احتياطات تسيل لعاب الإمارات وإسرائيل.. لماذا تنقب تركيا عن النفط بالصومال؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تستعد تركيا للدخول في مرحلة جديدة من حضورها في القرن الإفريقي عبر إطلاق عمليات حفر نفطية في المياه الصومالية ابتداءً من عام 2026، بعد إنهاء المسوحات الزلزالية واسعة النطاق التي أجرتها خلال العام الجاري.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “يني شفق” مقالا للكاتب التركي "بولانت أوراك أوغلو"،  ذكر فيه أنّ تركيا تخطط للانتقال من مرحلة المسح السيزمي إلى مرحلة الحفر الاستكشافي البحري قبالة السواحل الصومالية، مع توقعات بأن يكون عام 2026 “عامَ الحفر” في المياه العميقة. 

تحرك إستراتيجي

وهذا الإعلان ليس مجرد خبر تقني عن نشاط نفطي جديد، بل مؤشر على تحرك إستراتيجي واسع النطاق يجمع بين الدوافع الاقتصادية، والطموح الجيوسياسي، وحسابات الأمن البحري والإقليمي.

فتحليل الخطوط العريضة لهذه الخطوة يُظهر فرصا ملموسة إلى جانب تحديات كبيرة قد تعيد ترتيب ملامح النفوذ في القرن الإفريقي وبحر العرب.

فمنذ 2011 رسّخت أنقرة وجودا متناميا في الصومال عبر استثمارات إنسانية وبُنى تحتية ودور عسكري تدريجي؛ من افتتاح سفارة كبيرة في مقديشو إلى تشغيل مطار وميناء وإقامة قاعدة عسكرية وتدريب آلاف الجنود الصوماليين. 

وهذا التمركز مهَّد الطريق لعلاقات ثنائية طويلة الأمد تُسهل إبرام اتفاقيات استكشاف الموارد البحرية. 

اقتصادياً، تُقدَّر احتياطيات الصومال المحتملة بمليارات البراميل وكميات كبيرة من الغاز، بالتالي فإن أي اكتشاف تجاري سيكون ذا مردود اقتصادي وإستراتيجي هائل لأنقرة، ويسمح لها بتنمية قدرات الطاقة وفتح أسواق جديدة لشركاتها. 

أما سياسيًا، فالنجاح في الصومال يعزّز من رصيد تركيا الإقليمي، ويمكن أن يُوظَّف في تنافسها مع خصوم إقليميين ودوليين.

وتوفّر الأراضي البحرية للصومال منفذاً لمصدر نفطٍ وغازٍ جديدين، وقد يخفف هذا المصدر من اعتماد الأطراف على مصادر تقليدية. 

كما أن إدارة البنية التحتية (موانئ، طرق، منشآت إنتاجية) من قبل شركات تركية قد تفتح فرصا لمورّدين وخبرات تركية، وتولّد عقود بناء وتشغيل محلية وإقليمية.

 أمّا على مستوى الشركات، فإنّ المشاركة في مشاريع الاستكشاف تعزّز موقع الشركات التركية في سوق الخدمات النفطية البحرية العميقة. 

كذلك، فإن نجاح مشروع اكتشاف-إنتاج النفط والغاز سيسهم في تحويل دور أنقرة من متلقٍّ للاستثمارات إلى شريك فاعل في سلاسل قيمة الطاقة في شرق إفريقيا.

تحديات أمنية ومالية 

ولفت الكاتب التركي إلى أن الانتقال إلى الحفر في أعماق تصل إلى 3 آلاف متر يتطلب تقنيات وبنى عالية التكلفة وخبرة متقدمة، وهو ما يعني إنفاقاً مبدئياً كبيراً. 

فتقارير الخبراء تُشير إلى ميزانية تصل إلى مئات الملايين للمرحلة الاستكشافية ومليارات لاحقا لتحويل الاكتشاف إلى إنتاج. 

