مهمات إستراتيجية.. لماذا اتجهت إيران إلى تشكيل "مجلس الدفاع الوطني"؟

"المجلس الأعلى للأمن القومي غدا غير قادر على إنتاج قرار عسكري مركز"
مواجهة إيران الأخيرة مع إسرائيل أحدثت تأثيرات كبيرة على هيكلة المؤسسات العليا الأمنية لطهران، الأمر الذي استدعى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحماية بنية النظام الحاكم الذي تآكلت قيادته.
وفي خطوة نحو ذلك، أعلنت وكالة أنباء "فارس"، التابعة للحرس الثوري، استكمال التغييرات البنيوية في "المجلس الأعلى للأمن القومي" وتشكيل هيئة جديدة تُدعى "مجلس الدفاع الوطني".

هيكلة أمنية
وذكرت الوكالة، مطلع أغسطس/ آب 2025 نقلا عن مصادر مطلعة، قولها: إن المجلس الجديد جرى تأسيسه "بمهمات إستراتيجية في مجال السياسات الدفاعية للبلاد"، وأن هيكليته “ستُستكمل قريبا”.
وأشارت إلى أنه يُعد جزءا من "الترتيب الجديد في الحوكمة بمجالي الدفاع والأمن".
من جانبه، قال التلفزيون الرسمي الإيراني: إن المجلس الجديد سيرأسه رئيس البلاد، وسيضم قادة القوات المسلحة والوزارات المعنية.
وأوضح أن المجلس "يدرس خطط الدفاع" و"يعزز قدرات القوات المسلحة بشكل مركزي".
وشنت إسرائيل على مدى 12 يوما هجمات على إيران بدأت من 13 يونيو/ حزيران 2025، تخللتها سلسلة عمليات معقدة اخترقت من خلالها البنية الأمنية والنووية الإيرانية، ما وجّه ضربات غير مسبوقة للنظام الإيراني، حيث قُتل فيها قادة عسكريون بارزون وعلماء في مجال الطاقة النووية.
وعقب ذلك، تعالت الأصوات من داخل النظام، لإعداد إستراتيجية تقر هيئات عسكرية وأمنية جديدة في ظل عدم توازن القوى، وتفوق الولايات المتحدة وإسرائيل في المجالات العسكرية والاستخباراتية على طهران والتي أثبتتها الخروقات الكبيرة في هرم القيادة العسكرية خلال الحرب الأخيرة.
ودعا علي سعيدي، رئيس المكتب العقائدي السياسي للمرشد الإيراني علي خامنئي، مطلع أغسطس 2025، إلى ضرورة "إعادة النظر في منظومتنا الدفاعية والأمنية، وتعزيز إشرافنا الاستخباراتي بعد الأحداث الأخيرة".
وأضاف سعيدي قائلا: "يجب أن نكون قادرين على مواجهة أقوى الأنظمة الدفاعية والأمنية. هذا أمر بالغ الأهمية".
خسارة إيران لمسؤولين عسكريين كبار وعلماء يعملون على تطوير البرنامج النووي، نتيجة نجاح إسرائيل في تحقيق "الاختراق والتجسس" في الداخل، يدفع طهران للعمل على تفكيك شبكات التجسس المتغلغلة حتى في قمة قيادته، خاصة أن احتمال استئناف إسرائيل الحرب خيار قائم في أية لحظة بظل وجود هدف معلن أميركي إسرائيلي يتمثل بمنع إيران من حيازة سلاح نووي.
وكانت أولى الخطوات العملية، تعيين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، علي لاريجاني وهو من كبار مستشاري خامنئي، أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي بدلا من علي أكبر أحمديان، الذي شغل المنصب منذ 2023.
وسيضم المجلس المذكور رؤساء أفرع الحكومة الثلاث وكبار قادة القوات المسلحة والوزارات المعنية.
