حال فشل عملية السلطة الفلسطينية في جنين.. سيناريوهات انهيار حكم عباس
حركات المقاومة في جنين وباقي أنحاء الضفة الغربية لها جذور عميقة
مع تكثيف السلطة الفلسطينية عمليتها العسكرية ضد المقاومة في جنين، يحذر خبراء من أن ضعف قبضتها قد يخلق فراغا خطيرا في الضفة الغربية.
وتثير حملة القمع -التي تشنها السلطة الفلسطينية في جنين- المخاوف بشأن انهيارها المحتمل، بحسب زميل منتدى الشرق الأوسط، والمحلل السياسي والكاتب المقيم في المغرب، أمين أيوب.
وقال "أيوب"، في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية: "مع تصعيد السلطة الفلسطينية حملتها ضد المقاتلين الإسلاميين في جنين، تتزايد التحذيرات من انهيارها الوشيك".
نقطة تحول
وحذر من أن هذا السيناريو "قد يتسبب في اضطرابات بالمنطقة، مما يمثل نقطة تحول حاسمة ليس فقط في الساحة السياسية الفلسطينية، بل أيضا لأمن إسرائيل".
وأضاف أنه "مع تراجع قيادة محمود عباس وفقدان السلطة الفلسطينية شرعيتها بين شعبها، يجب على إسرائيل الاستعداد لحقبة جديدة".
وفي عالم ما بعد عباس، قد ينهار توازن القوى الهش بالضفة الغربية مما يخلق فراغا خطيرا في السلطة، مع تداعيات واسعة النطاق على إسرائيل والمنطقة بأسرها.
وأردف الكاتب أن "العملية العسكرية التي بدأتها السلطة الفلسطينية في جنين، في ديسمبر/كانون الأول 2024، تهدف إلى قمع النفوذ المتزايد للمتشددين الإسلاميين في المدينة"، في إشارة إلى كتيبة جنين العسكرية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.
وكان لافتا في بيانات أجهزة السلطة الأمنية توصيف قوى المقاومة بأنها "فئات خارجة عن القانون تستهدف السلم الأهلي وتنشر الفوضى والاضطراب" وأن هدف الحملة "إنهاء الفلتان الأمني".
وقال المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطيني أنور رجب إن "كل هذه الإجراءات والسياسات (مقاومة الاحتلال) تقوض عمل السلطة، وهذه الجماعات تعطي إسرائيل ذريعة لتنفيذ خططها في الضفة الغربية".
وتصاعدت الأحداث بعد أن قتلت قوات الأمن ثلاثة أشخاص: القيادي في كتيبة جنين يزيد جعايصة وشاب يبلغ من العمر 19 عاما كان يسير على دراجة نارية، وفتى بعمر 14 عاما، خلال اقتحامها مخيم المدينة في 14 ديسمبر.
لكن بعد نحو أسابيع من الحملة، لا يزال المقاومون يتجولون في مخيم جنين رغم حصاره وقطع الخدمات عنه، في وقت تدوي أصوات إطلاق النار ليلا ونهارا.
بدوره، ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي أن هذه العملية الأمنية تُعد حاسمة لمستقبل السلطة، وتشكل رسالة للرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
وأفادت المصادر بأن مساعدي عباس أبلغوا مسبقا إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ومستشاري ترامب بالحملة العسكرية على جنين. كما اجتمع المنسق الأمني الأميركي، مايك فنزل، بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.
كذلك، طلبت إدارة بايدن من إسرائيل الموافقة على تقديم المساعدة العسكرية الأميركية لأجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، بهدف دعم العملية الواسعة التي تنفذها هناك.
وأشار الموقع إلى أن "عباس" أصدر أوامره لقادة الأجهزة الأمنية بتنفيذ عملية السيطرة على جنين ومخيمها، إلا أن بعضهم أبدى تحفظات، ما دفع رئيس السلطة إلى التهديد بفصل كل من يخالف الأوامر.
"وقد أدى هذا القمع إلى تصاعد استياء السكان الفلسطينيين، مما يقود إلى تقويض حكم السلطة الفلسطينية"، وفق الكاتب.
والآن تواجه السلطة ضغوطا متزايدة، لموازنة تعاونها مع احتياجات إسرائيل الأمنية من جهة، والحفاظ على مكانتها بين شعبها من جهة أخرى.
تآكل الشرعية
ويرى الكاتب أن "فشل السلطة في تأمين السلام الدائم أو الاستقرار في المنطقة، أسهم في تنامي حالة عدم الرضا بين الفلسطينيين، الأمر الذي صعّب عليهم النظر إليها بصفتها مؤسسة حاكمة لها شرعيتها".
وشدد على أن "الآثار المترتبة على هذا الوضع عميقة بالنسبة لإسرائيل، ففي حين دعمت عمليات السلطة للحد من العنف المتصاعد (المقاومة) واحتواء التشدد الإسلامي، فإن هناك مخاوف كبيرة بشأن قدرة عباس على الاستمرار كشريك أمني موثوق لها"، وفق وصفه.