عملياً، فإنّ نقص الطرق والاتصال في المناطق المستهدفة كما أقرّ المسؤولون يزيد من تعقيد الإمدادات واللوجستيات، وهو ما يستلزم استثمارات إضافية في بنى تحتية برية ومرافئ وطاقة وتحويلات أمنية. 

بالإضافة إلى ذلك، على الصعيد الأمني كانت سواحل الصومال ولا تزال مهددة بتهديدات متعددة: مثل قراصنة بحريين، وتنظيمات مسلحة محلية، ووجود جماعات إقليمية تسعى للتأثير. 

كما أن حماية سفن المسح والحفر سوف تتطلب حمايةً عسكريّة دائمة، وهو أمر ظهر بالفعل مع إحاطة سفينة «أوروتش رئيس» بفرقاطات بحرية، وهذا الأمر يطيل زمن العائد  ويزيد المخاطر المالية.

ولفت الكاتب النظر إلى أن أية أعمال تنقيب تستلزم وضوحا في حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وترتيبات قانونية واضحة مع حكومة مقديشو وموافقة الأطراف المحلية والإقليمية. 

لهذا فإن أي خلاف على حدود البحر الإقليمي، أو نزاعات داخلية في الصومال قد تعرقل تنفيذ الخطط أو تفتح الباب لانتهاكات دبلوماسية وقانونية. 

إسرائيل والإمارات

واستدرك الكاتب التركي أنّ بعض التقارير ذكرت أن جهات مدعومة من إسرائيل والإمارات سعت إلى التأثير في الصومال؛ وهذا يضع مشروع أنقرة في سياق تنافسي حاد. 

لذا فإنّ نجاح تركيا قد يقلّص مجال تأثير دول خليجية أو غربية ويعزز موقف أنقرة في شرق إفريقيا والخليج. 

بالمقابل، فإن تدخلات دولية قد تعقّد المشهد مثل الولايات المتحدة، والصين، ودول خليجية، وحتى قوى إقليمية مثل إثيوبيا وقطر قد تقيّم مصالحها إزاء توسع النفوذ التركي. 

كما أن أي استغلال تجاري كبير للموارد قد يعبئ أطرافًا داخلية وخارجية تطالب بحصص أو تفرض شروطًا أمنية إضافية. 

وقد أفاد مصدر صومالي بأن الحكومة تستعد لطرح مناقصة قريباً، بهدف إنشاء طرق جديدة تؤمّن الوصول إلى مناطق الحفر البحرية والبرية، مؤكداً أن هذه البنية التحتية ستكون جاهزة قبل بدء عمليات التنقيب الفعلية. 

وتشير تقديرات رسمية صادرة عن جهات حكومية أميركية إلى أن الصومال قد يمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز تُقدّر بما لا يقل عن 30 مليار برميل، ما يجعله واحداً من أكثر المواقع الواعدة في شرق إفريقيا. 

إلا أن استغلال هذه الثروات الطبيعية يتطلب ضخ استثمارات مالية كبيرة تمتد على فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، وذلك لتطوير البنية التحتية الأساسية وتنفيذ أعمال الحفر والإنتاج.

وكان خبير في مجال الطاقة قد أوضح أن تركيا قد تحتاج إلى إنفاق نحو 500 مليون دولار لإتمام عمليات المسح الزلزالي والتنقيب الأولي، في حين أن تحويل هذه الاحتياطيات إلى إنتاج تجاري فعلي يستلزم استثمارات إضافية تُقدّر بعدة مليارات من الدولارات، تشمل بناء منشآت الاستخراج والنقل والمعالجة.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: إن النجاح سيوفر لأنقرة موطئ قدم نفطيّا وإستراتيجيّا، يدعم دورها الإقليمي ويمنحها أوراق تفاوض جديدة. 

حيث إنّ المشروع قد يكون شرارة لتحول أوسع في موازين القوى في القرن الإفريقي وبحر العرب، وهو ما سيجعل من متابعة مسارات التمويل، والضمانات الأمنية، وتحالفات اللاعبين الإقليميين والدوليين ضرورة ملحّة لنجاح هذه المغامرة النفطية.