وصادق المجلس الأعلى للأمن القومي على تشكيل مجلس الدفاع بموجب المادة 176 من الدستور الإيراني، التي تسمح بإنشاء هيئات فرعية لشؤون الدفاع والأمن.
مفتاح الفهم
المواجهة الإيرانية مع إسرائيل مثلت أخطر تحد أمني يواجهها منذ حربها مع العراق في عهد صدام حسين في ثمانينيات القرن العشرين.
ولهذا يُركز مجلس الدفاع تحديدا على الشؤون العسكرية والقيادة في زمن الحرب.
ويُعد تشكيل المجلس أهم إعادة لتنظيم البنية الدفاعية الإيرانية منذ عقود، وخاصة أن الهجوم الإسرائيلي الأخير كشف عن قصور في التنسيق، وثغرات في الدفاع الجوي، وعجز الأجهزة الأمنية عن الاستجابة بفعالية للضربات على المنشآت العسكرية والنووية.
ويقول المسؤولون: إن الحرب أظهرت أن الهياكل القائمة كانت بطيئة للغاية ومجزأة بحيث لا تتمكن من الاستجابة بشكل فعال للتهديدات الإقليمية والدولية المعقدة، الأمر الذي استلزم إعادة التفكير بشكل أساسي في كيفية تنظيم إيران لأولوياتها الدفاعية.
وحذر القائد العام للجيش الإيراني أمير حاتمي عبر بيان في 3 أغسطس 2025 من أن التهديدات الإسرائيلية “لا تزال قائمة ولا ينبغي الاستهانة بها”.
بينما قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، إسماعيل كوثري، إن المجلس يمكّن من "اتخاذ قرارات أكثر حسما وحزما لمواجهة التهديدات المستقبلية".
وأضاف كوثري خلال تصريحات صحفية في 3 أغسطس، أنه يجب أن "يُصمم لمفاجأة العدو وتحييد التهديدات بضربات في الوقت المناسب".
وضمن هذا السياق، قال الخبير في الشأن الإيراني، علاء السعيد: إن “قرار طهران بالمضي في تشكيل هيئة جديدة تحت اسم مجلس الدفاع كبديل عملي للمجلس الأعلى للأمن القومي لا يمكن قراءته بصفته مجرد تعديل إداري أو إعادة توزيع للصلاحيات داخل بنية النظام”.
وشدد السعيد لـ"الاستقلال" على أن "ما جرى هو تحوّل إستراتيجي جوهري فرضته التحديات الأمنية المتصاعدة والفشل المؤسسي في احتواء الأزمات الإقليمية المتلاحقة".
وأكد أن "توقيت الإعلان ليس تفصيلا ثانويا بل هو مفتاح الفهم الحقيقي لهذا التحول، نحن أمام لحظة تتقاطع فيها عدة مسارات تهديدات إسرائيلية متكررة بعد الحرب الأخيرة إعادة تموضع أميركي في الإقليم اختراقات أمنية داخل العمق الإيراني تعثّر الردع التقليدي الذي طالما اعتمدت عليه إيران".
ولفت السعيد إلى أن "المجلس الأعلى للأمن القومي أُنهك بتشابك الصلاحيات وتعدّد المرجعيات وغدا غير قادر على إنتاج قرار عسكري مركز، خاصة في ظل تضارب المصالح بين الرئاسة ووزارة الاستخبارات والحرس الثوري".
وأردف قائلا: "من هنا جاء مجلس الدفاع ليؤسس لمرحلة مركزة القرار وتوحيد الجبهة العسكرية تحت هيمنة الحرس دون الحاجة إلى المرور بالقنوات المدنية".
وقال السعيد "بحسب ما تسرب من داخل دوائر القرار، فإن المجلس الجديد سيتولى السياسات الدفاعية الكبرى وإدارة مشاريع التسلّح وتوجيه الذراع الإقليمية من طهران إلى صنعاء ومن دمشق إلى بيروت وبغداد لا حديث هنا عن رقابة ولا عن توازن بين السلطات نحن إزاء إعادة إنتاج الدولة الأمنية في صورتها الخام".