وقال: "حقيقة أن السلطة الفلسطينية في جنين لم تتمكن من القضاء على التنظيمات المسلحة في المدينة، تسلط الضوء على الطبيعة الهشة لحكمها".
هذا الضعف المتزايد يفتح الباب أمام جماعات عديدة بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس، لاستغلال الوضع وملء الفراغ الذي تخلفه السلطة الفلسطينية الضعيفة.
وأردف أن "استمرار تراجع سلطة عباس سيدفع إسرائيل إلى وضع، تكتسب فيه حركات مثل حماس أو الجهاد الإسلامي، القوة والنفوذ بالضفة الغربية".
وأكد أن "هذا من شأنه أن يخلق تهديدا أمنيا مباشرا لإسرائيل، حيث تؤكد هذه الحركات مرارا على هدف تدمير الدولة اليهودية".
ويحاجج بعض المحللين بأن حملة عباس القمعية هي محاولة لإظهار أهمية سلطته، خاصة في نظر المجتمع الدولي، والولايات المتحدة بالتحديد.
"ولكن هذه الإستراتيجية بمثابة مقامرة خطيرة، فمن خلال استخدام القوة ضد المقاتلين الفلسطينيين، تحاول السلطة إثبات قدرتها على بسط السيطرة، لكن من المستبعد أن يؤدي هذا النهج إلى استقرار طويل الأمد".
وأشار إلى أن حركات المقاومة في جنين وباقي أنحاء الضفة الغربية لها جذور عميقة، وأن جهود السلطة لقمعها لم تتمخض عنها نتائج كبيرة.
وهذا يشير إلى قضية أوسع، وهي أن قدرة السلطة على إبقاء سيطرتها في مواجهة المعارضة المتزايدة، أصبحت موضع شك متزايد.
وقال: "إن إسرائيل لديها مصلحة راسخة في دعم الجهود الأمنية للسلطة، ولكن هذا لن يكون كافيا لضمان استقرار الضفة الغربية على المدى البعيد".
وأردف أن "الفشل في تفكيك الجماعات المسلحة بشكل حاسم يشير إلى أن حكم السلطة الفلسطينية متعثر".
الاستعداد للأسوأ
وأضاف الكاتب المغربي أن "عدم قدرة السلطة على الحفاظ على قبضتها، من شأنه أن يؤدي إلى خلق تربة خصبة لازدهار الجماعات المتطرفة"، وفق تعبيره.
ولذلك يعتقد أنه "يتعين على إسرائيل أن تستعد لأسوأ السيناريوهات، إذ إن الانهيار الكامل للسلطة الفلسطينية ربما يؤدي إلى صعود قوى سياسية أكثر خطورة، تمثل تهديدا مباشرا للأمن الإسرائيلي".
وشدد على أنه "لحماية مصالحها، يتعين على إسرائيل أن تضع إستراتيجية استباقية في مواجهة الانهيار المحتمل للسلطة الفلسطينية".
ويرى أن هذه الإستراتيجية ينبغي أن تشمل تعزيز التدابير الأمنية الإسرائيلية، لضمان التصدي السريع لأي محاولة من جانب حماس أو غيرها من الجماعات المسلحة للسيطرة على الضفة الغربية، وفق وصفه.
"علاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تنخرط دبلوماسيا بهدف منع الاعتراف الدولي بأي فصائل متطرفة قد تحاول أن تحل محل السلطة الفلسطينية".
وأضاف: "من خلال العمل مع الأصوات الفلسطينية المعتدلة وتعزيز التحالفات الإقليمية، تستطيع إسرائيل أن تساعد في الحد من الآثار السلبية الناجمة عن الانهيار المحتمل للسلطة".
وأكد أن القلق الإسرائيلي إزاء الانهيار المحتمل للسلطة ليس مجرد احتمال نظري؛ إذ إن عدم قدرة الأخيرة على كبح المقاومة في جنين وأماكن أخرى يشير إلى أن أيامها كقوة استقرار في المنطقة قد تكون معدودة، وفق تقديره.
واستطرد بأن "فشل السلطة الفلسطينية في الحفاظ على السيطرة قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الضفة الغربية، حيث تستعد الفصائل لاستغلال الفراغ في الحكم".
ويبدو أن السلطة تحاول تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأميركية الجديدة وإسرائيل معا، عبر العملية الأخيرة لإثبات أنها شريك يمكن الوثوق به، وذلك في ظل التردد والانقسام الإسرائيلي بشأنها.
ومنذ بدء العدوان على غزة، ربطت حكومة نتنياهو عملية طوفان الأقصى بالسلطة الفلسطينية وأكدت أنها "لا تختلف عن حماس في ممارسة الإرهاب" وأنه لن يكون لها أي دور في مستقبل القطاع بعد تنفيذ المهمة.
وهو ما دفع السلطة للسير في مسارات عديدة كان آخرها محاولة لملمة البيت الفتحاوي وتعيين حكومة جديدة بالضفة الغربية للإيحاء بوجود تغيير، وإيجاد حل مع حماس من أجل تنحيتها من إدارة غزة، ولكن دون الوصول إلى نتائج حقيقية حتى الآن.