في المحكمة لينفي ذلك تماما.

مشيرا إلى أن المعلومات التي ظهرت في الكتب وعلى المواقع كانت "خطأ كتبه شخص جاهل"، وأن تسجيله في السجلات ليس من مسؤوليته، محاولاً إحالة المسؤولية إلى موظفين أو كتاب أو محرري مواقع. 

ويعكس هذا التباين بين ما قاله في الإعلام وبين ما يقوله أمام القضاء توترا واضحا بين السرد الشخصي والإطار القانوني الذي يُحاسَب عليه رسمياً، بحسب الكاتب.

شفافية غائبة

ويمكن لهذه القصة أن تتحول إلى مادة سياسية قابلة للاستخدام في أكثر من اتجاه، فإنّ الكشف عن أي تلاعب محتمل في السجلات، أو المرور عبر جامعات لا تتمتع باعتراف رسمي كامل قد يستغل لتقويض مصداقية شخصية سياسية بارزة. 

وأمام هذا الوضع، يصبح فتح تحقيق مستقل وشفاف ضرورة لا يمكن تجاوزها، إذ إنّه من المهم الكشف بالتفصيل عن سلسلة التسجيلات الجامعية، وتحديد المسؤولين الذين أجروا أو سمحوا بإدخال البيانات، والاطلاع على الوثائق الأصلية المتعلقة بسنوات الالتحاق ونتائج الامتحانات. 

كما أن انتشار حالات مشابهة يطرح حاجة ملحّة لإعادة النظر في آليات الانتقال الأفقي داخل المؤسسات التعليمية، وتطوير أنظمة رقابية أكثر صرامة تشرف عليها هيئة التعليم العالي والجهات المسؤولة، لضمان عدم تكرار هذه الثغرات.

ويمكن القول: إن القضية تحولت إلى نقاش عام يتجاوز البعد القانوني إلى سجال سياسي وإعلامي، فكل طرف يوظف المعلومات المتاحة بما يخدم رؤيته.

فالمعارضون يرون فيها دليلا على تضليل متعمد في السيرة الذاتية، بينما يرى المؤيدون أنها محاولة لتشويه سمعة سياسية. 

وفي ظل هذا الاستقطاب، تصبح الحاجة إلى تحقيق شفاف ومحايد أمرا ملحا؛ لأن الحقائق المتعلقة بالتعليم والشهادات لا ينبغي أن تكون عرضة للتسييس أو التأويل.