واستدرك: "أخشى أن تكون هذه الخطوة مقدمة لمواجهة وشيكة أو لاستحقاق عسكري محتمل تسعى طهران لأن تدخله بجهاز قراري أكثر حسما وأقل تردّدا والمؤشرات تقول إن الملف النووي يعود إلى الطاولة بقوة والمنطقة على حافة التصعيد من جديد".
ورأى السعيد أن "مجلس الدفاع ليس مجرد مؤسسة جديدة بل هو ترجمة عملية لتحوّل خطير في طبيعة النظام الإيراني نفسه من التداخل بين المدني والعسكري إلى هيمنة مطلقة للقبضة الأمنية المسلحة وما بعده قد لا يشبه ما قبله".
تحديات داخلية
وفي الوقت الراهن، باتت إيران تواجه تحديا ثلاثي الأبعاد، تأمين المجال الجوي، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، والتعامل مع الرأي العام، سواء نحو جولة مواجهة جديدة أو تفاوض هش مع واشنطن، مباشرة أو عبر وسطاء بشأن البرنامج النووي.
خاصة أنه في اليوم الحادي عشر من المواجهة، استهدفت إسرائيل عناصر من جهاز الأمن الداخلي، مثل الباسيج والحرس الثوري، وسجن إيفين، في رسالة تحذيرية للنظام الإيراني.
في المقابل، تواصل الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات شملت مئات بتهم التعاون مع استخبارات أجنبية.
وكثّفت أجهزة الأمن الإيرانية في الأسابيع الأخيرة اعتقال مواطنين وحتى أجانب بتهم تتعلق بـ"الاختراق والتجسس".
وأعلنت عن اعتقال 700 شخص يشتبه بانخراطهم في أنشطة تجسسية لصالح إسرائيل، كما ضُبط أكثر من 10 آلاف طائرة مسيرة انتحارية داخل العاصمة طهران.
لكن ومع تعمق التحقيقات حول وجود الجواسيس، اكتشفت إيران أن جذور الكارثة قد لا تكون نابعة من الداخل بالكامل مع وجود جهات خارجية تساعد إسرائيل على تحقيق الاختراقات كذلك.
وتعمل إيران على التركيز على مراجعة داخلية شاملة، من أعلى المستويات إلى أدناها، لسدّ الثغرات في جميع القطاعات.
ولا سيما أن تقارير صحفية تحدثت أن جهاز الموساد الإسرائيلي جند موظفين في الجمارك الإيرانية وسلاسل الإمداد واللوجستيات؛ لتهريب بطاريات طائرات مسيّرة مفككة داخل حقائب وأغراض شخصية لتجاوز الفحص الجمركي.
وقد بدا واضحا أن النظام الإيراني يعاني أزمات جوهرية مثل الفساد، والمحسوبيات، وتغلغل أجهزة استخبارات أجنبية -خاصة الإسرائيلية- إلى أعمق المستويات القيادية.
ويشير المحلل السياسي في قناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة، مراد ويسي، إلى أن تشكيل مجلس الدفاع الجديد "لا يهدف إلى حماية الشعب بل لحماية النظام ومنع سقوطه، حيث إن صدمة النظام في الحرب الأخيرة، قللت من ثقة خامنئي بقادة الجيش والحرس، ويسعى حاليا لإنشاء هياكل جديدة فوق رؤوسهم".
وأضاف ويّسي للقناة أنه "لا يمكن حل مشكلة ضعف إيران أمام أميركا وإسرائيل بمجرد تشكيل مجلس دفاع.. المشكلة تكمن في عدم توازن القوى، وتفوق الولايات المتحدة وإسرائيل في المجالات العسكرية والاستخباراتية لن يُعالج بهيئات جديدة".