صفقات الظل.. كيف أعادت أبو ظبي الحياة لصناعة السلاح الإسرائيلية بعد غزة؟

"وثائق أميركية مسربة تؤكد وجود تعاون عسكري سري بين إسرائيل ودول عربية خلال إبادة غزة"
بسبب إبادة غزة، جمدت وألغت دول عديدة، خاصة في أوروبا، صفقات سلاح ضخمة مع إسرائيل، بمليارات الدولارات، ما هدد الصناعات الحربية بفلسطين المحتلة بالركود والانهيار.
لكن بعد وقف إطلاق النار في غزة، أعلنت مصانع سلاح إسرائيلية توقيعها صفقة "سرية" لبيع أسلحة لدول لم تحددها، في 17 نوفمبر/ تشرين الأول 2025، خشية انتقاد العالم لهذه الدول، لمشاركتها في دعم دولة ارتكبت إبادة جماعية في غزة.
وبعد قرابة شهر من الإعلان عن الصفقة السرية، كشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباري الفرنسي، في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2025، أن الإمارات هي المشتري لصفقة السلاح الضخمة التي أعلنت عنها شركة (إلبيت سيستمز) Elbit Systems في 17 نوفمبر.
وأوضح أن قيمتها تُقدر بنحو 2.3 مليار دولار وتُعد الصفقة الأكبر في تاريخ الشركة الإسرائيلية، وأنقذتها من توقف الإنتاج والإفلاس.
أيضا نشرت صحيفة "كالكلسيت" الاقتصادية الإسرائيلية تفاصيل الصفقة، في 16 ديسمبر، مؤكدة أن الإمارات تقف وراء "صفقة الدفاع القياسية لشركة إلبيت التي تبلغ قيمتها 2.3 مليار دولار"، وأنها هي "الطرف الثاني" في العقد.

تفاصيل الصفقة
يوم 17 نوفمبر، أعلنت شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية Elbit Systems Ltd بورصة إسرائيل، في بيان رسمي، توقيعها عقدا دوليا كبيرا لبيع أسلحة بقيمة 2.3 مليار دولار، نشرت تفاصيله نشرة "بي آر نيوزواير".
البيان الرسمي للشركة المُقدم للبورصة، لم يذكر اسم الدولة المشترية، وجاء دون التفاصيل التقنية أو هوية الطرف المتعاقد، وكان هناك حرص شديد على سرية هوية العميل "لأسباب أمنية وتقنية"، كما قيل.
وقد اكتفت شركة "إلبيت" الإسرائيلية بوصف الصفقة بأنها تتعلق بـ "منظومة إستراتيجية متقدمة لزبون دولي"، من دون الكشف عن طبيعتها أو من اقتني هذه المنظومة، وسط تكتم رقابي إعلامي مشدد على تفاصيلها.
واستمر ذلك حتى كشفت تقارير استخبارية أجنبية إنها أُبرمت مع "مصادر بمؤسسة دفاعية إماراتية".
ففي أعقاب إعلان الشركة الإسرائيلية عن الصفقة، بقرابة شهر، أفادت تقارير استخباراتية وإعلامية أجنبية بأن دولة الإمارات هي الجهة المتعاقدة.
موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباري الفرنسي، 15 ديسمبر 2025، كشف أن الدولة التي وقعت هذا العقد هي "الإمارات"، وأن إسرائيل ترفض نشر تفاصيل نوعية وأنظمة التسلح المتعاقد عليها بسبب سرية الصفقة.
وكان لافتا أن صحيفة "كالكليست" الاقتصادية الإسرائيلية، حذرت يوم 15 ديسمبر 2025، من أن هذه الصفقة قد تحمل تداعيات على "التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط".
"نظرًا لحساسية التكنولوجيا التي تحتويها الأجهزة والتخوف من تسربها، لكن تل أبيب قررت بيعها نظرا لحاجتها لتمويل صناعاتها الحربية بثمنها"، وفق قولها.
وتوظف هذه الشركة الإسرائيلية 20 ألف شخص في عدة دول بخمس قارات، وحققت إيرادات بلغت 1,973 مليون دولار، خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 يونيو 2025، بحسب بياناتها الرسمية.
وبلغت قيمة طلبات السلاح المتراكمة المطلوبة منها 23.8 مليار دولار أميركي حتى يونيو 2025، ولكن كثير منها تم تجميده بسبب الحرب.
