“القاعدة الصلبة” للنظام الإيراني في أدنى مستوياتها.. هل يواجه خامنئي مصير الأسد؟

"عدد المنتمين إلى القاعدة الصلبة لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص”
سلط إعلام عبري الضوء على الحالة الشعبية للنظام الإيراني الديني، الذي تأسس عام 1979؛ حيث كان يتمتع آنذاك بدعم شعبي واسع من المجتمع.
وأفادت صحيفة "زمان" العبرية، بأن هذا النظام فقد تدريجيا، خلال العقود الأربعة التالية، قاعدته الشعبية الداعمة، وسط مقارنة مآله بمصير نظام السوري المخلوع بشار الأسد.

عوامل إقليمية
فمع حلول الذكرى الـ46 للثورة الإيرانية، ادعى التقرير وجود دلائل جديدة تشير إلى أن “آخر مؤيدي النظام؛ وهم التيار الأيديولوجي المتشدد الموالي للمرشد الأعلى علي خامنئي وللحرس الثوري، بدأوا يديرون ظهورهم للنظام”.
ورأى أنه "لأول مرة في تاريخ الجمهورية، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كان أعضاء (القاعدة الصلبة) -الذين يشكلون الجنود الميدانيين للجهاز القمعي- سيستمرون في الدفاع عن النظام دون شروط إذا اندلعت انتفاضة جديدة أم لا".
وزعم أن "هذه الأسئلة أثارت بالفعل حالة من الذعر في أوساط النخبة العليا في الجمهورية، التي تدرك جيدا أن انهيار المعنويات وتخلي قوات القمع عن بشار الأسد كان السبب الرئيس في سقوط نظام البعث في سوريا".
في هذا السياق، استعرضت الصحيفة أسباب تقلص الدعم الشعبي للنظام الإيراني، متحدثة عن "خيانات" داخلية وعوامل إقليمية تزعزع إيمان "المجتمع العميق" بالنخبة العليا الحاكمة، وتؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستقبل إيران.
وشدد التقرير على أن إيران "اعتمدت، على مدى أكثر من أربعة عقود، على شرائح اجتماعية متداخلة للحفاظ على سلطتها".
مع ذلك، لاحظ أن "الدعم الواسع الذي بدأ عام 1979 انتهى به المطاف إلى (قاعدة صلبة) ضيقة في الوقت الحاضر، حيث فقدت المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران تدريجيا دعم معظم الطبقات التي كانت تمثلها سابقا".
وادعى التقرير أن طهران "فقدت، خلال العقد الأول للثورة، الطبقة الاجتماعية الحديثة".
وعزا ذلك إلى "تطبيق سياسات إسلامية متشددة، في إطار (الثورة الثقافية) التي أطلقها المرشد الأعلى آنذاك، والتي هدفت إلى اجتثاث كل أثر للحداثة والتأثيرات الغربية من المجتمع الإيراني".
وتابع: "ثم اندلعت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات، مما منح الخميني صلاحيات حربية غير مسبوقة مكنته من القضاء على القوى العلمانية التي أسهمت في إسقاط نظام أسرة بهلوي السابق".
تغيرات جوهرية
وفي العقد الثاني، يدعي التقرير حدوث تغيرات جوهرية في المجتمع الإيراني.
وتابع موضحا: "أدت حالة الإرهاق الناتجة عن الحرب، إلى جانب الانفجار السكاني بين فئة الشباب -حيث كان أكثر من ثلثي سكان إيران آنذاك تحت سن الثلاثين- إلى ظهور اتجاه متزايد نحو العلمنة والليبرالية داخل الطبقات الوسطى في إيران".
واستدرك: "لكن القمع العنيف أضعف تدريجيا دعم هذه الطبقات للنظام، وبلغ ذروته عام 2009 بعد تزوير الانتخابات الرئاسية وقمع الاحتجاجات التي أعقبتها، مما أدى إلى فقدان الطبقة الوسطى ثقتها بالكامل في النظام".
وتعتقد الصحيفة أنه "مع منتصف العقد الماضي، بدأت المشاكل الاقتصادية تؤثر لأول مرة على دعم الطبقة العاملة والسكان الريفيين، الذين وصفهم الخميني بـ"طبقة المستضعفين" وكانوا يمثلون "القاعدة الاجتماعية التقليدية للنظام".
وأرجعت عدم قدرة النظام على توفير الاحتياجات اليومية للفقراء الإيرانيين إلى "سوء الإدارة الحكومية والانتشار الواسع للفساد المؤسسي، والصعوبات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية".
وتابعت الصحيفة: “وقد اندلعت موجات من الاحتجاجات في شوارع إيران خلال عامي 2017 و2019، عندما تولى للمرة الأولى قيادة التظاهرات إيرانيون من الطبقة العاملة في مناطق تُعد من معاقل النظام، مثل مدينة قُم ومشهد”.
واستطردت: "وكان قمع هذه التظاهرات من قبل الحرس الثوري، خصوصا عام 2019، حين قُتل نحو 1500 شخص خلال بضعة أسابيع، بمثابة الضربة القاضية، وأدى إلى انقلاب نهائي من قبل (طبقة المستضعفين) على النظام".