ومعروف أن الإمارات متهمة، بأدلة ووثائق سودانية، بدعم ميليشيات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو (حميدتي)، والتي ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وهناك شكوك أن تُنقل هذه الأسلحة الإسرائيلية للسودان.

مخاطر الصفقة
وتقول نشرة "بي آر نيوزواير"، في 17 نوفمبر، إن "هذه الصفقة مع الزبون الدولي الأكبر في تاريخ شركة إلبيت (وهو الإمارات) تعطي مؤشرين مهمين":
الأول: أن هناك عملية تعزيز للتعاون العسكري والتقني بين إسرائيل والإمارات، بدأت في أعقاب اتفاقيات أبراهام، ما يفتح أسواقًا جديدة لصناعات الدفاع الإسرائيلية، برغم حرب الإبادة في غزة.
الثاني: تعافي أو توسع السلاسل التصديرية الإسرائيلية العسكرية إلى خارج الأسواق التقليدية بفضل هذه الصفقة.
إذ يعني هذا الدعم إنقاذ أبو ظبي للصناعات الحربية الإسرائيلية من الانهيار بفعل مجازر غزة وحملات المقاطعة اللاحقة لها، ويُعيد الطلب على منتجات الكيان، حيث وفرت الصفقات والاستثمارات الإماراتية تدفقا ماليا مباشرا لشركاته للسلاح.
وساعد هذا في "تعزيز التعاون الدفاعي"، بين أبو ظبي وتل أبيب، بحسب موقع "معهد واشنطن" الموالي للوبي الصهيوني في أميركا، 5 أغسطس 2025.
"ودعم أوضاع السيولة للشركات المتخصصة في أنظمة دفاع متقدمة، وتعزيز أو إبقاء خطوط الإنتاج العاملة، وإعطاء هذه الشركات ثقة أكبر في الأسواق الإقليمية"، وفق المعهد.
وقد أتاحت صفقات الإمارات خصوصا، لإسرائيل توسيع شبكة المشترين الإقليميين، وكسر حواجز المقاطعة التي كانت تحد من تصدير الأسلحة دول عربية قبل اتفاق أبراهام.
والأهم تعويض الصناعات الحربية الإسرائيلية – بهذه الصفقات الإماراتية- بعدما تراجعت الأسواق الأوروبية عن صفقات أبرمتها.
ففي أعقاب إبادة غزة، واجهت الشركات الإسرائيلية حملة مقاطعة في الأسواق الغربية بسبب الضغوط السياسية على خلفية الحرب في غزة وتم إلغاء أو تأجيل صفقات مع بعض الدول.
لذا جاء الدعم الإماراتي عاملًا مساهما في تخفيض أثر هذا النوع من الضغوط على الصناعة.
وخطورة هذا الدعم أنه لا يقتصر على استثمارات وشراكات صناعية في مجال التسلح الإسرائيلي، وإنما فتح الأفاق للصناعات الحربية الإسرائيلية عبر استضافة وفتح منصات لعرض تكنولوجيات تسلح إسرائيلية في معارض دفاعية داخل الإمارات، ما منح شركات إسرائيلية همزة وصل جديدة مع عملاء محتملين.
وتشجع إسرائيل إبرام صفقات حربية جديدة باعتبارها حلًا لتمويل التكييفات المطلوبة في صناعات السلاح استعدادًا لـ"الحرب القادمة"، مع تركيز خاص على إيران، بحسب صحيفة "كالكليست" الاقتصادية الإسرائيلية، 15 ديسمبر 2025.
ويشمل ذلك "تمويل أعمال التحصين والتدريع لمنشآت الإنتاج العسكري، وشراء آلات ومعدات مناسبة لتوسيع خطوط الإنتاج، إلى جانب استثمارات واسعة في البحث والتطوير بهدف توفير قدرات مستقبلية للجيش الإسرائيلي".
وتعتزم إسرائيل توسيع نطاق الصفقات الأمنية عبر نموذج الصفقات الحكومية الثنائية (اتفاقات بين دول)، مثل صفقة الإمارات، لتمويل شركات السلاح.
وخلال عام 2024، أُنجزت تل أبيب 21 صفقة سلاح إسرائيلية وفق هذا النموذج لتوفير نفقات للحرب، وتنوي زيادتها بهدف استعادة تجارة السلاح لتعود إلى مبيعات مستهدفة تبلغ 14.8 مليار دولار سنويا، وفق أخر أرقام عام 2024.
وكانت وزارة الحرب الإسرائيلية أعلنت ما وصفته بـ "سياسة الإصلاح" في مجال تصدير السلاح بداية من عام 2026، سهلت بموجبها صفقات بيع السلاح، لدول مختلفة كان محظور البيع لها سابقا، لتعويض خسائرها المالية.
وهو ما أكدته صحيفة "كالكليست" بقولها: إن إسرائيل تسعى لتمويل الصناعات العسكرية الحربية عبر صفقات السلاح المُباعة نفسها، بدل أن تتكفل حكومة تل أبيب تمويل عمليات الإنتاج والتطوير مباشرة من خزينة تتآكل بعد عامين من الحرب.
أي أنها خطوة تهدف إلى تخفيف العبء المالي المباشر عن الميزانية العامة وتمويل صناعة السلاح الإسرائيلية بالمبيعات لا الدعم الحكومي.
وبعد توقف إبادة غزة التي عرقلت العديد من مبيعات السلاح الإسرائيلية للخارج والتي تعتمد عليها الموازنة، والقيام بحملات إعلانية ضخمة لاستعادتها، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، عن "تسهيلات واسعة في صادرات الأسلحة".
بحيث سيصبح بالإمكان تصديرها إلى عدد دول أكبر وزيادة عدد الشركات التي تصدر الأسلحة الإسرائيلية، وارتفاع دخل خزينة الدولة من الضرائب التي تفرض على صفقات الأسلحة، حسبما ذكر موقع “زْمان يسرائيل” الإخباري، في 23 نوفمبر.

تطبيع عسكري
منذ أن طبعت إسرائيل والإمارات علاقاتهما بتوقيع اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، شهد البلدان توسعاً سريعاً في تعاونهما الاقتصادي والتجاري والتعاون العسكري، حتى في خضم إبادة غزة.
ومنذ عام 2020، عملت الإمارات وإسرائيل بشكل مطرد على تعزيز علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وظهر هذا في التطورات التالية:
نوفمبر 2021: أجرت قيادة القوات البحرية الأميركية المركزية مناورة بحرية متعددة الأطراف في البحر الأحمر إلى جانب قوات من البحرين والإمارات وإسرائيل وهي أول مناورة عسكرية معترف بها علنًا بين الموقعين على اتفاقيات أبراهام.
سبتمبر 2022: أعلنت شركة "إلبيت سيستمز الإمارات"، وهي فرع للشركة الإسرائيلية في الإمارات، عن فوزها بعقد بقيمة 53 مليون دولار لتزويد القوات الجوية الإماراتية بأنظمة دفاعية، ووافقت إسرائيل على طلب الإمارات بتزويدها بنظام الدفاع الجوي المتنقل "سبايدر".
أكتوبر 2022: تم نشر نظام الدفاع الجوي الصاروخي الإسرائيلي الصنع (باراك) في الإمارات.
فبراير 2023: أعلنت إسرائيل والإمارات عن أول مناورة بحرية ثنائية لهما وكُشف النقاب عن سفينة بحرية غير مأهولة تم تطويرها بشكل مشترك.
يناير 2025: أعلنت مجموعة EDGE الإماراتية، استحواذها على 30% من أسهم شركة "ثيرد آي" أو "هعاين هشليشيت" (العين الثالثة) الإسرائيلية المتخصصة في تطوير وإنتاج أنظمة تشويش على الطائرات المسيرة.
أبريل 2025: أرسلت الإمارات طائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000-9 للانضمام إلى القوات الجوية الأميركية والإسرائيلية في مناورة متعددة الجنسيات في اليونان، مما يشير إلى استمرار التعاون على الرغم من إبادة غزة.
يونيو 2025: تم إبرام صفقة تشتري بموجبها مجموعة إيدج الإماراتية طائرة هيرميس 900 بدون طيار من شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية، تشمل نقل التكنولوجيا والإنتاج المحلي.
وإلى جانب هذه النقاط البارزة، يتبادل البلدان المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات المشتركة حسبما أكدت تقارير إسرائيلية.
وسبق أن افتتحت شركات صناعات عسكرية إسرائيلية، بينها "إلبيت" و"الصناعات الجوية الإسرائيلية"، مكاتب تمثيلية رسمية في أبو ظبي، وشاركت في المؤتمرات والمعارض الدفاعية والأمنية في الإمارات.