وبالتالي، زعمت الصحيفة أن "اعتماد النظام الإيراني على قاعدة دعم ضيقة ومتشددة أيديولوجيا بات واضحا منذ عام 2019 ومع حلول الذكرى الأربعين للثورة، بعد أن كان يحظى سابقا بشعبية واسعة داخل المجتمع الإيراني".
المجتمع العميق
وبحسب التقرير، "هذه القاعدة الشعبية تُعرف باسم (القاعدة الصلبة)؛ وهي فئة من الإيرانيين الذين يدعمون النظام انطلاقا من دوافع أيديولوجية إسلاموية صارمة".
ووفقا له، "يتركز دعمهم على فرض سياسات دينية متشددة داخل إيران وخارجها، والتي يرون فيها تجسيدا للعدالة الإسلامية".
وأوضح التقرير أن هذه السياسات "تشمل فرض الرقابة الأخلاقية داخل إيران، ودعم المنظمات المرتبطة بـ(محور المقاومة) التابع للحرس الثوري، مثل حزب الله وحماس".
إلى جانب “الالتزام بإزالة إسرائيل من الوجود، والعداء الصارخ تجاه الولايات المتحدة، والسعي الحثيث نحو تطوير سلاح نووي، وهي الركائز الأيديولوجية الأساسية للثورة الإسلامية”.
وأشار التقرير إلى أن إيران أنشأت ما يُعرف بـ"المجتمع العميق" لتعزيز هذه القاعدة الصلبة، حيث يمثل مجتمعا موازيا من "المنتمين" لنظام الجمهورية وسط الأغلبية الأخرى، حيث يضطلع هذا المجتمع الموازي بوظائف الدولة ويحظى مقابل ذلك بالرعاية والامتيازات.
وأضاف: "يتجلى التزام هذه الفئة الأيديولوجي في مشاركتهم الطوعية في التجمعات الدعائية التي تنظمها الدولة، وفي تطبيقهم قوانين الأخلاق الإسلامية، مثل فرض الحجاب والإبلاغ عن النساء المخالفات".
واستطرد: "بل ويخرجون أيضا بإرادتهم لقمع الاحتجاجات الشعبية، كما حدث عام 2022، ويُعد أفراد هذه الفئة من أبرز المجندين في صفوف الحرس الثوري ومليشيا الباسيج (شعبية شبه عسكرية) التابعة له".
على الرغم من عدم وجود بيانات رسمية حول عدد المنتمين إلى "القاعدة الصلبة"، تشير التقديرات إلى أن "عددهم لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص، أي ما يعادل حوالي 10 بالمئة من سكان إيران".
ولفت إلى أن هذا التقدير "تدعمه أيضا نسبة الإيرانيين الذين تطوعوا لتلقي لقاح كورونا الذي أنتجه الحرس الثوري بدلا من اللقاحات المعتمدة دوليا، ما يعكس ولاء أيديولوجيا للنظام".
تداعيات خطيرة
وتوقع التقرير أن "يؤدى تآكل دعم القاعدة الأيديولوجية الصلبة إلى تداعيات خطيرة على مستقبل النظام الإيراني".
وأشار إلى أن "خامنئي والحرس الثوري يدركون تماما أن هذه القاعدة، رغم صِغر حجمها الديموغرافي، تُعد العمود الفقري لأجهزة القمع التي تقمع الاحتجاجات الشعبية متى اندلعت".
واستطرد: “في ظل هذا الخطر الوجودي، لم يتأخر خامنئي والحرس الثوري في محاولة احتواء الأزمة، رغم أن خياراتهم محدودة”.
ولاستعادة دعم هذه القاعدة، قد يكون خيار النظام -حسب التقرير- إعادة إحياء السياسات الأيديولوجية المتشددة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
واستدرك: "لكن خامنئي يعلم أن مجال مناورة إيران في الشرق الأوسط أصبح أضيق، مع عودة إدارة ترامب إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على طهران لتقويض قدرتها على تمويل المليشيات التابعة لها".
من جانبه، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح لطهران بإعادة تسليح الفصائل التي أعلنت عليها الحرب بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
ولذلك، رجحت الصحيفة العبرية أن "خامنئي سيسعى لإرضاء القاعدة الصلبة داخليا".
وأضاف التقرير العبري: "فاجأ خامنئي الكثيرين حين نفى إمكانية التفاوض مع ترامب، خلافا لإشارات سابقة فتحت الباب لهذا الاحتمال".
ومع ذلك، يرى أن هذا الموقف "لا يكفي وحده لإرضاء القاعدة الصلبة، فعلى الصعيد الداخلي، ولكسب تأييدها مجددا، سيضطر خامنئي لتشديد تطبيق السياسات الإسلامية الأيديولوجية، خصوصا قوانين الأخلاق الصارمة".
واستدرك: “لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر؛ إذ قد يثير موجة سخط شعبية واسعة ويزيد من احتمالية اندلاع احتجاجات جماهيرية جديدة ضد النظام”.
وتابع: “وهنا يكمن التناقض الحاسم أمام خامنئي: هل يُخفف من تطرف السياسات الأيديولوجية ويُخاطر بفقدان جنود نظامه القمعي؟ أم يُصعّد فينقلب الشارع عليه؟”
واختتم: "كلا الخيارين يُهدد وجود الجمهورية، وقد يضع خامنئي على طريق مماثل لمصير الأسد".