إنقاذ صناعات إسرائيل
بعد 3 قرارات إسبانية بإلغاء وتجميد شراء أسلحة من الشركات العسكرية الإسرائيلية بقرابة مليار يورو، وتجميد دول أوروبية أخرى عقود بقيمة 600 مليون دولار بسبب إبادة غزة، حاولت الشركات الإسرائيلية البحث عن صفقات، حسبما تؤكد تقارير اقتصادية إسرائيلية.
صحيفة "يديعوت احرونوت" أكدت في 12 أكتوبر ، أن شركات ومصانع الأسلحة في إسرائيل تُكثف اتصالاتها مع دول أوروبية لمعاودة شراء الأسلحة الإسرائيلية، منذ إعلان وقف إطلاق النار في غزة.
ولبيع صفقات جديدة وتعويض خسائرها خلال الحرب بعدما اشتكت بعض شركات السلاح من إغلاق أبوابها وتقليص الإنتاج.
نقلت عن مسؤول كبير في إحدى كبرى شركات السلاح الإسرائيلية أن المصانع تعمل بكامل طاقتها لتعويض ما استهلكه الجيش من كميات هائلة من الذخائر في الحرب، وتجديد المخزونات الحيوية وملء المستودعات، لكن مصانع السلاح قائمة أصلا على التصدير كي يمكنها تحقيق أرباح.
لذا سعت لإبرام صفقات مستقبلية جديدة مع دول أخرى بخلاف أوروبا، فقد كان لدى أكبر ثلاث شركات حربية وهي: رافائيل وإلبيت سيستمز وصناعات الفضاء الإسرائيلية، طلبات تبلغ حوالي 250 مليار شيكل، محليًا ودوليا، وجرى تجميد بعضها مؤقتا.
وكانت أبرز هذه الصفقات التي تم إلغاؤها، إلغاء الحكومة الإسبانية عقدا بقيمة 700 مليون يورو (825 مليون دولار) لشراء قاذفات صواريخ من تصميم إسرائيل، وقبلها عقد آخر للسلاح بقرابة 300 مليون يورو، ليبلع حجم الصفقات الملغاة مليار يورو.
وبالمجمل، ألغت إسبانيا عقدين مع شركتين إسرائيليتين بقيمة تقترب من مليار يورو (حوالي 1.18 مليار دولار)، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 15 سبتمبر 2025.
وكانت أكثر خسائر إسرائيل بسبب حرب إبادة غزة في "تجارة السلاح"، إذ يعتمد اقتصادها على مبيعات وأرباح الصناعات الحربية، ولا يقل حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية سنويا عن قرابة 15 مليار دولار.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت، 11 أكتوبر 2025، عن وثائق أميركية مسربة تؤكد وجود تعاون عسكري سري بين إسرائيل ودول عربية خلال إبادة غزة.
قالت: على الرغم من الانتقادات العلنية الشديدة الموجهة لإسرائيل، شاركت ست دول عربية سراً في شبكة أمنية إقليمية بقيادة الولايات المتحدة، حيث تبادلت المعلومات الاستخباراتية والتدريب مع إسرائيل بشأن حرب الأنفاق ومواجهة إيران.
وهذه الدول هي: الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين وقطر، وشاركوا في إطار دفاعي إقليمي سري يُعرف باسم "الهيكل الأمني الإقليمي"، وتم إدراج الكويت وسلطنة عمان كشريكين محتملين في المستقبل.
وعقب الصفقة الإماراتية، وافق البرلمان الألماني (البوندستاغ) على صفقة أكبر هي شراء منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "حيتس 3"، بقيمة 6.7 مليارات دولار، في أكبر صفقة تصدير أمني في تاريخ إسرائيل.
المصادر
- Elbit Systems Signs a $2.3 Billion International Contract
- Revealed: the mystery client behind Elbit Systems' mega-contract in Gulf
- UAE reportedly behind Elbit’s record $2.3 billion defense deal
- Emirati state weapons contractor invests in Israeli defense supplier
- Israel-UAE Defense Cooperation Grows Under the Abraham Accords
- The $2.3 billion mystery arms deal Israel won’t explain
- Israeli defense firms eye renewed business in Europe in wake of Gaza ceasefire
- Secret Israel-Arab military cooperation during Gaza war revealed, leaked US documents show















